منذ أن وصل حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى السلطة في الهند والقومية الهندوسية تطفو وتزداد ظهوراً، وكانت آخر تلك الحالات قد تجسّدت أثناء قمة العشرين المنعقدة في نيو ديلي في 9-10 أيلول/سبتمبر الجاري، حيث جلس رئيس الحكومة خلف شاخصة كتب عليها "بهارات" بدلاً من اسم "الهند" المتعارف عليه رسمياً وعالمياً.
"بهارات" هو الاسم الأصلي للبلاد باللغة الهندية، ويعود ذكره إلى آلاف السنين. ثم جاءت تغريدة على موقع X (تويتر سابقاً) من أحد أعضاء الحزب الحاكم، تصف ناريندرا مودي برئيس وزراء "بهارات". أثار الموضوع جدلاً واسعاً في الهند، بين من عدّ اسم "الهند" جزءاً من إرث الاستعمار البريطاني ورحب بتغيره، ولو تدريجياً أو جزئياً، ومن قال إنه نسف غير مبرر لتاريخ طويل، له ما له وعليه ما عليه.
التجربة التركية وقبلها الفارسية
في نهاية العام 2021 ومن دون سابق إنذار قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخطوة مماثلة، يوم تخلى عن اسم Turkey المتعارف عليه في الغرب واستبدله بلفظ Türkiye الأعمق من الناحية التاريخية والقومية. طلب أردوغان بتغير اسم بلاده في الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، في استمرار واضح لسياسة العودة إلى الماضي التي اتبعها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم قبل عشرين سنة.
في عالمنا العربي، وعلى الرغم من تغير أسماء كثير من الدول على مدى القرن العشرين، إلا أن نقاشاً عميقاً حول الدلالات التاريخية والعواقب لم يحدث
يومها أطلق على سياسته عبارة "العثمانية الجديدة"، وكانت تهدف إلى استعادة إرث العثمانيين الاقتصادي والثقافي والسياسي والعسكري في بلاد كانت قبل 100 عام ونيف، جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. الرئيس التركي، مثله مثل رئيس حكومة الهند، كان ينظر إلى الوراء عند اتخاذه قرار التغير، عكس شاه إيران، رضا شاه بهلوي، الذي قرر تغير اسم بلاده في آذار/مارس 1935 من "فارس" إلى "إيران"، معتبراً أن الاسم الجديد أكثر تجديداً وتماشياً مع السياسات الإصلاحية التي قام بها منذ استيلائه على الحكم بانقلاب عسكري سنة 1921.
ومنها طبعاً قراره الشهير بحظر "الشادور" وفرض القبعة على الرجال. عدّ الشاه أن اسم "فارس" التاريخية مرتبط بعصر أسلافه من سلالة القاجار، الذين أغرقوا البلاد بديون مخيفة وحروب لا منتهية. عده أكثر شرقية من "إيران" وقال إن "بلاد فارس" كانت ترمز إلى الماضي وبات على شعبه من الآن فصاعداً أن ينظر إلى المستقبل.
بين فلسطين ومصر وأرض الحجاز
أما في عالمنا العربي، وعلى الرغم من تغير أسماء الكثير الدول على مدى القرن العشرين، إلا أن نقاشاً عميقاً حول الدلالات التاريخية والعواقب لم يحدث. لم يُستشر أحد ولم تُستفت شعوب المنطقة بالأسماء المتنوعة التي فرضت على الدول التي ظهرت تباعاً بعد سقوط الحكم العثماني مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
أشهر التغيرات طبعاً وأكثرها ألماً وإهانة كان في فلسطين يوم احتلالها ونسف اسمها من على خارطة العالم سنة 1948، لتعود وتظهر باسم "دولة فلسطين" إبان التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993.
أشهر التغيرات وأكثرها ألماً وإهانة كان في فلسطين يوم احتلالها ونسف اسمها من على خارطة العالم سنة 1948، لتعود وتظهر باسم "دولة فلسطين" إبان التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993.
ولكن حتى هذه التسمية على جزء من فلسطين لم تدُم، وباتت اليوم فلسطين "ثانية" في قطاع غزة، تحكمها حركة حماس، وبعض الغربيين يشيرون إلى سكانها على أنهم Gazans وليس Palestinians، وكأنهم دولة مستقلة بالفعل، لا علاقة لهم ولا ارتباط بالدولة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية.
وهذا طبعاً يضاف إلى تغير أسماء القرى والبلدات الفلسطينية وفرض أسماء عبرية عليها منذ سنة 1948، لتصبح بئر السبع "Beer Sheva" وأم رشراش "Eilat".
أما أرض الحجاز فقد أُعلنت دولةً سنة 1916 باسم "مملكة الحجاز"، يقودها الشريف حسين بن علي من مكة المكرمة.
وبعد سقوط حكمه على يد قوات سلطان نجد عبد العزيز آل سعود، شُطب اسم "مملكة الحجاز" من التداول وأزيل من أروقة عصبة الأمم ليحلّ مكانه اسم "مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها" الذي تحول بعدها إلى "المملكة العربية السعودية".
أما مصر، أكبر الدول العربية وأكثرها ثقلاً من الناحية السياسية، فكانت تعرف بسلطنة مصر حتى سنة 1914، فتحول اسمها آنذاك إلى "المملكة المصرية" وبقي حتى سنة 1953، يوم سقوط الملكية وتأسيس الجمهورية بعد أشهر من الإطاحة بحكم الملك فاروق.
جماهيرية الأخ معمر
جرى نفس التغير على اسم "المملكة العراقية" عند الإطاحة بنظامها الملكي بعد مصر بأربع سنوات، وعلى "المملكة الليبية" التي قرر العقيد معمر القذافي تغيره إلى "الجمهورية العربية الليبية" إبان انقلابه على الملك إدريس في الفاتح من أيلول/سبتمبر سنة 1969.
وبعدها بثماني سنوات، وعلى طريقته الدرامية التي عرف بها القذافي، اتخذ اسماً أكثر راديكالية وتطرفاً وغرابة، ليس له مثيل في العالم كله، هو "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية". وبعد الغارة الأمريكية على ليبيا في 14 نيسان/أبريل 1986، أضاف القذافي كلمة "العظمى"، لأن ليبيا في عهده تحدّت دولة عظمى وباتت بنظره "عظمى" مثلها.
أما مصطلح "الجماهيرية" فكان من أفكار القذافي المطروحة في كتابه "الأخضر"، وبعد سقوطها ومقتله سنة 2011، بات الاسم الرسمي إلى اليوم "دولة ليبيا".
بين إمارة شرق الأردن والمملكة الأردنية الهاشمية
في الأردن كانت البداية مع دولة "مؤقتة" مُنحت للأمير عبد الله بن الحسين في مطلع العشرينيات، لتثنيه عن التقدم عسكرياً نحو سوريا ومحاربة الفرنسيين الذين أسقطوا حكم أخيه الملك فيصل الأول سنة 1920.
قبِل الأمير بإمارة شرق الأردن على مضض، وحاول جاهداً التوسع نحو سوريا وفلسطين، وفي سنة 1946 حول الإمارة إلى "مملكة"، وأطلق عليها اسم "المملكة الأردنية الهاشمية" ونصب نفسه ملكاً عليها.
وإذا عدنا إلى مصر، نجد أنها وبعد "المملكة المصرية" أصبحت تعرف باسم "جمهورية مصر العربية" ثم "الجمهورية العربية المتحدة" في زمن الوحدة مع سوريا، وهو الاسم الذي قرر الرئيس جمال عبد الناصر الاحتفاظ به بعد انقلاب الانفصال سنة 1961، لكي يقول للشعب العربي –وللسوريين بالتحديد- إنه يبقى متمسكاً بالوحدة. وظلّ هذا الاسم قائماً إلى سنة 1971، عندما جاء خليفته الرئيس أنور السادات، وأعاد اسم "جمهورية مصر" إلى التداول الرسمي.
ستة أسماء لسوريا في أقل من 100 عام
لعل سوريا هي البلد العربي الذي نال النصيب الأكبر من التغير في اسمه الرسمي؛ فبعد سقوط الحكم العثماني سنة 1918 أُسست بدمشق حكومة عربية تحول اسمها إلى "المملكة العربية السورية" يوم تتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها في 8 آذار/مارس 1920.
لعل سوريا هي البلد العربي الذي نال النصيب الأكبر من التغير في اسمه الرسمي؛ فبعد سقوط الحكم العثماني سنة 1918 أُسست بدمشق حكومة عربية تحول اسمها إلى "المملكة العربية السورية"
سقطت "المملكة" بعد أربعة أشهر فقط، يوم فرض الانتداب الفرنسي على سوريا، وقسّمت البلاد إلى دويلات حتى سنة 1923، يوم قرر الفرنسيون خلق نظام فيدرالي في البلاد باسم "دولة الاتحاد السوري" الذي جمع بين دويلات دمشق وحلب وجبل العلويين، وكانت عاصمته في البداية حلب، وليست دمشق.
انتخب صبحي بركات رئيساً لهذه "الدولة" وبات يعرف باسم "رئيس دولة الاتحاد"، ولكن الفرنسيين عادوا وتخلوا عن الفيدرالية لعدم نجاحها، وأسسوا "دولة سوريا" في 1 كانون الثاني/يناير 1925. تحول صبحي بركات من "رئيس دولة الاتحاد" إلى "رئيس الدولة السورية" قبل أن يستقيل في نهاية العام 1925.
وفي سنة 1932، كان التغير الرابع يوم إعلان "الجمهورية" في سوريا وانتخاب محمد علي العابد رئيساً لها. بقي اسم "الجمهورية السورية" قائماً حتى سنة 1958 عند دمج سوريا مع مصر وتحول اسمهما إلى "الجمهورية العربية المتحدة". هنا أصبح اسم سوريا "الإقليم الشمالي" لغاية وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول/سبتمبر 1961.
حكام سوريا الجدد تعرضوا لحملة تشهير ممنهجة من عبد الناصر، الذي اتهمهم بالعمالة للغرب ومعاداة العروبة، فقرروا تغير اسم بلدهم من "الجمهورية السورية" إلى "الجمهورية العربية السورية"، وهو الاسم الرسمي القائم حتى اليوم. وبذلك تكون سوريا قد عرفت ستة أسماء في أقل من 100 عام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يوممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم