نشر رصيف22 الأسبوع الماضي مقالاً للكاتب المصري أحمد الفخراني، تناول فيه أوضاعاً تشهدها الساحة المصرية الداخلية فيما يتعلق بعلاقة المواطنين والمشتغلين بالقانون بمنظومة العدالة، انطلاقاً من فيلمين سينمائيين مصريين، تناولا أوضاع القانون ومنظومة القضاء/ العدالة من خلال منظورين مختلفين لبطلين لا يجمع بينهما سوى المعرفة بالقانون وبحرفة التلاعب به.
بدأت أفكار مقال الكاتب والروائي المصريّ أحمد الفخراني حين ظهرت لفظة أو موضوعة أكثر من مرّة وهي "القضاء|، ولعلّ التصويب النقدي اللاذع لفخراني تجاه سلوك شخصيّة مصطفى خلف - لعب دوره أحمد زكي- في فيلم ضدّ الحكومة على أنّه تنصل من الفساد، إذ كتب الفخراني في إشارة لعبارة "كلنا فاسدون" أنها "ترفع صاحبها عن مستوى الفساد العام، بل يمكن أن نقول إنها طريقة منافقة نوعاً، لا تحمل حلولاً من أي نوع، إنها فقط ترفع اليد عن المشكلة، فلا يعود صاحبها جزءاً منه…"، فضلاً عن المقارنة ما بين طرح شخصيّة "حسن سبانخ" التي لعبها عادل إمام في فيلم الأفوكاتو، وهي "الواعية" وفقاً لكاتب المقال، والتي "تعرّي المنظومة الفاسدة وتخضعها" وفقاً لنظريّة بيتر سلوتردايك "نقد العقل الكلبي".
من خلال ذلك يمكننا الانطلاق للرد من فكرتين، فكرة المقارنة بين السخرية وتعرية النظام من جهة، والتجنّي على مصطفى خلف الذي حاكم نفسه قبل الآخرين من جهة أخرى.
الكاتب انحاز مجدداً لسيناريو "الأفوكادو" الذي يختلف عن سيناريو "ضد الحكومة" في تفصيلة صغيرة لكنها فارقة: "التماهي مع الفساد"
مصطفى خلف الذي حاكم نفسه بوعي
لعلّ الفخراني انحاز إلى فكرة التماهي مع الصورة والمشاهد التي أدّاها حسن سبانخ (عادل إمام) في فيلم الأفوكاتو، رامياً كل العلل بشخصيّة المتر مصطفى (أحمد زكي)، لمجرد أنّه ختم القصّة بعبارة "كلّنا فاسدون"؛ وهنا العقدة التي تضخمت أكثر حين نقد الفخراني فكرته قائلاً: "في الظاهر تضع [تلك العبارة] صاحبها ضمن جوقة الفاسدين، إلا أنها بطريقة مفهومة ضمناً؛ تعد تطهُّرية".
ورغم ورود هذه الثنائيّة الضديّة؛ إلا أن الكاتب انحاز مجدداً لسيناريو "الأفوكادو" الذي يختلف عن سيناريو "ضد الحكومة" في تفصيلة صغيرة لكنها فارقة: "التماهي مع الفساد". فحسن سبانخ لم يحاكم أحداً وفقاً لما يراه الكاتب، وحسن سبانخ لم يقدم الصورة ليحاكمها، وإلا لكان السيناريومصحوباً بحلول، لكنّه بقي معلّقاً في الأفق؛ عكس سيناريو اعتلى بطولته أحمد زكي الذي أظهر التحوّل في شخصيّة مصطفى خلف من محامي تعويضات وغاوي فساد، إلى أب مذنب يبحث عن عدالة لولده (راجع سيناريو فيلم ضد الحكومة).
كلّنا فاسدون ضمير "نحن"، كان مبتدأ العدل في بيت اللاعدل، وآية على ذلك أن المشهد انتهى بخضوع القضاء، على عكس نهاية الأفوكاتو التي اقتصرت على تصوير المزيد من تفاصيل النظام القضائي الهش والدولة الفاسدة.
ولكي لا نخصّص ونضيّق الحلقة ونخالف بموضوعيّة الكاتب في حصر النقاش حول وعي الجمهورالمصري أو حال المجتمع المصري تحت ظلال القضاء؛ فالفيلمان يصلحان لشريحة أوسع من أنظمة القضاء العربيّة، والتي ندفع جميعنا ثمنها لأن أمّهات الشرائع جنحت نحو استقلالية القضاء التي قدسها مونتيسكو، رافضين التجريب لمبدأ روسو المجتمعي القائم على كتلة واحدة تكوّن الدولة.
مصطفى خلف لم يكن يبتغي المثاليّة؛ بل قدّم نفسه متهماً مذنباً ومعترفاً، وعرّى المنظومة والمجتمع من الطوباويّة المدعاة، بينما حسن سبانخ التقط الصورة وضعها في استديو الوعي الذي نعته الكاتب بالمقاوم، وذاب في العبثيّة المقدّرة لنصّ خالٍ من الإنسانيّة ويضج بالكوميديا السوداء
حسن سبانخ فاسد برع في التصوير فقط
مصطفى خلف لم يكن يبتغي المثاليّة؛ بل قدّم نفسه متهماً مذنباً ومعترفاً، وعرّى المنظومة والمجتمع من الطوباويّة المدعاة، بينما حسن سبانخ التقط الصورة وضعها في استديو الوعي الذي نعته الكاتب بالمقاوم، وذاب في العبثيّة المقدّرة لنصّ خالٍ من الإنسانيّة ويضج بالكوميديا السوداء.
كان على سيناريو "ضد الحكومة" أن يتقدّم بنضج خطوة إلى الأمام، وأن يهز عاطفة الجماهير التي كرّسها غوستاڤ لوبون في مسرح دراسته لأحوال الجماعات واضطراباتها، أي أن السيناريو الذي غاب عن الكاتب تصنيفه على أنّه محاكاة لروح القانون؛ تخطّى هزليّة الأفوكاتو وبراعة التصوير (راجع كتاب سيكولوجيّة الجماهير، والمقاطع التي تتناول عاطفة الجمهور)، ليثبت المقولة نفسها: "أنا مثال للمحامي الفاسد بل أكثر فساداً ممّا يتصوره أستاذي".
غاب عن كاتب المقال أن النقد الساخر قد يفقد أدواته النقديّة ويجنح بعيداً عن الجوهر، حين يقتصر دوره على التصوير وعكس الواقع، من دون أن يكون مصحوباً بمتغيّر، وهذا ما يثبت أنّ "كلّنا فاسدون" التي قالها مصطفى خلف، تفوّ
كلّنا فاسدون هي مبتدأ الإخضاع،
—-----------------------------
(*) ننشر هذا المقال الذي تلقيناه من الكاتب تعليقاً منه على مقال الكاتب الصحافي والروائي أحمد الفخراني المنشور الأربعاء 23 أغسطس/ آب الجاري في رصيف22 تحت عنوان "لماذا علينا أن نحب 'حسن سبانخ' أكثر من صاحب 'كلنا فاسدون؟'"
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 7 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor