شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ماذا أخبروني عن الاستمناء؟

ماذا أخبروني عن الاستمناء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 1 سبتمبر 202311:13 ص


هل تفضح يداي أمري؟

في بداية مراهقتي، في المرحلة الأكثر حساسيّة في حياتنا نحن البشر، لأنّها تحدد مساراتنا المستقبليّة، سواء الجنسيّة، العاطفيّة أو غيرها. كنت حينها يافعاً ينكب على كل ما يصل إلى مسمعه من معلومات للاكتشاف، عندما سمعت ما لم أتوقّع أنّه يحدث في حياتنا السريّة.

عندها سمعت للمرة الأولى، من تجمّعات رفاقي الشبابيّة، أن من يمارس "العادة السريّة" ينبت الشعر بين أصابعه وعلى يديه. استغرقتني الدهشة أيام عدّة، وأنا أتمحّص يدي مفكّراً، وبات الأمر أكثر منطقيّة، عندما كنت ألاحظ بعض الرجال والشعر يكسوا أيديهم بشكل متفاوت، وبكثافة مختلفة من ذكر لآخر. تخيلت يومها أنهم مجموعة أفراد مدمنين على الاستمناء. وهو ما جعلني أعيش صراعاً نفسيّاً، ما بين مراهقتي وتغيّراتي الهرمونية والجنسانيّة، وبين العقاب الإلهي الذي ينتظر يدي الخاطئتين، وخوفي من افتضاح أمري.

ما اضطرني إلى مراقبة أصابعي، يوما بعد يوم، منتظرا الشعر الذي سيكسوهما إلا أنّ ذلك اليوم تأخر عن القدوم، لأنّ جيناتي التي ورثتها لم تورثني شعراً على الأصابع ولا ذنوب مرئية أمام العلن، فلما لم ينبت الشعر على يديّ بعد؟

هل سمعت يوماً أن العادة السرية يمكن لها التسبّب بالعمى؟ إذا لم تسمع، فأنا فعلت، وقد كان هاجساً مضافاً يخلقه المجتمع أمام الدوافع البدائية في سن المراهقة

خرافة العمى

هل سمعت يوماً أن العادة السرية يمكن لها التسبّب بالعمى؟ إذا لم تسمع، فأنا فعلت، وقد كان هاجساً مضافاً يخلقه المجتمع أمام الدوافع البدائية في سن المراهقة. تدور هذه الخرافة التي تُداولها الشباب من حولي، حول قصّة العمى الذي يمكن أن يصيبنا لاستمنائنا، قصة كان لها القدرة على إثارة الهلع في قلوبنا. فما الذي يمكن اختياره: فقدان البصر أم نمو الشعر على أصابعنا؟

لم يكن لدينا سوى القليل من المصادر والمعارف لاستكشاف الحقيقة وراء هذا الكم من الخرافات، وكان الخوف والعار والذنب والتحريم يرافقون كل محاولة لتفحّص هذا الجانب الغامض من أجسامنا.

الخوف الذي لاحقنا من خرافة لأخرى ونحن نتعلّق بحبال الهواء، فيكفي أن يكون الدافع البيولوجي هذا، مدفوعا بطاقة جنسيّة لا سلطة لك عليها، بل في طور اكتشافها، فيأتي خوفك من أن يكون كل ما عرفته صحيحاً، وتغرق في ظلامك الداخلي.

إلا أنّ مخاوفنا تبدّدت من تلقاء نفسها، مع استمرارنا على ممارسة الاستمناء مدفوعين بطاقات مراهقتنا، ولحظة تساؤلنا: "لماذا لم نفقد بصرنا بعد كل هذه السنوات؟"، واستفسارنا هذا يثير الضحك والتساؤل حول أهمية فهم أجسادنا بشكل أفضل بدلاً من الوقوع في فخ الأساطير والخرافات.

الذنوب تملأ وجوهنا

لم أعبأ في بداية مراهقتي للحبوب التي بدأت بالظهور على وجهي، فهي مجرّد بثور بسيطة سرعان ما ستختفي مع مرور الوقت واستقرار التغيّرات الهرمونية.

كل شيء كان عاديّاً إلى أن فاجأني أحد الشباب ذات مرة متهكّماً، غامزاً، لامزاً، بأنّه عليّ التوقف عن الاستمناء والعبث. لم أفهم مقصده للوهلة الأولى، إلا أنني ضحكت ضحكة من كُشف أمره وصار عارياً تحدّق به جميع العيون.

رغم أنّ سؤاله لم يكن من بنات أفكاره، ولم يكن منقطعاً عن الآراء المشابهة التي تواترت في الظهور بين الأوساط الشبابيّة، بأن العادة السريّة تسبّب ظهور البثور في الوجه والجسم، ويسببها الاندفاع الهرموني لحظة النشوة.

فكنّا في كل مرة نمارس فيها الاستمناء، نعود وننظر إلى أنفسنا في المرآة، مترقبين ظهور البثور - وللمصادفة أحياناً كنا نراها- ما جعلنا نصدّق هذه الخرافة، وهو ما جعلني أعيش دورات عديدة من الإحباط، لطبيعة جلدة وجهي الدهنية، والذنب الذي تبرزه آثار الندوب في تقاسيمه.

وحملت بدوري هذه الفرضيّة في رأسي، معتقداً أن الحبوب التي تغطي وجوه أصدقائي هي ذنوبهم التي فضحتها بها وجوههم، واستغرقتني السنوات إلى حين توقفت عن الاعتقاد أنّ كل حامل للبثور هو مدمن على الاستمناء.

الظهر مستودع للكمات

لطالما صفعنا في جلساتنا الصبيانيّة ظهور بعضنا لنسمع الصدى، سواء أكان الظهر ممتلئاً أم فارغاً. ففي اعتقادنا كان صفع الظهور يظهر إذا ما كان ثمّة سائل منوي داخله أم لا، وتصحب الصفعة جملة "خفّف خفّف"، وهو ما عرّض الكثير منّا لخطر تلقي الضربات على ظهورهم، واستغلال بعض الشباب الأكثر سنّا هذه الخرافة، لممارسة أشكال العنف والترهيب على الآخرين، مسببين لهم الإحراج، فالحجّة جاهزة، ها هو الصدى يسمع، فهو يستحق تلقي جميع أشكال الضربات، فهل كان الظهر يمتلئ ويفرغ؟

السؤال الذي كنا نطرحه، في ظل غياب أي ثقافة جنسيّة، سواء مدرسيّة أو منزليّة، ومع دخول الإنترنت إلى عالمنا، لم يكن صعباً علينا اكتشاف أن الظهر ليس وعاء لحفظ السائل المنوي، بل الخصيتين، وما من فراغ حقيقي يحدث في أي منهما لأنّهما أشبه بمعمل تصنيع للحيوانات المنويّة، معمل لا يتوقّف ولا يفرغ. وأن هذا الاعتقاد مرتبط بالعقائد الدينية الإسلاميّة، على سبيل المثال في الآية القرآنية في سورة الأعراف: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ…(172)".

لا تزال بعض الأحاديث والخرافات التي تتناقل مع ذلك، ومع كل التطورات العلمية والثقافية في العالم، إلى يومنا، تهدّد مرحلة نضوج المراهقين/ات الجنسي والنفسي، مع تحقير ممارساتهم/ن الطبيعيّة

إعاقة النمو الجنساني والنفسي

في أحد صفوف التربية الدينية في الصف الرابع، حكى لنا الأستاذ موعظة تدور حول صبي أعطاه الأستاذ طائراً ليذبحه ويعود في اليوم الثاني ويخبر رفاقه بالنتيجة. حينها عاد الصبي في اليوم التالي، ومعه الطائر حيّاً يرزق. وقال الطالب للأستاذ: لم أستطع ذبحه في غرفتي ولا غرفة الجلوس، ولم أستطع ذبحه في الحمام على خلوة، لأن الله في كل مكان. وكانت عبرة استاذ الدين حينها أننا مهما حاولنا أن نختبئ في أي مكان، وخاصة في الحمام، لممارسة "الفحشاء" فإن الله يرانا ويرى أعمالنا.

لكم أن تتخيّلوا شعور الشباب- بما أنّ القصّة سردت في حديث منعزل عن الفتيات- شعور المراهق الذي يعيش إلحاح الدافع الطبيعي وسياط التأنيب الذي تقع عليه من كل حدب وصوب، مثبتين صوابيّة آرائهم بالاستشهاد بالأحاديث المنقولة، على سبيل المثال، أنّه قد نقل عن أحدهم "ناكح اليد كمن نكح أمه عند باب الكعبة"، أو قول "يجيء الناكح يده يوم القيامة حبلى"، وكلها أحاديث وضعت لإضفاء طابع الدّنس على فعل الاستمناء.

لا تزال بعض الأحاديث والخرافات التي تتناقل مع ذلك، ومع كل التطورات العلمية والثقافية في العالم، إلى يومنا، تهدّد مرحلة نضوج المراهقين/ات الجنسي والنفسي، مع تحقير ممارساتهم/ن الطبيعيّة. وهو ما يعرّض الكثيرين لوساوس تسلطيّة ذهنيّة مرتبطة بالطهارة النفسيّة والجسديّة والنجاسة. مع طبعها برداء العيب والحرام، والتسبب بالغضب الإلهي، أو وهم تقلّص الأعضاء التناسليّة، وهو ما يعيق النمو الجنسي الصحي، ويعزز مشاعر القلق لديهم/ن، محقّرة دوافعهم/ن الجنسيّة واكتشافهم/ن أجسامهم/ن، وإنكار رغباتهم/ن. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard