شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لازم تتعوّدوا كل شهر بتجيكم"... الدورة الشهرية أخطر من الأسلحة والممنوعات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الخميس 7 سبتمبر 202311:19 ص

تنتشر كل فترة حملات إلكترونية تدعو الفتيات للاحتفاء بالدورة الشهرية، وتقبّلها كأي مأساة تمرّ على حياتنا. تعنون العديد من المنظمات احتفالاتها بـ "كسر الصمت" والقيود والمعاناة التي تواجه الفتيات خلال مرورهن بالدورة الشهرية، متحدية نفور المجتمع من دم النساء، والعار الذي مازال ينتاب الفتيات.

الحيض حقيقة من حقائق الحياة وحدث شهري طبيعي لـ 1.9 مليار فتاة وامرأة في سن الإنجاب حول العالم، و107 مليون منهن يعشن في المنطقة العربية. غير أن الملايين من المراهقات والنساء في جميع أنحاء العالم عليهن تحمل الآلام وتغيّر المزاج وتقبل الحياة خلال الفترة التي تكون في بعض الأحيان شهراً كاملاً -ما قبل الدورة وبعدها وأثنائها- وتختلف درجات الألم والمشاعر تبعاً للمنطقة الجغرافية التي نعيش فيها، والمكان الذي نتواجد فيه، ومن جسد إلى آخر.

الدورة أخطر من الأسلحة والممنوعات

عندما تزورني دورتي الشهرية، تسيطر عليّ "الهرمونات والمزاجية"، كما يسميها الأصدقاء، والتي يتجنبونني بسببها. يحمّل أصدقائي دورتي الشهرية كلّ ردّات فعلي، سواء كانت عاطفية أو عقلانية. تضاهي الدورة وصمة العار، بل وقد تنافسها للحصول على المركز الأول،  فيسقط الاغتصاب أمامها كفكرة، وتهيمن الرجولة أمام ذكرها، حتى تبدو أخطر من الأسلحة النووية، إذ يهرب الأغلبية من ذكر اسمها خوفاً على أنفسهم وعاداتهم وتقاليدهم التي أكل عليها الدهر، فكيف نتجرّأ نحن الفتيات ونقول إننا في الدورة الشهرية؟

قال لي صديقي مرة: "لازم تتعودو، كل شهر بتجيكن، وكل شهر بتزعجونا بمزاجيتكن، تعوّدوا عليها وما بقى تنقوا"، نظرت إليه وإلى نفسي: كيف أشرح له أننا نجدّد مشاعرنا في كل مرة مع الدورة، إذ تبدو جديدة تماماً كما لو أني لم أمرّ بها سابقاً

تسارع الأمهات لإخفاء هذا "العيب"، فيخبّئن الفوط الصحية في المنزل، يلفّ الباعة الفوط الصحية بأكياس سوداء وكأننا نحمل المخدرات، وعندما تأتي أمي إليّ  بعلبة الفوط أشعر وكأنها تهرب لي مواد ممنوعة، وتطلب مني بكل حزم تخبئتها في خزانة ملابسي حتى لا يراها أخي!

لا يبدو واضحاً لي سبب  كل هذا التكتّم والسرية على الفوط الصحية (المحارم النسائية)، وكأنهاً تهدّد الأمن القومي، أو حرية الفرد أو حياة المواطنين؟

فيلم "المرأة الحائض تلوث ما تلمسه"

على مرّ التاريخ، نُسجت القصص حول المرأة الحائض، قصص مستمرّة لليوم، تزور منازلنا وتجلس بيننا، منقوشةً في عقول آبائنا وأجدادنا ويورثوننا إياها قبل جيناتهم وأمراضهم وملامحهم، بل ويعلموننا إياها كدروس التاريخ التي لا تحرّف، والشعارات التي لا تتغيّر، ونمارسها نحن بدورنا مع أطفالنا، حتى لا تفنى.

الشائع في كثير من المجتمعات، أنّ النساء يفشلن في تحضير وصفات أطعمة معينة، إذ اعتُقِد أن المرأة الحائض تلوث الطعام؛ لأن "نجاسة الدورة" تفسده، ما يجعل أفراد العائلة يمتنعون عن تناول ما تعدّه المرأة الحائض. هذا الأمر شائع في البلدة التي ولدت فيها أمي وجدتي، ينسجن من العادات ملابس تليق بالمجتمع ولكنها لا تناسبهن، أغلب النساء، ومنهن جدتي ووالدتي، يبتعدن عن لمس بعض الأغذية، وخاصة ما نسميه في سورية "المونة" إضافة إلى الزيت طبعاً والسكر وغيره؛ لأن في معتقداتهن يصبحُ فاسداً وملوثاً، لا يصلح لنتناوله، بل وقد يمتلئ بالنمل والحشرات بسبب الدم الفاسد الذي لا ننزفه على الطعام ولا نجعله إحدى الوجبات بالنسبة لتلك الحشرات، وهكذا تعيش الكثير من النساء وهن ممنوعات من الاقتراب من أي شيء.

لماذا سأحتفي بدورتي؟

من جهة أخرى، لا يعني كل هذا أني  أريد الاحتفاء بدورتي، ماذا لو كرهتها؟ بخاصة أنها مصدر قلق دائم لي لأنني لا أمتلك ثمن الفوط الصحية؟ تجعلني هذه الأسئلة دائماً في حالة انزعاج من دورتي ومن الألم الذي يرافقها، ومن ثمن الفوط الذي يرتفع سعره تبعاً للدولار، لا أدري ما علاقة الدولار بثمن الفوط ومازلنا نتداول الليرة السورية رسمياً؟ ليس على لسان أصحاب المحلات سوى أن الدولار ارتفع والخسارة تتوّج نهاية كل يوم، لنعود إلى المتاهة المادية، فالأجور التي نتقاضاها لا تكفي المعيشة.

الفوط أمر أساسي ولكن الحكومة تراها رفاهية للنساء فتتركها لعبة للتجّار، ولا حلول أمام الفتيات، تطالب بعض العائلات الإناث في منازلهم باستخدام بديل عن الفوط الصحية، مثل الأقمشة والقطع المستخدمة البالية، ومنهن من يقضين دورتهن يغسلن ملابسهن دون أن يضعن شيء يحميهن من الدم أو الإفرازات، فكيف إذن سأحتفل بدورة لا يأتيني منها سوى البلل والألم والخوف من البقاء دون عمل؟

أريد فقط أن أُترك وشأني في فترة حيضي، وأن تكون عذراً كافياً للتغيّب عن العمل، وألا أوفّر بمصروفي حتى أشتري الفوط، وعندما أفعل أن أقول شكراً للبائع وأنا أنظر في عينيه، لا أن أركض خجلةً من جرأتي، أريد أن تتوقّف الدورة الشهرية عن إجباري على كتابة مقالاتٍ كثيرةٍ حولها

لا أحب البلل والتقلصات

أطمح إلى أيام عادية دون ألم وتقلبات نفسية، لا أحب شعور البلل ولا أجيد تهيئة نفسي للدورة وآلامها، على العكس، ألعن وأشتم الدورة والألم والحياة، وكل شيء يذكرني بها. لا أكره نفسي عندما أشتم الدورة ولا أشعر أنّ علي تقديسها، كما يحاول البعض إقناعي به، أيكفي أن نمتلك رحماً لنغدو "مقدسات"، ماذا عن النساء اللواتي لا يملكنه؟!

لا يجعلني الرحم مميزة ولا يساعدني في أعمالي، ولا يبرّر خوفي وحزني وتأخري عن العمل، لست مقدّسة، أنا مجرّد بشرية، أبرّر غيابي عن العمل عند قدوم الدورة بمرض والدتي أو والدي، أكرهها ويكرهني من حولي بسببها، بسبب مزاجي المتعكّر والآلام الشديدة التي يصعب تحديدها، بالإضافة إلى ردودِ أفعالي السريعة وحساسيتي العالية، والتي تسببت في إنهاء علاقاتٍ متينةٍ واتخاذ قراراتٍ متسرّعة، أدفع ثمنها لاحقاً.

قال لي صديقي مرة: "لازم تتعودو، كل شهر بتجيكن، وكل شهر بتزعجونا بمزاجيتكن، تعودوا عليها وما بقى تنقوا"، نظرت إليه وإلى نفسي، كيف أشرح له أننا نجدّد مشاعرنا في كل مرة مع الدورة، إذ تبدو جديدة تماماً كما لو أني لم أمرّ بها سابقاً، ففي شهر أحب تناول الليمون وفي الشهر التالي أكرهه، وهكذا أتحمّل ألمي وكلام صديقي الفارغ.

أتمنى أحياناً أن يكون للرجال دورة شهرية لأرى كيف سينظرون إلى أنفسهم والحياة وإلينا كنساء، كيف سنتعايش معهم وقتها، ربما سنتصرف مثلهم ونتكلم بسخرية عن آلامهم!

أما أنا؛ أريد فقط أن أُترك وشأني في فترة حيضي، أن تسمح لي أمي بالعبث بمؤونة المنزل، وأن تكون عذراً كافياً للتغيّب عن العمل، وألا أوفّر بمصروفي حتى أشتري الفوط، وعندما أفعل أن أقول شكراً للبائع وأنا أنظر في عينيه، لا أن أركض خجلةً من جرأتي، أريد أن تتوقّف الدورة الشهرية عن إجباري على كتابة مقالاتٍ كثيرةٍ حولها، أريد أن أمشي وأنا حرّة دون ألم أو خوف من البلل، لا أريد أن أشعر بالتعب عندما أحتاج إلى الركض والمشي والرياضة، لا أريد أن أشعر بمزاجيتي عند كلّ موقف، فهي متعبة جداً لي، أريد أن أحبّ دورتي وأن أتعايش معها دون الحاجة للذعر والتفكير والقلق عند قرب موعد مجيئها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image