تنتشر كل فترة حملات إلكترونية تدعو الفتيات للاحتفاء بالدورة الشهرية، وتقبّلها كأي مأساة تمرّ على حياتنا. تعنون العديد من المنظمات احتفالاتها بـ "كسر الصمت" والقيود والمعاناة التي تواجه الفتيات خلال مرورهن بالدورة الشهرية، متحدية نفور المجتمع من دم النساء، والعار الذي مازال ينتاب الفتيات.
الحيض حقيقة من حقائق الحياة وحدث شهري طبيعي لـ 1.9 مليار فتاة وامرأة في سن الإنجاب حول العالم، و107 مليون منهن يعشن في المنطقة العربية. غير أن الملايين من المراهقات والنساء في جميع أنحاء العالم عليهن تحمل الآلام وتغيّر المزاج وتقبل الحياة خلال الفترة التي تكون في بعض الأحيان شهراً كاملاً -ما قبل الدورة وبعدها وأثنائها- وتختلف درجات الألم والمشاعر تبعاً للمنطقة الجغرافية التي نعيش فيها، والمكان الذي نتواجد فيه، ومن جسد إلى آخر.
الدورة أخطر من الأسلحة والممنوعات
عندما تزورني دورتي الشهرية، تسيطر عليّ "الهرمونات والمزاجية"، كما يسميها الأصدقاء، والتي يتجنبونني بسببها. يحمّل أصدقائي دورتي الشهرية كلّ ردّات فعلي، سواء كانت عاطفية أو عقلانية. تضاهي الدورة وصمة العار، بل وقد تنافسها للحصول على المركز الأول، فيسقط الاغتصاب أمامها كفكرة، وتهيمن الرجولة أمام ذكرها، حتى تبدو أخطر من الأسلحة النووية، إذ يهرب الأغلبية من ذكر اسمها خوفاً على أنفسهم وعاداتهم وتقاليدهم التي أكل عليها الدهر، فكيف نتجرّأ نحن الفتيات ونقول إننا في الدورة الشهرية؟
قال لي صديقي مرة: "لازم تتعودو، كل شهر بتجيكن، وكل شهر بتزعجونا بمزاجيتكن، تعوّدوا عليها وما بقى تنقوا"، نظرت إليه وإلى نفسي: كيف أشرح له أننا نجدّد مشاعرنا في كل مرة مع الدورة، إذ تبدو جديدة تماماً كما لو أني لم أمرّ بها سابقاً
تسارع الأمهات لإخفاء هذا "العيب"، فيخبّئن الفوط الصحية في المنزل، يلفّ الباعة الفوط الصحية بأكياس سوداء وكأننا نحمل المخدرات، وعندما تأتي أمي إليّ بعلبة الفوط أشعر وكأنها تهرب لي مواد ممنوعة، وتطلب مني بكل حزم تخبئتها في خزانة ملابسي حتى لا يراها أخي!
لا يبدو واضحاً لي سبب كل هذا التكتّم والسرية على الفوط الصحية (المحارم النسائية)، وكأنهاً تهدّد الأمن القومي، أو حرية الفرد أو حياة المواطنين؟
فيلم "المرأة الحائض تلوث ما تلمسه"
على مرّ التاريخ، نُسجت القصص حول المرأة الحائض، قصص مستمرّة لليوم، تزور منازلنا وتجلس بيننا، منقوشةً في عقول آبائنا وأجدادنا ويورثوننا إياها قبل جيناتهم وأمراضهم وملامحهم، بل ويعلموننا إياها كدروس التاريخ التي لا تحرّف، والشعارات التي لا تتغيّر، ونمارسها نحن بدورنا مع أطفالنا، حتى لا تفنى.
الشائع في كثير من المجتمعات، أنّ النساء يفشلن في تحضير وصفات أطعمة معينة، إذ اعتُقِد أن المرأة الحائض تلوث الطعام؛ لأن "نجاسة الدورة" تفسده، ما يجعل أفراد العائلة يمتنعون عن تناول ما تعدّه المرأة الحائض. هذا الأمر شائع في البلدة التي ولدت فيها أمي وجدتي، ينسجن من العادات ملابس تليق بالمجتمع ولكنها لا تناسبهن، أغلب النساء، ومنهن جدتي ووالدتي، يبتعدن عن لمس بعض الأغذية، وخاصة ما نسميه في سورية "المونة" إضافة إلى الزيت طبعاً والسكر وغيره؛ لأن في معتقداتهن يصبحُ فاسداً وملوثاً، لا يصلح لنتناوله، بل وقد يمتلئ بالنمل والحشرات بسبب الدم الفاسد الذي لا ننزفه على الطعام ولا نجعله إحدى الوجبات بالنسبة لتلك الحشرات، وهكذا تعيش الكثير من النساء وهن ممنوعات من الاقتراب من أي شيء.
لماذا سأحتفي بدورتي؟
من جهة أخرى، لا يعني كل هذا أني أريد الاحتفاء بدورتي، ماذا لو كرهتها؟ بخاصة أنها مصدر قلق دائم لي لأنني لا أمتلك ثمن الفوط الصحية؟ تجعلني هذه الأسئلة دائماً في حالة انزعاج من دورتي ومن الألم الذي يرافقها، ومن ثمن الفوط الذي يرتفع سعره تبعاً للدولار، لا أدري ما علاقة الدولار بثمن الفوط ومازلنا نتداول الليرة السورية رسمياً؟ ليس على لسان أصحاب المحلات سوى أن الدولار ارتفع والخسارة تتوّج نهاية كل يوم، لنعود إلى المتاهة المادية، فالأجور التي نتقاضاها لا تكفي المعيشة.
الفوط أمر أساسي ولكن الحكومة تراها رفاهية للنساء فتتركها لعبة للتجّار، ولا حلول أمام الفتيات، تطالب بعض العائلات الإناث في منازلهم باستخدام بديل عن الفوط الصحية، مثل الأقمشة والقطع المستخدمة البالية، ومنهن من يقضين دورتهن يغسلن ملابسهن دون أن يضعن شيء يحميهن من الدم أو الإفرازات، فكيف إذن سأحتفل بدورة لا يأتيني منها سوى البلل والألم والخوف من البقاء دون عمل؟
أريد فقط أن أُترك وشأني في فترة حيضي، وأن تكون عذراً كافياً للتغيّب عن العمل، وألا أوفّر بمصروفي حتى أشتري الفوط، وعندما أفعل أن أقول شكراً للبائع وأنا أنظر في عينيه، لا أن أركض خجلةً من جرأتي، أريد أن تتوقّف الدورة الشهرية عن إجباري على كتابة مقالاتٍ كثيرةٍ حولها
لا أحب البلل والتقلصات
أطمح إلى أيام عادية دون ألم وتقلبات نفسية، لا أحب شعور البلل ولا أجيد تهيئة نفسي للدورة وآلامها، على العكس، ألعن وأشتم الدورة والألم والحياة، وكل شيء يذكرني بها. لا أكره نفسي عندما أشتم الدورة ولا أشعر أنّ علي تقديسها، كما يحاول البعض إقناعي به، أيكفي أن نمتلك رحماً لنغدو "مقدسات"، ماذا عن النساء اللواتي لا يملكنه؟!
لا يجعلني الرحم مميزة ولا يساعدني في أعمالي، ولا يبرّر خوفي وحزني وتأخري عن العمل، لست مقدّسة، أنا مجرّد بشرية، أبرّر غيابي عن العمل عند قدوم الدورة بمرض والدتي أو والدي، أكرهها ويكرهني من حولي بسببها، بسبب مزاجي المتعكّر والآلام الشديدة التي يصعب تحديدها، بالإضافة إلى ردودِ أفعالي السريعة وحساسيتي العالية، والتي تسببت في إنهاء علاقاتٍ متينةٍ واتخاذ قراراتٍ متسرّعة، أدفع ثمنها لاحقاً.
قال لي صديقي مرة: "لازم تتعودو، كل شهر بتجيكن، وكل شهر بتزعجونا بمزاجيتكن، تعودوا عليها وما بقى تنقوا"، نظرت إليه وإلى نفسي، كيف أشرح له أننا نجدّد مشاعرنا في كل مرة مع الدورة، إذ تبدو جديدة تماماً كما لو أني لم أمرّ بها سابقاً، ففي شهر أحب تناول الليمون وفي الشهر التالي أكرهه، وهكذا أتحمّل ألمي وكلام صديقي الفارغ.
أتمنى أحياناً أن يكون للرجال دورة شهرية لأرى كيف سينظرون إلى أنفسهم والحياة وإلينا كنساء، كيف سنتعايش معهم وقتها، ربما سنتصرف مثلهم ونتكلم بسخرية عن آلامهم!
أما أنا؛ أريد فقط أن أُترك وشأني في فترة حيضي، أن تسمح لي أمي بالعبث بمؤونة المنزل، وأن تكون عذراً كافياً للتغيّب عن العمل، وألا أوفّر بمصروفي حتى أشتري الفوط، وعندما أفعل أن أقول شكراً للبائع وأنا أنظر في عينيه، لا أن أركض خجلةً من جرأتي، أريد أن تتوقّف الدورة الشهرية عن إجباري على كتابة مقالاتٍ كثيرةٍ حولها، أريد أن أمشي وأنا حرّة دون ألم أو خوف من البلل، لا أريد أن أشعر بالتعب عندما أحتاج إلى الركض والمشي والرياضة، لا أريد أن أشعر بمزاجيتي عند كلّ موقف، فهي متعبة جداً لي، أريد أن أحبّ دورتي وأن أتعايش معها دون الحاجة للذعر والتفكير والقلق عند قرب موعد مجيئها.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.