مع الانتشار الواسع لتطبيق تيك توك في مصر، وكون جمهوره الأوسع بحسب تقارير الشركة – نادرة الإفصاح – يتكون من الأطفال والمراهقين (2% من مستخدمي التطبيق دون الـ20 من العمر)، بات الأطفال هم أبطال نسبة غير قليلة من المحتوى، خاصة في العالم العربي. وكثيراً ما يقوم الاباء والأمهات بالتصوير أو بمشاركة الأطفال في بطولة المحتوى، ما يدل على تشجيعهم عليه.
وخلال العامين الماضيين شهدت الدراما المصرية ظهور أطفال ومؤثرين، التقطهم صناع الدراما من خلال شعبية مشاهداتهم على التيك توك، أبرزهم عبد الرحمن طه، المشارك في بطولة مسلسل "الكبير" للفنان أحمد مكي.
ويعتقد كثيرون أن السبب في مساندة الأباء لأبنائهم، هو حصد الكسب من المشاهدات – كما هو الحال على يوتيوب- إلا أن تحقيق المشاهدات وأعداد المتابعين ليس لها مردود مادي من التيك توك، فتحقيق المردود في الدول العربية مرتبط بحصد الهدايا والردود اللايف والإعلان عن السلع. لاحظ رصيف22 أن كثيراً من منتجي مقاطع التيك توك يعيدون نشر المقاطع نفسها على حسابات يوتيوب وفيسبوك لجني الأرباح من المشاركات والمشاهدات أيضاً.
خلال العامين الماضيين شهدت الدراما المصرية ظهور أطفال ومؤثرين، التقطهم صناع الدراما من خلال شعبية مشاهداتهم على التيك توك
ما فعله تيك توك أنه حوّل "عملائه" إلى "عاملين" إذ يقوم الموقع على أساس ضخ آلاف ساعات المشاهدة يومياً، معتمدة على صناعة محتوى من قبل المشتركين، ووسط هذا الزخم المتصارع يعتلى التريند كل ما هو مثير مهما اختلفت درجة جودته أو أصالته.
خارج العاصمة
مكّن تيك توك وغيره من المنصات، الكثيرين من كسر مركزية القاهرة الثقافية، التي كانت لعقود الطريق الوحيد لتحقيق الشهرة والنجاح. كثير من نجوم تيك توك الذين وجدوا طريقهم إلى صناعة الميديا المركزية، أتوا بعد نجاحهم في تحقيق مشاهدات كبيرة من محافظاتهم وقراهم خارج القاهرة، وبات نجاح الطفل على تيك توك يعني نقلة اجتماعية ومالية لأسرته، خاصة إذا تلقى عروضاً للإعلانات أو المشاركة في البرامج أو المواد الدرامية.
لكن هل تراعى في ظهور الأطفال خصوصية سنهم وحساسية مشاعرهم وحقوقهم، أثناء الانشغال بحصد المشاهدات وفرص النجاح؟
المواءمة العمرية
تبدو فكرة أن يتحدث طفل عن علاقته العاطفية مستعيناً بتصوراته البسيطة أمراً مثيراً للضحك، وبالطبع زيادة المتابعين وتحقيق الشهرة. ربما هذا ما دفع حسام الشرقاوي المطرب الشعبي ووالد الطفل محمد ذي الست سنوات إلى سؤاله أمام الكاميرا عن قصة خيانة صديقته بسنت له مع زميله ياسين، ويظل الوالد يلاحق الطفل بالأسئلة حتى يجيب أمام الكاميرا، ويحكي عن مشاجرة حدثت بينه وبين زميله بسبب دفاعه عن حبه.
وفي فيديو آخر تحت عنوان "خناقة بسنت ومحمد هتموت من الضحك"، دبر الأب مكالمة مزيفة وطلب من شقيقة الطفل أن تهاتفه باعتبارها بسنت، ليستدرجه إلى التحدث عن مشاعره ويسجل ردود أفعاله، كما لحن له أغنية عن حبه لبسنت وصورها معه.
المقطع أثار الغضب الواسع على شبكات التواصل الاجتماعي لما اعتبره المتابعون انتهاكاً للطفل وتعريضه لضغط نفسي، ووصل صداه إلى المجلس القومي للأمومة والطفولة الذي قدم بلاغاً إلى النائب العام، متهماً الأب بجريمة استغلال ابنه من أجل التربح والشهرة، ما يمثل انتهاكاً لأحكام قانون الطفل، وبما من شأنه تعريض طفل للخطر، لأنه مخالف لحكم المادة 291 من قانون العقوبات فيما يتضمنه من حظر المساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي، إضافة إلى قانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر. ولأن المادتين مطاطتان صعب إثبات تلك التهم بشكل محدد، والقصة انتهت بظهور الأب معتذراً للمجلس والقائمين عليه، ولم تنفذ ضده أية أحكام قضائية .
في فيديو آخر تحت عنوان "خناقة بسنت ومحمد هتموت من الضحك"، دبر الأب مكالمة مزيفة وطلب من شقيقة الطفل أن تهاتفه باعتبارها بسنت، ليستدرجه إلى التحدث عن مشاعره ويسجل ردود أفعاله، المقطع أثار غضباً واسعاً وصل صداه إلى المجلس القومي للأمومة والطفولة الذي قدم بلاغاً إلى النائب العام
تقول راندا علي، أخصائية تعديل السلوك، لرصيف22: "الأطفال يجمعون تصوراتهم عن أدوارهم الاجتماعية والعلاقات العاطفية عموماً من البيئة المحيطة بهم، لذا على الأبوين مناقشة احترام هذه المشاعر حتى لو كانت بسيطة وغير منطقية. وبالمناقشة الدائمة لكل مرحلة عمرية يستطيع الطفل البناء الكامل لهذه التصورات. وتعلق على ما حدث مع محمد وتراه شديد الأذى عليه لأن مشاعره أصبحت على مرأى ومسمع الجميع يسخرون منها ويعتبرونها تافهة ومادة للضحك والسخرية، بل إن محمد لم يكن الضحية الوحيدة. وتدعونا راندا لتخيل ما قد تشعر به بسنت -المتهمة بالخيانة واستغلال محمد وياسين -من وصم على الأقل وسط عائلتها وفي المدرسة. إن الحديث مع الأطفال أمام الشاشات لا بد أن يكون منضبطاً باحترام عقولهم وبالحفاظ على مشاعرهم دون تفخيمها أو العكس، كتجربة الفنان أحمد حلمي في برامج الأطفال التي قامت على عقد حوارات مع الأطفال للتعرف على آرائهم في القضايا المختلفة، وتنهى راندا قولها بأن الضحك يتأتى من المفارقة بين بساطة آراء الأطفال وتعقيد الحياة على الكبار ولكن علينا تفهم هذه البساطة في سياقها دون إلحاق الأذى بالأطفال.
يختاره الأهل ويدفع ثمنه الأطفال
بسنت التي تبدو في سن الثلاث سنوات وتعرف بفراشة التيك توك ويتابع حسابها أكثر من مليوني شخص، هي في الحقيقة تبلغ من العمر ثماني سنوات، وهذا يعني أنها تعاني من التقزم، وقد اكتشف أهلها قدراتها على التقليد وسرعة بداهتها، وبدأ أخوالها بمشاركتها مقاطع على التيك توك. ووفقاً لخالها إسلام فإن فيديوهات "قصف الجبهة" التي دربها عليها والتي تتضمن جملاً ساخرة ومتنمرة ومحرجة تلقيها بسنت عليه وتختتم بمقاطع من أغاني المهرجانات، هي الأكثر رواجاً، وقد حققت شهرة واسعة رغم احتوائها على مضمون منتقد طبقياً من كثيرين اعتبروا أن أهل بسنت شجعوها بشكل ما على إنشاء محتوى مبتذل ذي لغة غير مناسبة لطفلة في عمرها.
بسنت كانت ضيفة صبايا الخير في حلقة مارس/أذار 2021 وقد عرفت بتنمرها على المذيعة ريهام سعيد، التي عادت لاستضافتها في برنامجها صبايا الشمس في سبتمبر/أيلول 2022، وبعد الحلقة انهال كثيرون بالأحكام الأخلاقية على بسنت التي ظهرت بعدها في مقطع مصور معها لموقع فيتو تبكي وتؤكد أنها مؤدبة وأنها تتحدث بهذه الطريقة لأنها تحب التمثيل وتود أن تكون ممثلة لكنها في الواقع تحترم الكبار.
ما فعلته ريهام سعيد مع بسنت لا يخلو من إخلال واضح بمبادئ اليونيسف التوجيهية للتغطية الإعلامية الأخلاقية التي فرضتها على إجراء اللقاءات مع الأطفال، والتي تنص على عدم طرح أسئلة من شأنها أن تعرض الطفل للخطر أو الإهانة.
ما فعلته ريهام سعيد مع بسنت لا يخلو من إخلال واضح بمبادئ اليونيسف التوجيهية للتغطية الإعلامية الأخلاقية التي فرضتها على إجراء اللقاءات مع الأطفال، والتي تنص على عدم طرح أسئلة من شأنها أن تعرض الطفل للخطر أو الإهانة.
استطاع الطفل عبد الرحمن طه (10 سنوات) الوصول للفنان أحمد مكي من خلال مقاطعه التي انتشرت على حسابه بتيك توك، ويظهر فيها مع والديه وهو يتمتم على مشاهد من مسلسلات ومسرحيات قديمة ارتبطت في ذهن جمهوره بفترة طفولتهم، لذا لقي الإعجاب رغم أن بعض هذه المقاطع لا تناسب طفولته مثل تلك التي أخذت من فيلم الكيف ومن مسرحية مدرسة المشاغبين. أسند لعبد الرحمن دورين التوأم جوني والعترة في مسلسل الكبير أوى، وحقق شهرة واسعة رغم أدائه المتواضع في المسلسل لأنه لم يتلقّ التدريب الكافي الذي يؤهله للانتقال من مرحلة التمثيل الصامت المبنى على تعابير الوجه الى الأداء التمثيلي وتقمص الأدوار وبنائها.
الفقر والتشرد لعبة الأطفال لحصد الشهرة
في مقطع على حساب كريس المصري بتيك توك، ظهر الطفل محمد أسامة وهو ينظف عربية كريس رافضاً الأموال وطلب منه أن يسمع صوته ويذيعه على صفحته، وبالفعل قام محمد بأداء أغنية عسل أسود، ونال تعاطف كريس ومتابعينه، بعدها خرج ليعلن أنه كان "بيعمل مقلب"، وكان المقطع السبب في استضافة وزير الشباب له في مكتبه. ثم شارك محمد في أداء أغنية الغزالة رايقة، يقول إنه يداوم على الغناء في مركز تنمية المواهب بالاوبرا، ولكن لم يصل الى تحقيق الشهرة إلا بعد المقطع الذي أداه مع كريس.
وبنفس المنطق ظهرت الطفلة سجدة على حساب البلوغر جودي المغلق حالياً على موقع التيك توك وزعمت أنها وجدت الطفلة في الشارع وقد تركتها أمها بعد ضربها، تعاطف كثيرون مع المقطع وأعلن بعضهم عن رغبته في تبني سجدة، ثم ظهرت جودي لتقول إنها خالة سجدة وقد اتفقتا على أداء مشهد تمثيلي "والموضوع كان هزار"،اعتبرت دينا المقدم أن ما حدث هو استغلال من جودي لسجدة وتقدمت ببلاغ لنجدة الطفل، إلا أنه لم تتخذ أي إجراءات قانونية ضدها.
فوضى قانونية وإهمال ثقافي
تقول أماني عبد الحميد الباحثة في مجال ثقافة الأطفال إن المشكلة تتلخص في أن وزارة الثقافة توقفت عن اكتشاف المواهب ورعايتها، فما كان أمام الإباء إلا أن يعتمدوا على أدواتهم في اختيار المضمون وتدريب الأطفال عليه بمعزل عن كونه تربوياً ومناسباً أو لا.
أما المحامي ياسر سعد فيظهر لنا الخلل في القوانين: " ميثاق الشرف الإعلامي الصادر عام 2017، الذي يمنع استخدام اللغة والإيماءات المسيئة أو التدني اللفظي أو الترخيص في القول والفعل، هو خاص بالمؤسسات الإعلامية وليس بالافراد صانعي المحتوى، أما جرائم النشر فتختص بها المادتان 25 و27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وتجرم الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، وهي لفظة واسعة لأن تلك القيم غير محددة وترجع لتقديرات فردية من القضاه.
تصاغ المادة 89 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، بنفس الصياغة، فتحظر نشر مضامين تزين للطفل السلوكيات المخالفة لقيم المجتمع. أما المادة 96 فتعتبر الطفل معرضاً للخطر إذا تم تحريضه على ارتكاب أعمال منافية للآداب أو تعرض للاستغلال الجنسي أو المادي.
أما المادة 13 من اتفاقية حقوق الطفل فتكفل حرية الأطفال في التعبير مع احترام حقوق الغير والأمن الوطني، بينما تدعو المادة 19 الدول الأطراف لاتخاذ التدابير التشريعية لجماية الطفل من العنف والاستغلال.
إن اكتشاف مواهب الأطفال مسؤولية مشتركة بين الآباء والدولة التي عليها أن توجد الأدوات التي تسهل على الإباء رعاية أبنائهم الموهوبين وأن تقدم لهم الدليل التربوي لاختيار المضامين المناسبة لأطفالهم، فضلاً عن وجود قانون واضح ورادع مستند على الحقائق التربوية لا القيمية الأخلاقية مراعاة لاختلافات الأطفال وذويهم الطبقية والبيئية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين