شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تحقيقات الفساد في الصومال... هل تشمل أسر الرئيس والوزراء؟

تحقيقات الفساد في الصومال... هل تشمل أسر الرئيس والوزراء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 3 أغسطس 202304:50 م

حرب بلا هوادة ضد الفساد، أعلنها الرئيس الصومال حسن شيخ محمود، عبر المدقق العام للدولة أحمد عيسى غوتالي، خلصت إلى توجيه الاتهام إلى 18 من كبار المسؤولين السابقين والحاليين في مؤسسات الحكومة، في دولة تأتي في ذيل مؤشر مُدرَكات الفساد لأعوام عدة متتالية. 

وبينما بدأت محكمة إقليم بنادير الذي تتبعه العاصمة مقديشو، بعقد جلسات علنية لمحاكمة المسؤولين الـ18، الحاضرين منهم والغائبين، انقسمت الآراء حول حملة مكافحة الفساد الأخيرة؛ بين من يرونها تطهيراً للمؤسسات، وآخرون يشككون في مصداقية الحكومة، وعلى رأسها الرئيس، بسبب التخوف من تصفية الخصوم السياسيين واستشراء المحسوبية والفساد في تعيين أقاربه والمسؤولين في الوظائف العامة.

اتهامات طالت كبار المسؤولين

وبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الفساد العالمي في عام 2022، حققت الصومال أدنى درجة من الالتزام بمكافحة الفساد، واحتلت المرتبة 180 من بين 180 دولةً شملها التقرير، محققةً 12 نقطةً من 100 على مؤشر مدركات الفساد.

وبدأت حملة الرئيس حسن شيخ، لمكافحة الفساد الشهر الماضي، بإحالة مسؤولين في وزارة الإعلام وعناصر الأمن الرئاسي بتهم الفساد إلى محكمة بنادير الإقليمية. وفي مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي، تم القبض على الرئيس السابق لمحكمة مديرية ياقشيد الجزائية بالتهمة نفسها. تبع ذلك إعلان مكتب المدعي العام إجراء تحقيق مع 40 مسؤولاً حكومياً لمدة ثلاثة أشهر بتهم الفساد وسرقة الممتلكات العامة وإساءة استخدام السلطة وإهمال المسؤولية والاختلاس، وأُحيل 18 منهم إلى المحاكمة، وما يزال الآخرون قيد التحقيق. وبحسب تصريحات النائب العام، من بين المتهمين مسؤولون في مكتب الأجانب التابع لهيئة الهجرة والجنسية، في تحقيق حول اختلاس نحو 7.9 ملايين دولار.

واستند المدعي العام إلى تقرير المدقق العام للدولة في حسابات مكتب إدارة تصاريح العمل للعمال الأجانب، في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ومكتب تمديد الإقامة في هيئة الهجرة والجنسية، ومكتب خدمة العمال الأجانب في وزارة المالية، وإدارة خدمة العمال الأجانب في البنك المركزي الصومالي. وخلص التقرير إلى اختفاء 21 مليون دولار أمريكي في الفترة الممتدة من آذار/ مارس 2018 حتى نيسان/ أبريل 2023. وصرّح المدقق العام أحمد عيسى غوتالي بأنّ سبب اختيار هذه الفترة، عائد إلى كونها شهدت العمل بالنظام الممكنن في آذار/ مارس 2018، بعد أنّ كان نظام العمل ورقياً.

في تصريحات سابقة للرئيس حسن شيخ، قال: "لن تسمح الدولة الصومالية بأن يسرق أحدٌ الضريبة المحدودة التي تُؤخذ من المرأة الفقيرة التي تتاجر ببيع الشاي في جانب الطريق، وأشهد الله أمام الناس ألا نرضى بذلك".

ويعاني الصومال منذ عقود من استشراء الفساد، الذي يُعدّ من أهم العوائق أمام تطوير الاقتصاد الوطني، للتخلص من الاعتماد على المساعدات الخارجية. ومن أبرز أوجه الفساد في المؤسسات العامة؛ الرشاوى والمحسوبية وتزوير الأوراق الرسمية واستغلال الممتلكات العامة. وينتشر الفساد في قطاعات حيوية من الاقتصاد، مثل الموانئ والمطارات وإدارات الضرائب والجمارك والهجرة والاتصالات والإدارات المسؤولة عن المساعدات الأجنبية. وبحسب بيانات منظمة الشفافية تُصنَّف الصومال على أنّها أكثر الدول فساداً منذ العام 2007.

انقسمت الآراء حول حملة مكافحة الفساد الأخيرة؛ بين من يرونها تطهيراً للمؤسسات، وآخرون يشككون في مصداقية الحكومة، وعلى رأسها الرئيس، بسبب التخوف من تصفية الخصوم السياسيين

مكافحة الفساد أم استهداف المعارضين؟

في حواره مع وكالة "VOA"، قال الباحث في العلوم السياسية محمد نور قلمو، إن "المراجعة المالية التي قام بها المدقق العام، أمرٌ في غاية الأهمية، ويمكن أن يقف في وجه الفساد الذي بات عائقاً أمام تحسّن الاقتصاد الصومالي. ومنذ سقوط الدولة المركزية لم يحدث أنّ قامت هيئة التدقيق بمثل هذه المحاسبة التي شغلت الحكومة والبرلمان والإعلام والمجتمع".

وأضاف أن "الحكومة خلقت وعياً اجتماعياً حول مكافحة الفساد، بينما في السابق كان هناك تسابق من طالبي المناصب على القطاعات التي تحقق إيرادات جيدةً لاختلاس المال العام، لكن اليوم يعي الجميع خطورة الفساد ويتجنبون أنّ تُوجَّه إليهم أصابع الاتهام".

من جانب آخر، ذكر النائب في البرلمان الفيدرالي محمد ولي في مقابلة تلفزيونية، أن حملة مكافحة الفساد ليست نزيهةً، بل ذات أغراض اقتصادية ومتحيزة لأطراف. وعلّل حديثه بأنّ "المتهمين المقبوض عليهم ينحدرون من القبائل غير المسلحة، التي لا تتوفر لها قوة لمواجهة الحكومة". وأشار إلى أنّ السلطات قبضت على المدير العام لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عبد الله سلطان، وسجنته لمدة خمسين يوماً قبل إحالته إلى المحاكمة، وعيّنت في منصبه شخصاً آخر، ما يوضح أن الهدف كان المنصب فقط.

ومن بين المتهمين بالفساد عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، منهم؛ المدير السابق لهيئة الهجرة والجنسية محمد آدم جمعالي (كوفل)، والمدير الذي خلفه في منصبه عبد القادر علمي علي (عبدل)، ومدير هيئة الضرائب البرية التابعة لوزارة المالية محيدين حسن جرس (سابي) وآخرون.

بدوره علّق المدير السابق لهيئة الهجرة والجنسية (2016-2021)، كوفل، على حسابه الرسمي في فيسبوك، قائلاً إن هذه الاتهامات افتراء، قصدها الوحيد تشويه سمعته. واتّهم الحكومة باستهدافه بعد إعلان نواياه في الترشح لرئاسة ولاية جلمدغ، المزمع إجراؤها قريباً. وشكك المسؤول السابق في نزاهة المدعي العام والقضاء.

الاتهامات نفسها ساقها مدير هيئة الضرائب البرية السابق محيدين حسن جرس (سابي)، في مقابلة مع صحيفة "غلين ميديا". وقال سابي إنّ الاتهامات وُجهت إليه نتيجة صراعات سياسية، وإن الحكومة استهدفته بعد علمها باعتزامه التنافس على رئاسة ولاية هرشبيلي.

اتّهامات تطال أسرة الرئيس

وفي تصريحات بعد خطبة الجمعة التي اعتاد أنّ يلقيها في مسجد التضامن الإسلامي في العاصمة مقديشو، بحضور رجال الدولة، دعا الرئيس حسن شيخ محمود، المسؤولين الهاربين إلى تسليم أنفسهم إلى العدالة، ووعد بأنّ تكون المحاكمة علنيةً.

لكن وعود الرئيس بمحاكمة نزيهة محلّ شك من خبراء في القانون. قال مستشار قانوني، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ "استقلال الأنظمة القضائية في الدول الهشة مثل الصومال أمر مشكوك فيه، لكن مع إعلان محكمة بنادر بث الجلسات عبر الإعلام، فإن ذلك سيجعل خطوات المحاكمة مراقبةً من الرأي العام المحلي والدولي".

وبسؤاله حول تحيّز السلطة في توجيه الاتهامات؛ باستهداف المسؤولين من القبائل الصغيرة وإطلاق سراح المسؤولين من القبائل الكبيرة التي تتمتع بنفوذ كبير، قال لرصيف22: "في ظل وجود قوى قبلية تعادل قوتها قوة الدولة فهذا غير مستبعد". وأشار إلى أنّ السلطات الفيدرالية لم تصدر أمر ضبط بحق مدير هيئة الضرائب البرية السابق محيدين سابي، بعد هروبه إلى هيرشبيلي حيث موطن قبيلته، تجنباً للصدام مع قبيلته التي تُعدّ من القبائل جيدة التسليح.

ولفت المستشار القانوني إلى أنّ توظيف السلطة مكافحة الفساد لاستهداف الخصوم أمر غير جديد في الصومال، مستشهداً باستهداف الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، لرئيس وزرائه محمد حسين روبلي، حين أصدر قراراً بإيقافه بتهمة استغلال ممتلكات الجيش لصالحه، وذلك بعد دعم روبلي للمعارضة التي كانت على خلاف مع الرئيس بسبب الانتخابات العامة.

في تصريحات بعد خطبة الجمعة التي اعتاد أنّ يلقيها في مسجد التضامن الإسلامي في مقديشو، وبحضور رجال الدولة، دعا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، المسؤولين الهاربين إلى تسليم أنفسهم إلى العدالة، ووعد بأنّ تكون المحاكمة علنيةً

وفي سياق متصل، يُتّهم الرئيس بالمحاباة في تعيين أقاربه في المناصب الحكومية العليا، وهي التهم التي طالت عدداً من الوزراء في الحكومة.

من بين ذلك، تصريح وزير التجارة جبريل عبد الرشيد، في جلسة مع لجنة شؤون التجارة في البرلمان الفيدرالي، بأن "أقاربه أحق الناس بأن يعيّنهم"، وذلك رداً على اتهام اللجنة له بتعيين أقاربه فقط في مناصب حكومية.

ويثير ظهور ابنة الرئيس، جهان، بصحبة والدها في اللقاءات الرسمية، علامات استفهام حول الصفة التي تحضر بها تلك الاجتماعات، والتي منها حضورها برفقته اجتماعات عقدها في نيويورك. ويقول البعض إنّ ابنة الرئيس تشغل منصب مستشار الرئيس للعلاقات الدولية.

الرئيس الصومالي وابنته في نيويورك

من جانبه، أجاب الرئيس عن سؤال حول الاتهامات التي طالته بتوظيف أفراد من أسرته في مناصب حكومية عليا، بالقول: "أولاد رؤساء الدول لهم حقوق المواطن العادي، إذا كانوا على قدر كافٍ من الكفاءة. وليس تولّي والدهم منصباً كبيراً بمانعٍ عنهم حقوقهم".

في السياق ذاته، ذكر تحقيق لموقع "غيلان ميديا" المحلي، أن العديد من أقارب الرئيس متورطون في التربح غير المشروع، عبر تحصيل رسوم غير رسمية من تجارة القات المستورد من كينيا.

وبحسب التحقيق، فإنه بعد أيام من تنصيب حسن شيخ رئيساً، وفي شهر حزيران/ يونيو 2022، استؤنف استيراد القات من كينيا بعد أنّ حُظر سابقاً في عهد الرئيس السابق فرماجو. ومقابل السماح بالاستيراد تحصل أسرة الرئيس على 4.5 دولارات كضريبة غير رسمية على كل كيس من القات، وتودَع في حسابات شخصية لأسرة الرئيس.

كما ذكر التحقيق أنّ شركةً واحدةً تتبع لأفراد في أسرة الرئيس، حصلت على عقود لتنفيذ مشاريع بملايين الدولارات من هيئة المعايير الفيدرالية، التي سبق أن عُيّنت نائبةً لرئيسها، زوجة أحد أبناء الرئيس، وهي السيدة حواء أحمد، بعد أيام من تنصيب الرئيس، وذلك في 22 أيار/ مايو 2022.

وفي ظل الوضع السابق، تبقى آمال الشعب الصومالي في حكم نزيه ورشيد غير قابلة للتحقق في المدى المنظور، مهما بشّر الرئيس من على منبر الجمعة، فما أكثر ما بُشّرت به الشعوب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image