دعي وزراء إيران والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا لزيارة العراق، وكان الغرض من هذه الدعوة هو المناقشة والتنسيق بشأن أسعار النفط. هذا الاجتماع الذي عقد في 14 أيلول/سبتمبر 1960 ببغداد، قد أدى إلى ولادة واحدة من أقدم وأهم المنظمات الدولية في العالم وهي "منظمة أوبك"، منظمة لدعم الدول المصدرة للنفط ضد شركات النفطية الغربية.
وعقد هذا الاجتماع الذي يعتبر نقطة انطلاق منظمة أوبك، عقب اقتراح فنزويلا على إيران والكويت والمملكة العربية السعودية والعراق للتشاور ومناقشة أسعار النفط، إذ يمكن اعتبار فنزويلا صاحبة فكرة إنشاء هذه المنظمة النفطية.
وبعد مراقبته تنسيق منتجي النفط في منطقة تكساس الأمريكية، طرح وزير المعادن والموارد الهيدروكربونية الفنزويلي آنذاك خوان بابلو بيريز الفونسو (1903 – 1979)، فكرة التنسيق بين الحكومتين النفطيتين، فنزويلا والسعودية، مع نظيره السعودي عبد الله الطريقي وتوصلا كلاهما إلى فكرة دراسة تأسيس منظمة نفطية، ويعتبران هذان الوزيران هما عمودي إنشاء منظمة أوبك.
كانت محاولة منع انخفاض أسعار النفط وتقليص دور ونفوذ شركات النفط الغربية الكبرى في تحديد أسعار نفط الدول الخمس هو هدف إنشاء منظمة أوبك، حيث كانت جميع هذه الدول تعتمد على النفط بشكل تام
كانت محاولة منع انخفاض أسعار النفط وتقليص دور ونفوذ شركات النفط الغربية الكبرى في تحديد أسعار نفط الدول الخمس هو هدف إنشاء منظمة أوبك، حيث كانت جميع هذه الدول تعتمد كاملاً على النفط، وأي انخفاض في أسعار النفط كان له تأثيراً كبيراً عليها. وبتحليل سعر النفط في العقود التي تلت إنشاء منظمة أوبك، تبيّن أنه على الرغم من ارتفاع سعر النفط، وتقليل دور الشركات النفطية الغربية في هذا المجال، إلا أن تقلبات أسعار النفط استمرت، وبقت الدول المنتجة للنفط تعاني من الآثار السلبية لهذا الأمر.
أوبك اليوم
الآن وبعد مرور 63 عاماً، أصبح وضع هذه الدول الخمس الأعضاء المؤسسين لمنظمة أوبك ملفتاً للنظر. ففنزويلا باعتبارها صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، وصاحبة فكرة إنشاء منظمة أوبك، تم إبعادها تماماً من سوق النفط العالمي، وذلك بسبب العقوبات الأمريكية عليها، حيث أنها تنتج نحو 700 ألف برميل من النفط يومياً فحسب، وبذلك تواجه تضخماً مرتفعاً واقتصاداً ضعيفاً ودخلاً منخفضاً.
والعراق الذي خاض 4 حروباً خلال 30 سنة، وواجه عقوبات قاسية خلال نحو عقدين، تهالكت خلال هذه الفترة بنيته التحتية بالكامل، ووصل إنتاجه للنفط إلى الحد الأدنى، حيث اضطر إلى تطبيق نظام النفط مقابل الغذاء في التسعينيات، لكن الآن وبعد 20 سنة من سقوط نظام صدام حسين وحضور الشركات النفطية الغربية الكبرى، نرى أن إنتاج العراق للنفط وصل لأکثر من أربعة ملايين برميل يومياً، وهذا العدد يضعه في المركز الثاني لأكبر منتجي للنفط في منظمة أوبك.
لكن إيران، أحد مؤسسي منظمة اوبك، والتي كان يصل إنتاجها النفطي لستة ملايين برميل يومياً في عام 1965، ووجهت العقوبات المفروضة على مدى السنوات العشرين الماضية ضربة كبيرة لصناعتها النفطية، باتت تنتج حالياً نحو 3 ملايين برميل نفط يومياً، ويتم تصدير مليون وثمانمائة وخمسون ألف من هذه البراميل.
واللافت أن هذه المنظمة شهدت صراعات وحروب بين أعضائها، حيث يمكن الإشارة إلى الحرب التي استمرت 8 سنوات بين إيران والعراق، وغزو العراق للكويت واحتلالها، بينما كانت الدول الثلاث أعضاء مؤسسين لمنظمة أوبك.
مواجهة الأخوات السبع
حركة إنشاء منظمة أوبك تعتبر بمثابة ردة فعل على "الأخوات السبع"، أكبر سبعة شركات نفطية غربية، بما أنها كانت تمتلك تكنولوجيا الإنتاج ومرافق نقل النفط، ونتيجة لذلك كانت هي أهم الجهات الفاعلة في تحديد سعر النفط في العالم، وتشمل شركات النفط السبعة العملاقة هذه: شركة النفط الإيرانية البريطانية (بي بي - BP) وشركة قلف أويل (الأمريكية) وشركة شيفرون (الأمريكية) وشركة تكساكو (الأمريكية) وشركة شل (البريطانية) وشركة إكسون موبيل (الأمريكية) وشركة موبيل (الأمريكية).
التحدي الأهم الذي تواجهه أوبك هو مستقبل النفط ومصير هذا الوقود الأحفوري، ولا أحد يعرف بالضبط ما سيحدث في المستقبل.
كان الضغط على هذه الشركات السبع أحد الأسباب المهمة لإنشاء منظمة أوبك، بما كانت هذه الشركات تحصل على امتياز إنتاج وشراء النفط من هذه الدول الخمس بعقود طويلة الأجل، إذ أصبحت المحددات الرئيسية لمصير النفط وسعره ودخله، وبذلك رأت الدول المؤسسة لأوبك أنه على الرغم من أن النفط ملك لها، إلا أنها لا تلعب دوراً مهماً في تحديد السعر، ولا تكسب الكثير إثر إبقاء أسعار النفط منخفضة من قبل تلك الشركات.
قبل عام من إنشاء منظمة أوبك، في عام 1959، قامت شركات النفط السبعة العملاقة بتخفيض أسعار النفط، مما تسبب في ضربة خطيرة لمداخيل الدول النفطية، ولم تكن هذه المرة الأخيرة، إذ تكرر هذا الأمر في آب/أغسطس 1960، أي قبل شهر من اجتماع أوبك في بغداد، لتكون الدول الخمس أكثر حسماً وإصراراً على ردة الفعل هذه.
أول أمين عام
في العام التالي لاتفاق تأسيس منظمة أوبك، أي 1961، تم تعيين فؤاد روحاني كأول أمين عام لهذه المنظمة، وهو الإيراني الوحيد الذي وصل إلى هذا المنصب خلال 63 عاماً من تأسيس أوبك. وروحاني هو بهائي، وخبير اقتصادي ونفطي، كما أنه خريج القانون من جامعات أكسفورد ولندن وباريس، وكان يتقن 5 لغات وعمل أيضاً نائباً لمجلس إدارة شركة النفط الوطنية الإيرانية. توفي في دار لرعاية المسنين بلندن عام 2004.
تحتفل أوبك بمرور 63 عاماً من تأسيسها هذا العام، وتمتلك هذه المنظمة التي تضم 12 عضواً حالياً حوالي 40% من إنتاج النفط في العالم.
يمكن اعتبار خفض إنتاج النفط وزيادته للتحكم في أسعار النفط وإمداداته إلى السوق أهم مهمة لهذه المنظمة، وتنجز أوبك هذه المهمة من خلال تحديد حصص وسقوف إنتاج النفط للأعضاء.
المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكبر ثلاث دول منتجة للنفط الخام في العالم، وهي عضو في منظمة أوبك، كما تعد المملكة العربية السعودية وروسيا وأمريكا أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم.
وتنتج السعودية وحدها بين 8 إلى 10 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل نحو عشر النفط العالمي، وتعتبر هذه الدولة أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بمعدل 7 مليون برميل يومياً، ولهذا السبب فإن دور السعودية في أوبك لا مثيل له، ويمكن القول إن رأي السعودية عادة ما يعلن على أنه قرار أوبك، لأن الحصة الأكبر في أي قرار بزيادة أو خفض إنتاج النفط يرتبط بالسعودية.
أوبك بلس الجديدة
إنشاء "أوبك بلس" يعتبر من أهم أحداث الأعوام الماضية، حيث أنها تضم إلى جانب دول الأعضاء، الأعضاء من خارج هذه المنظمة، وروسيا تعتبر أهم هؤلاء الأعضاء الخارجين، بما أنها تعد واحدة من أكبر ثلاث دول منتجة للنفط الخام في العالم، ومع وجودها إلى جانب أوبك، يتم منح هذه المنظمة قوة أكبر للعب دور في سوق النفط، إذ تسيطر أوبك بلس بهذه الحالة على نحو نصف من إنتاج النفط العالمي.
ومع بدء حرب روسيا ضد أوكرانيا والعقوبات الغربية الصارمة على شركات النفط والغاز في موسكو، شعر المسؤولون الروس بالحاجة إلى التنسيق مع منظمة أوبك لحماية أسعار النفط، ولهذا السبب يتعزز دور أوبك بلس يوماً بعد يوم، بالتنسيق والاتفاق السعودي الروسي.
مستقبل سوق النفط
إن التحدي الأهم الذي تواجهه أوبك هو مستقبل النفط ومصير هذا الوقود الأحفوري، ولا أحد يعرف بالضبط ما سيحدث في المستقبل، هذا سؤال ليس له إجابة واضحة وصريحة وقاطعة، ولكن هناك توقعات مختلفة، فتوقع واحد مصحوب بالتفاؤل وتوقع آخر يأتي بالتشاؤم، إذ يكون التوقع الثاني أقوى وأكثر محتمل.
وفي الفترة الأخيرة، ركزت أوروبا وأمريكا على تقليص ورفع الاعتماد عن الطاقة الأحفورية، على وجه الخصوص النفط، وذلك بزيادة إنتاج واستهلاك الطاقة النظيفة والمتجددة وجعلها أرخص.
على سبيل المثال، كشفت كبرى شركات تصنيع السيارات في العالم من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى، عن خطط لخفض إنتاج سيارات البنزين واستبدالها بالسيارات الكهربائية في السنوات المقبلة، بحيث يصبح البنزين والديزل مستبعدان من عالم المركبات، وبحلول عام 2030 ستكون حصة المركبات غير الكهربائية في حدها الأدنى.
كما يتوقع العديد من المحللين أن النفط سيحذف في المستقبل، وأنه سيتم إزالته قريباً من المجال الرئيسي للطاقة، وبذلك سينخفض سعره من الرقم الحالي البالغ حوالي 80 دولاراً إلى أقل من 20 دولارات، وأحد أسباب هذا النخفاض في السعر، هو أن بإنتاج وانخفاض أسعار مصادر الطاقة النظيفة، ينخفض الطلب على النفط، ونتيجة لذلك يصبح سعر النفط أقل وأقل، وفي المقابل نرى أن حصة المصادر النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في إنتاج الكهرباء تتزايد يوماً بعد يوم مقارنة بالطاقات الأحفورية.
وما عزز هذا الأمر، هي الضغوط التي يتعرض لها مجال الطاقة في أوروبا، بعد قطع الغاز الروسي عن القارة من جهة والقفزة في أسعار النفط والغاز عام 2022 من جهة أخرى، حيث اتجهت أوروبا نحو استبدال الطاقة غير الأحفورية لتخطي مثل هذه المشاكل مستقبلاً.
الجهود تبذل لوضع النفط جانباً ومعالجة العالم من الإدمان على هذا الوقود الأحفوري، وفي هذه الوهلة يجب على منظمة أوبك وأعضائها، تنظيم خطط مستقبلية والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط
وبناء على هذا الرأي فإن مستقبل النفط الخام في العالم سيكون مثل الفحم الحجري، رغم أنه موجود ويستهلك إلا أنه ليس مطلوب، لذلك فإن ارتفاع سعر النفط الخام الذي نشهده حالياً في العالم (حوالي 70 إلى 80 دولاراً)، هو استثناء وسينتهي قريباً وسينخفض، ونتيجتا يجب علينا الاستفادة القصوى من السعر الحالي والمرتفع للنفط الخام وبيع النفط قدر الإمكان، وخلق مشاريع الاستثمارية في القطاعات غير النفطية لجعل هذه القطاعات تدر الدخل.
على سبيل المثال، يبدو أن السعوديون يحاولون بيع النفط الخام بقدر المستطاع وكسب أكبر دخل ممكن، طالما أن سعره مرتفع والعالم معتمد عليه ويكون سعر هذا الوقود في أعلى حالاته، وهذا هو أساس رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية.
لا يزال النفط هو الوقود الأكثر استهلاكاً في العالم، لكن الجهود تبذل لوضعه جانباً ومعالجة العالم من الإدمان على هذا الوقود الأحفوري، وفي هذه الوهلة يجب على منظمة أوبك وأعضائها، تنظيم خطط مستقبلية والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، لخلق اقتصاداً قوياً بعيداً عن هذه الطاقة القديمة. وهل بامكان أوبك أن تمنع استبعاد النفط؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع