شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحب نفسي وأكثر من ذلك: كيف أصبحت أقوى وألطف مع نفسي؟

أحب نفسي وأكثر من ذلك: كيف أصبحت أقوى وألطف مع نفسي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأحد 17 سبتمبر 202311:35 ص

"لو كنت قاسية على الآخرين بقدر ما قسوت على نفسي لما تجرّأ أحد على أذيّتي".

كلّما انتهيت من جلد ذاتي لأني سمحتُ للآخرين بأذيتي، أكرّر هذه الجملة وكأنها الحلّ المثالي لكوني "people pleasanter"، أو شخصاً يسعى لإرضاء الآخرين على حسابه الشخصي، لكنّي اليوم أحاول التفكير معكم بصوتٍ مرتفعٍ: أين يكمن الخلل حقيقةً، في لطفي مع الآخرين أو قسوتي على نفسي؟

أشعر بالحماقة بينما أُخرج هذا السؤال من دماغي إلى الملأ، إذ تبدو الإجابة أسهل من أن أقضي سنواتٍ من عمري أفكّر بها: "الاتّزان". عليّ الوقوف في المنطقة الوسطى بين القسوة واللين، وها هي ذي نهاية سعيدة أخرى، تصلح لأن تندرج ضمن المناهج التربوية ونكتب عنها قصص فنتازيا للأطفال.

من يؤذيني؟

تحوّلت للقول إن الآخرين يؤذوني بطريقةٍ ما، وهذه القناعة جاءت بعد محاولاتٍ عديدةٍ للتوقّف عن دفاعي غير المبرّر عنهم، انطلاقاً من كوني أكره موقع الضحية، وهكذا انتقلت من: "ما كان بدهم يعملوا فيني هيك، ما لاقوا طريقة أفضل" إلى: "استغلّوني، عطيتهم وجه فعملوه مخدّة"، بينما أكتشف أن كلا المقولتين مثيرتان للشفقة.

طالما اعتقدتُ بأني امرأة قويةٌ رغم كلّ شيء، ولكوني لم أتعلّم أبداً كيف أكون قويةً حقاً، اتبعت الطرق التقليدية، فعندما أشعر بأن قلبي سيتوقف من الحزن أحوّل هذه المشاعر لكتلة كبيرة من النعاس، وهكذا حققتُ معظم نجاحاتي المهنية: هاربة من غضب لم أتحدث عنه أبداً

لطالما اعتقدتُ بأني امرأة قويةٌ رغم كلّ شيء، ولكوني لم أتعلّم أبداً كيف أكون قويةً حقاً، اتبعت الطرق التقليدية، فعندما أشعر بأن قلبي سيتوقف من الحزن أحوّل هذه المشاعر لكتلة كبيرة من النعاس، ولا أستيقظ إلا بعد دفنه عميقاً في لا وعيي معتقدةً أني تخلّصت منه، ولأن الحزن بحرٌ ساكنٌ والغضب بركان، أشغل نفسي بأضعاف ما أستطيع حتى أستغل طاقتي بأكبر قدرٍ مهني ممكن؛ وهكذا حققتُ معظم نجاحاتي المهنية: هاربة من غضب لم أتحدث عنه أبداً.

بطريقةٍ ما كان عليّ الاعتراف بأن أفكاري وصوري الذهنية التي لم يساعدني المجتمع على تجاوزها، كانوا عوامل أساسية في أذيّتي النفسية، إذ توّجب بشكلٍ مستمر أن ألقي اللوم على شخصٍ ما؛ وبهذا تتحوّل نقاشاتي حول ما أحسست وكيف تصرّفت، أو كيف تصرّف الآخرون وأحسوا، إلى مسابقاتٍ لمعرفة المخطئ، ولتبرير الأفعال وللتفريغ غير المسؤول عن الغضب والخوف، وتنتهي بتعب أحد الأطراف وقبوله بتحمّله اللوم هذه المرة، ولو تبيّن بأني مخطئة سأجلد نفسي لأني آذيت من أحب، أمّا لو كنت على حق سأجد ثغرةً تسمح لي بجلد نفسي.

أعتقد أنني أكرّر هذه السلوكيات لأني "لطيفة"، لكنّي انتبهت لكوني عوملت في أحياناً على أني سبب رئيسي في مشاكلٍ لم ترتبط بي حتى، وآمنت بأن "الوعاء الكبير يتسع للصغير"، وبأن على البنت "اللطيفة" تنفيذ رغبات من تحب، مهما ناقضت رغباتها الشخصية، وهذه حلقة مفرغة عليّ كسرها، وإن لم يكن على رأس من أحببت يوماً.

لست فخورةً بكوني انصعت لهذه الأفكار، ليس لأني أحاول ألا أبدو "دراما كوين"، وليس أني أؤجل كل اللحظات الرومنسية مع من أحب فقط لأني نسجت فكرةً لا علاقة لها بالواقع تجعلني أشعر بأني "عبءٌ غير مرغوب" عليه، ولا لأني لا أعبّر كثيراً عن مشاعري، وأعتقد أن الطريق لأنضج هو المعاناة، ولكن لأني أحاول رغم ذلك، ولأني قطعتُ شوطاً طويلاً لمحاولة فهمه وقبوله دون لوم نفسي عليه أو خجلي منه.

الهرب من المشاكل... خطتي الكسولة

لم أكن يوماً جيدة في المشاكل، أفضّل أن أسلك جميع الطرق الملتوية للصلح على أن أوضع في مشكلةٍ ما، أقول للآخرين إنهم على حق، أعتذر عن أخطاءٍ لم أرتكبها، أُساوم على مساحتي الشخصية أحياناً، على أن أكون في موقفٍ يتطلب مني توضيحاتٍ معينة، أو شرح نواياي أو تصرّفاتي، وهذا سلوك فاقم معظم مشاكلي، وأظن أن له تسمية في الطب النفسي، وإذا لم يكن فلنسمه "سلوك جلنار".

خوفي من التشاكل، يدعمه توتري السريع، إذ يمكن لأي شخصٍ أن يبدأ حديثه بأني خيّبت ظنه، لأقتنع أني فعلتُ ذلك حقاً قبل أن أفهم كيف، وعندما صرت أحاول الدفاع عن نفسي، أشعر بأني ملوثة بدم جثةٍ لم أقتلها، وبطريقةٍ ما علي إقناع الشرطة بهذا، لكني لا أعرف كيف.

وعندما أشعر بأني أريد توضيحاتٍ معينة، أخاف ألا أطلبها بوضوحٍ كافٍ، فأتجنّب الحديث عنها، وأكتفي بسناريوهاتٍ متخيّلة، عادةً تكون أسوأ من الواقع، أو  أنتظر من الآخرين تقديمها وحدهم.

دربٌ خاطئةٌ لحب الذات

على مدى سنواتٍ طويلة، لاحظت سوء سلوكي وتأثيره السلبي على علاقاتي ونقاشاتي على اختلافها، لكنّي كنت أكسل من أن أغيّره؛ إلى أن ألتقيت أخيراً بشخصٍ شعرت، بغرابةٍ، أنّه يستحق بذل الجهد لأجله، وللأسف لم يكن هذا الشخص أنا.

سارت الأمور مثلما يُتوّقع، عند المشكلة الأولى عدتُ بنتاً ضعيفة لا يتجاوز نضجها العاطفي نضج فتاة بعمر العاشرة، اتخذتُ موقفاً دفاعياً، برّرتُ، غضبتُ، وبكيت دون قول أي جملةٍ مفيدة، ومع أني لم أخسره إلا أني قرّرتُ تغيير سلوكي، وأن أتعلّم حب نفسي مسبقاً.

عبّرت عن حبي لذاتي مثلما كنت أعبّر عن حبي للآخرين، جلبت لنفسي هدايا أحبها، سمحت لها بشرب الكثير من الكحول وممارسة الرياضة وأخذ العطل الطويلة، غير أنه لم يساعد، فلاحظت مجدّداً اني سلكتُ طريقاً خاطئة لهدفٍ نبيل، وكما يقول دانتي: "الطريق نحو الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة".

لا أريد أن أكون أقسى مع الآخرين، بل أريد أن أكون ألطف مع ذاتي، وذلك لا يعني فقط عدم جلدها، بل السماح لها بالتعبير عما تريد وما لا تريد، وعدم السماح للآخرين بتعدّي مساحتها الخاصة، فلربما كان أهم ما أحتاجه اليوم هو أن أجد طريقةً لأرضي نفسي بدلاً من إرضاء البقية

تأخرت لأفهم أن حب الذات، يتطلب ما هو أكثر وأبسط مما فعلت: الشعور بأنك مفهوم، مرئي ومسموع... ومهم، وهذا ما لم أفعله مع ذاتي ولا مع من أحب.

خاتمة مختلفة لفيلم هوليوودي

شدّتني دائماً أفلام هوليوود التي تتناول تطوّر الشخصيات اللطيفة والبسيطة في المجتمع إلى شخصياتٍ شريرة، وتجعلنا بطريقةٍ ما نتعاطف معها، مثلما فعلنا مع "الجوكر" أو "ميلفسينت"، وفكرت مطوّلاً بأن لي مستقبلاً مشابهاً.

لم يخبرني حبيبي بأنه يحبني أبداً، فافترضت أنه لا يفعل، وبأنه سيشرح لي يوماً ما كيف لم أكن الفتاة التي يريد أو يحب، تاركاً قبلةً باردةً على شفتي، وبشكلٍ مشابه صدّقت بأن عائلتي وأصدقائي سينسونني تماماً بمجرد وصولي إلى بلدٍ آخر، ومع أن كلا الأمرين مستبعد إلا أنّهم قضّا مضجعي.

ظللتُ أفكر في حوادثٍ مشابهة حصلت ولم تحصل معي، منتظرةً اللحظة السحرية لتحوّلي إلى بنتٍ قوية لا تُكسر، لأرغم الجميع على التعامل معي كما يجب، غير أني فهمت أخيراً بأن هذا آخر ما أريد.

لا أريد أن أكون أقسى مع الآخرين، بل أريد أن أكون ألطف مع ذاتي، وذلك لا يعني فقط عدم جلدها، بل السماح لها بالتعبير عما تريد وما لا تريد، وعدم السماح للآخرين بتعدّي مساحتها الخاصة، فلربما كان أهم ما أحتاجه اليوم هو أن أجد طريقةً لأرضي نفسي بدلاً من إرضاء البقية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard