شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
متلازمة تكيّس المبايض... بين غموض الأعراض وأفق العلاج المشرق

متلازمة تكيّس المبايض... بين غموض الأعراض وأفق العلاج المشرق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 19 سبتمبر 202309:33 ص


يُعدّ أيلول/ سبتمبر من كل عام، شهر التوعية بمتلازمة تكيّس المبايض (PCOS)، وهي حالة صحية تصيب بين 8 و13% من النساء، بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية.

ما يزيد من أهمية التوعية بهذه المتلازمة هو أن الدراسة نفسها تشير إلى أن نحو 70% من النساء المصابات بـPCOS لم يتم تشخيص إصابتهنّ بشكل صحيح.

ما هي متلازمة تكيّس المبايض؟ وكيف تؤثر على صحة المرأة؟

متلازمة شائعة في الشرق الأوسط

متلازمة تكيّس المبايض (PCOS) حالة هرمونية شائعة تصيب النساء في سنّ الإنجاب. عادةً ما تبدأ خلال سن المراهقة، ولكن قد تتغير الأعراض مع مرور الوقت. يصف "تكيّس المبايض"، الكيسات الصغيرة المتعددة التي تتشكل في المبايض. تنتج هذه المبايض كميات مرتفعةً من الهرمونات الذكورية أو الأندروجين مما يسبب صعوبةً في هضم السكريات أو مقاومة الأنسولين.

"لم يتم تحديد سبب متلازمة تكيّس المبايض بشكل دقيق حتى الآن، ولكن هناك علاقةً وراثيةً وعائليةً قويةً مرتبطةً بها"

يشير الطبيب النسائي الدكتور إيلي بركات، إلى أن هذه المتلازمة شائعة في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط لأنها مرتبطة وراثياً، بحيث أنها تؤثر على نحو 20% من النساء على الصعيدَين الجسدي والنفسي.

في هذا الصدد، يؤكد بركات لرصيف22 أنه "لم يتم تحديد سبب متلازمة تكيّس المبايض بشكل دقيق حتى الآن، ولكن هناك علاقةً وراثيةً وعائليةً قويةً مرتبطةً بها".

رحلة الأعراض الغامضة

في زاويا حياة كريستين، البالغة من العمر 25 عاماً، تكمن قصة صراع مع غموض صحي استمر لعام كامل. تقول لرصيف22، إنها كانت تجوب أروقة العيادات، وتحاول علاج أعراض غامضة، متجاهلةً جذور المشكلة نفسها: "بدأت العلامات ببضع حبوب على ظهري، اعتقدت أنها مجرد تغيّرات طبيعية، لكن الوقت أثبت خطأ تقديري. حينما لم تختفِ هذه الحبوب بعد زيارات عدة للطبيب وتناولي للعلاج، أدركت أن المشكلة أعمق من مجرد تغيرات جلدية. لاحقاً، أصبحت الحبوب تغطي وجهي وظهري بشكل متزايد. تجاوز قلقي الحدود حينما شهدت تأخراً في دورتي الشهرية ونمو شعر غير طبيعي على وجهي".

"أندم على التأخر في زيارة طبيب نسائي حتى هذا العمر. لو قمت بذلك مبكراً، لرصدت المشكلة في مراحلها الأولى، وتفاديت الكثير من الأعباء المادية والنفسية والعلاجات الزائدة التي خضتها، لكنني أضع اللوم على مجتمعاتنا وثقافتنا التي لا تشجع سوى المرأة المتزوجة على زيارة طبيب/ ة نسائي/ ة"

وتتابع قصتها قائلةً: "عند زيارتي لطبيبة جلد أخرى، أشارت إلى احتمال أن تكون المشكلة ذات أصل هرموني. عندها قررت التوجه إلى طبيبة نسائية لأول مرة في حياتي، وعند إجراء الفحوصات اللازمة. كانت النتيجة واضحةً: متلازمة تكيّس المبايض".

تختتم كريستين حديثها بتأمل نابع من تجربتها الشخصية: "أندم على التأخر في زيارة طبيب نسائي حتى هذا العمر. لو قمت بذلك مبكراً، لرصدت المشكلة في مراحلها الأولى، وتفاديت الكثير من الأعباء المادية والنفسية والعلاجات الزائدة التي خضتها، كعلاج حب الشباب بطريقة خطأ. لكنني أضع اللوم على مجتمعاتنا وثقافتنا التي لا تشجع سوى المرأة المتزوجة على زيارة طبيب/ ة نسائي/ ة".

وتؤكد على أهمية الزيارة الدورية للطبيب/ ة النسائي/ ة: "يجب أن نولي زيارة الطبيب/ ة النسائي/ ة الأهمية نفسها التي نمنحها لزيارة طبيب/ ة الأسنان. فهي ليست فقط للوقاية والعناية، ولكن أيضاً لفهم جسمنا بشكل أفضل والتخلص من المخاوف التي قد تحوم حوله".

تجسد قصة كريستين تحدياً يواجه الكثير من النساء العربيات، حيث تظل الأعراض الغامضة دون تشخيص واضح لفترة طويلة، ما يؤكد أهمية الوعي والتشخيص المبكر.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من عدم ظهور حبوب في الجسم ووجود دورة شهرية منتظمة، فإن مي، الشابة التي تبلغ من العمر 20 عاماً، تواجه تحدياً مع وزنها الذي يظل ثابتاً برغم ممارستها الرياضة واتّباعها نظاماً غذائياً صحياً.

في حديثها إلى رصيف22، تقول: "مضت عليّ سنوات ووزني لم يتغير، وبرغم زياراتي المتعددة لأخصائيي التغذية، كان الرأي السائد أن كل شيء على ما يرام، ولكن مع مرور الوقت، اقترحت إحدى الأخصائيات أن أتوجه لاستشارة طبيبة نسائية، مشيرةً إلى احتمال أن يكون الأمر متعلقاً بالهرمونات".

تضيف مي: "عندما التقيت بالطبيبة، أبلغتني أن هناك احتمالاً بنسبة 80% أن أعاني من متلازمة تكيّس المبايض. وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، تم تأكيد التشخيص".

العوارض والتشخيص

بحسب الدكتور إيلي بركات، تتشابه الأعراض المتعلقة بمتلازمة تكيّس المبايض في الكثير من الحالات، ولكن تختلف تبعاً للفرد والجسم. من أبرز هذه الأعراض:

التغيّر في الدورة الشهرية: مثل عدم الانتظام، النزيف الغزير والدورات الطويلة أو القصيرة.

العوارض المرتبطة بفرط هرمون الأندروجين: منها نمو الشعر الكثيف في مناطق مثل الوجه والصدر، بالإضافة إلى البشرة الدهنية وحب الشباب. وفي حالات متقدمة، قد يتضح فقدان الشعر من فروة الرأس.

مشكلات متعلقة بالأنسولين: كالاستقلاب البطيء وزيادة الوزن.

للتشخيص، شدد الدكتور بركات على ضرورة وجود اثنين على الأقل من الأعراض التالية:

دورة شهرية غير منتظمة.

زيادة مستويات هرمون الأندروجين.

مشاهدة المبايض متعددة الكيسات عبر التصوير بالموجات فوق الصوتية.

تقييم حساسية الأنسولين من خلال اختبار HOMA.

ويكشف أن هناك بعض الاختبارات التي قد تُجرى بشكل اختياري، مثل اختبارات الأندروجين واختبارات الغلوكوز والأنسولين، مشيراً إلى أنه ليس هناك حاجةً إلى إجراء اختبارات للهرمونات مثل الأستروجين والبروجسترون.

ويشدد الدكتور بركات على أنه لا يمكن تشخيص الفتيات اللواتي لم يمر عليهنّ سوى 2-3 سنوات من بداية الدورة الشهرية بمتلازمة تكيس المبايض.

العلاجات

في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي يواجهها لبنان، ومع ارتفاع أسعار الأدوية إلى مستويات غير مسبوقة، واجهت نساء عديدات صعوبةً في الحصول على الدواء من الصيدليات لفترات محددة.

وبرغم تأكيد الصيدلانية دينا أسعد، لرصيف22، على توافر جميع الأدوية حالياً، إلا أن تكلفتها الباهظة دفعت نسبةً لا يستهان بها من الأفراد لاتخاذ قرارات تتراوح بين التخلي عن بعض هذه الأدوية أو البحث عن بدائل من المنتجات التركية أو السورية.

في الواقع، عند الإشارة إلى متلازمة تكيس المبايض، تتجه أذهان الكثيرين/ ات فوراً نحو الأعراض الجسدية المصاحبة لها، مثل زيادة نمو الشعر وتأخر الدورة الشهرية، وكذلك مشكلات الخصوبة.

ومع ذلك، يغيب عن أنظار كثيرين/ ات الوجه النفسي المعقد لهذه المتلازمة، حيث تتضمّن الأعراض النفسية مظاهر مثل القلق والاكتئاب.

في هذا السياق، يكشف الدكتور بركات عن مجموعة من الحلول والعلاجات المتوافرة لدعم النساء اللواتي يعانين من هذه المتلازمة، بما في ذلك العلاجات الدوائية التي تستهدف الأعراض الرئيسية والثانوية عدا عن عملية يمكن إجراؤها في الحالات المستعصية لتكون آخر حلّ.

يتعيّن على المرأة أن تكون صبورةً مع نفسها، مع الاعتراف والاحتفاء بكل جهد تبذله وبكل إنجاز، سواء أكان كبيراً أم صغيراً، في تعاملها مع المتلازمة

من ضمن هذه العلاجات:

1- حبوب منع الحمل (YAZ-Yassmin) :

- هي العلاج الأول لمعالجة الدورات غير المنتظمة في متلازمة تكيس المبايض.

- تعمل على تنظيم الهرمونات وتالياً تنظيم الدورة الشهرية وتخفيف أوجاعها.

- تساعد أيضاً في التقليل من نمو الشعر غير المرغوب فيه وحب الشباب.

2- ميتفورمين(Glucophage) :

- يعالج مقاومة الأنسولين، وهو إحدى المشكلات المرتبطة بمتلازمة تكيس المبايض.

- قد يؤدي إلى تحسين نمط الدورة الشهرية لدى بعض النساء.

- يقلل من مستويات الأنسولين في الدم ويمكن أن يساعد في التحكم بالوزن.

3- فقدان الوزن:

- فقدان ما بين 5% إلى 10% من الوزن يمكن أن يحسّن من الأعراض بشكل كبير، خصوصاً في حالات زيادة الوزن.

- يساعد فقدان الوزن في تحسين مقاومة الأنسولين، ويعزز فرص الحمل لدى النساء الراغبات في الإنجاب.

4- مكمل الإينوزيتول:

- هو مكمل غذائي ثبت أنه فعال في تحسين أعراض متلازمة تكيس المبايض.

- يعمل على تحسين مقاومة الأنسولين ويعزز الخصوبة.

- يُعدّ خياراً طبيعياً وآمناً للعديد من النساء.

5- البروجسترون: ( (Duphaston (Primolut Nor)

- يساعد في تنظيم الدورة الشهرية والحدّ من متلازمة ما قبل الحيض، والوقاية من الإجهاض المتكرر وعدم القدرة على الإنجاب في حالة العقم.

من ناحية أخرى، تعاني العديد من النساء من زيادة في مستويات الهرمون الذكوري، وهو ما يؤدي إلى ظهور أعراض مثل الشعر الزائد، حب الشباب وتساقط الشعر. لمعالجة هذه الأعراض، هناك مجموعة من الخيارات العلاجية:

مضاد الأندروجين (Aldactone):

يمكن استخدامه بجانب حبوب منع الحمل إذا كان ذلك ضرورياً لتعزيز الفعالية.

يمتاز بأعراض جانبية قليلة ويُعدّ آمناً للكثير من النساء.

Androcur:

هو مضاد للأندروجين أقوى من Aldactone.

برغم فعاليته، إلا أنه يترافق مع أعراض جانبية أكثر، ولذا ينبغي استخدامه بحذر.

مدة العلاج:

العلاج لمشكلة فرط الأندروجين يتطلب وقتاً، وغالباً ما يستغرق من 6 إلى 12 شهراً لرؤية النتائج الملحوظة.

العلاجات المحلية:

الحلاقة، الليزر، الشمع، والكهرباء، هي خيارات محلية لإزالة الشعر الزائد.

Isotretinoin هو علاج فعال لحب الشباب الشديد، ولكنه يجب أن يُستخدم تحت إشراف طبي نظراً إلى أعراضه الجانبية.

لمقاومة الأنسولين وفقدان الوزن:

• ميتفورمين (Glucophage): يساعد في هضم السكريات، فقدان الوزن وتحسين وظيفة المبيض.

• النشاط البدني: 2.5 ساعة/ أسبوع من التمارين المعتدلة أو 1 ساعة/ أسبوع من التمارين الشاقة.

• النظام الغذائي: تجنّب الأطعمة عالية السعرات والمشروبات السكرية لأنها تفاقم الأعراض.

• استشارة أخصائي/ ة التغذية المتخصص/ ة في متلازمة المبايض متعددة الكيسات. المدربون الشخصيون مفيدون جداً.

• مكملات الإينوزيتول تحسّن وظيفة الأنسولين.

تأثير متلازمة المبايض متعددة الكيسات على الصحة النفسية

يشير الدكتور بركات إلى أن الدورة الشهرية غير المتوقعة ومشكلات التبويض قد تكون مصدراً للقلق والإحباط، وذلك خصوصاً للنساء اللواتي يرغبن في الحمل. هذه الظروف قد تجعل النساء المصابات بالمتلازمة أكثر عرضةً لمواجهة الاكتئاب والقلق. من النصائح المقدمة للنساء المصابات:

تبنّي أساليب تخفيف التوتر، الاهتمام بالنفس وتعزيز العلاقات الصحية، بالإضافة إلى زيادة الوعي الصحي واللجوء إلى العلاج النفسي عند الحاجة.

معالجة متلازمة المبايض متعددة الكيسات قد تكون تحدّياً وتثير الإحباط في بعض الأحيان. من المهم أن تضع المرأة أهدافاً واقعيةً تتناسب مع أسلوب حياتها.

يتعيّن على المرأة أن تكون صبورةً مع نفسها، مع الاعتراف والاحتفاء بكل جهد تبذله وبكل إنجاز، سواء أكان كبيراً أم صغيراً، في تعاملها مع المتلازمة.

تجدر الإشارة إلى أنه قبل البدء بأي نوع من العلاجات، من الضروري استشارة الطبيب/ ة المختص/ ة لتحديد الخطة العلاجية المناسبة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image