زيادة الشعر في الوجه والجسم، ظهور حب الشباب والبقع السوداء في الوجه، زيادة أو خسارة الوزن بشكل كبير، فقدان الرغبة الجنسية، عدم انتظام الدورة الشهرية، صعوبة الحمل والإنجاب التي قد تصل لحد العقم، هذه عيّنة من أعراض متلازمة المبيض متعدد التكيّسات أو ال PCOS التي تصيب بين 6% و 26% من نساء العالم، وبين 20% و30% من نساء الشرق الأوسط اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 18 و44 عاماً.
وقد كشف إحصاء أجري في العام 2019، أن هذه المتلازمة قد تعود إلى عدة عوامل، من بينها: الوراثة، العامل البيئي أي النظام الصحي الذي يشمل نوعية الطعام، الوزن والرياضة، بالإضافة إلى العامل النفسي - الاجتماعي الذي يزيد من شدّة الأعراض.
وفي وقت يغيب العلاج الطبي الواضح أو الموحّد لتلك الحالة وتختلف العلاجات بحسب كل سيّدة، تغيب أيضاً النظرة الشاملة حول أسباب تلك المتلازمة، ما يضع المرأة المصابة في حالة من الضياع والاستسلام، وكأن جسدها أصبح خارج سيطرتها، الأمر الذي من شأنه أن يخلق في داخلها مشاعر الخجل والخوف من حرمان الشريك من الإنجاب.
كيف يؤثر هذا الخلل الهرموني على حياة المرأة، وهل فعلاً نتحدث هنا عن مرض نسائي من دون علاج طبي؟
اسم يختصر معاناة صامتة
تتميز متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، وهي إحدى اضطرابات الغدد الصماء لدى النساء، بارتفاع نسبة الأندورجين، أي هرمون الذكورة، ما يتسبب بظهور كل تلك الأعراض التي سبق وأن ذكرناها في الجسد والنفس، وقد يتسبب في مرض السكري والسمنة، بالإضافة إلى سرطان الرحم أو أمراض القلب، وخلل في الحالة المزاجية نتيجة غياب التوازن الهرموني وزيادة معدل الأنسولين في الدم.
تُترك المرأة لتكهّناتها ومخاوفها، والصراع النفسي بين ما تشعر به من أنوثة وبين علامات الذكورة الظاهرة في جسدها ونظرة المقربين والمجتمع حيال ذلك، خصوصاً في المجتمعات العربية، حيث تكثر الانتقادات حول المظهر الخارجي
في حين تغيب التوعية الشاملة حول تلك المتلازمة، خصوصاً في المنطقة العربية، ويُترك للطبيب/ة أو للمختص/ة في الأمراض النسائية تحديد العلاج المناسب، إمّا من خلال التوصية بتناول حبوب منع الحمل للعمل على استعادة الطمث المنتظم، أو تناول الأدوية المخصصة لمرض السكري، وذلك بغية تعديل مستوى الأنسولين، أو قد يكون الحلّ عبر إجراء عملية جراحية في حال تضخّم حجم التكيسات أو التخوف من أن تكون التكيّسات ذات طبيعة سرطانية.
ووسط هذه المعاناة الجسدية والنفسية، تُترك المرأة لتكهّناتها ومخاوفها، والصراع النفسي بين ما تشعر به من أنوثة وبين علامات الذكورة الظاهرة في جسدها ونظرة المقربين والمجتمع حيال ذلك، خصوصاً في المجتمعات العربية، حيث تكثر الانتقادات حول المظهر الخارجي.
بمعنى آخر، تعيش المرأة المعنية معاناة كبيرة وتكون عرضة للانتقادات والملاحظات القاسية، بسبب أعراض هذه المتلازمة التي تؤثر على مظهرها الخارجي، بخاصة لناحية زيادة الشعر في الوجه والجسد وزيادة الوزن، وعندها تذهب بحثاً عن حلول جذرية، كاللجوء إلى حميات غذائية قد لا تراعي وضعها الصحي، فتركز على إنزال الوزن دون التفكير بتغيير كلّي لنمط الحياة لتجنّب ازدياده من جديد، ما يجعلها تقع في مستنقع الفشل الجلد الذاتي وصولاً إلى الكآبة.
والمشكلة تكمن في غياب الوعي، فصحة المرأة الجنسية والجسدية لا تأخذ الحيّز الكافي من الشرح والاهتمام في المدارس، وتظل مثل هذه المسائل متروكة للأهل ومدى استعدادهم للتفسير والمتابعة.
تغيير جذري في النمط الغذائي
تعاني ريم، وهي صبية ثلاثينية تستعد لعرسها في الصيف القادم، من تقلّبات مزاجية تجعلها غير مستمتعة بعلاقتها مع شريكها ولا بالتحضيرات للحدث الكبير.
منذ 4 أعوام، لجأت هذه الصبية إلى طبيبها النسائي، بعدما شعرت بألم حاد في البطن وعدم انتظام في الدورة الشهرية، بالإضافة إلى بروز الشعر في وجهها، والتي كانت تزيله خلسة.
أخبرها الطبيب بأنها تعاني من متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، ووصف لها حبوب منع الحمل لتنظيم مواعيد الدورة الشهرية.
وفي حين ساعدت هذه الحبوب في تخفيف حدّة ألمها، غير أنها لا تزال تعاني من الشعر الزائد والوزن غير المستقر.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت ريم لرصيف22: "ما خلّيت حمية غذائية ولا نوع رياضة ما عملتون. بس عم بفشل كل مرّة... ما بعرف أصلاً ليه خطيبي باقي معي".
تعاني ريم من الكآبة المرضية وترفض تناول الأدوية، بل هدفها البحث عن سبب هذا الاضطراب الجسدي-الجنسي، وإثر ذلك، لجأت إلى العلاج النفسي بهدف التصالح مع صورتها الجسدية والالتزام بما هو مفيد لها.
بحسب طبيبها، ليس هناك من سبب واضح لما تعانيه ريم والكثير من النساء من عدم اعتدال في مستويات هرمونات الذكورة لدى المرأة، والأهم إيجاد الطريقة لكبح تأثير ذلك على صحتها.
وبالفعل، غالباً ما تركز الأبحاث على الطابع البيولوجي لتلك المتلازمة، والعديد من الدراسات تتحدّث عن أهمية تغيير النمط الغذائي بشكل شامل لتفادي الأمراض الخطيرة، كالسكري والقلب والسرطان، وبالطبع الحماية من السمنة.
وتركّز الحميات الغذائية المخصصة لمرضى الPCOS على ضرورة الابتعاد عن السكر والمأكولات المصنّعة والغنية بالنشويات ومشتقات الحليب خصوصاً حليب البقر، بالإضافة إلى الابتعاد عن المشروبات الغازية واللحومات غير العضوية التي تحتوي على مواد مصنّعة.
في هذا الصدد، يعتبر الأخصائيون في علم الغذاء أنه ليس هناك من طريقة فعالة لتحسين أعراض هذه المتلازمة، سوى في تغيير شامل في النظام الغذائي وممارسة الرياضة بانتظام، لتعديل الخلل الهرموني ومساعدة الجسم على تعديل مستوى الأنسولين تفادياً للسمنة والأمراض الأخرى الخطيرة.
وفي سياق متّصل، شدّدت أخصائية التغذية سارة زغبي، لرصيف22، على أضرار السكر الموجود في الأطعمة المصنّعة، وحثت النساء اللواتي يعانين من الـ PCOS على تناول الأطعمة الغنية بالألياف، كالبروكولي والكايل والخس وغيرها، واستبدال السكر بالأفوكادو والزيوت الصحية، مثل زيت الزيتون والبذور الطبيعية المساعدة للهضم، إضافة إلى أهمية الابتعاد عن المواد البلاستيكية والغنية بالصويا.
ونصحت زغبي، التي تتعامل مع عدد كبير من النساء اللواتي يقصدن عيادتها بحثاً عن نمط غذائي يناسب وضعهن الصحّي، بالابتعاد عن الضغط النفسي قدر الإمكان، لتعديل مستويات الكورتزول ومساعدة الجسم على استيعاب الطعام الصحي والتخلص مما هو مضرّ.
لكن هل يمكننا اختصار كل تلك الأعراض بالخلل الهرموني، أم أن هناك بعداً آخر لا يقل أهمية عن الشق الجسدي؟
الصدمات النفسية المكبوتة
بالعودة إلى ريم، هناك شعور داخلي لا يفارقها هو أنها لا تستحق الحب وأن صورتها الجسدية مدمّرة لدرجة أنها لا تعرف كيف ستتمكن من العيش مع رجل تُخفي عنه كل "آفاتها الجسدية" كما تسميها، معربة عن خشيتها من أن يخونها في المستقبل، بسبب عدم قدرتها على الاستمتاع بالعلاقة الجنسية التي تنتهي دوماً بالبكاء.
وضع ريم النفسي يشبه العديد من النساء اللواتي يعانين من متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، وشكلت هذه المسألة اهتمام علماء النفس.
جمع بحث عدداً من المؤلفات وضم آراء علماء النفس الذين تحدّثوا عن التأثيرات النفسية المرافقة للـ PCOS وتوصّلوا إلى إدراجه في خانة الأمراض النفسية-الجسدية، أي التي لها جذور نفسية واجتماعية، وتتجلّى عبر الجسد في أعراض ظاهرة ومقلقة.
وقد لخصت الأعراض النفسية كالتالي: هوية جنسية مضطربة، اضطراب القلق، الكآبة المرضية، ضعف الثقة بالنفس، اهتزاز صورة الجسد، خلل في العلاقات الاجتماعية، وصولاً في بعض الحالات المتقدمة إلى اضطراب الشخصية ثنائية القطب.
وفي هذا الصدد، شدد الفيلسوف الفرنسي موريس مرلوبونتي، على الترابط الوثيق بين العقل والجسد، وشبّه الجسد بالماكينة الحيوية التي تعبّر عما يحتويه العقل، الأمر الذي يُخرج متلازمة المبيض متعدد التكيّسات، وغيرها من الأمراض ذات الطابع الهرموني الجسدي، من "الخندق" الفيزيولوجي الضيّق، ووضعها في إطار يشمل المشاعر والتجارب النفسية وكيفية التعبير عنها عبر الجسد.
إلى جانب مرلوبونتي، تحدّث الطبيب النفسي توماس فوشس، في كتابه "ذاكرة الجسد واللاوعي" عن الجسد الذي يتمتّع بذاكرة تخزّن كل ما يحتويه اللاوعي من تجارب وصدمات نفسية، ليُترجمها فيما بعد إلى أمراض نفسية-جسدية مرتبطة بالألم النفسي الذي كبته الشخص ولم يعبّر عنه أو يتعامل معه. هذه الذاكرة تتشكل وتتجسد بقوّة كلما تكررت تلك الصدمات أو عاش الشخص أحداثاً تُعيد الألم إليه.
إذن، الجسد والنفس مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وهي خلاصة مهمة ومساعدة لفهم جذور متلازمة المبيض متعدد التكيّسات وأي حالة جسدية أخرى، ليس فقط للبحث عن العلاج الصحيح الشامل، بل للتأكد من عدم تفشي الألم النفسي في نواحي أخرى في الجسد أو على شكل أمراض أكثر خطورة.
الجسد واجهة النفس و"الهستيريا النسائية"
اعتُبرت اضطرابات الدورة الشهرية في القرن التاسع عشر كنوع من أنواع الهستيريا النسائية والتي كانت تُعالج بصدمات كهربائية توجّه على جهاز المرأة التناسلي على الجزء الأسفل من البطن، انطلاقاً من فرضية أن الأعراض مصدرها الأمراض النفسية، أي ما يشبه حالات الهذيان أو الفصام.
وقد ذهب بعض العلماء، على غرار الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، إلى الاعتقاد أن هذا الخلل الهرموني يصيب النساء من الطبقة البرجوازية فحسب، لتثبت أبحاث أجريت في وقت لاحق أن المسألة غير مرتبطة بالطبقات الاجتماعية.
في العام 1922 اعتبر الأطباء أن الخلل النسائي الجسدي مرتبط بصدمة تعرضّت لها الفتاة قبل أو خلال مراحل المراهقة والبلوغ، ما أدى بالأخيرة إلى كبت شهواتها الجنسية خوفاً من استباحة جسدها أو التحكم بها
تطوّرت الأبحاث الطبية ووسائل العلاج وتطوّر معها البعد النفسي لما كان يسمّى Amenorrhea أي غياب الدورة الشهرية، وأصبح يشمل أعراضاً أخرى، وهي أعراض المبيض متعدد التكيّسات، لحين ظهر البعد النفسي التحليلي في العام 1922 في مستشفى مودسلي في لندن، حيث اعتبر الأطباء أن الخلل النسائي الجسدي مرتبط بصدمة تعرضّت لها الفتاة قبل أو خلال مراحل المراهقة والبلوغ، ما أدى بالأخيرة إلى كبت شهواتها الجنسية خوفاً من استباحة جسدها أو التحكم بها بطرق مختلفة.
وأدت تلك السيطرة في اللاوعي إلى خلل هرموني وازدياد هرمون الذكورة لديها، وكأنها تلغي خاصة الأنوثة لديها خوفاً من سطوة الآخر، وتم عزل عدد من النساء عن محيطهنّ لفترة في المستشفى، والمفارقة أن هذا الأمر أثّر بشكل إيجابي على صحتهنّ النفسية وعلى الوظائف الجسدية، لدرجة أن الدورة الشهرية عادت في ميعادها بشكل مستقر.
يذكر أن هذه الأبحاث وسواها كانت دافعاً في المزيد من النظريات والخلاصات العلمية حول أهمية التوعية الجنسية للنساء، ودورهنّ في التعامل مع جسدهنّ، وفصل الدورة الشهرية عن إلزامية الزواج أو الحمل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...