بعد أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 في مصر، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، ومعه انتهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين فيها، عمل التنظيم الدولي للجماعة على استغلال حالة العنف والفوضى الأمنية التي أعقبت تلك الأحداث لترسيخ وجوده الشعبي، وظل على ذلك طوال أعوام عبر مظاهرات وتهديد بالثورة على النظام الجديد، بدايةً من مظاهرات رابعة وعلامتها المشهورة (اعتصام لمؤيدي بقاء مرسي رئيساً لمصر)، مروراً بأحداث تيران وصنافير (مظاهرات محدودة احتجاجاً على إعادة رسم الحدود مع السعودية ومنحها السيادة على الجزيرتين)، وانتهاءً بدعوات الثورة التي أطلقها الفنان والمقاول المصري محمد علي المقيم في الخارج.
لكن منذ ثلاثة أعوام، يمكن القول إن الأمور هدأت بشكل كبير حيث لم تتخللها أي مظاهرات للإخوان باستثناء بعض الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي، وآخرها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، والتي اصطلح على تسميتها في الإعلام "ثورة 11/ 11". فما السرّ وراء ذلك؟ وهل يمكن القول إن جماعة الإخوان ضعفت إلى حدّ لم تعد قادرةً معه على الحشد؟ أم أن وراء ذلك عوامل عدة أخرى منها وقف الدعم الخارجي أو جلسات التصالح والتقارب بين مصر من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى؟ وما مصير جماعة الإخوان في تركيا؟ وهل يمكن التضحية بهم مقابل بعض الامتيازات الاقتصادية لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟
منذ ثلاثة أعوام، تراجعت مظاهرات الإخوان باستثناء بعض الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي، وآخرها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022
تفكيك عبارات وتفكك جماعة
بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، خرج الكثير من قيادات الأخوان من مصر وتوزع معظمهم بين قطر بصفتها الراعية الأولى لهم، وتركيا المحكومة من حزب العدالة والتنمية، وكانت الظروف مؤاتية لهم لكي يحاولوا من الخارج، الحفاظ على ما تبقى في الداخل، مع دعم غير محدود من الدولتين، مالياً وسياسياً، لكن كُل هذا بدأ يتلاشى في السنتين الماضيتين، مع التحولات الكبيرة التي طرأت على السياسة التركية أولاً، وعلى قراءة الدوحة للواقع العربي ثانياً، لتبدأ مرحلة الانتكاسات بالنسبة للتنظيم، والتي قد تكون من أدق المراحل وأكثرها حسماً، منذ نشأته.
يقول الكاتب والباحث عصام الزهيري، لرصيف22: "يجب الانتباه إلى أهمية التفكيك السريع لعبارة 'أزمة إخوان الخارج'. فأنا لا اعتقد أن هناك على مستوى الجماعة تكويناً أو أيديولوجيا ما، يمكننا أن نسميهما إخوان الخارج أو إخوان الداخل. فالإخوان المسلمون جماعة وظيفية تتحرك كطفيلي في أحشاء مجتمع عائل، وتظل تعيش في كل أحوالها خارج المجتمع ومغتربةً عنه في ما يسمى في المصطلح القطبي 'العزلة الشعورية أو النفسية'. من هنا لا أفترض وجود 'أزمة' لدى الجماعة طالما أنها قادرة على أن تحدد لأعضائها هدفاً -أو وظيفةً يؤديها جسم الجماعة الأميبي بخلاياه غير المتمايزة فكرياً أو نفسياً أو اجتماعياً- وهو في هذه اللحظة ومنذ حزيران/ يونيو 2013، إسقاط نظام 30 حزيران/ يونيو المصري. من هنا لا يتعرض الإخوان في الداخل أو في الخارج في رأيي لأزمة سياسية أو فكرية مثل التي قد تتعرض لها الأحزاب أو التنظيمات السياسية والأيديولوجية الأخرى. لكنها تمر بما يحدده المصطلح الإخواني بشكل ديني سياسي على أنه 'محنة' أو 'ابتلاء من الله'".
ويضيف الزهيري: "الجماعة لا تعتمد على قدرتها الذاتية على المقاومة كما توهم الآخرين، ومن بينهم أعضاؤها أنفسهم، ولكنها تعتمد في المقام الأول على تشرنقهم وتحوصلهم وتقيتهم الدينية والسياسية، سواء كانوا في الداخل أو في الخارج. من ثم لا تمثل على الأغلب أي جهود من إخوان الخارج إضافةً أو إسهاماً أو مساعدةً محسوسةً لحالة الجماعة، أكثر مما تقدم وظيفةً لهم. فلا تخرج المساعدة الناجزة للجماعة عن مساعدة العائل المجتمعي لها، مثل ثغرات وأخطاء نظام حزيران/ يونيو، واستمرار حالة الركود السياسي والثقافي وحالة الجمود الديني من طرف المؤسسة الرسمية بالذات في ما يُعرف بالتمسك بالثوابت وهي في مجملها بمثابة الإبقاء على مفاهيم الإسلام السياسي الأساسية/ معتقدات الإخوان، مثل الحاكمية وتكفير المختلف ورفض مشروعات التحديث وأفكار التنوير والتجديد الديني...إلخ، كنواة للتدين الصحوي المنتشر، وهي مفاهيم تتبناها المؤسسة الإسلامية الرسمية في حالتها الدعوية الجهادية -باستثناء الخروج على الحاكم- منذ السبعينيات على وجه الخصوص".
محاولات إعادة إحياء التنظيم
في أيلول/ سبتمبر عام 2021، أعلنت مصر القضاء على محاولة إعادة إحياء تنظيم الإخوان في مصر، مما يفسر تصميم الجماعة على البقاء في المشهد السياسي أطول فترة ممكنة على أمل العودة مرةً أخرى، ويفسر أيضاً بعض الانشقاقات والأزمات التي واجهها الإخوان خارج مصر، ومن بينها حل القائم بأعمال المرشد العام آنذاك، إبراهيم منير، المكتب الإداري للإخوان في تركيا، وكذلك مجلس شورى القطر، وهي قرارات كانت تعكس الأزمة بين منير وبين جبهة محمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة والقائم بأعمال المرشد العام بعد وفاة إبراهيم منير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
في تصريح خاص لرصيف22، يقول الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية طارق أبو السعد، محللاً المشهد: "توجد خسائر جمة يعاني منها التنظيم، ويُعاني منها النسق الفكري للجماعة، فقد سقطت كل دعاوى الجماعة وأطروحاتهم للحل، وأصبح مستقبلهم الآن قائماً على مدى قدرتهم على امتصاص الرفض الشعبي العربي والإسلامي لنهج الإخوان، مع إعادة تدوير الجماعة، مرتكزين على قضايا تجمع ولا تفرّق، مثل الدفاع عن الإسلام (قضايا الأقليات، حرق المصحف، والصور المسيئة إلى الرسول... إلخ)، وكل هذه القضايا يهتم بها الإخوان أكثر لأنها قضايا تجمع الناس حولهم، ولا يمكن أن تُتّهم بها، بل أي أحد سيهاجمهم ويفضح استغلالهم لتلك القضايا لمصالحهم الضيّقة سيُتهم فوراً بأنه يصطف مع أعداء الإسلام، أو يظهر وكأنه يرفض الدفاع عن الإسلام والمسلمين".
إذا لم يوجد مشروع بديل لمواجهة الفكر الماضوي وخلط الدين بالسياسية، ستظل الفرصة قائمةً لدى الإخوان للعودة، طال الزمان أو قصر
ويضيف: "إذا لم يوجد مشروع بديل لمواجهة الفكر الماضوي وخلط الدين بالسياسية، ستظل الفرصة قائمةً لدى الإخوان للعودة، طال الزمان أو قصر، ويكمن الحل من وجهة نظري في الإسراع في ملفات التنوير والحداثة في صيغتها العربية وليس الغربية".
من جهة أخرى، يبدو أن دوافع الجماعة لا زالت قويةً للعودة، وتبذل جهداً كبيراً من أجل ذلك الغرض. كتب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي، على صفحته في فيسبوك بتاريخ 15 تموز/ يوليو الماضي، في رصد تحركات التنظيم ما يلي: "يجهّز التنظيم الآن تطويراً جديداً لقناة 'وطن' وهي القناة الرسمية لجماعة الإخوان، حيث لا تهتم الجماعة بتطوير قدرات باقي القنوات التي ترى أنها فشلت تماماً في مهامها. ووفق إعادة البناء الجديدة والهيكلة، فإن هدف قناة 'الشرق' و'مكملين' وغيرهما، هو إشغال النظام المصري، وحرق إعلام قنوات تركيا في مقابل حرق إعلام النظام المصري وإشغاله بعيداً عن الجماعة، التي تحاول أن تعيد بناء قدراتها ولمّ شمل أعضائها، خاصةً أن التنظيم لم يعد يعمل بديناميكية في كل الأماكن بسبب المتابعات الأمنية، إلا أنه لا يزال يحتفظ ببنيته وهيكله الأساسي، خاصةً في الأرياف والمحافظات البعيدة".
ويضيف: ما زالت الجماعة برغم كل الضربات التي تلقتها تتحرك على أساس هرمي، ينقسم إلى مناطق إدارية، وشعب، وأسر، والأهم بينهم جناح الطلبة، لكنها تضع في كل مركز مسؤولاً إدارياً يتصل بعضو مكلف داخل المحافظة، تكون مهمته انتقاء أعضاء من الطلبة لهم صفات مميزة، وتبعية واضحة للتنظيم، لعزلهم عن البناء الهرمي، لأنهم سيشكلون في ما بعد بناءً جديداً للجماعة، وهو ما يعرف بالتنظيم الموازي، لكي يتحرك بحرية".
يتابع ماهر فرغلي: "وفق التنظيم الموازي غير العلني، تحولت المكاتب الإدارية إلى لا قيمة، في ظل وجود جهاز إداري جديد يدير التنظيم بكامله، من قيادات مغمورة أصبحت لها مناصب تنفيذية، ويشرف عليهم مكتب إرشاد مصغر، ويتلقى التنظيم تعليمات بشكل غير مباشر، من قيادة إخوانية وسيطة. والغريب أن بعضهم يعيشون في بعض دول الخليج، وهم من يتلقون التعليمات ويرسلونها إلى إخوان الداخل، حيث يتبنى التنظيم الخفيّ للجماعة كله سياسة مركزية القرار، والسياسات العامة، التي تخضع للقيادة الموجود في السجن، أو مع إخوان الخارج. أما مركزية التنفيذ، فهي تخضع للجماعة البديلة، التي تعمل وتتمتع بقدرة عالية من اللا مركزية في تنفيذ أهداف الجماعة".
ولاستطلاع هذا الجهد الإخواني للعودة بشكل أكثر تفصيلاً، كتب فرغلي، بتاريخ 4 آب/ أغسطس الماضي: "إن الإخوان أطلقوا ما تُسمى بلجنة التربية والتدريب على مهارات القيادة (لجنة الموارد البشرية)، وأعادت تقييم وبناء الإعلام القديم بعنوان 'خطتنا بناء وتدافع'، فأصبحت عبارة عن "شركات إعلامية خاصة، قنوات فضائية، وهي ممولة من الممولين السابقين أنفسهم، (...) وهي مقسمة إلى قنوات خاصة بالجماعة مباشرة، وأخرى تعبّر عن الاتجاه السياسي لحلفاء الجماعة، وقنوات تعبّر عن اتجاه التتظيم الدولي السياسي، وقنوات تعبّر عن كل إقليم للجماعة، والغروبات والمجموعات المغلقة على الواتس والتليغرام ومواقع التواصل الأخرى".
تركيا والإخوان
يشير أبو السعد إلى أن "العلاقة بين أردوغان والإخوان لها شقّان؛ الأول فكري عقائدي والثاني وظيفي مع التنظيم. العلاقة الفكرية لن تنقطع ولن تتحول ولها متطلبات سيقوم بها أردوغان وتركيا تجاه الإخوان، منها الحماية وتوفير ملاذات آمنة حسب قدرات الدولة التركية وبما لا يصطدم مع علمانية تركيا، أما العلاقة الوظيفية وهي استثمار تركيا في الإسلام السياسي وهو خيار الدولة بمؤسساتها وليس مجرد العدالة والتنمية، فهذا المشروع توقف وفشل وتتحول تركيا إلى استعادة وترميم العلاقات بمحيطها الإقليمي لصالح تركيا الدولة، ومنها التقدم في التطبيع مع مصر والتبادل التجاري... إلخ".
يجهّز التنظيم الآن تطويراً جديداً لقناة 'وطن' وهي القناة الرسمية لجماعة الإخوان، حيث لا تهتم الجماعة بتطوير قدرات باقي القنوات
وبرأيه أن "أثر هذا التحول سيكون بالتأكيد وقف الإمداد وتوفير خدمات الأجهزة التركية لصالح الإخوان، لكن ستظل الحماية لهم وتوفير ملاذات آمنة لقادتهم وليس لكل الإخوان، والمتهمين في قضايا إرهاب سيستمر ترحيلهم إلى دول أخرى تباعاً وليس مرة واحدة... ومراقبة حركة أموال الإخوان من تركيا وإليها".
في المقابل، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبد السميع جميل، في حديثه مع رصيف22، أن "قرار تخلّص تركيا من الإخوان نهائياً قرار شديد الصعوبة ويكاد يكون مستحيلاً، ليس فقط لكون أردوغان إخوانياً، ولا لكون أغلبهم أصبح يملك استثمارات اقتصاديةً داخل تركيا، وإنما بالمعايير السياسية، ثبت أنهم أداة وسلاح مهم جداً للضغط على الدولة المصرية، حتى وإن نجحت الدولة المصرية في ترويض هذا السلاح بإحكام سيطرتها على السلطة في الداخل وتحقيق مصالحها في الخارج، وتحديداً في شرق المتوسط، ما اضطر دولة مثل قطر إلى التخلص بنسبة كبيرة من النفس الإخواني العدائي ضد الدولة المصرية، والعودة للاستثمار مرةً أخرى في مصر".
ويضيف: "لذلك يقف أردوغان الآن متأرجحاً بين التخفيف من ظهورهم وإرجاعهم مؤقتاً في خلفية المشهد وبين إعطائهم مساحةً أخرى للظهور على حسب نتيجة التفاوض مع حلف مصر والسعودية والإمارات، ومن ثمَّ قرار التخلص منهم نهائياً قرار شديد الصعبة، وإن حدث فيكاد يكتب نهاية الإخوان في الشرق الأوسط كله، كون إخوان بريطانيا أقل حدةً وأقل نشاطاً وأقل أتباعاً وأقل جاذبيةً من إخوان تركيا بكثير".
أما الزهيري، فبرأيه أن "الإخوان يدركون أن أردوغان لم يحتفظ بهم سابقاً كي يضحّي بهم اليوم، لأنه لا يزال الطرفان داخل صيغة الاستخدام نفسها، فكل منهما يستخدم الآخر طبقاً لمصالحه وبانتهازية -براغماتية باللفظ السياسي المموّه- ومن دون أي حساب وطني ولا تحت أي شعار أخلاقي يزعمه الطرفان الإسلاميان زعماً دعائياً وكجزء من متاجرتهما بالدين (فكرة المهاجرين والأنصار على الأخص)، وتلاعبهما السياسي بمشاعر وغرائز وأوهام جمهور المتدينيين. التقدير نفسه ينطبق من وجهة نظري على إخوان ليبيا والخليج لأنهم كانوا وسيبقون 'بندقية للايجار' مهما كانت طبيعة العلاقة الإيجارية أو شكلها ومهما تباينت شروط العقد".
مصر وتركيا من القطيعة إلى التعاون
على صعيد العلاقة بين مصر وتركيا، واحتمال تأثير ذلك على مستقبل الإخوان، بدأت محادثات استكشافية بين الدولتين في أيار/ مايو من العام 2021، حيث أعلنت وزارة الخارجية المصرية، عن بدء جلسة محادثات دبلوماسية مع تركيا في القاهرة، وذلك بعد سنوات من المقاطعة والتصريحات العدائية منذ الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، بينما قالت الخارجية التركية إن "المحادثات الاستكشافية ستركز على الخطوات الواجب اتخاذها لتطبيع العلاقات بين البلدين على الصعيد الثنائي والإقليمي".
وأعقبت ذلك جولة ثانية من المحادثات في أنقرة يومي 7 و8 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه 2021، حيث أعلن البلدان عقد مفاوضات في إطار جهود تحسين علاقات البلدين المتوترة منذ عام 2013.
أما اليوم، فقد تطور هذا اللقاء إلى علاقات اقتصادية صريحة وتطبيع مالي وتجاري دفع رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركي رفعت هيسارجيكلي أوغلو، للقول إن مصر تُعدّ أكبر شريك تجاري لتركيا في قارة إفريقيا. وأضاف إن هناك اتفاقية تجارة حرة بين تركيا ومصر، وإن حجم التبادل التجاري بين البلدين، في العام الماضي 2022، قد وصل إلى 10 مليارات دولار، ونثق بإمكانية رفع هذا الرقم إلى 20 مليار دولار في وقت قصير، فيما قال وزير الصناعة والتجارة المصري، أحمد سمير صالح، إنهم "يهدفون إلى رفع حجم التبادل التجاري بين تركيا ومصر، والذي يبلغ الآن 10 مليارات دولار".
الإخوان يدركون أن أردوغان لم يحتفظ بهم سابقاً كي يضحّي بهم اليوم، لأنه لا يزال الطرفان داخل صيغة الاستخدام نفسها، فكل منهما يستخدم الآخر طبقاً لمصالحه وبانتهازية
يشير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير له، إلى أن إسكات تركيا لبعض القنوات الإخوانية الموجهة ضد السيسي عام 2021، هو مجرد بادرة حسن نية وليس قراراً إستراتيجياً يُفهم منه التخلص نهائياً من الجماعة، وقد تم تفسير هذا القرار التركي على أربعة أوجه منها: "إنه رد فعل على استبعاد القاهرة منطقة الجرف القاري لتركيا، التي تدّعي تركيا أنها تمتلكها، مما يعني حرص مصر على عدم المساس بالمصالح التركية في البحر المتوسط في إطار اتفاقياتها مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية، ومنها أيضاً أن أردوغان يحاول إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر على غرار الاتفاقية الموقعة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ومنها أيضاً تعرّض أردوغان لضغوط من أوروبا في ظل الصمت الأمريكي تجاه هذه الضغوط وتدهور علاقة تركيا بالدول العربية، ومنها أيضاً أن أردوغان يسعى إلى بناء تحالف -غير معلن- مع بن سلمان والسيسي في إطار الاتهامات الموجهة إلى القادة الثلاثة من أمريكا بشأن أوضاع حقوق الإنسان".
ويؤكد ذلك أن قرار تركيا بالانفتاح على مصر والتصالح معها كان متزامناً مع قرار الانفتاح والتصالح مع الإمارات في شباط/ فبراير 2022، ومع السعودية في نيسان/ أبريل 2022، مما كان له أثر مباشر على إغلاق محطة "مكملين" الفضائية التابعة للإخوان المسلمين مكاتبها في تركيا في الشهر نفسه. وتالياً نفهم من تلك التحركات التركية أنها خطة شاملة لإعادة ترميم العلاقات التركية مع المحيط العربي، وما كان إغلاق أكبر محطة إخوانية فضائية إلا قرباناً سريعاً وبادرة حسن نية لتأكيد المصالحة، أما أن يتعلق هذا القرار التركي بالقضاء نهائياً على جماعة الإخوان فهو ما لم تُشِر إليه التقارير الصحافية أو التصريحات السياسية وليست له مقدمات علمية مؤكدة حتى اليوم.
جدير بالذكر، في خضم كل هذه التطورات، أنه في 8 آب/ أغسطس الماضي، استقبل أردوغان وفداً من 25 شخصاً يتألف من علماء بارزين من العالم الإسلامي بينهم شخصيات محسوبة على تنظيم الإخوان في تركيا، منهم علي محي الدين القرة داغ من قطر، أسامة الرفاعي من سوريا، عبد المجيد الزنداني من اليمن، محمد حسن هيتو من سوريا، محمد راتب النابلسي من سوريا، عمر عبد الكافي من مصر، نواف تكروري من فلسطين، وصفي عاشور أبو زيد من مصر، فينيس المبروك من ليبيا، علي الصلابي من ليبيا، محمود السرطاوي من الأردن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين