معرض دمشق الدولي حاضر في الذاكرة الجماعية لأهالي دمشق، يُذكر لأسباب عدّة، منها التجارية، لكونه أكبر فاعلية اقتصادية عرفها الشرق الأوسط في منتصف القرن الماضي، ومنها الفنية نظراً لتزاحم النجوم على خشبة مسرحه، ومنهم فيروز وأم كلثوم في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات. ولكن قليلاً من الناس يذكرون اليوم أنه كان مسرحاً من نوع مختلف، تنافس في فنائه كلٌّ من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية في مطلع الحرب الباردة.
التحضيرات الكبيرة ليوم كبير
بعد طول انتظار وحملة ترويجية كبيرة افتتح المعرض يوم 2 أيلول/سبتمبر 1954، تحت رعاية وبحضور رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي. رافقه في يوم الافتتاح حشدٌ من مصنّعي سوريا والبلاد العربية ومصدّريها ومستورديها ومستهلكيها. قائمة الدول المشاركة ضمّت جميع الدول العربية، بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا والألمانيتين، ومعها بلغاريا وهنغاريا وبولندا ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا من أوروبا الشرقية، وأيضاً الصين والهند والباكستان.
معرض دمشق الدولي حاضر في الذاكرة الجماعية لأهالي دمشق، يُذكر لأسباب عدّة، منها التجارية لكونه أكبر فاعلية اقتصادية عرفها الشرق الأوسط في منتصف القرن الماضي، ومنها الفنية نظراً لتزاحم النجوم على خشبة مسرحه، ومنهم فيروز وأم كلثوم
أقيمت أجنحة مخصصة لكل هذه الدول على طول نهر بردى من جوار التكية السليمانية ومتحف دمشق الوطني، وصولاً إلى "مطعم الشرق" الملاصق لمسرح المعرض، والذي أصبح لاحقاً "مطعم النبلاء" (أغلق عام 2011). ونُصب جسر مؤقت يصل بين ضفتي بردى للوصول إلى وزارة المعارف (السياحة اليوم) دون الحاجة لاستعمال جسر المتحف الوطني، مع وجود منافذ أخرى لدخول الزوار تخفيفاً للضغط على البوابة الرئيسية. سُمح للسيارات، على الرغم من قلّتها يومها، بالوقوف على ضفاف نهر يردى أثناء الفعاليات، ولكن السير توقف كلياً في يوم الافتتاح، ابتداءً من بوابة المعرض، وصولاً إلى طلعة الجبخانة، المعروفة اليوم بطلعة قصر الضيافة.
إعلان معرض دمشق الدولي الأول
شيدت بحيرة البط الشهيرة ونوافير للمياه الملونة، ومعها مجسمات هندسية بأشكال مختلفة، وأعمدة إنارة نيون أبيض ومكبرات صوت ضخمة وزعت على كافة أرجاء أرض المعرض. غطى بثّ إذاعة المعرض كامل الموقع، وكانت تنقل كل الفعاليات، وتنادي أهالي الأطفال المفقودين، مع شرح أوصافهم وملابسهم، وتبثّ أغاني فيروز عند المغيب وأم كلثوم في المساء وحتى منتصف الليل، لتطرب أهالي دمشق وهم يتنزهون على ضفاف بردى. أُقيمت قوس كبيرة عند مدخل المعرض، ومقابلها أعمدة رُفع عليها أعلام الدول المشاركة.
بطاقة الدعوة لحضور العرض سنة 1954الموقع كان استثنائياً بكل المقاييس، واسعاً وخلاباً، مطلاً على شارع الرئيس شكري القوتلي، حيث تقام العروض العسكرية السنوية في عيد الجلاء، والواصل بين ساحتَي المرجة والأمويين. وفي يوم الافتتاح خطب مدير المعرض خالد بوظو، قائلاً إنه "برهان ملموس على ما بلغته جهود أمة فتية ناشئة لم يمضِ على تحريرها بالكامل عقد واحد من السنين، في بعث حضارتها ومسايرة ركب المدنية في التقدم والعمران"، ثم ألقى نائبه سليم الزركلي قصيدة جاء في مطلعها: "اليوم عيدك يا شام فهللي/ وتفتحي عن عالم وجنانِ".
السينراما
أشهر فعاليات الدورة الأولى للمعرض كانت المشاركة الرسمية من الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور. قدمت أمريكا يومها شاشة عرض سينمائية حديثة، اسمها "السينراما"، أبهرت الدمشقيين، وبقيت حاضرة في ذاكرتهم الجماعية لسنوات طويلة.
الأمير طلال بن عبد العزيز في دمشق سنة 1954 لحضور السينراماكان السوريون بالعموم يعرفون المنتجات الأمريكية جيداً عبر سيارات فورد وبونتياك وأفلام هوليوود الشهيرة. أحبوا أفلام الكاوبوي ومغامرات طرزان فتى الأدغال، وفي سنة 1954 عشقوا "السينراما" أيضاً التي رُوِّج لها على أنها "أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الأمريكية"، وكانت السينراما حديثةً بالفعل، لم تعرض بعدُ خارج الولايات المتحدة، ولا حتى في أوروبا، وكان أول ظهور لها في مدينة نيويورك عام 1952، أي قبل معرض دمشق بحوالى سنتين.
السينراما في الصحف السورية جاءت التقنية بتقسيم العرض السينمائي على ثلاث شاشات متلاصقة، لنقل أفلام مصورة بذات العدسة عبر ثلاث كاميرات على شاشة معقوفة وضخمة، بلغ ارتفاعها ثمانية أمتار وعرضها عشرين متراً. عند بدء العرض تبدو وكأنها صورة واحدة من آلة عرض واحدة. ولإكمال الإثارة، رُبطَت المشاهد باثنين وسبعين مكبّر صوت وُزّعت في زوايا العرض في الهواء الطلق، ووُضع أربعة منها خلف الشاشات الثلاث. نُقلت المعدات، التي وصل وزنها إلى 12 طناً، على متن طائرات عسكرية أمريكية حطّت في مطار دمشق، ومعها مولدة كهرباء ضخمة بقوة 62 ألف كيلووات. الأجهزة كلها كانت تقدمة من شركة "وارنر بروس" الأمريكية للإنتاج، وموسيقى العرض كانت بعنوان "أمريكا الجميلة".
التنافس بين الجناح الأمريكي والروسي
كانت الولايات المتحدة يومها في أوج حربها الإعلامية والسياسية مع الاتحاد السوفياتي. وقد تجسد هذا الصراع في سعيها تقزيم الجناح الروسي الضخم المشارك في معرض دمشق الدولي، الذي وصلت تكلفته إلى 500 ألف دولار، وفيه عُرضت السيارات والأسلحة السوفياتية "التشايكا"، مع بعض المنتجات الروسية كالتبغ وملابس الأطفال.
أشهر فعاليات الدورة الأولى للمعرض كانت المشاركة الرسمية من الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور. قدمت أمريكا يومها شاشة عرض سينمائية حديثة، اسمها "السينراما"، أبهرت الدمشقيين، وبقيت حاضرة في ذاكرتهم الجماعية لسنوات طويلة
ومن دون أي شك، نجحت الولايات المتحدة في مخططها نجاحاً باهراً، بفضل السينراما، وزار جناحَها أكثرُ من 100 ألف مواطن سوري، وحضر عرض الشاشات الثلاث أكثرُ من 250 ألف شخص، يتقدمهم الرئيس الأتاسي وولي عهد الكويت الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح.
وزع الجناح الروسي عدداً كبيراً من البطاقات المجانية، ولكن الدمشقيين فضلوا البطاقات المدفوعة الثمن لحضور "السينراما،" والكثير منهم جلسوا على الأرض لمشاهدة العرض، أو فوق الأشجار. عُرضت مناظر الطبيعة من "أمريكا بلد الأحلام"، مع جولة جوية فوق المعالم الأمريكية، مثل تمثال الحرية وشلالات نياغارا.
معرض دمشق الدولي في بداياتهوكان الأمريكيون يخبزون الحلويات الأمريكية ويقدمونها إلى الأطفال، بنكهات جديدة مثل الفراولة والموز، ويعرضون شاشات التلفزيون الحديثة التي لم تكن قد وصلت سوريا بعد. إضافة للسينراما، جاء الأمريكان بشاشة تلفزيون كبيرة ودَعَوا زوار المعرض للوقوف أمام كاميرته لكي يروا أنفسهم على الشاشة، وكان منهم الفتى خلدون المالح الذي أبهرته هذه التجربة البصرية، وأصبح بعد سنوات قليلة مقدّماً ومخرجاً في التلفزيون السوري عند افتتاحه سنة 1960.
أما الجناح السوفياتي المزين بالنجمة الحمراء، والذي وظف 1200 سوري في تشييده وإدارته، وامتدّ على مساحة 40 ألف متر، فلم يحظَ إلّا بخمسين ألف زائر طوال فترة المعرض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 10 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor