شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الروائية مي التلمساني... الكتابة قصة حياة أو موت فعلياً

الروائية مي التلمساني... الكتابة قصة حياة أو موت فعلياً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 25 أغسطس 202202:00 م

ثمة كتاب حفروا تميزهم بأدوات إبداعية تتواشج بينهم وبين القارئ روابط حب خفية، ويتمثل ذلك في البحث عن أعمالهم الأدبية الإبداعية في رفوف المكتبات.

تعتبر مي التلمساني من أبرز الأصوات الروائية والإبداعية في مصر والعالم العربي، بما قدمته من تجربة سردية متميزة تحتفي بالمكان والإنسان، فهي علامة مضيئة في الرواية العربية. مي روائية ومترجمة وأكاديمية، تُدرّس السينما بجامعة أوتاوا الكندية، وناقدة سينمائية تنتمي إلى أسرة سينمائية أيضاً، فهي ابنة المخرج عبد القادر التلمساني. تعشق مي الكلمات والسّرد الشهي الممتع وكيمياء الكلمات وتضاريسها وأبعادها، وموسيقى النص غاية مقدسة بالنسبة لها.

مي التلمساني إحدى أبرز الأصوات الروائية والإبداعية في مصر والعالم العربي، بما قدمته من تجربة سردية متميزة تحتفي بالمكان والإنسان... في حوار مع رصيف22
"لا تحيا الكتابة بمعزل عن الواقع ولا التاريخ"، تقول مي، "وبالتالي فالسياسة جزء لا يتجزأ من عالم الأدب والرواية. أما الأيديولوجية فقضية أخرى. بوسع الكاتب أن يتحرر لو أراد من الأيديولوجية وسطوتها، وأن يتبنى موقفاً معادياً للأفكار الأيديولوجية". أما عنوان الرواية، فهو بالنسبة لمي "مدخلٌ من مداخل الرواية، مثله مثل الغلاف ودلالاته، ويعتبر مفتاحاً من مفاتيح النص". أما عن "مهمة" الرواية، فتقول مي: "لا أصدق في أن تكون للرواية مهمة محددة. الرواية عمل إبداعي يتجاوز المحددات والأهداف والمهام المنوطة بدور محدد للكاتب، سواء كان دوراً تنويرياً أو طليعياً... إلخ. أصدق بحرية الكاتب أو الكاتبة، حتى من ضرورة طرح الواقع العام أو الاشتباك معه بشكل مباشر".
فالرواية بالنسبة لمي، "بناء تتداخل فيه اللغة مع الأفكار بلا شك، ولكن الأهم هو أسلوب السرد والحكي وبناء الشخصيات. الشأن الروائي بناء يصعب أن يقوم فقط على جدل الأفكار أو جماليات اللغة، ما لم يعتمد على أسلوب سرد واهتمام بالشخصيات".
الكاتبة مي التلمساني: أحلم بعالم أفضل، أقل عنفاً، أقل فقراً، أقل قهراً. أحلم بزمن مفتوح يسمح لي بالقراءة والاطلاع والكتابة بلا ضغوط يومية أو مهنية. أحلم ببيت في مصر مفتوح لاستقبال الكتاب من كل مكان في العالم 
وعن حصولها على وسام الفنون والآداب الفرنسي بمرتبة "فارس"، وهو الوسام الذي تمنحه وزارة الثقافة الفرنسية للأشخاص المؤثرين في الثقافة، تقول مي إنها استقبلته بسعادة شديدة، "لأني اعتبرته تكريماً ليس فقط لنفسي، ولكن للأدب العربي ولمن يمثلونه في عالمنا المعاصر". 

-لقد قلت "إن الكتابة بديل عن الطبيب النفسي". إلى أي حد ساعدتك الكتابة في تخطي الأزمات؟

قلت ذلك في سياق نشر روايتي الأولى "دنيا زاد"، وهي رواية سيرة ذاتية عن أم تفقد ابنتها لحظة الولادة. بالطبع كانت الكتابة في تلك اللحظة الاستثنائية بديلاً عن الطبيب النفسي، بديلاً عن الوقوع في أسر الجنون. فيما بعد تغيرت نظرتي تلك، حيث لم يعد ثمة بديل للطبيب النفسي، ولا حتى الكتابة. رغم أنها منقذة و مخلصة.
الكاتبة مي التلمساني: ليست مهمة الكاتب الوصول للجمهور، مهمته الأولى والأخيرة هي الكتابة

-هل ممكن أن تعطينا إضاءة حول الرواية الأخيرة؟ 

الرواية الأخيرة عنوانها "الكل يقول أحبك"، صدرت منذ عام، وتتناول شخصيات من المهجر العربي في كندا وأمريكا وعلاقتهم الملتبسة بالحب والزواج والوطن. هي رواية عن قضية الحب عن بعد.

وبالطبع الكتابة مغامرة. لا شيء يعادل مغامرة الكتابة الروائية في عنفوانها وطاقتها. أستمدّ من كل مغامرة عمراً على عمري، وأتمنى وأنا في قلب الحدث أو في قلب الكتابة أن تستمر تلك الطاقة ما يكفي للانتهاء من العمل الأدبي على أكمل وجه، وما بعد ذلك فليأت الطوفان.

-رواية "دنيا زاد" ترجمت إلى ثماني لغات، وحصلت على جائزة "أوليس" الفرنسية لأفضل رواية أولى في حوض البحر المتوسط، هل توقعت هذا النجاح المبهر للرواية؟

لم أتوقعه حينها، لكني منذ أن نشرت الرواية عام 1997 وأنا أشعر بالامتنان لكل من كتب عنها نقداً أو قرأها وأثنى عليها. فقد أعطت هذه الروايةُ عمراً ثانياً لابنتي دنيا، وتجاوزت الحدود عبر الترجمات إلى لغات أوروبية وغير أوروبية، وساعدتني على التفكير في مستقبل الكتابة بعد صدمة الموت أو الفقد، ومن بعدها تحولت الكتابة الروائية بالنسبة لي لقضية حياة أو موت فعلياً، خاصة كلما ابتعدت عن الكتابة أو حلّ عليّ الصمت.
الكاتبة مي التلمساني: العزلة جزء هام من حياة أي كاتب/ة، الصمت أيضاً، والابتعاد عن الأضواء وعن ضوضاء الحياة العائلية أمر أساسي

-كيف يمكن وصف علاقتك بالقراء؟ 

ليست مهمة الكاتب الوصول للجمهور، مهمته الأولى والأخيرة هي الكتابة. محاولة تدشين جمهور وتهيئته تأتي كعبء يضاف على أعباء الكتابة، وهذا ظلم بين الكاتب والروائي في عالمنا المعاصر. على الكاتب التفاعل بلا شك مع الجمهور كلما أتيحت له الفرصة، لكن مغازلة هذا الجمهور في رأيي أمر مبتذل ويضرّ بالعملية الإبداعية برمتها.

-ما الذي يحقق الخلود للشخصية الروائية؟

أن تكون صادقة، مقنعة، تخيلُها يفوق الواقع وينتصر عليه؛ أن تعيش الشخصية وكأنها جزء من الواقع ولا مجال لفهمه من دونها.

-من خلال جائحة كوفيد 19 فُرضت علينا أنماط مختلفة من الحياة في العزلة. ماذا تعني العزلة كفلسفة للعيش؟ هل كانت العزلة مثمرة؟

العزلة جزء هام من حياة أي كاتب/ة، الصمت أيضاً، والابتعاد عن الأضواء وعن ضوضاء الحياة العائلية أمر أساسي، بالنسبة لي على الأقل. التخلص من أعباء الحياة اليومية والتخفّف من الالتزامات تجاه العمل الثابت أو الزملاء أو الجيران وأفراد العائلة. كل هذه الأمور كشفت لنا الجائحة أنها ممكنة ومستحبة أحياناً، وساعدتنا ربما على فهم فكرة المجتمع بشكل مغاير لما تعودنا عليه.

لمن تقرأ مي التلمساني؟ إلى أين تأخذك حمى القراءة؟

أقرأ في النقد والفلسفة أكثر من قراءاتي في الرواية أو الشعر. لكنني أتابع بشكل جيد ما ينشر في مصر، وأثمن وقتي فلا أقرأ سوى ما أظنه يضيف إلى رصيدي المعرفي والوجداني. حقل الأدب فيه الغثّ وفيه الثمين، والثمين وحده ما أراه يستحق عناء القراءة.

كيف ينعكس تكوينك الثقافي والإبداعي على إبداعاتك وكتاباتك؟

نشأت في أسرة فنية وأدبية، وتعلمت من نشأتي ومن مدرستي الفرنسية ومن دراستي، وأيضاً عبر سنوات الهجرة، أني إنسان كامل مكتمل حين أضع نصب عيني قيم الإنسان الكبرى، وأغلّبها على التحزبات العرقية والثقافية والدينية. أنا إنسان يؤمن بالمشترك الإنساني أكثر من إيماني بالخصوصية القومية. وهذا ما تعلمته من تكويني الثقافي بين ثقافتين، العربية الإسلامية والفرنسية، وينعكس بالطبع على كل ما أكتب سواءً في عالم الإبداع الروائي أو في عالم النقد الأكاديمي.

الآن بعد كل الذي حققته، بماذا تحلمين؟ وماذا عن تصورك للمستقبل؟ وبماذا تختمين  هذا الحوار؟

أحلم بعالم أفضل، أقل عنفاً، أقل فقراً، أقل قهراً. أحلم بزمن مفتوح يسمح لي بالقراءة والاطلاع والكتابة بلا ضغوط يومية أو مهنية. أحلم ببيت في مصر مفتوح لاستقبال الكتاب من كل مكان في العالم، للتفرغ للكتابة. أحلم أيضاً برواية جديدة هي قيد الكتابة لكنها تعاندني، حيث أعيد فيها الحياة لابنتي دنيا وأتخيلها وقد باتت شابة تجاوزت العشرين، تقف في ميدان التحرير وتناضل من أجل حريتها وحرية أقرانها.
"أحلم برواية جديدةأعيد فيها الحياة لابنتي دنيا وأتخيلها شابة تجاوزت العشرين، تقف في ميدان التحرير وتناضل من أجل حريتها وحرية أقرانها"... مي التلمساني
يذكر أن مي التلمساني درست الأدب الفرنسي بجامعة عين شمس بالقاهرة، ونالت درجة الماجستير من جامعة القاهرة. حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن بجامعة مونتريال الكندية. عملت كأكاديمية وقدمت المحاضرات في السينما بجامعات مونتريال –كندا، ومن ثم عملت في إذاعة القاهرة في البرنامج الفرنسي. لها العديد من الروايات والمجموعات القصصيّة، بالإضافة إلى الدراسات والترجمات.

كتبت التلمساني السيناريو لفيلمين سينمائيين والعديد من المقالات الفنية. حصلت على العديد من الجوائز، ومنها جائزة "آرت مار" لأفضل عمل أول في البحر الأبيض المتوسط عام 2001، من مهرجان باستيا بجنوب فرنسا، عن الترجمة الفرنسية لروايتها "دنيا زاد"، وجائزة الدولة التشجيعية لأدب السيرة الذاتية 2002 من وزارة الثقافة المصرية.

حصلت حديثاً على وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة "فارس"، فازت روايتها "دنيا زاد" بجائزة "أوليس" لعام 2002 لأفضل رواية أولى في فرنسا، وجائزة الدولة لعام 2002 لأفضل رواية عن سيرة ذاتية في مصر. صدرت روايتها الثانية "هليوبوليس" عام 2001، وتُرجمت إلى الفرنسية عام 2002. وفي عام 2009 نشرت مجموعة مقتطفات من تجربتها في كندا وعودتها المتتالية إلى مصر، بعنوان "الجنة لها سور".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard