جلسة مصارحة مع مديري في العمل...
إنه يوم التقييم الشهري للموظفين. من منا لا يدرك صعوبة هذا اليوم؟ ففي هذا اليوم، يحاول أرباب العمل بغالبيتهم تحطيم كل موظف، كلاً على حدة. وفيه نسمع "كوكتيلاً" كبيراً من "الكليشيهات"، التي أجمع الكثير من المديرين على أنها خطة ناجحة وخطاب محفز دائماً مع الموظفين، ولكن في الحقيقة نحن الموظفين عندما نسمعها، صدقوني ينتابنا شعور من الـ"feeling meh".
إنها أول جلسة تقييم لي مع المدير الجديد، وطبعاً وأنا في الطريق إليها، استحضرت كل الجلسات السابقة في الشركات التي عملت فيها، وبدأت أرتب أنواع المديرين، كلاً بحسب صفاته، ولعل هدفي من ذلك كان استباقياً لأعرف مع أي نوع من المديرين سأضع هذا المدير الجديد. المديرون يا عزيزي القارئ، كما ستكتشف معي، ينقسمون إلى أربعة أقسام.
القسم الأول هو المدير المتصابي، وسيكون ذلك ظاهراً جلياً بمجرد مقابلتك له، فهو من الذين يكثرون من لبس "الجينز"، وغالباً ما يضع رائحةً من نوع old spice التي كانت رائجةً في سبعينيات القرن الماضي، ولكن صدّقني أبشع ما في هذا النوع هو حس الفكاهة الذي سيقع على رأسك عند كل اجتماع، في اللحظة التي سيكرر فيها على مسامعك الجملة نفسها:
"جمعتكم اليوم لأن بكرا مش فاضي".
إنها أول جلسة تقييم لي مع المدير الجديد، وطبعاً وأنا في الطريق إليها، استحضرت كل الجلسات السابقة في الشركات التي عملت فيها، وبدأت أرتب أنواع المديرين، كلاً بحسب صفاته... المديرون يا عزيزي القارئ، كما ستكتشف معي، ينقسمون إلى أربعة أقسام
طبعاً شعور الاستفزاز هذا قد يدفعني إلى فخ السباب والتنمر، لذلك دعونا ننتقل إلى القسم الثاني:
هو الذي يحاول أن يجعل من بعض الموظفين المحددين، وبشكل حصري، أصدقاء له، وهنا لا يكون الهدف من المصادقة نقل الأخبار إليه، لا ولكن لسببين في الأغلب لا ثالث لهما، وهما ربما أنه يدرك بأنك ستطالب بزيادة الراتب، فتراه بمجرد تحويلك إلى صديق له، يعطيك أرقاماً عن حجم ديونه الشخصية ومعاناته المادية، فتتراجع عن مطالبتك بحقك المهدور، لأن مديرك بحسب وصفه قد تجده نائماً في الشارع في أي وقت، ولكن للمفارقة هو نفسه ستجده كل يوم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ينشر صوراً له في أماكن مختلفة بابتسامة عريضة مستفزة.
أما السبب الثاني الذي يدفع هؤلاء المديرين لاتخاذك صديقاً لهم، فهو تصورهم بأن ذلك سيتيح لهم اقتحام خصوصيتك والاتصال بك عند الساعة الثانية فجراً لمناقشة بعض أفكارهم الجديدة في العمل، فيحاولون إيهامك بأن ثقتهم بك مختلفة عن ثقتهم بالآخرين، ولكن في الحقيقة هم يريدون أن يسمعوا أفكارك لينسبوها لاحقاً إلى أنفسهم لا أكثر.
وهنا إذا صادفتم هذا النوع، فيا عزيزي/ عزيزتي الموظف/ ة، قدّم/ ي استقالتك فوراً ولا تتردد/ ي.
الآن دعونا ننتقل إلى القسم الثالث، وهو القسم المحبب إلي، وهو المدير الذي كان في السابق على ما يبدو منبوذاً في صغره، وتجده يريد من جميع الموظفين أن يجتمعوا في مكتبه بشكل شبه يومي ليدلو بدلوه أمامهم ويقدم أفكاره المتكررة، وغالباً هذا النوع سيوكل إليك كل يوم مهام جديدةً ومختلفةً عن سابقاتها، ولكن لحسن الحظ ذاكرة هؤلاء تكون قصيرةً مقارنةً بالمهام التي يصدرونها، فتراه ينسى كل ما طالبك به خلال الشهر الماضي، ويبدأ بمهام جديدة في الشهر الجديد، لذلك فإن ذاكرتهم القصيرة منفعة لنا. ولو لم تكن كذلك لكنا جميعاً اليوم عاطلين عن العمل.
النوع الرابع...
عذراً لقد وصلت إلى مكتب المدير الجديد، سنكمل لاحقاً عزيزي/ عزيزتي القارئ/ ة...
ما أن وصلت حتى استقبلني بطريقة لطيفة وودودة وكانت ابتسامة لزجة، ولكنها في النهاية ابتسامة تنذر بواقع جديد. أدركت ذلك جيداً عندما نهض ليجلس أمامي تاركاً كرسيه الرئيسي حيث كان يحمل في يده ورقةً وقلماً. ظننت أن الأمور ستكون مختلفةً وأنني سأكون لأول مرة أمام تقييم حقيقي.
في بداية الحديث، بدأ يشرح كيف وصل إلى منصبه هذا، وحجم معاناته، وكيف بدأ من الصفر ومدى عصاميته، فبدا على ملامحي امتعاض مصحوب بالعبارة المنسوبة إلى الزعيم المصري سعد زغلول: "ما فيش فايدة".
واستكمل حديثه عن رؤيته المستقبلية، وكيف أن الشركة معه ستكون مختلفةً كلياً عما سبق، وكانت الأمور اعتيادية بكل عباراتها و"كليشيهاتها"، إلى أن قال العبارة الأكثر استفزازاً لي، ولأي قارئ مستقبلي لهذا المقال، والتي وقعت على مسامعي كالصاعقة: "كما تعلم نحن هنا لسنا مجرد شركة. نحن عائلة واحدة".
هنا انتفضت من مكاني معترضاً بشدة على العبارة القذرة، وقررت أن أُخرج ما في رأسي من تراكمات مواقف ومصائب حلّت عليّ بعد سماع عبارة "نحن عائلة".
صحت فيه قائلاً: كلا لسنا عائلةً، ولن نكون في يوم من الأيام كذلك، وأنت تدرك ذلك جيداً، فأنا اليوم أراك لأول مرة في حياتي، وثقتي بك في هذه اللحظة تماماً كثقتي بمترجم الأفلام الصينية، الذي أتمنى أن يكون ما يكتبه حقيقياً ولكن في الحقيقة لست أدري. أيضاً لدي أكثر من سؤال وملاحظة ستجعلك تتراجع عن هذه العبارة بما فيها من إهانة للعائلة:
ففي أي عائلة لا نعيد ونكرر مصطلح نحن عائلة، لأننا حقاً عائلة وهذا من البديهيات.
ثم دعني أطرح عليك هذا السؤال: عندما تمرض في عائلتك هل يكذبونك ويطالبونك بضرورة إحضار تقرير طبي يشرح سبب تغيّبك عن المنزل في ذاك اليوم؟
الجواب قطعاً لا، بل على العكس ستجدهم يهتمون بصحتك ويحاولون التخفيف عنك حتى لو كنت تمثّل أنك مريض.
عزيزي المدير: لسنا عائلةً، ولن نكون في يوم من الأيام كذلك... عندما تمرض في عائلتك هل يكذبونك ويطالبونك بضرورة إحضار تقرير طبي يشرح سبب تغيّبك عن المنزل في ذاك اليوم؟
ثم هل هناك عائلة ستطلب منك القيام بواجبات إضافية تحت مسمى العائلة؟ فإذا حصل معك هذا الأمر، صدقني أن المشكلة ستكون في العائلة نفسها لا في فكرة العائلة، فآخر عائلة أقدمت على ذلك في حق شعبها كانت عائلة الفراعنة، وهو ما نسميه اليوم زمن العبودية لا زمن العائلة.
ثم هل في حياتك عائلة منذ تأسيس أول أسرة في التاريخ، لديها HR؟ فلو أن هذا من متطلبات العائلة لكان أجدادنا قد فعلوها من ضمن العديد من العادات الغريبة التي أورثونا إياها.
يا أستاذي، في العائلة نأكل ونشرب وننام وتكون العائلة سعيدةً إلى أن يكون لدينا ما نقوم به من مهام جماعية كالتنظيف أو تصليح شيء ما، وهنا ستجد الصراخ قد بدد السعادة في المنزل، لا لشيء إنما لأن العمل لا علاقة له بمصطلح العائلة.
المدير الذي يقول لك إننا عائلة هو النوع الرابع وهو أسوأ نموذج من بين كل ما سبق من تصنيفات للمديرين.
وفي الختام هذه استقالتي أقدّمها لك، وسأرحل عن عائلتك السعيدة، وهذه الاستقالة دليل إضافي بأننا لسنا عائلةً، فهل تستطيع أن تقدّم استقالتك من العائلة؟
الجواب لا. وفعلاً خرجت من المكتب وأنا أفكر في ما قلت. وهنا تذكرت عزيزي/ عزيزتي القارئ/ ة أن أقول لكم إن المدير الذي يقول لك إننا عائلة هو النوع الرابع وهو أسوأ نموذج من بين كل ما سبق من تصنيفات للمديرين.
صحيح، هناك نوع خامس، هو نادر فعلياً لكنه موجود. لو صادفكم، حافظوا عليه وعلى عملكم برموش العيون. لم يصادفني إلى الآن ولا أعتقد أنني محظوظ إلى هذه الدرجة.
وشكراً مع فائق احترامي.
أتمنى ألّا يقرأ مديري في العمل هذا المقال.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.