شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"هدية زهّرت"... الأطفال المشهورون في فكّ العالم المتوحّش

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!


ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الرابع من يوليو/تموز 2023، بصورة عائلية لمارك زوكربيرغ مؤسس موقع فيسبوك ومالك شركة ميتا، حرص فيها على تغطية وجهي ابنتيه الكبيرتين بـ "إيموجي"، بينما أبقى وجهه ووجه زوجته وطفلته الأصغر ظاهرين، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل، فكيف لمؤسّس أضخم منصّات التواصل الاجتماعي حيث يتخلّى الناس عن خصوصياتهم طواعية، أن يصرّ على الاحتفاظ بخصوصيته، هو الذي خلق المنصات بأسرها ليفتح بين الناس قنوات واسعة من التواصل والمشاركة.

 طباخ السم يرفض تذوقه

لم تكن تلك المرة الأولى التي يفعل فيها زوكربيرغ عكس ما يدفع الناس لفعله، فهو لا يفتأ ينشر صوره ممسكاً بكتاب يطالعه، ويتحدّث متفاخراً عن أعداد الكتب التي يقرؤها سنوياً، بينما تتحمّل منصّاته مسؤولية كبيرة في إلهاء المستخدمين عن فعل القراءة، ليأتي موقفه الأخير، في إخفاء صور ابنتيه والتحفّظ عن ذكر موقع الصور، صفعة قوية، تنبه لضرورة التيقظ والوعي لتصرفاتنا بما يخص سلوكنا تجاه أطفالنا على الإنترنت.

تزامن نشر زوكربيرغ للصورة العائلية مع إطلاق منصته الجديدة "ثريد" في 5 يوليو/تموز 2023، والتي كان إعلانها بمثابة فتح جبهة حامية ضد إيلون ماسك، مالك موقع تويتر، وإذا ما أردنا تحليل موقف زوكربيرغ فإننا سنعتقد أن تواجده في جبهات الحرب التكنولوجية ربما هو السبب في إصراره على إبعاد أطفاله عن الشهرة، فله من الأعداء الكثير، ما خفي منهم وما ظهر، وهو الضليع بخفايا الويب العميق وما يحدث في ثناياه من أذى يخصّ الأطفال تحديداً، واستخدامهم كسلاح لإخضاع ذويهم وابتزازهم والانتقام منهم.

ما لم تتخيّله الطفلة التي شاركت في بعض أجزاء مسلسل "باب الحارة"، هو أن تواجه أسئلة من نوع: "زهّرتي؟"، بمعنى "جاءتك العادة الشهرية؟"، أثناء مرورها في الشارع من عامّة الناس، هذا السؤال الذي يقتحم أعتى أسوار الخصوصية

ولربما كان زوكربيرغ، ومن يحذو حذوه من مشاهير العرب والأجانب، مثل جيجي حديد وكريم فهمي ودنيا سمير غانم وأيتن عامر، ينشدون لأطفالهم نشأة سوية، بعيدة عن تأثيرات الشهرة على تكوينهم النفساني والاجتماعي، إذ لا يمكن أن يكون لطفلين، نما أحدهما في الظل والآخر تحت أضواء الكاميرات، النموّ والتطوّر ذاته، فالشهرة، ببهرجتها وغوايتها، قادرة على إحداث تغييرات جذرية وعميقة في طبائع وشخصيات البالغين، فكيف يكون الأمر بالنسبة للأطفال الذين لا يزالون في مراحل تكوين الذات وصقلها؟

كيف تؤثر الشهرة على الأطفال؟

على منصات التواصل الاجتماعي انتشرت مقابلة في برنامج "إنسان" للمذيع عطية عوض، مع الممثلة السورية ماسة الجمال، التي اشتهرت بدور الطفلة "هدية" في مسلسل "باب الحارة" بأجزائه الأولى، والذي كان يعرض على قناة MBC العربية، وحقق نسباً عالية وغير مسبوقة من المتابعة والمشاهدات.

تتحدّث الممثلة عن تأثيرات الشهرة السلبية على طفولتها، والتي سببت لها الكثير من العزلة والضغوط الاجتماعية والإحراج أيضاً. ففي أحد مشاهدها في المسلسل، تصل الشخصية سن البلوغ، فتتردّد عبارة "هديّة زهّرت"، تتحدّث الممثلة عن جهلها بالمصطلح وقتذاك، وسؤالها المتكرّر عن تلك الجملة التي تقال بحقها في الدور، لتتفاجأ بمعناها، وتشعر بإحراج حقيقي بدا على وجهها حتى أثناء التصوير، ولكن ما لم تتخيّله هو أن تواجه أسئلة من نوع: "زهّرتي؟"، بمعنى "جاءتك العادة الشهرية؟"، أثناء مرورها في الشارع من عامّة الناس.

هذا السؤال الذي يقتحم أعتى أسوار الخصوصية، ولا يخلُ من التحرّش اللفظي، والذي قبل كل شيء يعتبر معلومة جنسية لم تكن الطفلة لتعرفها في ذلك الوقت لولا عملها كممثلة. نحن نجزم بأن التربية الجنسية هي حق كل طفل على ذويه، وأن الوعي بالتغيرات الجسدية والنفسية التي يحتمها البلوغ أمر واجب، ولكنه يتطلّب تمهيداً وتدرّجاً معينين، ووعي طفلة لذلك المعنى بتلك الطريقة لم يكن أمراً سوياً على الإطلاق.

تتحدّث الممثلة أيضاً عن مشاعر النبذ التي مرّت بها في طفولتها لمجرّد كونها ممثلة ومشهورة، وتحدّثت عن وصم الغرور الذي وصمها به محيطها في المدرسة لمجرّد أنها تظهر على التلفزيون، إذ كان الجميع يتجنّب الاختلاط بها، فهي "شايفة حالها".

الشهرة، ببهرجتها وغوايتها، قادرة على إحداث تغييرات جذرية وعميقة في طبائع وشخصيات البالغين، فكيف يكون الأمر بالنسبة للأطفال الذين لا يزالون في مراحل تكوين الذات وصقلها؟

ولم يكن الغرور وصمها الوحيد، فقد واجهت عبارات واتهامات تتعلق بقلة الأخلاق، فهي "ممثلة وبتحكي مع شباب"، وهذا ما كان يجعل المعلمين والأهالي يوصون زملاءها، على مسامعها، بالابتعاد عنها، دون أي اكتراث بمشاعرها، فهل لنا أن نتخيل ثقل هذا الكم من المشاعر على قلب طفلة؟ وهل يمكننا تبرئة هذه المشاعر من مرض السكّري الذي أصاب هذه الفتاة في سن الثامنة عشر؟

تأثير الشهرة

في صدد دراسة تأثير الشهرة على التكوين النفسي والاجتماعي للأطفال، يتحدث ماهر راعي، ماجستير في علم الاجتماع، لرصيف22، فيقول: "الشهرة تختطف الأطفال من سياق نموهم النفسي الطبيعي الذي يعتبر أساس بناء الذات، وهذا أمر حساس جداً، فالطفل المشهور مقتحم دائماً، وخاصة في الحالات والمواقف التي من المفترض أن تطوّر أناه النفسي يحتاج إلى بعض التجاهل والخصوصية، الأمر الذي يتسبّب له بدمار نفسي كبير". ويستطرد راعي فيقول: "إن الشهرة أيضاً قد تفرض على الطفل شعوراً بالتفوّق على أقرانه، بسبب تضخّم الإيغو الفردي الذي يظهر بجلاء في مرحلة الطفولة، فيفقد الأطفال قيم التعاون والجماعة، وهذه أذية بالغة أيضاً". ويحمّل راعي الأهل المرضى بقضايا الفوز والتميز مسؤولية زجّ الطفل في الشهرة وانتزاعه من طفولته ويعتبر ذلك "استخداماً لطفولته"، كما يشير إلى الأذى الذي يسببه التنمّر الذي يتعرّض له الطفل المشهور أكثر من غيره، كون الجماهير تمنح نفسها الحق بانتقاده دون مراعاة، والأذى الذي تسبّبه رغبة الطفل بالحفاظ على هالة الشهرة، فتدفعه إلى ربط قيمته بثناء الجماهير، فيحاول إرضاءهم ولو على حساب نفسه وحريته وراحته.

ولا تقتصر التأثيرات النفسية السلبية لشهرة الطفل، بحسب راعي، على الطفل المشهور ذاته، بل تتعداه لتصل إلى أقرانه وأبناء جيله، فالسباق المحموم نحو الشهرة يولّد آلاف بل ملايين الأطفال المخذولين لصالح طفل أو اثنين رابحين، تماماً كما هو الحال في "لعبة الكراسي" بنسختها الرأسمالية.

وضع الطفل تحت الأضواء دون موافقته يعتبر انتهاكاً لخصوصيته، ولو بدا له الأمر في البداية لعبة مسلية، إلا أنه قد يكون له رأي آخر فيما بعد، يمكن تكهّنه لو وضع البالغ نفسه مكان الطفل في تلك اللحظة

وما يخيف أكثر هو تجاوز الضرر الجانب النفسي ليطال الجانب الجسدي، فبعض الأهل في زمن السوشال ميديا يقومون بالعبث بالبنية الجسدية لأطفالهم، عبر التسمين والتنحيف ووضع مساحيق التجميل وتغيير لون الشعر/ من أجل جذب الانتباه وإعجاب الآخرين، وبالتالي الإعلانات التي تدرّ عليهم أرباحاً مالية، الأمر الذي يعرّضهم للبيدوفيليا (التحرّش بالأطفال)، وهذا ما جهدت الكثير من المنظّمات الدولية في محاربته.

إن وضع الطفل تحت الأضواء دون موافقته يعتبر انتهاكاً لخصوصيته، ولو بدا له الأمر في البداية لعبة مسلية، إلا أنه قد يكون له رأي آخر فيما بعد، يمكن تكهّنه لو وضع البالغ نفسه مكان الطفل في تلك اللحظة.

تعلق غزل بغدادي، المستشارة التربوية، عبر خاصية ستوري في إنستغرام على فيديو لأم تضع طفلها في قفص قريب، وتفترش أمامها مائدة لطيفة، وتكتب في الوصف: "هيك بيكون الرواق"، فتقول بغدادي: "تخيلي لو زوجك وضعك بنفس القفص وكتب هيك، كيف رح يكون شعورك؟"، وتنتقد مرة أخرى فيديو لأم تضع طفلها في سلة القمامة كنوع من الدعابة للحفاظ على البيت نظيفاً، دون أدنى اكتراث بمشاعر وشخصية طفل، ربما سيعرّفه الآخرون بعد سنوات "بالطفل الذي وضع في القمامة"، إذ لا يمكن أبداً التعويل على نسيان الجماهير، فالسوشال ميديا مهووسة بنبش الماضي، ونحن نقرأ كل يوم عبارة "شاهد الطفل الذي كان في إعلان بامبرز كيف صار؟" وما شابه.

أذى نفسي وجسدي، اختطاف من الطفولة، شعور فارغ بالتفوق والأنا، ونبذ ممزوج بمشاعر العار المصنّفة في أدنى درجات الاستحقاق والسلم الشعوري الإنساني، هي تبعات زجّ الأطفال في الشهرة قسراً أو بموافقة غير واعية منهم، هذه الكوارث، حسب رأي الكثيرين، تطغى على إيجابيات مقتصرة على مبالغ مالية وثقة مؤقتة وبعض الامتيازات، فهلّا فكّرنا قليلاً قبل تحويل أطفالنا إلى مشاهير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image