سرعان ما تحول الغضب العارم الذي ساد المجتمع الإيراني بعد أن قضت نحبها الشابة مهسا (جينا) أميني (22 عاماً)، في الجمعة 16 أيلول/سبتمبر الجاري، عند احتجازها على أيدي شرطة الحجاب، إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية والحملات الإعلامية ضد قانون الحجاب القسري، والنظام الإسلامي.
وبدأت الاحتجاجات في مدينة سقِّز الواقعة في محافظة كُردستان إيران، حيث تعيش عائلة مهسا، منذ يوم السبت الماضي 17 أيلول/سبتمبر، عند جنازة الفتاة، والتي حضرها المئات، إذ ندد المشاركون بأعمال العنف التي تستخدمها الشرطة ضد الفتيات لفرض الحجاب، كما قامت مجموعة من النساء المشاركات بخلع حجابهن، والتلويح به وسط هتافات باللغة الكردية أبرزها شعار "ژن ژیان ئازادي"، ويعني (المرأة، الحياة، الحرية).
وما زالت الاحتجاجات العفوية متواصلة في مدن كُردستان وسط فرض أجواء أمنية وردّ عنيف من الشرطة خلّف سقوطَ قتلى وجرحى، كما بادرت السلطات المحلية بقطع الإنترنت.
ونقلت وسائل إعلام كردية عن إضراب عام في أسواق المحافظة خلال الأيام الماضية، قد واجهتها الحكومة بالتهديد والرعب وتنفيذ أحكام قانونية ضدّ كلِّ من لم يتراجع عن الإضراب.
طلاب الجامعات في الطليعة
وخرج الطلاب الجامعيون بمسيرات عفوية غاضبة في أكثر من جامعة حكومية بالعاصمة طهران وإصفهان، منددين بسلوك دوريات الحجاب، ورافضين للحجاب الإلزامي، مطالبين بتحقيق العدالة في مقتل الشابة مهسا التي كانت قد دخلت الجامعة للتوّ في مسقط رأسها. وقد حاولت قواتُ حرسِ الجامعة بمساعدة الطلاب المنضوين لمکتب البَسيج (مقرّات تابعة للحرس الثوري داخل الجامعات)، الحدَّ من احتجاجات الطلاب.
قامت مجموعة من النساءِ المشاركاتِ بخلع حجابهن، والتلويح به وسط هتافات باللغة الكردية أبرزها شعار "ژن ژیان ئازادي"، ويعني (المرأة، الحياة، الحرية)
وشهدت كلٌّ من العاصمة طهران ومشهد وكرَج ورَشت يوم الاثنين 19 أيلول/سبتمبر، موجةَ تظاهرات عفوية مصحوبة بخلع الحجاب من قبل الفتيات المشاركات مندّداتٍ بجريمة قتل مهسا أميني وفرض الحجاب على النساء، إذ بات هتاف (المرأة، الحياة، الحرية) رمزاً لهذه الاحتجاجات، إلى جانب هتافات أخرى طالت المرشد الأعلى علي خامنئي ومناهضة للنظام الإسلامي.
وفرقت الشرطة الحشود بالهراوات والغاز المسيل للدموع، وتم إلقاء القبض على العشرات، كما كشف الناشط السياسي الإصلاحي محمود صادقي عن تعرض السياسيين الذين انتقدوا سلوكَ الشرطة في حادث مهسا أميني، إلى مضايقات من قبل جهات مجهولة.
قصصن الشَّعر وخلعن الحجاب
ترك مقتل مهسا أميني جرحاً عميقاً في نفوس الشعب الإيراني الذي تعاطف معه على نطاق واسع، حيث تخطى هاشتاغ #مهسا_امینی باللغة الفارسية 4 ملايين تغريدةً، ومازال الحراك متواصلاً بالفارسية والإنكليزية، إضافة إلى إحصائيات مليونية من منشورات حول الحدث في تطبيقي تلغرام وإنستغرام المستخدمين بوفرة في إيران.
وعبرت الناشطات الإيرانيات عن غضبهن تجاه القمع المستمر ضد المرأة، بقصِّ شّعرهن أو خلع حجابهن، وانضمت الممثلتان كَتايون رِياحي وشَبْنم فَرشادْجو إلى حملة خلع الحجاب التي نالت تفاعلاً قوياً من رواد منصات التواصل الاجتماعي.
ونقل الناشط والمصور محمد رضا مانْدَني: "شاهدتُ اليوم كثيراً من النساء اللواتي خلعن حجابهن في شوارع العاصمة. نظرت إليهن باستحسان وابتسامة".
الرئيس يدخل خطَّ الأزمة
وفي اتصال هاتفي مع عائلة مهسا، عزى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي العائلةَ، وأكد على أهمية إعلان نتيجة لجنة تقصي الحقائق للرأي العام، بينما نقلت وسائل إعلام أن والد مَهسا وخلال هذا الاتصال فند جميع المزاعم التي نشرها الإعلام الحكومي حول الحالة الصحية لابنته قبل توقيفها من قبل الشرطة، وأكد على صحتها التامة قبل دخولها مخفر الشرطة.
وبينما يؤكد الكثير من بينهم أسرة مهسا والمحتجِزات معها على أنها تعرّضت للضرب على يد عناصر الشرطة وواجهت الإهمال في نقلها للمستشفى، تنفي الشرطة والداخلية أي عنف وإهمال في هذا الصدد.
وفي مواجهته للمطالبات الشعبية بنشر جميع مقاطع الفيديو دون تقطيع، خاصة أثناء احتجاز الفتاة وركوبها سيارة الشرطة في شوارع طهران، حيث أن ملابس ضباط دوريات الحجاب مزودة بكاميرات مراقبة، ردّ قائد شرطة طهران اللواء حسين رحيمي في مؤتمر صحافي: "ما جرى كان حادثاً مؤسفاً، ولكن ملابس ضباط الشرطة عند اعتقال مهسا أميني كانت بلا كاميرات". لكن هذه التصريحات عزّزت يقين البعض في قضية الضرب.
"المتهم يعقد مؤتمراً صحافياً ويبرر أفعاله وينفي كل الاحتمالات حتى سوء المعاملة مع القتيلة، قبل الانتهاء من التحقيقات وبدء المحاكمة"، هكذا جاءت إحدى التعليقات في نقد أقوال قائد الشرطة.
عبرت الناشطات الإيرانيات عن غضبهن تجاه القمع المستمر ضد المرأة، بقصِّ شّعرهن أو خلع حجابهن، وانضمت الممثلتان كَتايون رِياحي وشَبْنم فَرشادْجو إلى حملة خلع الحجاب التي نالت تفاعلاً قوياً من رواد منصات التواصل الاجتماعي
ونشر مستشفى كَسرى الذي كانت ترقد فيه مهسا، على حسابه في إنستغرام: "دخلت مهسا أميني المستشفى دون مؤشرات حيوية وبموت دماغي"، وبعد فترة وجيزة من إصدار البيان وتداوله في شبكات التواصل، تمّ حذفه من حساب المستشفى.
كما حذفت الشركات الناشئة الكبرى في البلاد منشوراتها في تقديم التعازي بمقتل مهسا أميني، بضغوطٍ من شرطة أمن البلاد.
أما الناشط الصحافي عباس عبدي فقد كشف عن طلبٍ تقدمت به جهاتٌ معنية تطالب بعدم التطرق كثيراً لحادثة مهسا.
"يهاجمون الناس ويقطعون النت ويقتلون الناس، والضغوطات مستمرة على الناشطين كي يثبتوا لنا أنهم لم يقتلوا مهسا أميني"، هكذا علّق أحد رواد التواصل الاجتماعي على التصرفات غير القانونية من قبل منفذي القانون خلال الأيام الماضية.
أزمة ثقة متفاقمة
ومنذ سنوات تعاني إيران من أزمة ثقةٍ تتفاقم يوماً بعد يوم بين الدولة والمواطن، بناءً على تجارب سابقة، حيث لم تر النورَ معظمُ لجان تقصي الحقائق التي أمر بها المسؤولون في الكثير من قضايا حقوق الإنسان سابقاً.
وعن هذا الموضوع نشرت صحيفة "شرق" الإصلاحية تقريراً أعادت للأذهان خلاله حكايةَ قتل المصورة الكندية الإيرانية زيبا كاظمي، عام 2002، في سجون إيران، عبر ضربة على جمجمتها ونزيف داخلي أدى إلى موتها بعد أسبوعين في المستشفى، الحدث الذي شغل الرأي العام الإيراني آنذاك، حيث لم تأت نتيجةُ لجنة تقضي الحقائق في محاكمة المجرمين كما كان ينتظرها الشارع.
وما زال يتذكر الإيرانيون إسقاطَ الطائرة المدنية الأوكرانية بصاروخين، عام 2020، ما أدى إلى مقتل جميع ركابها الـ176، من جنسيات إيرانية وغيرها، حيث اتخذ النظام السرّية والتستر على الحادث في ثلاثة أيام متواصلة قبل أن يفصح عن استهداف الطائرة تحت ضغوط دولية ومحلية.
وكتب الناشط حامد بيدي: "حكاية الطائرة الأوكرانية تتكرر. في بادئ الأمر، وبعد أن تم نفي الأشعة المقطعية (CT scan)، التي نشرتها قناة إيران إنترناشيونال وهي تظهر كسوراً بالجمجمة، أفصحت اليوم وكالةُ أنباء فارس (التابعة للحرس الثوري) عن صحة هذه الصورة".
يذكر أن التلفزيون المعارض الذي يبث من لندن كان قد كشف عن الأشعة المقطعية لرأس مهسا، قدمتها مجموعة قراصنة، وتظهر هذه الأشعة كسوراً بسبب مضاعفات ناجمة عن ضربة مباشرة في الرأس.
وحول موجة الاحتجاجات المستمرة في البلاد الناجمة من الغضب المتراكم على صدور الإيرانيين من أفعال الدولة خلال صيف هذا العام، والتي طالت الحقوق الفردية وتسببت بإيذاء المواطنين مع تضخم المشلكة المعيشية، يقول الباحث الاجتماعي سعيد صراف: "تذهب الأمور نحو حركة نشطة اجتماعية مستمرة، لها رمز وهدف بارز، ليست طبقية، بل تضم جميع شرائح المجتمع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...