بعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الحرب في السودان، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 15 نيسان/ أبريل الماضي، تدور تساؤلات حول الأوضاع على الأرض، من حيث السيطرة الميدانية لكل طرف، في ظل حرب إعلامية متبادلة، لا تقلّ هوادةً عن الحرب في الميدان.
وتسببت الحرب في نزوح نحو 5 ملايين شخص من مناطق القتال؛ منهم نحو 4 ملايين في الداخل ومليون في دول الجوار، ومقتل نحو 4 آلاف شخص من المدنيين عدا عن آلاف المصابين، فضلاً عن مقتل وإصابة آلاف العسكريين، إلى جانب الخسائر المالية والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمؤسسات العامة والخاصة، بينما لا نهاية قريبة تلوح في الأفق للحرب التي تهدد وجود الدولة السودانية.
تصريحات عسكرية رسمية
في تصريح خاص لرصيف22، قال المتحدث باسم الجيش السوداني العميد ركن نبيل عبد الله، إنّ معظم ولايات السودان آمنة، ما عدا أجزاء من مدن نيالا وزالنجي والجنينة في إقليم دارفور، مع عدم صلاحية مطاري نيالا والجنينة للهبوط؛ لأنهما في مرمى نيران الدعم السريع، نافياً سيطرة قوات الدعم السريع عليهما.
وأضاف أنّ الجيش يسيطر بصورة كاملة على كل قواعده العسكرية بما فيها قاعدة المدرعات، بالإضافة إلى مطاراته الحربية في وادي سيدنا في أم درمان وقاعدة النجومي الجوية في جبل أولياء جنوب الخرطوم. وأقرّ المتحدث باسم الجيش السوداني، بعدم استعادة الجيش لمجمع الصناعات العسكرية "اليرموك"، وقيادة شرطة الاحتياطي المركزي حتى اللحظة.
من جانبه، صرح مصدر من قوات الدعم السريع، تحفّظ على الكشف عن هويته، بأنّ قوات الدعم تنتشر على مساحات واسعة في ولاية الخرطوم، وتحاصر مقر قيادة الجيش منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى احتفاظها بالقدرة على مواصلة الهجوم على بقية المواقع العسكرية في الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان. وحسب ما قال، "تمتلك قوات الدعم زمام المبادرة والقدرة على كسب الحرب".
على المستوى الإنساني، وخلال خمسة أشهر، تسببت حرب السودان في نزوح نحو 5 ملايين شخص من مناطق القتال؛ منهم نحو 4 ملايين في الداخل ومليون في دول الجوار، ومقتل نحو 4 آلاف شخص من المدنيين غير آلاف المصابين
ولايات آمنة وأخرى مشتعلة
وتنقسم دولة السودان إدارياً إلى 18 ولايةً، تدور الحرب في 10 ولايات منها بدرجات متفاوتة، بينما هناك 8 ولايات آمنة تماماً، شهدت في أجزاء من بعضها مناوشات في بداية الحرب فقط، وهي تحت السيطرة الكاملة للجيش السوداني. وتضم الولايات الآمنة التي باتت قبلة اللجوء الداخلي، كلاً من الشمالية، البحر الأحمر، كسلا، القضارف، سنار، نهر النيل، النيل الأزرق، والنيل الأبيض. فيما تنفرد ولاية الجزيرة بوضع خاص، إذ طالتها بعض العمليات العسكرية في جهتها الشمالية المتاخمة لولاية الخرطوم، لكنها تُعدّ آمنةً بنسبة كبيرة في أغلب مساحتها المتبقية.
في المقابل، تُعدّ بقية الولايات مناطق حرب وتشهد عمليات عسكريةً محتدمةً يتبادل فيها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السيطرة، أولها ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث؛ الخرطوم وبحري وأم درمان، وتُعدّ مسرح العمليات الرئيسي لأهميتها الإستراتيجية باعتبارها عاصمة السودان التي تحتضن مرافق الحكم والمطار الرئيسي وكل الوحدات والقواعد العسكرية الأساسية للجيش.
بعيداً عن الخرطوم، تُعدّ ولايات وسط السودان في إقليم كردفان الذي يضم ثلاث ولايات؛ شمال كردفان وجنوبه وغربه، وولايات الغرب في إقليم دارفور، ويضم خمس ولايات؛ شمال دارفور وجنوبه وغربه وشرقه ووسطه، من أشد المناطق التي تدور فيها رحى الحرب بصورة قاسية، وتشهد انتهاكات واسعةً.
وتنبع أهمية الولايات الثمانية في إقليمَي كردفان ودارفور، من أنها تمثل موطن الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع، حيث تتمركز معظم القبائل التي تمثل المورد البشري الأساسي لتلك القوات في مناطق دارفور، بجانب أنّها الممر الرئيسي لأي إمداد عسكري قادم من ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى، فضلاً عن أهمية موقع ولايات كردفان التي تتاخم ولاية الخرطوم، وتُعدّ بوابةً لها، إلى جانب وجود الحركة الشعبية-شمال، مجموعة عبد العزيز الحلو، في جنوب كردفان، وهي التي دخلت على خطّ الصراع للقتال إلى جانب الدعم السريع.
وفي عواصم تلك الولايات الثمانية، توجد حاميات عسكرية للجيش السوداني، وهي هدف أساسي لقوات الدعم السريع، التي لم تتمكن من السيطرة الكاملة بعد على عواصم تلك الولايات. على سبيل المثال، شهدت مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان معارك عنيفةً، بهدف السيطرة عليها، كونها البوابة الجنوبية لولاية الخرطوم.
ينقسم السودان إدارياً إلى 18 ولايةً، تدور الحرب في عشر ولايات منها بدرجات متفاوتة، بينما هناك ثماني ولايات آمنة تماماً، شهدت في أجزاء من بعضها مناوشات في بداية الحرب فقط، وهي باتت تحت السيطرة الكاملة للجيش السوداني
من يسيطر على الأرض؟
ميدانياً، بدأت الحرب بتفوق واضح للدعم السريع، خصوصاً في ولاية الخرطوم، حيث كانت هذه القوات تناهز 100 ألف مقاتل مدججين بكافة أنواع الأسلحة، ولديهم 10 آلاف مركبة عسكرية. واعترف قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في خطاب موجه إلى جنوده، بأن هذه القوات كانت تساوي عشرة أضعاف قوات الجيش الموجودة في الخرطوم وقتها.
مكّن التفوق العددي والنوعي من حيث خفة الآليات، قوات الدعم السريع من السيطرة على القصر الرئاسي ومحيط القيادة العامة ومطار الخرطوم ومباني الإذاعة والتلفزيون، ومساحات واسعة من العاصمة، خصوصاً في مدينتي بحري وأم درمان ومناطق وسط الخرطوم وشرقها، وتوسعت في مستهل حزيران/ يونيو الماضي، إلى مناطق في جنوب العاصمة عندما احتلت مجمع اليرموك للصناعات العسكرية، لكن الجيش استعاد زمام المبادرة، وتمكن من استعادة العديد من تلك المناطق.
بعد ذلك امتدت سيطرة قوات الدعم إلى مقرّ قيادة شرطة الاحتياطي المركزي، وهي وحدة ذات فعالية قتالية تتبع للشرطة، واتخذت بعد ذلك من جنوب الخرطوم نقطة انطلاق لمهاجمة قاعدة المدرعات العسكرية المنيعة في الضفة الشرقية للنيل. في المقابل، حافظ الجيش على سيطرته على بقية وحداته العسكرية في الخرطوم حتى اليوم، بينما خسر الدعم السريع كافة معسكراته الرسمية كمعسكر طيبة جنوب الخرطوم، ومعسكر صالحة جنوب أم درمان، وأرض المعسكرات شمال الخرطوم، ومعسكر منطقة كافوري في بحري، وبقي تحت سيطرتهم معسكر أنشئ قبيل الحرب بقليل هو معسكر المدينة الرياضية. واستعاضت قوات الدعم السريع عن هذه المعسكرات بإعادة تمركزها وانتشارها في مناطق سكنية ومقار مدنية، وهو ما جلب لها إدانات دوليةً واسعةً.
سيطرة أم انتشار؟
بدوره، رأى أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أسامة عيدروس، أنّ الدعم السريع اتخذ منذ البداية إستراتيجيةً غير صائبة؛ وذلك بالانتشار الواسع في ولاية الخرطوم على مساحة 23 ألف كلم مربع، ما أدى إلى تعطيل ميزة التفوق العددي لتلك القوات، التي كان من بينها 10 آلاف جندي من أصحاب الخبرة في الحروب السابقة.
وأوضح أنّه نتيجةً لذلك فشل الدعم السريع في إسقاط أي منطقة عسكرية داخل ولاية الخرطوم أو القيادة العامة، مما اضطره إلى الانتقال إلى الهجوم على الأسلحة الفنية والمعسكرات ضعيفة الحماية. وبرغم تحقيق بعض النجاحات مثل السيطرة على مجمع اليرموك ومقرّ الاحتياطي المركزي، إلا أنّ ذلك جاء بتكلفة بشرية ومادية كبيرة.
وبحسب عيدروس، تبقى أمام قوات الدعم السريع فرصة لإحداث تحول كبير في معركة الخرطوم، إذا ما سيطر على قاعدة سلاح المدرعات، فحينها سيصعب على الجيش تطهير الخرطوم من قوات الدعم السريع، وسيمثل ذلك تحولاً نوعياً في مسرح العمليات العسكرية قد يمكّن الدعم من اقتحام القيادة العامة وإسقاط المزيد من معسكرات الجيش.
جدير بالذكر أن قاعدة سلاح المدرعات هي القاعدة الأكثر أهميةً للجيش السوداني؛ لما فيها من أعداد كبيرة من الآليات العسكرية الثقيلة والعناصر البشرية المدربة، كما أنّها تمثل القوة القتالية الرئيسية للجيش السوداني. ويجمع الخبراء العسكريون على أن السيطرة على هذه القاعدة المهمة قد تغيّر مجريات الحرب لصالح الدعم السريع بصورة كبيرة، لذلك فمنذ شهر آب/ أغسطس الماضي تحاول قوات الدعم السريع السيطرة عليها في هجمات شبه يومية تخطت العشرين هجوماً.
حلفاء الطرفين
ومع استمرار المعارك، لجأ طرفا الصراع إلى استقطاب داعمين جدد؛ أعلن الجيش عن فتح باب التطوع أمام المدنيين للالتحاق بمعسكرات التدريب، بينما أعلنت قوات الدعم السريع عن انضمام قوات درع الشمال وقوات جبهة تمازج مطلع آب/ أغسطس الماضي للقتال إلى جانبها.
في حديثه إلى رصيف22، قلل الخبير العسكري والأمني اللواء متقاعد أمين إسماعيل مجذوب، من أهمية انضمام درع الشمال وتمازج إلى صفوف قوات الدعم السريع، عادّاً أن ما تم هو انضمام أفراد وليس كامل قوات الحركتين.
وأضاف اللواء مجذوب، أنّ هذه القوات لا تشكل فارقاً عسكرياً على أرض الواقع، وإنما تندرج داخل إطار الحرب الإعلامية والمعنوية، في ما يشبه بيانات انضمام بعض القبائل والعشائر بين الحين والآخر إلى أحد الأطراف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...