شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
متحف فيروز… من أجل وطن نحلم به أو لنتذكر فحسب؟

متحف فيروز… من أجل وطن نحلم به أو لنتذكر فحسب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتاريخ

الثلاثاء 18 فبراير 202512:15 م

"بحبك يا لبنان، يا وطني بحبك..."

كلمات كتبها ولحنّها الأخوين الرحباني، لتغنيها فيروز، غامرةً المسرح اللبناني بصوت يحمل بين طياته الحنين للوطن. أجل، يمكننا أن نحنّ لوطنٍ نجول شوارعه كلّ يومٍ، لوطنٍ نحيا فيه مرةٍ ونموت كلّ مرة. فهل الحنين مكتوب للمغتربين فقط؟ ماذا عن أولئك الذين اغتربوا في وطنهم؟ 

جميعنا نملك في ذاكرتنا لبنان مختلفاً. بالنسبة لفيروز، فكان لبنانها بعيداً كل البعد عن المثالية، حين صدحت بـ "بحبك يا لبنان" لم تكن تنشد للبنان مثالي، بل أشبه بحب الأم لابنها. هذا هو لبنان الذي سكن في ذكريات الفنانة العظيمة فيروز، وهذا هو لبنان الذي غنّت له دائماً.

واليوم، مع الحديث عن تحويل بيت فيروز القديم في زقاق البلاط إلى متحفٍ يحكي قصص تلك السيدة التي ترعرعت بين لحن وموسيقى، نطرح السؤال التالي:

هل يمكن لمتحف فيروز أن يعيد ذاكرة الوطن، لعلّه يصبح بوابة لاسترجاع لبنان الذي تغنّت به دوماً؟ قطعاً المتحف هو تكريم لفنّها العظيم العالق بوجدان كلّ لبناني، مع ذلك عميقاً، يرجو بعضنا أن يجد داخل ذلك المتحف" بيروت"، العاصمة المعلّقة بين الأغاني. لكن لربما نحن نبحث عن مدينةٍ تغيّرت معالمها بفعل الزمن، تماماً كما تغيّرت أحلام قاطنيها.

هل يمكن لمتحف فيروز أن يعيد ذاكرة الوطن، لعلّه يصبح بوابة لاسترجاع لبنان الذي تغنّت به دوماً؟

ما بين تكريم وحنين 

فيروز، اسم يقطن صباح كل لبنانيّ. كانت ولازلت صوت لبنان الصادح والذي رفرف عالياً بجانب العلم. كفكفت بين كلماتها الملحنّة وطناً أشبه بالحلم، فلم يكن مجرّد شارع أو حجر.

فنانة كشخصها يجب أن تكرّم، ولربما المتحف هو أقل ما يمكن للدولة اللبنانية أن تقدمّه لها. إعادة إحياء تلك الأحجار بمثابة إعادة إحياء ذاكرة تم إطفاؤها بحجة" الزمن ما بيرجع". أجل الزمن لا يعود، لكن ذكرياته تطرق أبوابنا عنوةً لتذكرنا بالماضي الجميل.

لكن ذلك لا يمنعنا عن السؤال: هل المتحف سيكون شبيهاً لفيروز، نابضاً بالفن والموسيقى؟ هل ستحكي كلّ زاوية عن ماضٍ؟ وهل ستخبرنا أركانه عن تاريخ تلك الفنانة العظيمة؟ لربما بعض الحكايات ستروى عن بيروت الراسخة في ذاكرة فيروز.

بيروت التي غنّتها فيروز 

" لبيروت، من قلبي سلام لبيروت..."

فيروز غنّت لبيروت تحت وطأة الحرب، لم تكن مجرد أغنية رثاء بل وعدٍ قطعته الفنانة لبيروت التي وإن انطفأ وهجها ستبقى معلّقة فوق أعمدة الذاكرة.

لكن بيروت التي ترعرعت داخل أغنيتها تغيّرت. تلك المدينة النابضة بالفن والمسارح والأدب، أمست بؤرةً تستقطب الأزمات والحروب والنزاعات.

لكن أليس هذا هو حال لبنان دائماً وعلى مدى عقود؟ تنام بيروت كلّ ليلة على نشرات الفساد، ثم تستيقظ كلّ صباحٍ على أخبار الأزمات.

لم تكن فيروز تتجاهل لبنان الحزين، المدمّر واليائس، فلبنان القابع في ذاكرتها يجسد صورة الوطن الذي نجى مراراً وتكراراً من أحداث مأساوية.

لم تكن فيروز تتجاهل لبنان الحزين، المدمّر واليائس. فلبنان القابع في ذاكرتها يجسد صورة الوطن الذي نجى مراراً وتكراراً من أحداث مأساوية.

ذاكرة الحجر أم ذاكرة فيروز؟ 

لوهلةٍ تبدو فكرة المتحف كمحاولة للإمساك بالذاكرة وسحبّها نحونا كي لا تنسى. الذاكرة التي كانت جزءاً من الوطن! فيروز ترعرعت داخل ذلك البيت، ثم ترعرع وطن كامل داخلها.

لذا لربما اليوم تقدم لنا الفرصة كي نطلّ من النافذة على لبنان من منظورٍ آخر يختلف عن منظورنا. سيكون مزيجاً ما بين ثقافة وفن وحنين، تماماً كما تراه فيروز.

مع ذلك عميقاً نتمنى أن يكون المتحف أكثر من مجرّد عرض مقتنيات فنانتنا، أي أكثر من مجرّد ذاكرةٍ يرويها الحجر. ما تحتاجه الثقافة اليوم هو فتحِ المجال أمام إرث لبنان الفني لعلّنا نبصر الهوية اللبنانية التي كتبها الرحباني وغنّتها فيروز.

هل يرث الجيل الجديد أغاني فيروز ؟ 

أغاني فيروز تطلّ على الجيل الجديد في الصباحات، بعضنا لا يعرفها أكثر من فنانة ترافقنا إلى العمل صباحاً أو تؤنس كوب قهوتنا، لذا سيكون المتحف محطة تاريخية لنا، تحكي عن فيروز لم نعرفها قط، عن نجمة فنية وصلنا من وهجها القليل، والنجوم لا تندثر.

هنا يأتي التحدي، بتقديم متحف يكون أكثر من ذكرى، فالأجيال الجديدة لا تحمل ذكريات حول فيروز. أي أبعد قليلاً من ذكرى جميلة وأقرب قليلاً إلى تجربة حيّة تسمح لنا بإحياء الذاكرة.

هل يعيد متحف فيروز وطناً حلمنا بهِ؟ 

لربما المتحف لن ينشأ لبنان جديداً، بل سيعيد إلينا حلماً موجوداً في أغاني فيروز. لن يتغير الواقع الذي نعيشه اليوم، لكنه قطعاً سيكون قطاراً يأخذنا إلى الماضي، يعرّفنا عن لبنان سمعناه فقط في حكايات أجدادنا، أولئك الذين عرفوا فيروز.

لربما يكون المتحف فرصةً كي نحلم من جديد، نحلم بصورة لبنان في ذاكرة الرحباني، صورة نحب رؤيتها في بلدنا، وأخيراً لربما سنجد فيه جزءاً من أنفسنا، ذلك الجزء الذي لا يزال يؤمن بلبنان، رغم كل شيء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image