كل المقدمات والشواهد المتاحة التي تتعلق بدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى حوار وطني، في إفطار العائلة المصرية يوم 26 نيسان/ أبريل الماضي، تشير إلى أن الرئيس اعتبر أن مجرد طرح الفكرة مكافأة للمعارضة غير الموجودة أساساً في تفكير رجل يرى أنه الوحيد الذي يعلم، والوحيد الذي يجب أن يُسأل. لذلك، فإن أقصى ما يمكن تقديمه هو الإفراج عن بعض رموز السجناء السياسيين، وتخفيف حدة الهجوم الإعلامي على رموز المعارضة، والسماح بظهور بعضهم على شاشات التلفزيونات الحكومية والخاصة.
الإشارة إلى اسم حمدين صباحي من قِبَل الرئيس، وهو فوق المنصة يلقي خطابه، ثم مصافحته بشكل خاص والتحدث معه لدقائق، ثم التحدث مع خالد داود، الناطق الرسمي باسم جبهة الإنقاذ سابقاً والمتحدث الإعلامي باسم حزب الدستور حالياً، والوعد بالإفراج عن حسام مؤنس، أحد المتهمين في قضية "خلية الأمل" مع زياد العليمي وآخرين، ومدير حملة صباحي في انتخابات الرئاسة عام 2014، كلها إشارات كانت كافية بنظر الرئيس المصري، على ما يبدو، ليذهب صباحي ومَن معه إلى "مسرحية" الحوار الوطني الذي أُرغم الرئيس على طرحه، تحت ضغوط خارجية وداخلية.
ربَّما عزز هذا التفكير في رأس السيسي ترحيبٌ مبدئي وسريع من بعض "رؤساء" الأحزاب التي تكونت بعد كانون الثاني/ يناير 2011، حين كان تكوين الأحزاب بالإخطار، بدون أن يكون لها بالضرورة وجود حقيقي في الشارع، حتى أن كثيرين، وأنا منهم، لا يعرفون أسماء الأحزاب، فضلاً عن أسماء رؤسائها!
كما عززت الفكرة أيضاً قناعة الرئيس بأنه أنجز لمصر في سنوات معدودة ما لم يستطع غيره إنجازه، وهي النغمة التي يرددها الإعلام الرسمي، دون أن يشير إلى إنجاز بعينه، في ظل تراجع كبير للاقتصاد، ومضاعفة لحجم الدين العام، وتدهور حال قطاعات واسعة من المصريين، حتى أولئك الذين كانوا "مستورين" وقت حكم حسني مبارك.
بيان الحركة الوطنية الديمقراطية
حلم السيسي ببدء حوار شكلي مرسوم بعناية الأجهزة الأمنية وتحت نظرها، تبدد سريعاً. فبعد 12 يوماً فقط من إعلانه، وفي الثامن من أيار/ مايو، وبعد كثير من المناقشات بين أقطاب المعارضة، صدر بيان عن ما يُعرف باسم "الحركة المدنية الديمقراطية"، وهي حركة سياسية ليبرالية تأسست عام 2017، وتضم عدداً من الأحزاب التي كانت ضمن التيار المدني الديمقراطي، وهي أحزاب الدستور والكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والمصري الديمقراطي الاجتماعي والعيش والحرية، أعلن شروطاً عملية لضمان أن يكون الحوار حقيقيّاً وليس مجرد "مكلمة" كالتي تحدث في مؤتمرات الشباب، وأن تصدر عنه قرارات واقعية، وأن تُنفَّذ بالفعل.
اللافت في البيان أن ما فكر فيه الرئيس باعتباره "المكافأة" النهائية للحوار، وهو الإفراج عن "بعض" سجناء الرأي، اعتبرته المعارضة شرطاً لبداية الحوار أساساً، باعتباره علامة على حسن نية النظام بشراكة حقيقية من أجل الوطن، وطالبت بالإفراج عن كل السجناء وليس "بعضهم"، وذهبت إلى أبعد من ذلك في حوار مصوَّر أجراه النائب السابق أحمد طنطاوي مع "المنصة"، يوم السابع من حزيران/ يونيو، طالب فيه النظام بالاعتذار للسجناء وتعويضهم عما تعرضوا له دون أن يرتكبوا جُرماً، وهو الحوار الذي تحدث عنه الرئيس المصري في إشارة إلى أن طنطاوي كان يضع ساقاً فوق ساق وهو يتحدث بثقة من موقع القوة.
طنطاوي كرأس حربة للمعارضة "الجادة"
ما يظهر حتى اللحظة من خطاب تحالف الأحزاب المعارضة الكبرى، أو ما يُعرف بالحركة المدنية الديمقراطية، أن رئيس حزب الكرامة النائب أحمد طنطاوي هو رأس الحربة في هذا السجال، وأنه، بلغة سليمة وخطاب واثق ومنطق سليم، أعدّ بنفسه بيان الحركة الذي وقع عليه ممثلو ثمانية أحزاب، وهو يذهب إلى مناطق عميقة لا يذهب إليها غيره، أو على الأقل يفتح بحديثه أبواباً ليست مطروقة ليتحدث فيها الآخرون.
"السلطة في مصر تحتاج إلى سماع الصوت الآخر، فوجود صوت آخر هو الضمان الوحيد لاستقامة الأداء في كل الملفات، كما أن منع هذا الصوت يشكل جرماً بحق الشعب المصري، لأنه من الممكن أن يكون لدى أي أحد من المعارضين حل لبعض مشكلاتهم"
فعلى سبيل المثال، تتحدث التقارير الصحافية المتناثرة عن أن مؤسسة الرئاسة لا تريد فتح موضوعات بعينها مثل سد النهضة، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بشكل سريع، رغم وجود حكم قضائي بات ونهائي بمصريتهما، حتى لا يتعرض الرئيس للإحراج، وتريد أن يقتصر النقاش عن المشكلات الاقتصادية وكيفية التعامل معها، إلخ. لكن طنطاوي في حواره المشار إليه، وفي حوارات أخرى كثيرة ظهر فيها خلال هذه الفترة، قال إن النظام الحالي ليس مسؤولاً عن بدء بناء السد الإثيوبي لأنه لم يكن قد تولى الرئاسة، لكنه "أسوأ" مَن تعامل مع الملف، في إشارة إلى توقيع السيسي على اتفاقية إعلان المبادئ لسنة 2015 في العاصمة السودانية الخرطوم، والتي كانت بمثابة اعتراف رسمي مصري بحق إثيوبيا في تشييد السد من دون الحصول على ضمانات تذكر بأنه لن يضر بمصر.
كما تحدث طنطاوي –أحد أهم صقور المعارضة- عن ضرورة تعديل كل القوانين المقيّدة للحريات العامة والخاصة، مثل قانون الإجراءات الجنائية وقانون الحبس الاحتياطي وقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون النقابات المهنية وقانون العمل، إلخ، بل وتحدث عن احتمال طرح الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، باعتبار أن هذا النظام هو المسؤول الأول والوحيد عن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر.
وتتحدث التقارير الصحافية عن غضب السيسي من الإشارة إلى انتخابات مبكرة، الأمر الذي يهدد إقامة الحوار الوطني من الأساس، خاصة أن هناك أجنحة في السلطة لا توافق على إجرائه.
ضرورات الحد الأدنى لبدء الحوار
اشترط بيان المعارضة كذلك التي أسماها النائب أحمد طنطاوي "المعارضة الحقيقية والجادة" تشكيل أمانة عامة من عشرة أعضاء محايدين لهم دور وطني معروف، خمسة منهم تسميهم السلطة وخمسة تسميهم المعارضة، وطُرحت أسماء مثل عمرو موسى ود. محمد غنيم، ويكون على رأس الهيئة أمين عام، شخصية وطنية محل تقدير "بالغ" من جموع الشعب المصري... وقبلت السلطة هذا الشرط وبالفعل سُمّي الدكتور ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات السابق ونقيب الصحافيين.
كما اشترطت المعارضة أن يجلس على المائدة عدد متساوٍ ممن تسميهم السلطة ومَن تسميهم المعارضة، في كل جلسة ومحور، على أن يحضر ممثلو الحكومة والبرلمان بصفة مراقب لأن دورهم هو تحويل ما يتم التوصل إليه إلى منتج تشريعي أو تنفيذي.
"الإدارة الحكيمة تكون بالمشاركة والانفتاح على الآخر، ومَن يدَّعي أنه الأفضل أو الأعلم أو الأكثر حنكة ودراية وإخلاصاً ووطنية، هو الذي يأخذ البلاد إلى الهاوية بشكل أسرع"
لكن أهم "شروط" المعارضة هو أن يكون الحوار تحت مظلة مؤسسة الرئاسة، باعتبار أن الواقع العملي يؤكد أنها الجهة الوحيدة القادرة على تنفيذ ما يمكن أن يُتّفَق عليه خلال الحوار، ورفضت أن يجري تحت مظلة الأكاديمية الوطنية للتدريب كما كان مطروحاً.
وطالبت المعارضة ببث الجلسات على الهواء في وسائل الإعلام المتنوعة، وأن يتوزع جدول الأعمال على محاور أساسية تتفرع عن كل منها لجان تفصيلية، تتضمن لجاناً في الموضوعات المتنوعة المقترحة... وهذه البنود، على علمي، محل مفاوضات بين الأطراف الرئيسية حتى الآن، فإذاعة الجلسات على سبيل المثال وتحدث المعارضين بحرية في الملفات الشائكة سيمثل إحراجاً بالغاً للرئيس المصري والنظام بالطبع.
معارضة لن تخسر شيئاً
الواقع العملي يقول إن السلطة يمكن أن تجد معارضة أخرى "مستأنسة" تتحدث معها، وهذه سوف "تهرول" للجلوس على الطاولة لمجرد التقاط الصورة، لأنها تريد هذه الصورة لإيهام نفسها بأنها موجودة، بالقدر نفسه التي يريده لها النظام... لكن "المعارضة الحقيقية"، كما أسماها أحمد طنطاوي، لن تجد نظاماً بديلاً تتفاوض معه، فالنظام في مصر عبارة عن شخص واحد مركزي، ومؤسسات شكلية تنفّذ إرادته.
ظاهريّاً إذاً، يبدو أن المعارضة هي التي تحتاج إلى الحوار تحت ضغط وجود بديل عنها، لكن واقعيّاً فالنظام هو الذي يحتاجه، لأن الغرب بحكوماته وبرلماناته ومؤسساته الحقوقية وأذرعه المالية، لن ينطلي عليه حوار شكلي مفرغ من القيمة. وأظن أن الغرب، في ظل الحكومة الديمقراطية الحالية في واشنطن، لن يتسامح طويلاً في موضوع سجناء الرأي والتضييق على الحريات وإغلاق المجال العام والاستئثار بالفعل وتغييب الصوت الآخر، خصوصاً أن أصحاب الرأي المقموع لن يخسروا شيئاً إذا لم يتم الحوار، كما أنهم استطاعوا توصيل صوتهم إلى المؤسسات والإعلام الأمريكي. وليس بعيداً عن الأذهان الفيديو القصير الذي سجلته الممثلة الأمريكية سكارليت جوهانسون (مدته دقيقتان و44 ثانية) وتنتقد فيه حال الحريات في مصر، والظروف السيئة لسجن الصحافيين وتوجيه تهم "ملفقة" لهم، وسمَّت أربعة صحافيين بالفعل هم "جاسر، كريم، محمد، وباتريك" من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بالإضافة إلى منع حسام بهجت من السفر وتجميد أمواله. والمفاجأة أن السلطة في مصر أفرجت عنهم!
الحوار ضرورة يومية
الحقيقة أن السلطة في مصر تحتاج إلى سماع الصوت الآخر، إذا نحّينا الضغوط الخارجية والظروف الاقتصادية السيئة حالياً، فوجود صوت آخر هو الضمان الوحيد لاستقامة الأداء في كل الملفات، كما أن منع هذا الصوت يشكل جرماً بحق الشعب المصري، لأنه من الممكن أن يكون لدى أي أحد من المعارضين حل لبعض مشكلاتهم... وقبل ذلك وبعده، فإن الإدارة الحكيمة تكون بالمشاركة والانفتاح على الآخر، ومَن يدَّعي أنه الأفضل أو الأعلم أو الأكثر حنكة ودراية وإخلاصاً ووطنية، هو الذي يأخذ البلاد إلى الهاوية بشكل أسرع.
وصل الرئيس السيسي إلى السلطة في مصر في حزيران/ يونيو 2013 بتوافق واسع، ضم العسكريين والليبراليين والسلفيين وممثلي الدولة العميقة، إلى جانب الأزهر والكنيسة، ولم يخرج من هذا المشهد التوافقي إلا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها والمتعاطفين معها، وبالتالي حصل في انتخابات عام 2014 على نسبة 96.94% من أصوات الناخبين أمام حمدين صباحي الذي هو أحد أهم رموز المعارضة، ووصلت نسبة المشاركة إلى 47.13%، وهي نسب عظيمة تعكس حجم التوافق وقتها، وكان عليه أن يحافظ على هذا التوافق بإشراك الجميع في المشهد السياسي دون الانحياز لأحد على حساب أحد، ولكن هذا للأسف لم يحدث، ما أوصل مصر إلى المأزق الاقتصادي والسياسي الحالي الذي لا يعرف أحد كيف يمكن الخروج منه دون خسائر تؤثر على تماسك النسيج الشعبي المصري، وعلى الدولة المصرية نفسها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع