تأتي هذه المدونة كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،
والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.
"علامة حمراء" تُحدّد مصيري، أنا وأنتِ، نحن اللواتي كبرنا فجأة بعد اكتشافنا ترسبات على ملابسنا الداخلية. علامة تُحمّلنا مسؤولية "شرفنا" من دون فهم معناها الحتمي. علامة قد يُقام لها حفلة لتفاخر سيدة بابنتها، أو همس بين سيدتين ترافقها عبارة "حرام بعد بكير"، فتكتم الخبر، أو حتى معاتبة عائلية: "كيف أجتها وما خبرتني". كلها تدور في فلك "البلوغ".
علمياً، تُعرّف "نقطة الدم الحمراء" بـالعادة الشهرية، وهي تحدث نتيجة تغيرات في مستويات الهرمون تنتجها الغدّة النخامية. يسبق هذه المرحلة بفترة زمنية سلسلة من تغييرات جسدية، الظاهر منها: نمو الثديين، وقفزة في نمو الجسد، أما المخفي، فنمو شعر العانة وتحت الإبطين.
تعابير غير واضحة ومشاعر مرتبكة وكلمات رافقت كثيرات منا: "انتبهي لقعدتك"... "ما تخبري حدا"..."أنا بجبلك فوط من الدكانة"... "حطيها منيح"... وبقي شرح "العادة" لغزاً لسنوات... أهو يعود لجهل أمهاتنا أو خوفهن أو استحيائهن بتوضيح ما يحدث لنا؟!
علامة حمراء قد يُقام لها حفلة لتفاخر سيدة بابنتها، أو همس بين سيدتين ترافقها عبارة "حرام بعد بكير"، فتكتم الخبر، أو حتى معاتبة عائلية: "كيف أجتها وما خبرتني". كلها تدور في فلك "البلوغ"
"كل شيء حدث بغتة"
قد تكونين محظوظة إذا كانت مرتبتك بين أخواتك الثانية أو الثالثة أو حتى الأخيرة، لكن لن تكون بشرى سارة لك إذا كنت الكبيرة. تُسهل عملية بلوغ الفتيات في المنزل من حدّة الموقف، وتساعد في تقديم تفسيرات أكثر وضوحاً والإجابة عنها. فلا يعود هناك داعٍ لتقديم حجج "مزيفة" عن أوجاع معدتك لأخيك أو "اختلاق أعذار" عن ألم ظهرك لأبيك.
ذات ليلة، وبعدما قرر جميع أفراد العائلة الخلود إلى فراشهم باكراً، تجرأت بطرح أسئلتي على أمي التي أفصحت، دون انتباه، عما ينتابها حيال "بلوغ الفتاة". كانت أجوبتها "واضحة مبهمة" في آن، تشفي تساؤلاتي تارةً وتحرمني منها بمبرّر "بعدك صغيرة"؛ "انتبهي عحالك منيح، ما تخلي شاب يقرب منك، أنت هلق مسؤولة عن حالك حتى تتجوزي، (في إشارة إلى عذريتي). اكتبي ايمتى بتجيكي وكيف بتجيكي، خدي مسكنات للألم، ما تخافي هيدي مرحلة طبيعية بس ما تخبري حدا بعدك طفلة".
يبدأ سن البلوغ بين 8 سنوات ونصف إلى 10 سنوات عادةً، ويستمر حوالي 4 سنوات، وبعدها، يحدث أول طمث في أي وقت وأي مكان. وهكذا تصبحين فتاة قادرة على الحمل والإنجاب. مهلاً، تختبرين كل شيء!
في يوم ربيعي، قصدت الشارع المجاور لمنزلنا لإحضار بعض المشتريات لوالدتي، استوقفني أحدهم ليقول لي: "صدرك حلو شو رأيك بوسه؟"، كلمات مقزّزة دفعتني لالتقاط أنفاسي عند مدخل المنزل وتهدئة دقات قلبي، وترجمت ما حدث ببكاءٍ لليلة كاملة داخل سريري دون صوت.
تعابير غير واضحة ومشاعر مرتبكة وكلمات رافقت كثيرات منا: "انتبهي لقعدتك"... "ما تخبري حدا"..."أنا بجبلك فوط من الدكانة"... "حطيها منيح"... وبقي شرح "العادة" لغزاً لسنوات... أهو يعود لجهل أمهاتنا أو خوفهن أو استحيائهن بتوضيح ما يحدث لنا؟!
هُن مثلي
كنت أغسل يدي حينما أخبرتني صديقة لي أنّ عندي بقعة حمراء على قميصي المدرسي، خجلت وحاولت رؤيتها من مرآة ذات إضاءة خفيفة، لم أر شيئاً. أول سؤال خطر لي: كيف سأخفي هذه الجريمة؟ (بقعتي). لم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، فعندما دعوت صديقات لي في المدرسة لعيدي، كانت إجابتهن: "ليكي منجبلك فوط هدية، بتجيكي ما هيك".
في إحدى الحصص المدرسية، قاطع صوت معلمة البيولوجيا غمزات رفيقاتي وأحاديثهن الجانبية عن الحيض والعلاقة الجنسية، قائلةً: "هيك بتنزل البويضة وإذا ما تلقحت بصير عندك الدورة الشهرية". ما تحتاج إليه مناهجنا التربوية الانفتاح على الصحة الجنسية والبلوغ بشكل صريح وعلمي.
"أمي مثلي أيضاً"
توالت الأعوام، وأصبح المبهم ظاهراً، وبات ما يحكى في المخفي، يعلن عن نفسه. في جمعة نسائية، تحدثت والدتي عن تجربتها في البلوغ، بينما كانت في العاشرة من عمرها، تساعد أمها في تحضير الغذاء، صرخت بها قائلة: "شو عملت، ما حلك بعد؟"، في حين كانت التجربة الأكثر قسوة، لأم أخرى "ضربت لأنني بلغت".
أمهاتنا مثلنا، صغار كنا، مراهقات مررنا وراشدات أصبحنا... لكن المفارقة تتمثل بكتمانهن اللغز الأنثوي.
كنت أغسل يدي حينما أخبرتني صديقة لي أنّ عندي بقعة حمراء على قميصي المدرسي، خجلت وحاولت رؤيتها من مرآة ذات إضاءة خفيفة، لم أر شيئاً.
لماذا نخجل؟
خلقنا إناثاً، نعيش آلاماً بيولوجية في أجسامنا؛ ألم الحيض وألم العلاقة وألم الإنجاب، وما يتبعه من آلام نفسية أيضاً، لكن مع هذا، بقينا نجهل أجسامنا.
نخجل مما يصدر طبيعياً عنها، اسمها "الدورة الشهرية" و"مش إجتك". نخجل ما يرافقنا من تغييرات نتيجة لها، تغييرات نفسية وجسمانية نتيجة للنضوج. ما يعايروننا به ليس عاراً علينا، بل عار على الجهل الموروث تجاه أجسامنا.
كي نتعامل مع كل التغييرات الجسمانية والنفسية، علينا أن نتعرّف أكثر على أجسامنا، أن نقرأ عنها، عن العادة الشهرية، عن الألم المرافق لها، والأهم، أن نراجع الأطباء/ الطبيبات من أجل القيام بالفحوصات الضرورية، لا أن ننتظر فقط موعد الزواج للكشف عن صحتنا. صحتنا تستحق الانتباه حتى وإن تجاهلها المجتمع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...