أساطير كثيرة ذكرت على مرّ الزمن وتم تداولها في القصص والروايات الشعبية لعرب الأهواز جنوب غرب إيران. أغلب الأشخاص في تلك المنطقة يعلمون أن هذه القصص خيالية، إلا أن هناك من يعتقدون بأنها حقيقية، إلى درجة أنهم يزعمون رؤية تلك المخلوقات الخيالية.
من بين هذه الأساطير الكثيرة والمختلفة، شخصيات مشهورة أكثر من غيرها بين عرب إيران وعلى وجه الخصوص عرب الأهواز الواقعة في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد، أبرزها: "بوسلامة"، و"خضرة أم الليف"، و"الطنطل"، و"عُبيد الماي (عبد الماء)"، و"أم المساحي".
البحار "بوسلامة"
حسب الروايات القديمة لأهالي الأهواز والمناطق العربية في إيران، يكون هذا المخلوق على هيئة رجل طويل القامة، ولديه أرجل حادة مثل الخناجر، حيث يظهر في السفن عند حدوث العاصفة في البحار، لذلك كان "بوسلامة" يُعدّ في الماضي، أحد المسببين الرئيسيين لثقوب السفن.
من بين الأساطير الكثيرة والمختلفة، شخصيات مشهورة أكثر من غيرها بين عرب إيران وعلى وجه الخصوص عرب الأهواز، أبرزها: "بوسلامة"، و"خضرة أم الليف"، و"الطنطل"، و"عْبيد الماي (عبد الماء)"، و"أم المساحي"
ويقال عنه أيضاً، إنه يسرق الأطفال الذين يلعبون بمفردهم على الشواطئ، إذ يأخذهم معه إلى قاع البحر، كما أنه يصعد في الليل إلى السفن وينتظر ليظهر أحد ليراه، ثم يلقي بنفسه في البحر، وذلك البحار يهرع لإنقاذه، ظناً منه بأن زميله سقط في البحر، فيقفز في الماء لنجدة رفيقه، فيجد بوسلامة في انتظاره، ليسحبه إلى أعماق البحر ويأكله.
ولكن كثيرين يرون أن بوسلامة عبارة عن أوهام البحارة، الذين ابتعدوا لأشهر من بيوتهم وأسرهم، حيث أصبحوا ضعفاء عقلياً، ونتيجةً لذلك بدأت تساورهم خيالات وتهيؤات لمخلوقات غريبة مثل بوسلامة، بينما كان البعض منهم تحت ضغط نفسي وعقلي إثر العمل المرهق والصعب، وكانوا يلقون بأنفسهم في الماء هرباً من تلك الضغوط، ومن يراهم كان يظن أنهم بوسلامة.
"خضرة أم الليف" المخيفة
ذات ليلة، ظل يسأل طفل صغير جدته أسئلةً كثيرةً. سألها حول الشمس وأين تذهب ليلاً؟ وكذلك عن القمر: لماذا يضيء ليلاً؟ وعن المكان الذي يأتي منه الأطفال الصغار، لكن جدته كانت متعبةً جداً في تلك الليلة، فأخبرته بأن وقت النوم قد حان ويجب أن ينام الجميع، لكن بقي الطفل البالغ من العمر أربع سنوات مستيقظاً، وظل يسأل جدته أسئلةً أخرى مثل: لماذا القطة لها ذيل وأنا لا؟ لماذا قطتنا تخاف من كلب الجيران؟ وغيرهما من الأسئلة.
غضبت الجدّة وطلبت منه أن يستمع إلى الأصوات القادمة من خلف نافذة الغرفة. كان شيء ما يضرب الشباك ويتسبب بصوت مخيف. خاف الولد وسألها ما هذه الأصوات؟ فأجابت: هذه "خضرة أم الليف" التي أتت لترى هل نمت أم لا، لأنها تسرق الأطفال الذين يتأخرون في النوم. أراد الولد أن يسأل جدته عن هذه المخلوقة المرعبة، لكنه خاف من أن يقول شيئاً تسمعه خضرة وتأتي لتسرقه، فسكت وعانق جدّته ونام، وعندما غرق في النوم، حلم بمخلوقة خضراء مخيفة، مغطى جسدها بالكامل بنوع من السعف، وكانت أصابعها حادةً وخضراء أيضاً.
استيقظ الصبي مرتعباً، وأدرك أنه كان يرى كابوساً، لكنه قرر مواجهة خوفه وذهب إلى النافذة لينظر إلى الخارج، لكن خضرة أم الليف كانت لا تزال تطرق على النافذة. شعر بالخوف وعاد أدراجه، وبعد لحظات قال في نفسه إن الوحوش المخيفة لا تخرج في النهار، فاقترب من الشباك، ورأى أن أوراق النخلة تهتز بفعل الريح وتضرب النافذة. تغلّب الصبي على خوفه، فخرج ونظر إلى النخلة، فرأى جذعها مغطىً بالسّعف والليف، وهنا أدرك أن جدته كانت تقصد النخلة بخضرة أم الليف، وضحك على نفسه وعلى خوفه الذي راوده في الليلة الماضية.
أسطورة خضرة أم الليف، هي أسطورة قديمة بين عرب الأهواز ودول الخليج، ولها أسماء مختلفة في كل منطقة؛ فعلى سبيل المثال تُعرف في الإمارات العربية بـ"أم الكربة والليف"، وفي منطقة الإحساء في المملكة العربية السعودية يقال لها "أم السعف والليف"، واشتهرت عند عرب إيران بـ"خضرة أم الليف".
في ما مضى كان هناك من ادّعى أنه شهد "أم الليف" بين أنقاض المنازل المهجورة، أو في حقول النخيل، ووصفها بأنها امرأة عجوز ذات شعر منفوش أشعث، ولها وجه مخيف، لا تخرج إلا في الليل. كما أن البعض يعتقد أنها جنية الحقول، إذ تختبئ في أعالي النخيل. تكررت هذه الأقاويل بكثرة، حتى أن بعض الناس صدقوا وجودها، إلا أنها في الحقيقة قصة خيالية كان الهدف منها تنويم الأطفال.
"الطنطل"... المخلوق المتحول
"الطنطل" هو مخلوق أسطوري موجود في تراث بلاد ما بين النهرين وعند عرب الأهواز، وهو المتحول الذي يستطيع أن يأخذ شكل الإنسان أو الحيوان أو الجماد حتى. اتّخذ اسمه من إحدى الأساطير السومرية، وكان العرب القدماء يصدّقون وجوده ويخافون منه.
تقول الأسطورة السومرية، إن مملكتين عظيمتين في العصور القديمة، في جنوب وادي الرافدين، هما مملكتا "عكر أبو شاذر وأخوه أحفيّظ"، ازدهرت الحياة فيهما، حيث بنى السكان المدن والمعابد والأقواس المزخرفة وأحاطوها بأسوار قديمة لحمايتها من الفيضانات، كما اجتهدوا في إنشاء البساتين وزراعة النخيل، حتى أصبحت مملكتهم "جنة الله في الأرض"، لكنهم تمردوا وكفروا وخرجوا عن طاعة الإله السومري، فأنزل عليهم غضبه، ودمر مدنهم بالزلزال، وصارت هذه المدن خراباً. تشبه هذه الأسطورة إلى حد ما "ملحمة جلجامش" وقصة الطوفان الذي حدث قبل خمسة آلاف عام.
ثم أرسل الطناطلة والأجنة إلى الأرض لحماية الكنوز الموجودة في هذه المدن المدمرة، وحول هذا الموضوع كتب الرحالة الإنكليزي كيفن يونغ في كتابه "العودة إلى الأراضي الرطبة": "هنا تُروى العديد من القصص عن الطناطلة، الذين احتفظوا بالكنز الغامض في جزيرة مخفية ومحجوبة بالسحر عن أعين البشر".
تقول الأسطورة إنه إذا التقى أي شخص مع الطناطلة هؤلاء، سيجلب له هذا اللقاء بعض الاضطرابات أو الإعاقات أو حتى الجنون، لكن من الممكن أن تبني هذه المخلوقات، علاقات وديةً مع الإنسان، وذلك بعد إطعامهم خبز الأرز الماصخ، لأنهم لا يحبون الملح، وعلى الرغم من أنهم مخيفون جداً، إلا أن الطناطلة يخافون من الغرز والإبر أو أي أداة حديدية، لذلك عند رؤيتهم أي قطعة معدنية يهربون ويختفون على الفور.
الطنطل اسم مخيف، ولطالما خاف منه سكان الصحاري والأهوار (المستنقعات المائية)، كما كانت الأمهات يهددن الأطفال الذين لا ينامون الليل، ويقلن لهم: "نام لا يجيك الطنطل" باللهجة الأهوازية، وبهذا يطغى الخوف على كيان الطفل فينام.
العاشق "عبيد الماي"
ترتبط الأساطير ارتباطاً مباشراً بالمناخ والبيئة، ولهذا السبب، من المحتمل أن تكون لكل منطقة جغرافية روايات مختلفة عن روايات غيرها، كما هو الحال مع الروايات المختلفة عن "عبيد الماي" (عبد الماء) في الأهواز، إذ يقول بعض الناس إن رجلاً أسر امرأة عبيد الماي لمدة ثلاثة أيام، بعدما مر بفرسه على نهر، ورآها في الماء، فنزل عن فرسه وأسرها وأخذها معه وبعد ثلاثة أيام أرجعها مغطاةً بالدماء إلى المكان الذي أخذها منه، وبمجرد دخولها الماء، انتشرت دماؤها ونفقت. حين وصل إليها زوجها "عبيد الماي"، وجدها جثةً هامدةً، ومن تلك اللحظة، قرر أن ينتقم ويأخذ معه كل فتاة تقترب من النهر عند غروب الشمس.
تجذّر هذا الاعتقاد بين العرب إلى درجة أنهم قالوا في ثمانينيات القرن الماضي إن فتاةً من منطقة "كوت عبد الله" الواقعة في مدينة الأهواز وبالقرب من نهر كارون، اختُطفت على يد عبيد الماي، ولم يرد عنها خبر حتى الآن
كما أن هناك رواية أخرى تَحكي أن عبيد الماي وقع في حب فتاة بشرية، فطلب يدها للزواج، وبما أنه ليس بشرياً، لم يوافق أحد على تزويجه، فخطف حبيبته عند غروب الشمس. ومنذ ذلك الحين والناس لا يسمحون لفتياتهم بالذهاب إلى ضفة النهر أو البحر في المساء.
وتجذّر هذا الاعتقاد بين العرب إلى درجة أنهم قالوا في ثمانينيات القرن الماضي، إن فتاةً من منطقة "كوت عبد الله" الواقعة في مدينة الأهواز وبالقرب من نهر "كارون"، اختُطفت على يد عبيد الماي، ولم يرد عنها خبر حتى الآن.
"أم المَساحي" أسطورة المزارع
في معتقدات عرب محافظة خوزستان، أن هناك شخصيةً أسطوريةً اسمها "أم المَساحي"، انتشرت بشكل واسع بين المزارعين وفي المناطق الزراعية للمحافظة، وهي عبارة عن امرأة ملتوية من كثرة طولها، لها يدان تشبهان المجرفة، وتخرج في الحقول ليلاً. يروي الآباء هذه القصة لأطفالهم، بهدف منعهم من الخروج إلى الحقول في الليل.
بعيداً عن مدى حقيقة هذه الأساطير، وعن أنها بغالبيتها جاءت لتخويف الأطفال، إلا أن هذه القصص والروايات تبقى مصدر فخر وجزءاً من الثقافة والتراث الشعبيين، لدى عرب إيران، خاصةً الأهوازيين منهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...