شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"تقلّل من فرص الإنجاب"... خرافات شائعة حول السباحة خلال الدورة الشهرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 31 أغسطس 202310:40 ص


"تربّينا على أنّ مسألة الدورة الشهرية (عيب) ودم الحيض (مقرف ووسخ)، لذلك إذا قرّرتُ أن أسبح خلال دورتي الشهرية برفقة عائلتي، لن يرحّبوا بالأمر بتاتاً، وستنهال عليّ عبارات النهي والتحذير (لأ أوعى، عيب يعرفوا العالم أنه جايتك)"، تقول جنى (24 عام) التي حاولت الإقدام على السباحة مرة واحدة خلال أولى دوراتها الشهرية ولم تمتلك الشجاعة لتُعاود التجربة مرّة أخرى.

وعن هذه الحادثة، قالت لرصيف22: "كنتُ أرتدي سروالاً قصيراً وأضعُ قدميَّ في الماء، لكن سرعان ما نهتني نساء العائلة عن القيام بذلك، وأشرن إلى أنّ للأمر تأثيراً سلبياً على صحتي، لهذا السبب لم أُحاول حتى السباحة بعد ذلك".

في وقتٍ لاحق، لم تعد لنظرة الناس أهمية لدى جنى، لكنّها التفتت أكثر إلى المشاكل الصحية التي يمكن أن تتعرّض لها إذا سبحت خلال الدورة الشهرية، لأنها تسمع من المحيطين بها أن "كل شي بالجسم بيكون مفتّح" خلال هذه الفترة، وبالتالي تخاف من التقاط الميكروبات والجراثيم.

كثيرة هي الخرافات التي نسمعها في دوائرنا المحيطة عندما يتعلّق الأمر بصحّتنا الجنسية والإنجابية، دون أن تستند الأحاديث المتداولة إلى مصادر طبية وموثوقة.

في هذا التقرير، يسعى رصيف22 للتحقق من صحّة الشائعات التي يتمّ تداولها حول مسألة السباحة خلال الدورة الشهرية، ومعرفة مدى حاجة النساء والفتيات في لبنان إلى تعزيز الوعي بالجوانب المختلفة المتعلقّة بالحيض.

نقصٌ في المعرفة

تُشكّل الشائعات المُنتشرة حول السباحة أثناء الدورة الشهرية امتداداً للكثير من الشائعات الأخرى وتلعب المعلومات المنتشرة دوراً بارزاً في الحدّ من حركة الفتيات والنساء خلال فترة الحيض اذا رغبن في الأمر، دون أن يتمّ اللجوء في معظم الأحيان إلى مراجع علمية موثوقة.

نُشرت دراسة في العام 2020، هدفت إلى وصف تجربة نخبة من السبّاحات من الدوري الرياضي في "بوغوتا"، فيما يتعلق بالحيض وممارستهنّ الرياضية. وقد عدّدت الدراسة في نتائجها مجموعة من الصعوبات التي تواجهها السبّاحات، ومنها: الحاجة إلى إخفاء الدورة الشهرية وتقييدها، المعلومات المحدودة التي يتلقّينها من العاملين الصحيين حول دورتهنّ وكيفية إدارة نظافتها، بالإضافة إلى نقص المعرفة حول الطرق البديلة لإدارة الدورة الشهرية، مثل كأس الحيض.

"تربّينا على أنّ مسألة الدورة الشهرية (عيب) ودم الحيض (مقرف ووسخ)، لذلك إذا قرّرتُ أن أسبح خلال دورتي الشهرية برفقة عائلتي، لن يرحّبوا بالأمر بتاتاً، وستنهال عليّ عبارات النهي والتحذير (لأ أوعى، عيب يعرفوا العالم أنه جايتك)"

في هذا السياق، قالت المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ omgyno دورين توتيكيان، إنّه "وفقاً للاستبيانات التي أجريناها قبل البدء بمشروعنا في لبنان، هناك حاجة كبيرة وملموسة للتوعية"، مشيرةً إلى أنّ "معظم الخرافات الشائعة التي نسمعها منذ الصغر ليست صحيحة، لذلك نحن نحاول قدر الإمكان أن نخلق توعية أكبر حول استخدام مصادر دقيقة، كالمؤسسات الطبية والعالمية".

هذا وأعربت عن أسفها لاكتساب معظم النساء اللبنانيات معرفتهنّ اليوم من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن الأطباء الذين يروّجون لأنفسهم عبر إنستغرام" وتيك توك، دون وجود تحقق مزدوج من تلك المعلومات، في حين أن المدارس التي تُدرج التربية الجنسية في مناهجها قليلة جداً.

هل تؤثر السباحة خلال الحيض على الصحة؟

"أمّي وجدّتي تعتقدان أنّ التعرّض للمياه سيقلّل حتماً من فرص الإنجاب، شو حال اذا قلتلن جايتني ونازلة على المسبح؟"، هذا ما قالته مروى (34 سنة) رداً على سؤال حول إمكانية ارتيادها المسبح خلال دورتها الشهرية.

وأضافت: "العديد من صديقاتي يسبحن خلال العادة الشهرية في البحر، ويخبرنني أن مياه البحر تخفّف من آلام الدورة ومن حدةّ النزيف، لكنّني لم أتجرّأ يوماً على القيام بذلك".

وعن سبب عدم خوضها لتلك التجربة، أوضحت لرصيف22، أنّ الأمر يعود لمسألة "الطهارة"، فهي لا تتقبّل أيضاً فكرة قيام إحداهنّ بالسباحة أثناء دورتها الشهرية في نفس الحوض الذي تسبح فيه، فضلاً عن أنّ مزاجها خلال فترة الحيض لا يسمح لها بالقيام بأي نشاط حركي يتطلب طاقة.

وأشارت مروى إلى أنها لا يمكن أن تلجأ لمنتجات أخرى غير الفوط الصحية بهدف السباحة، لأنها تُعاني من مشكلة تليّف الرّحم، ويمكن أن يؤدي استخدام المنتجات الأخرى إلى إصابتها بالالتهابات أو نزيف.

"أمّي وجدّتي تعتقدان أنّ التعرّض للمياه سيقلّل حتماً من فرص الإنجاب، شو حال اذا قلتلن جايتني ونازلة على المسبح؟"

في هذا الصدد، لفتت الطبيبة النسائية في منظمة omgyno ماري تازانيوس، إلى أنّ السباحة خلال فترة الدورة الشهرية يمكن أن تنطوي على مخاطر عديدة إذا لم يتمّ استخدام حواجز لحماية المهبل أثناء السباحة، مثل الكوب المهبلي أو السدادة القطنية، ونبّهت من أنّ الكلور الموجود في المسابح يمكن أن يؤدي إلى إصابة العديد من النساء بالحساسية التي تتطلب علاجاً طبياً.

في المقابل، للسباحة فوائدها، فقد أكدت تازانيوس أنّها قد تساعد في تخفيف الأوجاع التي تعاني منها غالبية النساء أثناء فترة الدورة الشهرية، وإذا كانت المرأة تعاني من الآلام الشديدة، فإن ذهابها إلى حمام السباحة لبضع ساعات يومياً قد يساعد في تخفيف تلك الآلام وجعل فترة الدورة الشهرية أقل عذاباً، لذلك يوصي الكثير من الخبراء بالسباحة خلال تلك الفترة بشرط استخدام الحواجز المناسبة لحماية المهبل: "يمكن أن تساعد السباحة في تخفيف الشعور بالضيق، ما يمكن أن يؤدي إلى تحسّن المزاج والصحة النفسية عموماً".

من جهتها، أشارت طبيبة الأمراض النسائية والولادة في الجامعة الأميركية، غنى غزيرة، إلى أنه لا يوجد أي دليل علمي يؤكد فرضية تأثير السباحة خلال الحيض على الخصوبة، مؤكدة أيضاً أنّ السباحة أثناء الدورة الشهرية لا تؤثر على غشاء البكارة، لكنّها أوصت بتجنّب السباحة في المياه الملوثة، لأنّ ذلك يمكن أن يزيد من خطر التعرض لتهيّج الجلد والإصابة بالتهاب المسالك البولية (UTI).

هذا ولفتت غزيرة إلى أنّ الدورة الشهرية لا تتوقف بسبب السباحة، انما تُواجه انخفاضاً واضحاً في التدفق نظراً لضغط الماء، فيما تعود إلى طبيعتها بمجرّد الخروج من حوض السباحة.

إرشادات هامة

أوضحت الطبيبة تازانيوس أنّ هناك بعض الظروف التي تستدعي الحذر: "ليس من المستحسن أن تسبح المرأة خلال الدورة الشهرية إذا كان لديها زيادة في فقدان الدم، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى توقف الدم أثناء السباحة"، هذا ونصحت بعدم السباحة خلال الأيام الأولى من فترة الدورة الشهرية.

في المقابل، أكّدت على ضرورة أن تنصت المرأة إلى جسدها، وتحديد ما إذا كان بإمكانها أن تسبح خلال فترة الدورة الشهرية: "إذا قرّرت السباحة، فيجب عليها استخدام كوب مهبلي أو سدادة قطنية لحماية الماء من التلوث".

من جانبها، كشفت الطبيبة غنى غزيرة أنّ السباحة في مياه باردة جداً قد تحمل مخاطر صحية، لكن هذه القدرة تعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك درجة حرارة الماء ومدى تحمّل الجسم للبرودة، وشرحت كذلك أنّ ارتداء ملابس السباحة المبلّلة لفترة طويلة بعد الخروج من الحوض يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة بالتهيّج والعدوى.

ولفتت غنى إلى أنّ التعرض للشمس خلال الدورة الشهرية في المسبح ليس ضاراً بشكل عام، ولكن قد يكون له تأثير على بعض النساء بناءً على تفاوت الحساسية الشخصية واحتياجاتهنّ الصحية.

وعن خيار تأخير الدورة عبر حبوب منع الحمل الهرمونية من أجل السباحة، اعتبرت أنّه خيارٌ جيد إذا كانت المرأة قلقة بشأن تسرب الدم إلى الماء أو انخفاض حرارة الجسم، لكنها أكدت على ضرورة التحدث إلى الطبيب/ة قبل اللجوء إليها، لما يمكن أن تسببه من آثار جانبية، كالصداع والغثيان وتقلبات المزاج.

المنتجات المناسبة للسباحة أثناء الدورة الشهرية

تمتنع رغدة (31 سنة) عن السباحة خلال الأيام التي يكون فيها تدفّق الدم غزيراً، لكنها لا تتردّد في الأيام الأخرى بالسباحة في البحر، متجنّبةً المسبح تماماً لعدم رغبتها في التأثير على صحّة الآخرين.

أمّا عن استخدامها لمنتجات صحيّة تناسب السباحة، فقالت لرصيف22: "نحن لا نمتلك ثقافة كاملة عن المنتجات التي يمكن استخدامها، باستثناء الفوط الصحية، لكنّني أعتقد أنني، كفتاة عذراء، لا يمكن أن أستخدم كوب الحيض على سبيل المثال لأنّه سيؤثر على عذريتي، وهذا ما أكدته لي إحدى صديقاتي".

تعليقاً على هذه النقطة، أوضحت دورين توتيكيان أن استخدام السدادة القطنية وكأس الحيض في الدول العربية يُعتبر مشكلة كبيرة، والسبب الأساسي لذلك هو مسألة العذرية، علماً أنّه ليس لها أي تأثير حقيقي، مشدّدة على أنّ الوعي بشأن المنتجات يجب أن يحصل على المستويين البيئي والاقتصادي: "على المستوى البيئي، فإن استخدام الفوط بشكل شهري من قبل غالبية النساء يعود على البيئة بأضرار لأنّه لا يمكن إعادة تدويرها، وعلى المستوى الاقتصادي، كأس الحيض مثلاً يمكن استخدامه لعشر سنوات، هل يمكن أن نتخيل كم سنوفر خلال هذه السنوات إذا توقفنا عن شراء الفوط؟".

 يُعتبر كوب الدورة الشهرية الخيار الأفضل مقارنةً بالفوط الصحية والسدادات القطنية، لأنّه مرن، آمن للاستخدام ويحدّ من احتمالية الإصابة بالعدوى

انطلاقاً من هنا، لا بدّ من امتلاك الوعي الكافي حول المنتجات المختلفة التي يمكن استخدامها خلال الدورة الشهرية، وبالتالي توسيع دائرة الخيارات المتاحة أمام النساء والفتيات اللواتي يرغبن بالسباحة أثناء فترة الحيض.

فيما يخصّ الفوط الصحيّة، لا تنصح الطبيبة غزيرة باستخدامها خلال السباحة، لأنها تلتقط الرطوبة من الماء وتُصبح بالتالي مزعجة وثقيلة، كما يُمكن أن تُسرّب الدم إلى الماء وتترك بقعاً على ملابس السباحة، أما السدادة القطنية فهي خيار جيد، لأنها تمتصّ الدم من الداخل وتمنع تسرّبه إلى الماء، ولكنه يُنصح بتغييرها بعد وقت قصير من السباحة.

وأخيراً، يُعتبر كوب الدورة الشهرية الخيار الأفضل مقارنةً بالفوط الصحية والسدادات القطنية، لأنّه مرن، آمن للاستخدام ويحدّ من احتمالية الإصابة بالعدوى.

في المحصّلة، نستنتج أنّه لا سلطة للخرافات الشائعة على أجساد النساء إذا قرّرن التصدّي لها بالعلم وامتلاك المعارف اللازمة، وأنه ينبغي الالتفات دائماً إلى أنّ الدورة الشهرية أمر بيولوجي طبيعي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image