شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"كأنّها طقس ديني"... عادات الكتابة لدى بعض الكتّاب الشباب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الاثنين 21 أغسطس 202303:40 م

الكتابة الإبداعية أو البحثية ليست عملاً آلياً ميكانيكياً، بل هي عمل إنساني يعتريه ما يعتري الإنسان من سمات بشرية، أهمها التميز والتفرد ويتميز بهما كل كاتب عن الآخر. هذا التميز ليس فقط في ما يتعلق بتفرّد المادة المكتوبة وتباينها من كاتب إلى آخر، بل لأنَّ فِعلَ الكتابة نفسه بروتينه وخطواته ومواقيت حدوثه يختلف باختلاف الكاتب أو المؤلف، فلكل كاتب أو مؤلف عاداته وروتينه الخاص، أو بعبارة أخرى، طقوسه الخاصة. في هذا المقال نحاول سبر أغوار تقاليد الكتابة والتأليف اعتماداً على تحليل عادات مجموعة من الكتاب والباحثين المتميزين.

هدوء وورقة وقلم وقهوة وشاي وقرطاسية خاصة

ثمة أمور خاصة جداً ترتبط بالكتاب، وكأنَّ الكتابة طقس ديني له أركانه وشروطه التي لا بد من تحققها حتى تبدأ عملية الكتابة وتتدفق وتصل إلى النتيجة المبتغاة. يحدثنا الكاتب محمد وهبة عن طقوس الكتابة لديه: "الكتابة بالورقة والقلم أولاً، ثم نسخ النص بالحاسوب لاحقاً. وبرغم ما في هذا من هدر للوقت، لكني لا أستسيغ الكتابة رأساً بالحاسوب. ولا أكتب إلا بنوع معيّن من الأقلام، إذا لم أجده لا أستطيع كتابة فقرة واحدة! لهذا فأنا أجهد كل الجهد لتخزين احتياطي إستراتيجي منه، وأطوف على القرطاسيات لشراء ما يسعني شراؤه من هذا القلم، لئلا أفاجأ بنفاده من السوق".

لكل كاتب عاداته ومواقيته التي يأتيه الإبداع فيها، ومنهم من يكتب وفق خطة وروتين ومنهم من يكتب فقط حين يشعر أنه يريد الكتابة

أما محمود شريف زكريا، أستاذ علم المعلومات في جامعة عين شمس وجامعة طيبة في المدينة المنورة، فعنده ثلاث عادات أساسية إذا ما أراد أن يدخل في جو الكتابة ويبدع. أول هذه العادات العزلة: "هي معين مهم بالنسبة لي، كي أتمكن من تصفية ذهني من أي شواغل تعطلني عن مواصلة التفكير في ما أكتب"، وثانيها "تناول القهوة والشاي بشكل متوسط أو ربما أكثر من المتوسط، فلا يمكنني أن أكتب ما لم أتناول مشروباً دافئاً"، وثالثة الأثافي عنده هي ما يسميه بتوحيد الجبهة "يعني التركيز على مسار واحد فقط أو جبهة واحدة، وأقصد بذلك عدم التشتت في الكتابة على أكثر من جبهة واحدة؛ فليس من المقبول عندي أن أفتح عدداً من الموضوعات وأكتب في كل يوم جزءاً، بل أخصص كامل طاقتي لمعالجة مسألة واحدة أكتب عنها. وبرغم انشغالي بمسائل أخرى تحضرني وتحتاج إلى الكتابة، فإني لا ألغيها من ذاكرتي، ولكنها تبقى على قائمة الأولويات بعد التفرغ من المسألة الحالية، وهكذا".

أما عن ارتباط الكتابة بأدوات وتجهيزات محددة، فيضيف محمود زكريا: "وأحترم من يستعمل القلم في الكتابة، بمعنى أنه إذا استغلق عليّ أمرٌ أو مسألة معينة، فإني أُحضر ورقةً وقلماً وأجلس فأكتب، فتتكشَّف لدي عندئذٍ هذه المسألة. وسبحان الذي علّم بالقلم. لذا أنصح بأهمية التعلم بالقلم، وعدم الكتابة مباشرةً على الكمبيوتر. ربما أبدأ أولاً بالكتابة على الورقة، حتى إذا تجلَّت لدي الفكرة واتضحت، أشرع في استكمالها إلكترونياً. هذا أنسب وأوفق وأوفر حظاً في إتمام الفكرة التي تلوح في ذهن الكاتب ويريد ألا تفلت منه".

غسل أطباق وموسيقى وسجائر وهدوء

ولتهيئة نفسه وتهيئة الأجواء، يعمل الكاتب الصحافي حامد فتحي على تصفية ذهنه وكسر تراكم الأفكار وتشعبها قبل الكتابة: "أعتبر أنّ وضع العنوان والمقدمة حتى لو سأغيرهما لاحقاً هما أهم شيء أفعله لتهيئة النفس للكتابة". ويوضح فتحي أنه في سبيل ضبط الحالة المزاجية والدخول في الكتابة: "ربما أقوم ببعض الأعمال المنزلية، مثل غسل الأطباق وترتيب المطبخ، وهذا يساعدني جداً على التركيز، وكذلك فإنَّ ترتيب المكان حولي أمر مهم. ولأدخل في مزاج الكتابة لا بد أيضاً من وجود السجائر والقهوة".

ويتابع فتحي: "توفير الهدوء معظم الوقت هو أهم تحضيرات الكتابة، ففي بعض الأوقات أستمع إلى أغاني أو موسيقى كخلفية تساعد على تهدئة الذهن. ولا أستطيع الكتابة إلا عبر الجلوس على المكتب ووضع اللابتوب في مكان مناسب. كذلك يساعدني اختيار نوع حروف هجائية معيّن وحجم الخطوط ولون العناوين وترتيبها في الكتابة، وشكل الصفحة في برنامج الوورد أو غوغل درايف على أن أنفتح على الكتابة".

وكذلك فإن الهدوء هو أهم شروط الكتابة عند الكاتب السياسي عبد العظيم الأنصاري: "يُمكن اختصار طقوسي الخاصة عندما أشرع في الكتابة، في كلمة واحدة هي الهدوء، لكن قبل ذلك، يُمكنني قبل البدء بالكتابة تناول مشروب يُشعرني بالسعادة سواء كان ساخناً أو بارداً. ليس لدي مشروب محدد، ويُمكن أن أبدأ بالكتابة بعد إفطار لذيذ وممتع".

وبعد أن يحفِّز الأنصاري نفسه ويشعر بالارتياح فإنه يدخل في حالة الكتابة: "أبدأ على الفور بكتابة أولى حروفي ومن ثم كلماتي وعباراتي ليتبلور شيئاً فشيئاً ما أكتب كمنحوتة تُنحت رويداً رويداً، حتى أجد نفسي في قلب عالمي الخاص".

وبالنسبة للكاتب والباحث في التصوف والموسيقى محمد حسين الشيخ، فكان لا بد للموسيقى والتصوف أن يكونا ضمن طقوسه الكتابية: "هناك طقوس، أولها الانعزال عن العالم حتى ولو اضطررت إلى الكتابة وعلى مقربة مني أحد يزاحمني في مكان جلوسي، حيث أضع سماعات اللابتوب في أذني وأسمع موسيقى، بشرط ألا تكون الموسيقى جديدةً بالنسبة إلي، حتى لا تخطفني من الموضوع الذي أكتب عنه. كذلك لا أتعجل قرار الكتابة، ولا أكتب إلا لو كنت مندفعاً أو في داخلي عاطفة تجاه ما أكتبه. هذه العاطفة قد لا تكون موجودةً بشكل كافٍ في بداية البحث عن المادة التي أتناولها بالكتابة، ولكن مع تعميق البحث وظهور معلومات أو مقاربات أو أفكار جديدة لي تشتعل العاطفة فأكتب بمنتهى الشغف".

طائر مبكر أو بومة ليلية أو الاثنان معاً

ليس كل الكتّاب سواء في تحديد ميقات الكتابة، فمنهم الطائر المبكر، مثل محمد حسين الشيخ، ومنهم البومة الليلة مثل محمد سمير وهبة. أما محمود شريف زكريا فإنه يمزج الليل بالنهار، فعنده الوقت المفضل هو الصباح الباكر، وأيضاً السهر ليلاً بعد الواحدة وحتى الفجر.

وهناك من يُفتح له في الكتابة في أي وقت، مثل حامد فتحي: "الوقت المفضل هو الوقت الذي أشعر فيه بالتركيز والانفتاح على الكتابة. لا ألتزم بأي وقت محدد في اليوم، أنام مرتين يومياً، ولا أكتب أبداً إن شعرت بالنعاس". الهدوء هو الشرط الأساسي عند عبد العظيم الأنصاري، سواء كان ليلاً أو حتى في أي ساعة من النهار: "ألوذ دائماً بأوقات الهدوء لأنجز مشروعي، سواء كانت في ساعات البكور، أو أعماق الليل، وحتى في أوقات النهار العادية لكن المهم هو الهدوء وقت الكتابة، وأن أخلو بما أكتب".

استثارة الرغبة ومداعبة النفس عند الملل

الإنسان ملول بطبعه إذ ما كان لديه ما ينجزه، والكاتب أحياناً يصيبه الملل ويجد من نفسه إدباراً عن الكتابة ولكن بعض الكتاب لديهم حيل دفاعية لدفع فتور العزم على الكتابة.

يوضح حامد فتحي هذه الحالة ويبين طريقته الخاصة إذا ما فقد الرغبة في الكتابة: "في أوقات كثيرة تكون الكتابة مجاهدةً للنفس؛ اختيار العنوان مدخل مهم للتحفيز، وكذلك كتابة أسطر عدة، فقط أجاهد لأكتب بضعة سطور، وأتركها لوقت لاحق، وحين أعود للكتابة أشعر برغبة في إنهاء النص. تختلف المحفزات طبقاً لنوع الكتابة؛ صحافية أم أدبية، وموعد الانتهاء منها وتسليمها للنشر. بشكل عام إن فقدت الرغبة في الكتابة ألجأُ إلى النوم كوسيلة لاستعادة النشاط، نوم القيلولة أو في أي وقت صباحاً أو مساءً، وبعد الصحو أكون مستعداً للكتابة".

وكذلك محمود شريف زكريا لديه حيلة مجرَّبة: "عندما أفقد الرغبة في الكتابة والبحث، أصنع حيلةً معينةً، وهي أني أعيد قراءة ما كتبته من أول سطر، وربما أعلق عليه وأعدِّل، وهكذا حتى أنخرط مرةً أخرى في الكتابة. وهذه حيلة مجربة وناجحة جداً على الأقل بالنسبة لي. ولكن على أي حال يُنصح هنا بعدم الانقطاع عن الكتابة لمدة زمنية قد تطول أو تقصر، حيث تضعف الهمة ويفقد المرء الرغبة وينسى ما كان منشغلاً به من قبل فتقلّ الدافعية نحو إنجازه. إن المواظبة على الكتابة تُعدّ عاملاً مهماً في مسيرة الباحث والكاتب كي يستمر في الكتابة والإنتاج العلمي أو الإبداع الأدبي".

أما عبد العظيم الأنصاري فإنه يجتهد ليجمع شتات نفسه ليكتب: " قبل كل شيء أُفرّغُ دماغي من أية أفكار أخرى وأضع نصب عينيّ ما أريد التركيز عليه في الكتابة وفقط لمدة لا تقل بأي حال عن ساعتين فأكثر. يستلزم ذلك بعض الوقت من أجل الولوج إلى العالم الذي أصبو إليه، وكذلك أتخلص مؤقتاً من أي أفكار بعيدة عن مشروعي بالتفكير فقط فيه".

ويقول محمد الشيخ في هذا الصدد: "أفتح صفحة ورد، وأسمع موسيقى وأقرأ كتاباً رقمياً، ورويداً رويداً تهاجمني الفكرة فأتحمس لمواجهتها". وأخيراً وليس آخراً يستثير محمد سمير وهبة الكتابة بالقراءة: "فالقراءة خير محفز للكتابة، لا سيما قراءة كتب الأعلام، أو مشاهدة حوارات متلفزة مع كبار الكتاب".

الكتابة لتحقيق الوجود وأداة لتعديل الأفكار وتوسيعها

ولكن يبقى لنا أن نسأل: لماذا نكتب أصلاً؟ هل هي الرغبة في المعرفة وحدها ما تدفعنا للكتابة، أم أن هناك دوافع أخرى؟ فعن دوافعه للكتابة يقول حامد فتحي: "هناك دوافع تتعلق بإنجاز العمل سواء لتحقيق أهداف مادية وتحقيق الرضا الوظيفي، وهناك دوافع أخرى مثل التعبير عن فكرة أو تسجيل موقف وذلك في الكتابة التي لا تتعلق بالعمل. فبشكل عام الكتابة جزء من حياتي. أحب الكتابة لأن أفكاري تتعدل وتتوسع أكثر وقت الكتابة".

محمود شريف زكريا فدوافعه وظيفية دينية فلسفية: "هناك أسباب عدة كانت تحملني على الكتابة في ما مضى، لعل أبرزها الترقية العلمية. أما وقد ترقيت حالياً ولله الحمد والمنة، إلا أني أشعر بارتباطي بالكتابة كنشاط فكري لا يتوقف لدي. وأجد لهذا النشاط أسباباً أو دوافع معيّنةً تحملني على الاستمرار؛ منها: زكاة العلم ونشره بين الناس، تبسيط العلم وتقريبه، الحضور العلمي وأن أشعر بأني موجود (أنا أكتب، إذاً أنا موجود)، ولا يدل على وجود العالِم وحضوره في زمان أكثر مما تركه العالم من "شواهد الوجود" الدالة عليه. وأعني بشاهد الوجود البصمة أو الأثر اللذين خلّفهما العالِم أو الأديب أو المبدع في حياته. فشاهد وجود الإمام البخاري مثلاً هو صحيح البخاري، وشاهد وجود الإمام الشافعي كتبه الشهيرة مثل 'الأم والرسالة'، وشاهد وجود فيكتور هيغو رائعته 'البؤساء' مثلاً، وكذا الحال مع كافة العلماء والمشاهير من الأدباء. وهكذا بالنسبة لكل عالم وأديب ومبدع؛ حيث يرتبط وجوده في الحياة بحقيقة شاهد الوجود التي تركه. إذاً يمكن اعتبار الكتابة ومفرزاتها شاهد وجود. وهذا دافع مهم جداً يحملني على الاستمرار".

ويعبّر محمد حسين الشيخ الكاتب عن فلسفته الصوفية في الكتابة: " أكتب لأشعر بوجودي؛ لقد صرت أنا والكتابة كياناً واحداً، فهذا عملي والأهم أنه شغفي وهوايتي والشيء الذي يشعرني بتقدير لذاتي... بالكتابة أخاطب نفسي وأخاطب الكون". ويضيف الشيخ: "أميل إلى التعامل مع الكتابة بتصوف شديد، بالتوحد مع ما أكتبه لأحاول استلهام ما هو أعمق من المتاح في الفضاء البحثي، لأني أعتقد أن الكاتب بلا حب لا يساوي شيئاً".

وفي السياق ذاته يقول عبد العظيم الأنصاري: "الدافع الأول يتمثل في الإشباع الوجداني النفسي، عندما أكتب أشعر وكأن أفكاري تتنفس ما يكسبها مزيداً من الحياة". ويضيف: "هناك دوافع أخرى تتعلق جُلّها بالجانب المادي من الحياة، وهو جانب أكرهه من داخلي، وما يُلجئني إليه هو أنني صرت لا أجيد حرفةً أخرى غير الكتابة أياً كانت صورتها، فكم تمنيت أن أكتب فقط لنفسي دون أن أضطر إلى الاسترزاق من الكتابة".

ومحمد وهبة فتتعدد عنده الدوافع للكتابة: "الدوافع مختلفة باختلاف أنواع الكتابة: فهناك كتابة للكسب (مقالات)، وثمة كتابة للتخلص من التوتر النفسي (خاطرات)، وأخرى للمتعة، أي الكتابة لوجه الكتابة نفسها (قصص وشعر). ولكن قد تُرَدُّ الدوافع إلى دافع واحد: الرغبة في التحقق، وإثبات النفس، إما بإبراز رأي أو الدفاع عن قناعة، أو تفنيد زعم من المزاعم، أيّما كان القالب أو الفن".

الكتابة لإمتاع الكتّاب والقراء

حتى يواصل الكاتب عمله ويخرج للقراء بكتابة ممتعة، فلا بد أن يستمتع هو ابتداءً بالكتابة، وإلا خرجت كتابته مملةً باردةً. يتحدث محمود زكريا عن متعته في الكتابة: "الكتابة ممتعة بالنسبة لي إذا وافقت رغبةً في ما أكتب. ولطالما ارتبطت رغبة الكتابة بالموضوع الذي أحب أن يُكتب فيه". ويوضح الأنصاري وجه المتعة عنده في الكتابة: "الكتابة ممتعة بالنسبة لي فطرياً، لكن ما يجعلها ممتعةً حقاً هو أن أكتب ما أراه دون أي تأثير خارجي، دون أي ضغط يوجهني يميناً أو يساراً، وهنا لا أشعر بأي متعة فقط أنتظر المقابل المادي دون أي اعتبارات أخرى".

ويلفت محمد وهبة نظرنا إلى نقطة مهمة في هذا الاتجاه، وهي حرص الكاتب على إمتاع القارئ: "تكون الكتابة ممتعةً عندما يفترض الكاتب أنَّ القارئ ملول، ولا بد أن تكون الكتابة موجزةً بلا إخلال، وملونةً بالمعنى البلاغي للكلمة، ولا تخلو من فائدة. لا بد للكاتب أن يفكر كما يفكر المسوِّقون أيضاً".

ويوجز لنا محمد حسين الشيخ عن كيفية تحقيقه للمتعة في أثناء الكتابة: "بأن أكتب ما أحب. طالما أحب فأنا مستمتع". وكذلك حامد فتحي يجعل الكتابة ممتعةً بالطريقة نفسها: "باختيار موضوعات أشعر بالحماسة نحوها، وتحديد وترتيب الأفكار، والابتعاد عن الأفكار العامة التي ترهق الكاتب. وبالرغبة في مشاركة مُنْتَجِي مع الآخرين".

ويبيّن فتحي أيضاً أن "الكتابة بمثابة طريقة للتعامل مع الحياة؛ أكتب لأرتب تفكيري أي كتابة لأغراض عملية ولإخراج فكرة من رأسي. أنا مرتبط بالكتابة وهي جزء من حياتي عملاً وتفكيراً ومعرفةً".

خطة العمل وعفو الخاطر

بعض الكتاب لديهم روتين يومي للكتابة والآخرون يكتبون وقتما يشعرون بأنهم يريدون الكتابة. محمد حسين الشيخ عنده برنامج يومي يبدأه بالكتابة: "أستيقظ مبكراً في حدود الخامسة صباحاً وأشرب القهوة وأفتح نوافذ المنزل كي أشمّ هواء اليوم الجديد، وبعدها أجلس لأفكر أو أبحث أو أكتب حتى العاشرة صباحاً، ثم أذهب لعملي في قناة سي بي سي، وإن كنت في إجازة من العمل قد أستمر حتى الخامسة مساءً. وفي المساء إما أقابل صديقاً أو أحضر مناسبةً أو أجلس مع عائلتي، وأنام عند العاشرة أو الحادية عشرة. لكن أحياناً تحدث استثناءات وأسهر".

وكذلك فإن عبد العظيم الأنصاري له روتين يومي ثابت: "يبدأ اليوم باكراً. مع شروق الشمس أشعر بالراحة التي تدفعني للحياة، فأنا كائن نهاري أُحب ضوء النهار، وأشعر بالذبول مع الغروب، وأفضل عمل لبداية منتجة الصلاة، والدعاء، ثم الرياضة ثم القراءة، وبعد مرور ساعتين إلى ثلاث ساعات يبدأ يوم العمل المعتاد".

ونقيض ذلك ما يفعله حامد فتحي: "أكتب بعد إكمال متطلبات مثل البحث وجمع المعلومات، ولا أنهي نصاً كتبته في الوقت نفسه". وكذلك محمد وهبة: "لا يوجد برنامج محدد؛ شهوة القراءة والكتابة يمكن أن تحضر في أي حين، لكن التفرغ لها إذا حدث لا يكون إلا في ساعات متأخرة من الليل".

الكتابة لا تحدث بالضغط على زرّ، بل لا بد من عادات محددة وتهيئة جو نفسي ومزاجي معتدل حتى تتدفق الكتابة في محيط من الحب والمتعة ومن ثمَّ يُولد نص جميل رشيق يستمتع به الكاتب والقارئ 

يذكر محمد وهبة أيضاً أنواع الكُتَّاب في ما يتعلق بالتخطيط للنص المكتوب وإلى أيهما ينتمي هو: "هناك ضربان من الكتاب: المخطِّطون (outliners) وهؤلاء يشرعون في الكتابة وفي أذهانهم خطة شاملة عما سيكتبونه، فالكتابة عند هؤلاء مجرد تنفيذ لخطة معدّة مسبقاً، وهناك الكتّاب الناجمون (pantsers) وهؤلاء لديهم فكرة تؤرقهم، أو يسنح لهم معنى يعجبهم، أو طرف خيط لا يعرفون إلى أين يقودهم، وهم يرسلون أقلامهم على الخواطر، وأنا أدخل في الصنف الأخير، حيث الكتابة متقطعة، أو منجَّمة ومفرقة في أشتات كثيرة من الدفاتر والكراريس، وتؤدَّى أقساطاً لا جُمْلةً واحدةً، مثل تجميع قطع الأحجية. فأنا أكتب ولا أعرف الصورة النهائية لما أكتبه، ولكن أترك نفسي إلى حيث تقودني الكلمات بالتداعي الحر".

الكتابة لا تحدث هكذا بالضغط على زرّ، بل لا بد من عادات محددة وتهيئة جو نفسي ومزاجي معتدل حتى تتدفق الكتابة في محيط من الحب والمتعة ومن ثمَّ يُولد نص جميل رشيق يستمتع به الكاتب والقراء على السواء. فلكل كاتب/ة عاداته/ا ومواقيته/ا التي يأتيه/ا الإبداع فيها، بل إن لكل كاتب/ة التجهيزات والأدوات التي ترتبط عنده/ا ارتباطاً شرطياً بالكتابة، مثل وجود قرطاسية معيّنة أو تجهيزات حاسوبية معيّنة. تهيئة النفس للكتابة بإدخال البهجة عليها بالمشروبات المفضلة أمر يسير ولكنه مهم وفعَّال أيضاً. ومنهم من يكتب وفق خطة وروتين، ومنهم من يكتب فقط حين يشعر أنه يريد الكتابة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image