شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن ألم الدورة الشهرية الذي يسبّبه المجتمع أيضاً

عن ألم الدورة الشهرية الذي يسبّبه المجتمع أيضاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الثلاثاء 20 ديسمبر 202212:07 م


 تأتي هذه المدونة كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"، 
  والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.

من الأمور السريالية في هذه الحياة، أن يرتبط الوفاء بالدورة الشهرية وآلامها، رفيقتي التي لا تخذلك في مواعيدها وأوجاعها...

الألم شريكي...

الألم شريكك... اعتادي عليه!

"بليز روقي كل الدنيا رح تعرف إنك مريضة"، و"بس تتجوزي بيمشي الحال، ما تخافي"...

بينما أنا منهمكة بتحضير حقيبتي المدرسية، أصابتني أوجاع غير محمولة في قدميّ. بكيت لشدة إحساسي برغبتي في التخلص من فخذيّ. ألم فظيع غير معروف سببه.

جهلي بنوع الألم، كان ألماً آخر!

ما هي إلا دقائق... حتى اكتشفت الدماء: الدورة الشهرية للمرة الأولى. كنت في الثالثة عشر من عمري.

لبّت أمي وأختي ندائي في الحمام. كسر ذلك قلقهما عليّ حين سمعتا كلمة: "إجتني".

"كيف بحطّوها هاي؟"؛ سألتهما.

لحظة خروجي من الحمام، قالت لي أمي: "هيدا الوجع منها... أنا هيك كنت".

حينها، أصبح ألماً من دون غرابة، فلطالما سمعت عن تقلبات الدورة الشهرية وأوجاعها، لكنني لم أتخيّلها بهذا الحد.

كل تلك المفردات كانت لتحجب حقيقة أن ثمة أمراً غير طبيعي في دورتي الشهرية. تلك الجمل استفزتني لأنني كنت بعيدةً كل البعد عن الغنج. ألمي حقيقي وليس غنجاً!

بعد مرور السنوات، صارت المدرسة، والبيت، والصيدليات، والمستشفيات، كلها تشهد على أوجاعي وبكائي وصراخي... لكنها تشهد بصمت.

"عادي، كلنا كنا هيك"، و"هلق بتشربي سخن وبتروقي"، و"لك خلص ما بدها هلقد"، و"غنوجة كتير إنت"، و"بليز روقي كل الدنيا رح تعرف إنك مريضة"، و"بس تتجوزي بيمشي الحال، ما تخافي"...

كل تلك المفردات كانت لتحجب حقيقة أن ثمة أمراً غير طبيعي في دورتي الشهرية. تلك الجمل استفزتني لأنني كنت بعيدةً كل البعد عن الغنج. ألمي حقيقي وليس غنجاً!

هي 3 أيام من أصل 5، من كل شهر، أعجز خلالها عن القيام ببديهيات الأمور، وألزم فراشي أصارع، وأنازع، وأناشد، وأبكي...

لا، الألم لم يكن طبيعياً.

ذات يوم صيفي، وبالرغم من أنها لم تكن المرة الأولى التي أُنقَل فيها إلى المستشفى بسبب دورتي الشهرية، إلا أن هذه المرة كانت مختلفةً جداً. نُقلت 3 مرات خلال 24 ساعةً.

في الثالثة، "حطيلها مورفين في المصل"؛ سمعت طلب الطبيب من الممرضة، فتوجّست.

مورفين؟ مخدّر؟ مصل؟ أنا؟

وكان طبيب الطوارئ مصرّاً على أن الأمر لا يتعدى كونه تشنجات عصبيةً.

في اليوم التالي، وبعد محاولات متكررة للّجوء إلى طبيب نسائي تحت وطأة إلحاح الآخرين بأن هذا الأمر معيب: "أنت منك متزوجة". حسمت الأمر وقصدت الطبيب.

بالرغم من صيته الذائع، لم يتمكن من تشخيص وضعي. انتهت الزيارة بقوله: "هيدا المسكّن كتير بريّحك"، وللمفارقة أنني كنت قد جربت ذلك المسكّن سابقاً.

لم يغيّر إرشاداته، لكنني أنا من غيّرت الطبيب.

في العيادة الجديدة، قالت لي الطبيبة: "عندك شي اسمه الأنسجة المماثلة لبطانة الرحم أو الأندومتريوسيز".

لم أتفاجأ بالاسم، كوني كنت قد أجريت بحوثاً عن عوارض آلامي في المواقع الأجنبية، إذ إن لم تتسنَّ لي الفرصة لمعرفة اسمه باللغة العربية، لأنني لم أجد بحثاً واحداً يتناول هذا الموضوع بالعربية وقتها.

راحت طبيبتي غايل، تخبرني أكثر وأكثر عن هذا المرض.

عرفت حينها أن نساءً عديدات يتألمن بصمت. "الأندومتريوسيز" يصيب واحدةً من كل عشر نساء حسب قولها. أما عن أسبابه، فلا توجد دراسات مؤكدة ودقيقة. أسبابه ما زالت مجهولةً.

لم أتفاجأ بالاسم، كوني كنت قد أجريت بحوثاً عن عوارض آلامي في المواقع الأجنبية، إذ إن لم تتسنَّ لي الفرصة لمعرفة اسمه باللغة العربية، لأنني لم أجد بحثاً واحداً يتناول هذا الموضوع بالعربية وقتها

"حبوب منع الحمل بخففوا العوارض"؛ قالت لي.

بعد نحو دقيقة من الصمت والخوف، قلت لها: "بلكي بطلت جيب أولاد؟".

"هيدي أفكار مجتمع مش مزبوطة"، أجابتني. وانهالت عليّ بالأبحاث والمعلومات عن فوائد حبوب منع الحمل واستعماله وعوارضه...

أدركت أنني مجدداً ضحية للمجتمع وأفكاره... خُدعت مرةً أخرى!

هكذا نستردّ بعض حقوقنا الضائعة.

إذاً، هي حالة صحية وموجودة ومؤثرة وبإمكانها تغيير أيام وسنوات في حياتك كإنسان.

أن يكون ذلك كله رهن تضليل المجتمع في المعلومة لأسباب بالية، وتعود إلى موروثات خرقاء، هو تضليل وليس تفصيلاً، ويرقى إلى مستوى الجريمة طالما يتم تشخيص صحة إنسان، طبياً، بطريقة خطأ.

إذاً، هي حالة صحية وموجودة ومؤثرة وبإمكانها تغيير أيام وسنوات في حياتك كإنسان.

أكتب تجربتي هذه مع دورتي الشهرية، لأسلّط الضوء على أفكار سائدة، سمحت لي بأن أعاني من الألم لسنوات، ولو اكتشفتها باكراً لاختصرت عليّ معاناةً كثيرةً.

أفكار كبّلت أعداداً كبيرةً أخرى من نساء مجتمعي اللبناني. معتقدات تشرّبتها أذهاننا ويرفض مجتمعي أو ربما يخاف من إقناعنا بعكسها، والعكس صحيح.

وهذا هو، هذا هو المجتمع ومفرداته: الوجع في أثناء العلاقة الجنسية أمر طبيعي، وحبوب منع الحمل مؤذية، ولا داعي لزيارة طبيب/ ة نسائي/ ة قبل الزواج، وأوجاع الدورة غير الطبيعية، طبيعية... الكثير من التضليل مارسه المجتمع علينا ودعمته قلة التثقيف والتوعية بصحتنا الجنسية والإنجابية، وبمّا هو طبيعي وغير طبيعي.

حقوقنا الضائعة نحن من نستردّها. ونستردّها عندما نبدأ بالتحدث من دون خوف عن أجسادنا ودورتنا... نستردّها عندما لا نخبّىء علبة الفوط الصحية في كيس أسود خشية أن يراها أحد، أو نخجل من دخول الصيدلية أو الدكان لشرائها في حال كان البائع رجلاً. نستردّها عندما ندمُج ولا نفصل الذكور عن الإناث في المدارس، عند التحدث ضمن محاضرات توجيهية عن الدورة الشهرية. الأهم من ذلك، أننا نستردّها عندما نتمرد على المجتمع وأفكاره...


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image