شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الدشداشة في إيران... رمز العروبة أم موضة حديثة؟

الدشداشة في إيران... رمز العروبة أم موضة حديثة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 15 أبريل 202202:45 م

أسبوعان حاسمان في نهاية رمضان، حماس وسباق لشراء ثياب عيد الفطر، المناسبة الدينية التي تعني للشعب الأهوازي (جنوب غربي ايران)، الفرصة الأفضل لتسليط الضوء على هويتهم ووطنيتهم العربية داخل بلاد فارس، حيث بات يطلق على عيد الفطر بـ"عيد العرب" لكثرة اهتمامهم به.

دشداشة عصرية مع كوفية بيضاء أو حمراء أو زرقاء متوجة بالعقال؛ هي الأناقة والموضة بالنسبة للشباب هنا، خاصة عند حلول عيد الفطر ومعايدة الأقارب والجيران والأصدقاء والتجوال في المتنزهات والأسواق. فلماذا يتشبث عرب إيران باظهار زيهم؟

يوسف الحمداني، وهو موظف حكومي، أحد الشباب الذين تسابقوا علی تقديم طلب لخياطة دشداشة باللون الأزرق من محلات سوق الثياب العربية بغية ارتدائها في المناسبة، "وفق العادة السنوية خلال العقد الماضي في شهر رمضان يتم طلب خياطة بدلة عربية مفصلة وفق قياسنا لتكن المشارکة في معايدة عيد الفطر مع حلة جديدة تختلف عمّا سبق"، هكذا يصرح.

أما حيدر الساعدي الذي يقطن في العاصمة طهران يجلب كندورة إماراتية جاهزة باللون الأبيض من سوق الأهواز، "ارتداؤنا للزي العربي في العيد نابع من اهتمانا البارز في الإعلان عن هويتنا وإبراز فرحتنا بالمناسبة التي هي بمثابة تراث عربي نعتني به".

"شيخ الشيوخ، وخاتم الأنبياء، وكارون، والكويت، والإمارات، والنجف، والأهواز، والجمل"، وغيرها من أسماء تعلو المحلات في شارع فرحاني، في حي الدايرة بالأهواز، والذي يعيش قمة موسمه في رمضان خاصة خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث تبقى أبواب المحلات منفتحة حتی الفجر يرتادها الصغار والکبار.

دشداشة عصرية مع كوفية بيضاء أو حمراء أو زرقاء متوجة بالعقال؛ هي الأناقة والموضة بالنسبة للشباب هنا، خاصة عند حلول عيد الفطر ومعايدة الأقارب والجيران والأصدقاء. لماذا يتشبث عرب إيران باظهار زيهم؟

صاحب "معرض دُبي" للدشاديش، قاسم الزابي، يذكر تفاصيل تدشين سوق الأقمشة والزي الشعبي عند نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فقد جلب الرجل، القماش من بلوشستان شرقي إيران، المستورد من سلطنة عمان الجارة البحرية لإيران على خليج عمان، وباقي الدول؛ "بعد زيارتي لإمارة دبُي تعرفت على محلات أوسع تضم الزي العربي وأشياء من التراث، فبادرت باستيرادها، وأطلقت عنوان معرض دبي لیحتوي المحل علی الأنواع والألوان من القماش والدشداشة والكوفية والعباءة والعقال والعطورات والأحجار والبخور والقهوة والدلة والفنجان وعشرات من أنواع زينة الرجال".

ومع تزايد ارتداد الشباب والشبان للزي الشعبي، تكاثرت المحلات في شارع فرحاني وعموم الأهواز حتى وصلت إلى نحو 300 محل على حسب الزابي، مما وفرت مئات فرص العمل بشكل مباشر وغير مباشر، كما تتراوح أسعار خياطة الدشداشة ما بين 300 ألف تومان حتی مليون ومئتي ألف تومان (10 – 43 دولار).

انطلاق هذا المشروع التجاري الثقافي قبل 25 سنة، والانفتاح علی الهوية والتفاخر بالقومية والتحدث بلغة الأم وارتداء الزي الرسمي العربي، تزامن مع فترة حكومة الإصلاحيين، ورئاسة محمد خاتمي (1997-2005)، الذي کان برنامجه الانتخابي بناء مجتمع ديمقراطي أكثر تسامحاً، وتفعيل سيادة القانون، وتحسين الحقوق الاجتماعية.

شاه إيران وقمع العروبة داخل البلاد

عندما بنى رضا شاه، مؤسس النظام البهلوي (1925–1979)، الدولة الحديثة في إيران، أطاح بالحكم الذاتي للإمارات داخل البلاد التي يطلق عليها مصطلح "الممالك المحروسة" في عهد الصفويين والقاجاريين، ومن ضمنها إمارة العرب بزعامة الشيخ خزعل الكعبي، من ثم فرض الزي واللغة الموحدين علی كافة الأعراق والقوميات في إيران، هُمّش الشعب الأهوازي وبات عرب إيران ضحايا التمييز المنهجي، وفرض عليهم التحدث بالفارسية حصراً، وارتداء البدلة الإفرنجية مع القبعة البهلَوية إذا ما أرادوا دخول عالم الحداثة والمدنية، كالدراسة والتوظيف الحكومي.

في إيران اليوم الدشداشة هي رمز الهوية العربية لدى عرب إيران

وبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 ظن العرب، وعبر الدور البارز الذي أدوه خلال الثورة، أنهم تخلصوا من حقبة نظام الشاه المستبد، لكن الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات بددت آمالهم، فكان الوضع داخل إيران مشحوناً ضد العرب، حيث يعتبر الإيرانيون، هجوم جيش نظام صدام حسين، بمثابة حرب عربي ضدّهم، الأمر الذي جعل الطريق أمام الأهوازيين العرب ملئياً بالصعاب، وحال دون ممارستهم لحقوقهم المكفولة ضمن الدستور الإيراني ما بعد الثورة، فمنذ الثلاثينيات وحتی التسعينيات من القرن الماضي، اقتصر الزي العربي علی كبار السن.

ومقارنة مع عدد السكان كانت محلات خياطة الدشداشة قليلة في مدن الأهواز خلال تلك الحقبة، كالحويزة والخفاجية والمحمرة وعبادان، وأما في مدينة الفلاحية (شادِكان) فكانت بضعة دكاكين أشهرها للشاعر الشعبي الشهير مُلا فاضل السكراني. وقد سبب ذلك الضغط والخناق حماساً لدى جيل واعٍ اغتنم فرصة حكومة الرئيس خاتمي لتدشين مؤسسات مدنية مطالبة بحقوقهم.

"فترة ظهور الإصلاحيين كانت المتنفس للقوميات الإيرانية ومنها العرب، حيث تشكلت المؤسسات المدنية للمرة الأولی بعد انتصار الثورة الإسلامية، وأُقيمت الحفلات والندوات الأدبية والثقافية والاجتماعية في قاعات الأهواز وساحات المدينة برعاية حكومية. حراك الهوية هذا كان بمثابة جسر تواصلٍ بين أطياف المجتمع الأهوازي، بعيداً عن دائرة المنزل والمسجد والدواوين"؛ هكذا يعبر الباحث في الشأن الأهوازي باسم الحمادي.

الإيرانيون والزي العربي

وفي تلك الأجواء تبلور مشروع سوق الزي الشعبي العربي الذي يحتوي على أزياء تلامس الحداثة بألوانها وأشکالها قادمة من أسواق دولة الإمارات، ملبیة لرغبة الشباب، فـ"أصبحت الظاهرة بلورة عملیة ملموسة للفعاليات الثقافية الأهوازية في عهد الإصلاحيين"؛ هذا رأي الحمادي عن سبب نجاح سوق فرحاني للأقمشة والأزياء العربية، حيث يُعتبر اليوم شارع فرحاني في حي الدايرة وجهةً سياحيةً حتی بالنسبة للمواطن الفارسي الراغب في التعرف علی الهوية العربية.

"فترة ظهور الإصلاحيين كانت المتنفس للقوميات الإيرانية ومنها العرب، حيث تشكلت المؤسسات المدنية للمرة الأولی بعد انتصار الثورة الإسلامي"

وخلال زیارته لمدينة الأهواز برفقة أصدقائه، بيّن مهدي رَعنايي، أحد السياح القادمين من شرقي ايران سبب حضوره في شارع فرحاني بحي الدايرة: "سمعت عن هذا السوق وتشوقت لزيارته ورؤية تراث العرب والتعرف علی السکان الأصليين، وقد ابتعت من هنا هذه الكوفية کوشاح". أما السائحة مريم، فقد اقتنت كوفية لها أيضاً كحجاب للرأس، معبرة عن فرحتها بهذا الاختيار حيث دخلت الكوفية مؤخراً عالمَ الموضة في البلاد.

إيران تعترف بالزي العربي لباساً رسمياً لمواطنيها العرب

وسجلت وزارة التراث والصناعات اليدوية عام 2020، الزي العربي زياً رسمياً للأهوازيين بعد سنوات من المتابعة والإصرار على إدراج الثوب الرجالي العربي ضمن سائر الأزياء التقليدية في البلاد كي تتسنى الفرصة للمشاركة في معارض الأزياء المقامة على صعيد البلاد، وكان هذا الاعتراف بمثابة فرصة رسمية لإقامة ورشات الخياطة والتدريب وحتی التصدير دون ضرائب وتسليم قروض بنكیة دون أرباح لأصحاب المحلات.

ترك الحراك الثقافي المدني شعوراً لا يماثله شيء لدی الأهوازيين، حتی استعادوا مجدداً جمالَ زيهم الأصيل المرتبط بذاتهم بعد سبعة عقود من الحرمان في القرن المنصرم. فالقصة مع الدشداشة فيها کل الذکريات عن زمن کان یجمعهم لباس موحد ولغة موحدة، فإذا كانت الكوفية رمز فلسطين العربية، ففي إيران اليوم، الدشداشة هي رمز الهوية العربية.


*الصور بعدسة المصور أمير عبيداوي. 

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image