الحمل غير المرغوب فيه (غير المخطط له) هو من أبرز مشكلات الصحة الجنسية والإنجابية في لبنان وجميع أنحاء العالم، إذ غالباً ما ترتبط بعدم إتاحة أو سوء إدارة خدمات تنظيم الأسرة وتحديد النسل.
وتتعرض نحو 74 مليون امرأة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل للحمل غير المقصود سنوياً، ما يسفر عن 25 مليون حالة إجهاض غير مأمونة و47000 حالة وفاة بين الأمهات كل عام، وفق منظمة الصحة العالمية.
علماً أن دراسة حديثة للمنظمة الدولية، في 36 بلداً، وجدت أن ثلثيْ النساء النشطات جنسياً الراغبات في تأخير/ منع الإنجاب توقفن عن استخدام وسائل منع الحمل خشية آثارها الجانبية أو لأسباب صحية أو بسبب سوء تقدير احتمالات الحمل، ما ترتب عليه أن ربع حالات الحمل كانت غير مقصودة.
وفي ظل اتساع نطاق خيارات منع الحمل المتاحة في السنوات الأخيرة، وهو أمر مرجح أن يستمر في التزايد في ظل البحث المتواصل عن وسائل أكثر أماناً وفعالية في تحديد النسل مع عوارض ومضاعفات أقل، تبدو الحاجة ملحة إلى تحسين الاستشارة والمعرفة حول اختيار الوسيلة المناسبة للمرأة واستخدامه بطريقة صحيحة حتى يتسنى لكل امرأة الاختيار الطوعي الواعي للوسيلة.
وتشدد منظمة الصحة العالمية على أن خدمات تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل "أمر ضروري" لـ"تأمين رفاهية المرأة واستقلالها، وحماية المرأة من أي تبعات للحمل غير الآمن أو غير المرغوب أو المبكر أو الإجهاض غير الآمن، وخفض وفيات الرضع، والحماية من العدوى المنقولة جنسياً، وكبح جماح النمو السكاني، وخفض معدلات حمل المراهقات".
على أي أساس تتحدد وسيلة منع الحمل؟
ويوضح د. فيصل القاق، طبيب الأمراض النسائية وعضو لجنة الخبراء في منظمة الصحة العالمية، أنه لا توجد وسيلة منع حمل "غير آمنة" لأن جميعها حاصلة على موافقات من جهات علمية دولية. وإن استدرك بأنه "هناك موانع نسبية وموانع قاطعة لاستعمال بعض هذه الوسائل" بالنسبة لبعض النساء، مؤكداً أن "أي وسيلة لها آثار جانبية مثل أي علاج، ومن بينها اضطراب الدورة الشهرية في بداية الاستعمال، واحتباس المياه أسفل الجلد، والصداع الشديد، وبنسبة قليلة للغاية حدوث تجلطات في الدم".
يشرح د. فيصل: "تختلف وسائل منع الحمل من حيث النوع والطريقة والمحتوى والفاعلية. فهناك الوسائل الهرمونية المركبة والوسائل الأحادية الهرمون، وهناك التي تُعطى عن طريق الفم والتي تُعطى عن طريق الحقن والتي تُعطى عن طريق غرسات أو غرسة واحدة في الذراع وهناك اللاصقات وهناك ما يوضع على شكل حلقات في المهبل، وهناك ما يوضع في داخل الرحم مثل اللولب الهرمني. وهناك وسائل غير هرمونية منها الواقي الذكري واللولب النحاسي، وهناك الوسائل الجراحية مثل ربط قناة المني عند الرجل وربط أو قطع قنوات فالوب عند المرأة".
عوامل صحية واجتماعية وجنسية ومهنية وثقافية وأسرية واقتصادية عديدة تتداخل في تحديد وسيلة منع الحمل المناسبة لكل امرأة. لكن، برأيكم/ن من الأجدر باتخاذ القرار النهائي في ذلك - المرأة أم الطبيب أو كلاهما معاً؟
ويلفت إلى أن هناك عدة عوامل تؤثر في اختيار وسيلة دون أخرى أو تفضيل وسيلة دون أخرى ربما بسبب "أثر الهرمونات على جسد المرأة، أو وجود حالة مرضية عند المرأة تمنع تعاطيها هرمون معين"، ضارباً لذلك مثالاً بـ"مرض الشقيقة أو وجع الرأس الحاد الذي يمنع تناول وسائل منع الحمل الهرمونية وتحديداً التي تحتوي على هرمون الأستروجين".
ويضيف: "وتعد حالات سرطان الثدي وأورام الكبد وحالات التجلط المستجدة من الموانع القاطعة لاستخدام الوسائل الهرمونية. ونفس الأمر بالنسبة للنساء اللاتي يدخنّ بعد سن الـ35".
"هناك اعتبارات أخرى تتداخل في اختيار وسيلة منع الحمل تتعلق بنمط حياة المرأة وسلوكياتها الحياتية. على سبيل المثال، هل تفضل المرأة تناول حبوب يومية تتطلب الالتزام بنفس الموعد، أم تحبذ وضع وسيلة لفترة تمتد إلى عامين أو أربعة؟ وهناك عامل مهم آخر يرتبط بالهدف من استعمال الوسيلة. هل هو منع الحمل لفترة طويلة أو إرجائه لفترة محددة أو للمباعدة بين حمل وآخر، أو لأسباب أسرية وعائلية أو مهنية أو مادية أخرى"، يتابع د. فيصل.
كما يشير إلى هناك "الأسباب الثقافية المرتبطة بمعتقدات وأفكار المرأة والمجتمع" و"مدى توفر وسائل منع الحمل وإمكانية الوصول إليها، وأي الوسائل أكثر وفرة، وأسعار هذه الوسائل"، وهي أسباب تؤثر جميعها على اختيار الوسيلة المناسبة.
أما "مشروع الألف"، وهو مبادرة معنية بالجنسانية والصحة الجنسية والإنجابية للنساء والأشخاص ذوي الجندر غير النمطي في لبنان، فيشير إلى تكرار النشاط الجنسي، وعدد الشركاء الجنسيين، والحاجة إلى الوقاية من العدوى المنقولة جنسياً.
يذكر في مقال حديث: "يُمكن أن يكون عمركِ وحياتكِ الجنسية عاملان مؤثران في إتخاذ قرارك. فيمكن أن تفضل من هي في علاقة طويلة الأمد مع شخصٍ واحدٍ استعمال وسائل مختلفة عن من هي في علاقة جديدة أو من لها عدّة شركاء جنسيين. بعض وسائل منع الحمل ليست مناسبة للمراهقين؛ على سبيل المثال قطع القناة المنوية أو ربط قنوات فالوب، بحيث قد ترغب هذه الفئة العمرية بإنجاب أطفال في وقت لاحق".
كما يعتبر "الوسائل التي تحتوي على الهرمونات الوسائل الأكثر فعالية" لمن يتمتعن بصحة جيدة" مع الإشارة إلى أن بعض وسائل منع الحمل الهرمونية "تؤدي إلى طمث أقل وأخف". أما النساء اللاتي أنجبن حديثاً، فيوصي من تُرضع منهن بـ"استعمال اللولب الرحمي، ووسائل منع الحمل التي تحتوي على هرمون البروجستين فقط، والواقي الذكري" حتى لا تتأثر كمية ونوعية حليب الثدي.
وبالنسبة للاتي اقتربن مما يُعرف بـ"سن الأمان" أو سن انقطاع الطمث، فنصحهن بـ"حبوب منع الحمل بجرعاتٍ منخفضة" للتعامل مع أعراض هذه المرحلة بما فيها الهبات الساخنة وجفاف المهبل.
د. فيصل القاق: وسائل منع الحمل ليست فقط تنقذ الحياة جراء منع حمل غير مرغوب فيه قد يترتب عليه إجهاض مميت، ولكنها أيضاً وسيلة تمكين للمرأة تجعلها تشعر بأنها قادرة على التحكم في قدرها الإنجابي وليست تحت رحمة الخوف من حمل غير مرغوب أو حمل متكرر قد ينهكها ويهلك صحتها
أيهما أفضل: أن تُصرف بوصفة طبيب أو بدون؟
يشترط العديد من الدول "وصفة طبية" (روشتة) لصرف وسائل منع الحمل فيما تسمح دول أخرى بصرفها لأي شخص. وهناك آراء متباينة حول من المنوط به تحديد وسيلة تحديد النسل المناسبة للمرأة، هل يكون الطبيب بمفرده استناداً على الفوائد والموانع الطبية، أم تكون المرأة بالنظر إلى اعتبارات الحق في الجسد والدراية بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والملابسات الخاصة بالحياة الجنسية، أو يكون قراراً مشتركاً.
في هذا الصدد يقول د. فيصل إن الدول التي تشترط وصفة طبيب لصرف وسائل منع الحمل تهدف بالأساس إلى "توثيق وجمع معلومات عن الفئات العمرية التي تستعمل هذه الوسائل، ومعرفة الأقل والأكثر استخداماً منها، وتسجيل العوارض الجانبية التي قد تحصل وربطها بالفئة العمرية والظروف المتسببة بها"، معتبراً أن هذه العملية يعيبها التأخير بسبب انتظار حجز موعد مع الطبيب لأخذ هذه الوصفة.
لا يحدث هذا في لبنان والدول العربية. يوضح د. فيصل أن الظروف الاجتماعية والمادية مختلفة إذ قد يتطلب الأمر وقتاً أطول لحجز موعد عند الطبيب، كما أنه يمثل كلفة اقتصادية إضافية قد تنفر النساء عن استخدام الوسيلة ما يهدد بحدوث مزيد من حالات الحمل غير المرغوبة.
وينصح الطبيب اللبناني بأن تكون هناك مرونة واستفادة من مميزات هذين النظامين، بمعنى إتاحة حرية وسهولة الوصول إلى وسائل منع الحمل لكن بعد توعية المرأة بالوسيلة المناسبة لها وطريقة استخدامها وعوامل الخطر التي قد تستدعي زيارة الطبيب/ة على الفور.
يقول: "ينبغي أن تكون هناك توعية وزيادة معرفة بوسائل منع الحمل وأهدافها وفعاليتها وطرق استخدامها وآثارها الجانبية المحتملة والموانع الأساسية لاستخدامها. وفي نفس الوقت، يكون هناك هامش سرعة وإتاحة في الوصول إليها. إذا أجبرنا كل سيدة على زيارة عيادة الطبيب للحصول على وصفة بالوسيلة المناسبة، فالكثيرات سينصرفن عن ذلك أو سيتحايلن عليه. الالتزام بالتعليمات في النشرة المرفقة للوسيلة قد يكون خياراً أفضل وأنجع".
"العمر والحياة الجنسية عاملان مؤثران في اختيار وسيلة منع الحمل. فيمكن أن تفضل من هي في علاقة طويلة الأمد مع شخصٍ واحدٍ استعمال وسائل مختلفة عن من هي في علاقة جديدة أو من لها عدّة شركاء جنسيين".
وعادةً، لا يحتاج الأطباء والطبيبات سوى معرفة التاريخ الطبي للمرأة وقياس ضغط الدم قبل وصف طريقة منع الحمل المناسبة لها. وقلما يتطلّب الأمر اختبارات أو فحوص لتحديد وسيلة منع الحمل المناسبة للمرأة، على غرار فحوصات الثدي والحوض، وفحوصات العدوى المنقولة جنسياً وعنق الرحم، والتحاليل المعملية، وتصوير الثدي بالأشعة السينية.
وينبّه هنا د. فيصل إلى أن "وسائل منع الحمل ليست فقط تنقذ الحياة جراء منع حمل غير مرغوب فيه قد يترتب عليه إجهاض مميت، ولكنها أيضاً وسيلة تمكين للمرأة تجعلها تشعر بأنها قادرة على التحكم في قدرها الإنجابي وليست تحت رحمة الخوف من حمل غير مرغوب أو حمل متكرر قد ينهكها ويهلك صحتها".
ويشدد: "المرأة شريك أساسي في اختيار الوسيلة وفي معرفة هذه الوسيلة وآثارها الجانبية وفعاليتها والهدف من استعمالها لأنها الشخص المعني بالاستعمال وهي التي تحدد أي وسيلة أنسب لظروفها المهنية والعائلية والاجتماعية وغيرها"، مضيفاً "ما من شيء ينبغي أن يُفرض على المرأة… أبداً، وإنما بالتشاور مع المرأة وبعد التفسير الطبي الواضح والكافي والهادف قبل استعمال أي وسيلة".
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن "تنظيم الأسرة يمكّن الناس من اتخاذ اختيارات واعية بشأن صحتهم الجنسية والإنجابية. ويمثل هذا التنظيم فرصة سانحة أمام المرأة لرفع مستوى ثقافتها ومشاركتها في الحياة العامة، بوسائل منها العمل المدفوع الأجر في مؤسسات غير أسرية. وبالإضافة إلى ذلك فإن صغر حجم الأسرة يمكّن الوالدين من زيادة الاستثمار في كل طفل، فالأطفال الذين لديهم عدد أقل من الأشقاء يميلون إلى البقاء في المدرسة لفترة أطول من أقرانهم ممّن لديهم أشقاء كثر".
أما د. فيصل، فيختم بالإشارة إلى وجود "أكثر من كتيب" تم تحضيره من قبل وزارة الصحة وصندوق تحليل السكان والجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية ونقابة القابلات القانونيات في لبنان لتوفير التوعية والمشورة بشأن وسائل منع الحمل. علاوة على التوعية داخل عيادات الرعاية الصحية الأولية والعيادات الخاصة. "يجوز أنها لا تحدث بشكل شامل وواف لكن هناك جهداً يمكن البناء عليه"، يقول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين