شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"تحوَّل إلى مَكْلَمة"... معارضون يغادرون قطار الحوار الوطني قبل محطته الأخيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التجمع

الاثنين 11 سبتمبر 202303:15 م

رغم اقتراب الهيئة الوطنية للانتخابات من الكشف عن الجدول الزمني للاستحقاق الرئاسي المرتقب في مصر، قبل نهاية الشتاء المقبل، لم تستقر أحزاب المعارضة المصرية بعد على شكل مشاركتها في هذا الاستحقاق، في ظل وجود أكثر من مرشح لا يزالون مترددين في خطوة التقدم لمنافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وبينما يوشك "الحوار الوطني" الذي دعا له الرئيس على الانتهاء لا تزال المعارضة تنقسم بشأنه وسط إشارات غير إيجابية حول تجاهل مطالب المعارضة وإسقاطها في جلسات الحوار الجارية. 

ففي وقت يدعو القائمون على الحوار الوطني لاستكمال مراحله وجلساته التخصصية بعد إعداد حزمة من التوصيات التشريعية، في المحاور الرئيسية الثلاثة "السياسي والاقتصادي والاجتماعي"، لم تلق طريقة إدارة الحوار وما انتخبه مجلس الأمناء من توصيات قبول المعارضة. إذ وضع حزب المحافظين، أحد الأحزاب المنضوية في الحركة المدنية الديمقراطية والمؤسسة للتيار الليبرالي الحر، حداً لمشاركته، وأعلن في بيان مفاجئ يوم السبت 9 سبتمبر/ أيلول تعليق مشاركته في الحوار، "بعد أن وصل طبقاً إلى الطريقة التي صمم بها إلى منتهاه".

بينما يوشك الحوار الوطني على الانتهاء قبل الوصول لمحطة انتخابات الرئاسة، المتوقع لها نهاية هذا العام، أعلن واحد من أنشط الأحزاب المعارضة مؤخراً وهو حزب المحافظين تعليق مشاركته، وسط إشارات عدة على أن طريقة إدارة الحوار وما انتخبه مجلس الأمناء من توصيات، لا تلقى قبول قطاع فاعل من المعارضة 

الحزب أرجع تجميده المشاركة في الجلسات المتبقية من عمر الحوار إلى عدم صدور قرارات متعلقة بالمواضيع التي تمت إثارتها، مكتفياً بما قدمه من أوراق في محور الإصلاح السياسي، فضلاً عن تفرغه فى المرحلة الحالية لتقييم ضمانات الانتخابات الرئاسية وتحديد موقفه منها، في ظل رغبة الهيئة العليا للحزب للدفع برئيسه أكمل قرطام في الانتخابات المقبلة.

كان من المقرر أن تواصل أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية مشاركتها في الجلسات المتبقية رغم تحفظها على عدم إدراج مطالبها الخاصة بالمحورين السياسي والاقتصادي ضمن التوصيات التي تم رفعها إلى رئيس الجمهورية قبل أسبوعين

كان من المقرر أن تواصل أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية مشاركتها في الجلسات المتبقية رغم تحفظها على عدم إدراج مطالبها الخاصة بالمحورين السياسي والاقتصادي ضمن التوصيات التي تم رفعها إلى رئيس الجمهورية قبل أسبوعين، ومن بينها إطلاق سراح جميع سجناء الرأي الذين لم تثبت إدانتهم بأعمال عنف أو تخريب، ووقف التوقيف التعسفي وتوفير الشروط والضمانات اللازمة لإجراء جميع الانتخابات القادمة في مصر (رئاسية وبرلمانية ومحليات) في أجواء من الحرية والنزاهة والشفافية.

طالبت الحركة كذلك بإلغاء قانون الحبس الاحتياطي الحالي، وتحديد فترة الحبس الاحتياطي بمدة أقصاها ستة أشهر، حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي لعقوبة في حد ذاتها، بعد أن توسعت السلطات في استخدام هذا القانون لتقييد المعارضين وسلب حرياتهم.

قيادي بـ"المحافظين": الحزب يدرس منذ فترة تجميد المشاركة لعدم وجود رغبة في الإصلاح السياسي، مدللاً على ذلك بخلو التوصيات التي صدرت من مطالب الحركة فيما يخص تهيئة المناخ السياسي"

يأتي ذلك في وقت ذهبت توصيات إدارة الحوار الوطني إلى قضايا لم تكن في صلب المناقشات، حيث تم رفع توصية بخصوص رفع الحظر عن تراخيص البناء، وتفعيل قانون المنافسة لإعادة هيمنة الحكومة على ضبط الأسعار، ووضع 3 مقترحات خاصة بالنظام الانتخابي، هي القوائم المطلقة والنسبية والمشتركة، بعكس ما نادت به الحركة من ضرورة تعميم نظام القائمة النسبية، لتوسيع دائرة التمثيل السياسي في البرلمان.

خطوة تجميد المحافظين مشاركته تأتي في خضم حملته الحقوقية لإطلاق سراح الناشر هشام قاسم، رئيس مجلس أمناء التيار الليبرالي الحر، الذي أسسه رفقة عدد من الأحزاب ذي التوجه الليبرالي قبل أسابيع قليلة، الذي يواجه اتهامات بسب وقذف وزير القوى العاملة السابق، كمال أبو عيطة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأضيف إليها اتهامات إهانة موظف حكومي أثناء أداء واجبه الوظيفي، بعدما نسب إليه التعدي اللفظي على ضباط وأفراد من الشرطة أثناء خضوعه للتحقيق معه في الاتهام الأول.

طوال الأيام الماضية، كان حزب المحافظين جزءاً من حملة المطالبة بإطلاق سراح قاسم، في ظل دخوله في إضراب عن الطعام احتجاجا عن الأوضاع التي يمر بها، وبينما لم يشر بيان الحزب إلى وجود ربط بين استمراره في جلسات الحوار وقضية الناشر، أكدت مصادر بالحزب لرصيف22 أن القرار بمثابة احتجاج على تعنت السلطة مع قاسم، كونه من المعارضين الشرسين للنظام.

تصميم لناشطين يطالب بالحرية للناشر والمعارض المصري البارز هشام قاسم - المصدر: آخرون

في هذا السياق، يقول مجدي حمدان، رئيس لجنة التخطيط والتطوير السياسي بحزب المحافظين، إن الحزب يدرس منذ فترة تجميد المشاركة لعدم وجود رغبة في الإصلاح السياسي، مدللاً على ذلك بخلو التوصيات التي صدرت من مطالب الحركة فيما يخص تهيئة المناخ السياسي.

وأضاف حمدان لرصيف22 أن "الحوار تم تفريغه من من مضمونه"، وبدلاً من أن يكوت حواراً سياسياً بين سلطة ومعارضة للوصول إلى تفاهمات واضحة حول الوضع السياسي الداخلي والخارجي، بات كساحة لعرض الأفكار في شتى المناحي، واستحضار الشخصيات وإنشاء الكيانات تحت مسمى الحوار، متابعاً: "الحوار تحول إلى مكلمة، وشهد تضييقاً على المعارضة في كلماتها وعدم بثها تلفزيونياً".

إلا أن حمدان ينفي أن يكون قرار التجميد له علاقة باستمرار حبس هشام قاسم، معتبراً أنها قضية منفصلة يواصل فيها الحزب دفاعه عن حق الناشر المعروف في الحصول على حريته، بينما قضية المشاركة الحوار الوطني جاءت بعد تفريغه من مضمونه وقناعة الحزب بعدم تحقيق مكاسب سياسية للمعارضة.

يواصل حمدان: "الحزب يتفرغ حالياً لبحث مستقبل مشاركته في الانتخابات الرئاسية حيث توجد رغبة لدى أكمل قرطام لخوض الانتخابات حال توافرت الضمانات، وسنرى في النهاية ماذا سيحدث" هذا الحديث يأتي في وقت لا يزال ملف مشاركة المعارضة الانتخابات الرئاسية لم يبرح مكانه، خاصة مع شواهد على مضايقات عدة تعرض إليها المعارض الوحيد الذي أعلن علناً نيته المشاركة وهو أحمد طنطاوي.

شكوك المعارضة حول جدية السلطة في بناء حوار جاد مع المعارضة وفتح المجال العام لم تغب عن مائدة حوار الحركة المدنية، حتى أن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد أحزاب الحركة، أعلن مقاطعته منذ البداية لجلسات الحوار، لعدم توفير الضمانات الكافية من قبل السلطة، وعدم الالتزام بالإفراج عن دفعات كبيرة من المحبوسين احتياطيا، حسبما يوضح رئيس الحزب مدحت الزاهد، كما سبق أن علقت عدة أحزاب معارضة مشاركته بسبب تكرار الاعتقالات واستمرار ملف السحناء السياسيين على حاله.

أحد الاجتماعات الأولى لمجلس أمناء الحوار الوطني - المصدر: الصفحة الرسمية للحوار

مجرد دعاية انتخابية؟

"الحوار الوطني كان يمكن إنجاز جلساته في شهر واحد بإعادة فتح المجال العام وتعديل قوانين الحبس الاحتياطي والأحزاب والنقابات والسماح بممارسة السياسة دون قيود لكن تم تحويل الحوار إلى مكلمة ومط جلساته عبر لجان منبثقة وصل عددها إلى 19 لجنة يشارك فيها الكثيرون" يقول الزاهد لرصيف22.

يشير المعارض اليساري والصحافي البارز إلى أن حزب المحافظين كان يريد أن ينحصر الحوار في المحور السياسي محل الخلاف بين الدولة والمعارضة حول قضايا واضحة مثل قانون الانتخابات والحبس الاحتياطي حتى لا يتشعب الحديث إلى قضايا تكميلية، لافتاً إلى أن الحزب ألمح كثيراً إلى رغبته في تجميده وأعطى مقدمات على ذلك لكن ربما الطريقة التي تعاملت بها الدولة مع قضية هشام قاسم عجلت من هذا القرار.

يستبعد رئيس حزب التحالف حذو أحزاب أخرى حذو المحافظين، فالحركة ما زالت مستمرة في الحوار رغم تجميد البعض مشاركته حتى لو كانت المشاركة بلا هدف فأطراف كثيرون داخل الحركة لا تريد أن تقصي نفسها من المشهد.

في رأي الزاهد، فإن الدولة تريد استغلال مخرجات الحوار الوطني لتدشين الحملة الانتخابية للرئيس بوعود انتخابية متعلقة بالوضع السياسي والإفراج عن دفعة كبيرة من المحبوسين احتياطياً وكذلك تعديل بعض القوانين مثار النقاش، وهو ما يفسر رغبة أجهزة بالدولة في استمرار الجلسات بالتزامن مع الدعوة إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية. 

على الجانب الآخر، هناك من يدافع من داخل صفوف المعارضة عن فكرة الاستمرار في الحوار الوطني، إذ يرى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عبدالعظيم حماد أن المشاركة أمرا ضروريا، ولا يؤيد فكرة المقاطعة أو التجميد نظرا لاستمرار جلسات الحوار الوطني ومتابعة ما ستفسر عنه المخرجات واستجابة الرئيس للتوصيات.

"كما أن الانتخابات الرئاسية ستحظى بنقاش خلال الفترة المقبلة وضروري ان تطالب المعارضة بضمانات تسهم في الخروج بانتخابات تنافسية تعددية وعدم ترك الملعب خاويا للموالين فقط" حسبما يوضح حماد لرصيف22.

كشفت قضية الناشر هشام قاسم عن مدى هشاشة حالة المعارضة المصرية، إذ تسبب أزمته مع الوزير الأسبق كمال أبو عيطة في انقسام بين معسكريها الليبرالي والناصري قبيل الاستحقاق الرئاسي

الحوار في محطته الأخيرة

في هذا السياق، يقول المتحدث باسم الحركة المدنية خالد داوود، إن الحركة ترى أن الحوار في محطاته الأخيرة وهي سجلت اعتراضها بالفعل على التوصيات التي خلت من المطالب الأساسية، لذا نحن مستمرون في حضور الجلسات بالتزامن مع التحضير للانتخابات الرئاسية حال حسم الموقف من الضمانات.

وشهدت الفترة الماضية إعلان عدد من رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة المحسوبة على المعارضة نيتهم في الترشح للانتخابات، في مقدمتهم البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، ورئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، وإن كان الثنائي الأخير لم يطرحا ذلك بشكل رسمي.

يوضح داوود لرصيف22 أن ملف الانتخابات الرئاسية سيظل عالقاً حتى بداية الماراثون بشكل رسمي، فلا يوجد جدول زمني حتى الآن، ولم تستقبل الحركة المدنية أية تطمينات بخصوص الضمانات التي طالبت بها المعارضة لخوض السباق، حتى لا يتكرر مشهد 2018 الذي شهد حصر المنافسة بين الرئيس وأحد مؤيديه، في إشارة إلى رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى .

وسبق أن طرحت الحركة حزمة من الضوابط والمعايير، تضمنت 14 ضماناً لخوض السباق الرئاسي، من بينها حرية وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وإتاحة فرص متكافئة لجميع المرشحين، وحياد مؤسسات الدولة ووقوفها على مسافة واحدة من كافة المرشحين طوال العملية الانتخابية.

ودعت كذلك لـضمان سلامة المرشحين ومساعديهم ومندوبيهم والناخبين، والتزام المرشحين باحترام المدد الرئاسية التي ينص عليها الدستور وهي مدتان متتاليتان فقط، والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم العملية الانتخابية من حيث شفافية التمويل والإنفاق والصمت الانتخابي، وغيرها من الالتزامات.

شعار الحوار الوطني - المصدر: الصفحة الرسمية للحوار

 هل تعاني المعارضة من التفكك؟

كشفت قضية الناشر هشام قاسم عن مدى هشاشة حالة المعارضة المصرية، إذ تسبب أزمته مع الوزير الأسبق كمال أبو عيطة في انقسام بين معسكريها الليبرالي والناصري قبيل الاستحقاق الرئاسي.

يأتي ذلك في وقت تواجه أحزابها ارتباكاً كبيراً على مستوى القرارات، إذ أعلن حزب الدستور تعليق عضويته في التيار الليبرالي الحر، في أعقاب تصريحات المتحدث الرسمي للتيار عماد جاد، قال فيها إن الرئيس السيسي بلا منافسين في الانتخابات المقبلة، وهو ما اعتبره الحزب يخالف أفكاره وانحيازاته.

"التيار الحر ليس إلا مجموعة أشخاص ولم يتم تأسيسه كمظلة تجمع أحزاباً عكس الحركة المدنية الديمقراطية، إذ يشارك في الجلسات قيادات وممثلون عن بعض الأحزاب وشخصيات عامة مثيرة للجدل مثل هشام قاسم نفسه، لذا كما هو متوقع سينفرط عقدها بشكل سريع" يتحدث مصدر بأحزاب التيار الحر عن مستقبله الغامض. 

إلى ذلك، يقر خالد داوود، المتحدث باسم الحركة المدنية، بوجود حالة من الانقسام داخل الحركة لكنها لم تصل إلى حد التفكك، عازيا ذلك إلى وجود أيدولوجيات متنوعة تحت سقفها ليبراليين وناصريين واشتراكيين وهناك اختلاف حول الكثير من القضايا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image