شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
التانغو جعلني اجتمع بعلي الحقيقيّ

التانغو جعلني اجتمع بعلي الحقيقيّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأحد 17 سبتمبر 202311:15 ص

أقولها اليوم: كلّ ما وصلت إليه الآن كان نتيجة لرحلة مليئة بالتحديات كان عليّ أن أخوضها وأن أنفذَ عقدي الروحيّ، لأنني حين أضلّ الطريق تضلّ الحياة طريقها عني أيضاً، كان لزاماً عليّ أن أخوض كل هذه التجارب لأصل إلى مكاني حالياً، ولأصل إلى شريكي الحقيقي الذي كانت روحي تبحث عنه من أعوام.

حين رأيت التانغو الأرجنتينيّ لأول مرة، كان ذلك في المسلسل التركي "العشق الممنوع". لفتني ذلك كثيراً، وأعجبت به جداً، وتمنيت لو أنني أستطيع الرقص يوماً ما، ولكن مجتمعي وبيئتي لا يسمحان بذلك، ولا يتقبل معنى الرقص.

إنهم لا يفهمون بتاتاً اللغة التي يُعبّر بها الراقص، وبالأخص التانغو: مليء بالشجن، رومانسيّ، عاطفي، إنه محاكاة لمشاعرنا بطريقةٍ صامتة. التانغو يتكلم ويبكي ويفرح ويحتضن ويتألم من خلال تعبير الجسد. إن مجتمعي لم يكن سيفهم إطلاقاً بأن التانغو أعمق بكثير من تقارب جسدين، أعمق من تلامس بسيط، أعمق من أن يمكنني وصفه، ولذلك حلمت كثيراً بأنني سأرقص، ولكن الحياة بأكملها تمنعني عن ذلك، حجابي يمنعني عن ذلك، مجتمعي يرفض ذلك، ربما يعتبرون الرقص ممارسة ساقطة أو عهراً، ولم أكن حينها بقوة تسمح لي بالدفاع عن رغبتي. لن يفهمني أحد حين أشرح لهم عن مشاعري الغريبة تجاه التانغو الأرجنتيني، على الرغم من رُقي التانغو، إلا أن هذا المجتمع يحتوي على كثير من الأمراض النفسية والعُقد المكبوتة التي ترى في الراقصات جسداً عاهراً لا أكثر، فهناك ذكور ترقص التانغو وتدّعي التحرّر، إلا أن زوجاتهم يرتدين النقاب.

حلمت كثيراً بأنني سأرقص، ولكن الحياة بأكملها تمنعني عن ذلك، حجابي يمنعني عن ذلك، مجتمعي يرفض ذلك، ربما يعتبرون الرقص ممارسة ساقطة أو عهراً، ولم أكن حينها بقوة تسمح لي بالدفاع عن رغبتي

يا للمعادلة الغريبة، في هذا المجتمع تجد المتخلّف والمتعصّب ومدعي التحرر والمكبوت، وتجد الراقي والشغوف بالرقص بشكل حقيقيّ، والزائفون يتساقطون، والحقيقيون يستمرون بالرقص.

 ولو كانوا قلّة قليلة هذه الفئة الحساسة والشغوفة، إلا أنّ هناك سبباً ما يدفعني للغياب عن العالم حين أفكر بالرقص، وحين أشاهد أحداً يرقص، أتمنى لو أنني أرتدي فستان التانغو برباطات ظهرٍ مفتوح وشقة طويلة من أعلى الفخذ، وحذاء التانغو المخصص للرقص، وأن أرفع شعري عن كتفيّ بتسريحةٍ ناعمة.

تمنيت ذلك لكنني قاومت لأنني أضعف من الاعتراف به، ولكن وعدت نفسي بأنني يوماً ما، حين أتحرّر من الحجاب، سأسجل في مدرسة الرقص. لقد مرت أعوام وتابعت حياتي بشكلٍ طبيعيّ وأنا أتخبط بين تجربةٍ وأخرى، والغريب أني كلما حاولت النوم ليلاً، أرى صورة مظلمة لشخصين يرقصان التانغو، وأذكر أنني على هذه الحالة منذ زمن بعيد، وقبل رؤيتي لرقصة سمر ومهند في "العشق الممنوع"، بالفعل إنني أرى رقص التانغو كلما حاولت إغماض جفني، وأشاهد ذلك في مخيلتي حتى أنام.

سجلتُ في دورة مسرح تفاعلي، والتقيت هناك بأشخاص من بيئات مختلفة، وأحد الأشخاص ويدعى يامن، كان يرقص التانغو.

استمرت الدورة 5 أيام، وتمت أحاديث عدة بيني وبين يامن، وأخبرته بأنني أحب التانغو جداً، وشجّعته كثيراً على استمراره بالرقص. انتهت الدورة وبعد عدّة أسابيع أرسل لي يامن مقطوعة تانغو شهيرة على واتس أب، بالفعل كانت ساحرة! انجذبت لها كثيراً وكأنّ روحي تستمع إلى شيء تعرفه وتحبه كثيراً، أحببتها لدرجة أنني وضعتها كمنبه صباحيّ على هاتفي.

حادثني يامن عن عشقه للتانغو وعما يشعر به حين يرقص، وبأنه يوماً عن يوم يكتشف المزيد من المقطوعات الرائعة. قال لي: "يجب علينا أن نرقص، أنتِ أكثر من يستحق خوض هذه التجربة لأن روحك تدفعك لذلك". أجبته: "أتمنى ذلك".

مرّ عامان بعد ذلك، ولم أسمع شيئاً عن يامن، كنت قد وضعت "story" لرقصة جميلة جداً، فقام بالرد عليها وأخبرني بأنه يجب علينا أن نرقص لأنه سيسافر بشكل نهائي، بالفعل ذهبت إلى نادي الرقص ورقصنا، وأنا لا أفقه شيئاً بالتانغو أو الخطوات.

الغريب في الموضوع أنني رقصت كما لو أنني أجيد الرقص عشرات المرات من قبل. أخبرني بعد انتهاء الرقصة بأنني مجتهدة جداً، وبأن استجابتي للحركات أسرع بكثير من طالبات النادي، وبأنني أرقص باللاوعي أشياء لم أتعلمها من قبل.

ذهب يامن وقد أدّى رسالته لي: لقد أعطاني طرف الخيط نحو طريقي للتانغو. إلا أنني لم أستمع، تابعت حياتي وتخبّطت في تجارب مؤلمة، وفي آخر تجربة اضطررت للتخلي عن أحدهم لأنه رفض التانغو. بالفعل لم أسأل عن ذلك، لأنني تحرّرت من الحجاب بصعوبة، والآن جاء وقت الاستماع لصوت روحي والذهاب إلى التانغو.

حين أشاهد أحداً يرقص، أتمنى لو أنني أرتدي فستان التانغو برباطات ظهرٍ مفتوح وشقة طويلة من أعلى الفخذ، وحذاء التانغو المخصص للرقص، وأن أرفع شعري عن كتفيّ بتسريحةٍ ناعمة

لقد كنت مصرّة جداً بأنني سأختار التانغو، وسأتخلى عن كل من يقوم بتخييري بينه وبين التانغو.

سجّلت وواظبت على الدروس باستمرار، لم أكن أغيب عن أيّ حصة، وكان التانغو بمثابة حبل نجاة بالنسبة لي. عبّرت به عن الفوضى التي تكمن في داخلي، وأخيراً لقد وجدت طريقة غير الكتابة لأعبر بها عن ألمي وفرحي وجنوني.

في الوقت الذي كنت أحاول به تجاوز خيبتي السابقة، كان للتانغو دور كبير، لأنه الشيء الوحيد الذي استمريت به.

هناك رقصاتٌ تعيشُ بها حياةً كاملة لمجرد دقائق، يعبرُ الآخر من خلالك، تمنحُهُ مساحةً ليتسللَ إلى هالتِك،  تتبادلان طاقةً غريبة بشكلٍ صامت، والأقوى يُعدي الآخر.

وبعد مرور 6 أشهر من محاولات التشافي النفسي وحب الذات ورفع القيمة الذاتية ورفع الاستحقاق، التقيت بشخص في التانغو يدعى علي، كان صديق الكوتش، ظهر بكاريزما غامضة، بجسد ضخم وملامح حادة، ونظرات ثاقبة، وكأنه رجل مخيف وقويّ جداً، ولغة جسده غريبه. إنه يبثّ طاقة شجاعة وسلطة وقوة بمجرد حضوره، له هالة ملفتة جداً، شعرت بطاقة ذكورية عالية، وفي الوقت ذاته لطيف وراقٍ جداً بتعامله مع النساء. لقد استغربت شخصيته وتناقض طباعه لأنني لمستُ بطريقتي جانباً عاطفياً جداً، إلا أنه يتناقض مع هالته الخارجية، وقلت في داخلي: "الله أعلم مين هاد، ما وجهو وجه تانغو أبداً!".

ضاعفتُ عدد الحصص التي آخذها ليكون وقتي ممتلئاً تماماً، وبصدفةٍ مُخطط لها وبتكتيك ذكي جداً من علي؛ أصبحت أتدرّب التانغو أنا وعلي في حصص خاصة، ونذهب بعدها مع عدة أشخاص إلى كافيه "صوفا" في الأميركان لنلعب شدة الأونو.

وبعد مرور أشهر عدة على التدريب، وبعد أول جلسة عميقة نتبادل بها أعمق الأسرار التي تكشف تفكير وشخصية كل أحد منّا، علمت أنه هو.

هو توأمي الحقيقي، خفتُ من ذلك كثيراً لأنني أتألم إلى درجة لا يمكنني اختبار أي علاقة بعد، لا يمكنني تحمّل أي خسارة، ولا أريد التعلق بأي أحد، وأرفض جميع العلاقات المجهولة، ولا أريد أي علاقة ضبابية أو مؤقتة، لقد استنزفت طاقتي بأكملها في الصبر والضياع والتخبط، والبحث عمّن لا يجعلني أبتعد عن ذاتي، البحث عمن لا يجعلني أضحي، عمّن يراني ملكة ويعاملني كطفلته، تعبتُ من الاستغلال والصدمات البشعة وطرق الفراق القاسية، كنت قد وصلت حرفياً إلى المرحلة التي تجعلني أفكر ألف مرة قبل أن أقول نعم.

اعترف لي علي بأنه يخطط منذ شهور بالطريقة التي سيدخل بها إلى دماغي، لأنه، بطريقةٍ أو بأُخرى، استطاع تحليل شخصيتي، وعرف بأنني سأرفض مطلقاً أي طريقة تعارف عشوائية أو مباشرة، وسأهرب تلقائياً من كل أحد يحاول التقرب مني بشكل مباشر.

وحينها بدأ بتخطيطٍ ذكيّ يظهر به بشخصية لا يمكن لي أن أكشف نواياها أبداً.

حتى أنني استبعدت احتمال إعجابه بي تماماً، لأنه كان أذكى بكثير من أن يترك أيّ ثغرة تجعلني أشك بهدف تقرّبه مني، أو بطريقة تسلسل الأحداث التي جعلته أقرب لدائرتي.

لقد تعرف إليّ علي منذ النظرة الأولى، وعرِف أنني هديته المُرسلة من مجرد كلمة "مرحبا"، على الرغم من أنني في بداية معرفتي به لم أكن وحيدة، إلا أنه كان واثقاً بأنني سأكون له، بل كان متيقناً بأنني حتى لو كنت متزوجة سأترك كل شيء وآتي إليه، لأنني بالأصل لم أكن للشركاء السابقين.

وعدت نفسي بأنني يوماً ما، حين أتحرّر من الحجاب، سأسجل في مدرسة الرقص. لقد مرّت أعوام وتابعت حياتي بشكلٍ طبيعيّ وأنا أتخبط بين تجربةٍ وأخرى، والغريب أني كلما حاولت النوم ليلاً، أرى صورة مظلمة لشخصين يرقصان التانغو

"أنتي هديتي، وستعودين إليّ لو كنتِ تائهة أو متزوجة أو غير مدركة لصوت روحك الذي يخبرك عني، كنت متيقناً أنك هي"

وأنا أعترف الآن بأن علي أذكى شخص يمرّ على رأسي بطريقة التعارف وبالطريقة التي دخل بها إلى رأسي، ولأنني أهتم كثيراً بالبدايات، وأرفض كل شيء مباشر وسريع ومتهوّر، وأحلل الحرف وأفسر أيّ تصرف لأكشف شخصيته ونواياه، فكان كل شيء مدروساً بتكنيك مذهل، وبالفعل نجح بأن يستحوذ على عقلي وقلبي، وكلما مرّ وقتٌ على تعارفنا، أيقنت أنه توأمي الحقيقيّ.

اليوم يسعدني القول إنّ علي زوجي، والآن يمكنني الاعتراف بأنني وجدت الشيء الذي ينتظرني في التانغو، لأنه يمكنني القسم بأنه لا يوجد مكان بتاتاً ربما يجمعنا أنا وعلي سوى التانغو، بسبب اختلاف بيئاتنا وأدياننا وثقافتنا ومحيطنا، إلا أن أرواحنا تشبه بعضها كثيراً!

كنت دائماً أشعر بأن لي شيء ما في هذا المكان، لكنني لا أعلم ما هو، لو لم أتبع كل هذه الإشارات الروحية، لو لم أخض كل تلك التجارب، لو لم أتخل عن مفاهيم مجتمعية وبيئة رافضة، لو لم أتشبث بشعوري الذي يقول لي يجب عليكِ أن ترقصي، لم أكن الآن لأجد شريكي الحقيقيّ. لقد عرفتُ ثلاثة أشخاص باسم علي، وكنت أتألم جداً من لفظ هذا الاسم، لم أكن أعلم أن روحي تبحث عن علي الحقيقيّ من بين كل هؤلاء الأشخاص.

حين اجتمعت بعلي الحقيقيّ، تيقنت بأن جميع من مرّ بي من قبل كانوا مجرد ذكور لا أكثر، وكانوا مجرّد وسيلة لأصل إليه فقط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard