شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
البحث عن مرشح رئاسي مصري آمن لا تصوِّت له جماعة الإخوان المسلمين

البحث عن مرشح رئاسي مصري آمن لا تصوِّت له جماعة الإخوان المسلمين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 8 يونيو 202301:15 م

إلى حد بعيد، وبعد تلقيها ضربات أمنية من النظام الحاكم في مصر، يمكن ملاحظة أن جماعة الإخوان المسلمين بدأت لملمة خيوطها التي بُعثرت، وغيرت إستراتيجيتها وطرق عملها بشكل أعاد لها جزءاً من حضورها في المشهد السياسي المصري. صحيح أنه من المبكر جداً الحديث عن وجود الجماعة بشكل مباشر عبر رجالها، إذ إن الشارع المصري لا يزال مشحوناً ضدهم نتيجة لفشلهم الإداري والسياسي في عام حكمهم (2012- 2013)، لكنها فيما يبين من مظاهر متعددة، مستعدة لخوض معركة الانتخابات الرئاسية المصرية عبر آخرين، وذلك بدعم أحد معارضي الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لكن السؤال هنا هو: ما الذي تملكه جماعة الإخوان من نفوذ على أرض الواقع كي تلعب به؟ وهل ما تملكه في هذه اللحظة -بفرض وجوده- كافٍ لتوجيه التصويت؟ والسؤال الرئيسي والأهم هو: هل ستشهد مصر انتخابات حقيقية تستطيع أي قوة منظمة من خلالها أن تفعِّل إمكانياتها لخدمة أغراضها وأهدافها التي تسعى إليها؟

أثبتت جماعة الإخوان المسلمين أن لديها قدرة تنظيمية كبيرة تجعلها تجيد التخفي، وإعادة لملمة نفسها وترتيب أوراقها، ثم العودة مرة أخرى، ورغم أن الضربة الحالية أعنف من كل ما سبقها، فإن تغير الأدوات وتطورها ساعدا الجماعة على النهوض مجدداً

قدرة جماعة الإخوان المسلمين

المتابع للمشهد السياسي المصري يدرك أن جماعة الإخوان المسلمين تعرضت لأكثر من ضربة أمنية منذ إنشائها عام 1928، وأن الاعتقاد كان في كل مرة أنها ستكون نهايتها، ولكنها دائماً تعود أقوى مما سبق وكأنها لم تغب عن المشهد أصلاً، حدث ذلك بعد حادث المنشية يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1954، حين تم إطلاق النار على الرئيس جمال عبد الناصر وهو يلقي خطابه، وزاد بعد قضية تنظيم عام 1965 التي أعدم فيها سيد قطب، إذ عادت الجماعة بقوة في سنوات السبعينيات، واجتاحت انتخابات النوادي والنقابات المهنية، وخاضت الانتخابات البرلمانية -رغم حظرها قانوناً- بالمشاركة مع أحزاب كبرى.
ورغم أن الجماعة لم تكن طرفاً مباشراً في عملية اغتيال الرئيس أنور السادات يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981، وليست مسؤولة مسؤولية مباشرة عن مذبحة الدير البحري في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1997 في الدير مدينة الأقصر، التي أسفرت عن مصرع 58 سائحاً، فإنه ليس خافياً أن زعماء الجماعات الإرهابية المسلحة خرجت من عباءة الجماعة أصلاً، أو أن لقادتها علاقات مباشرة بقياديين في الجماعة. مع ذلك فقد تمدد الإخوان المسلمون في  العشرية الأولى من هذا القرن لدرجة أنها خاضت الانتخابات البرلمانية بشكل مباشر عام 2005، وحصدت 88 مقعداً كانت مرشحة للزيادة، لولا التضييق الذي حدث ضدها في جولة الإعادة. ثم إن وصولها للسلطة بعد ذلك معروف.
أثبتت الجماعة -إذن- أن لديها قدرة تنظيمية كبيرة تجعلها تجيد التخفي، وإعادة لملمة نفسها وترتيب أوراقها، ثم العودة مرة أخرى، ورغم أن الضربة الحالية أعنف من كل ما سبقها، فإن تغير الأدوات وتطورها ساعدا الجماعة على النهوض مجدداً.

كوَنت الجماعة ذراعاً إعلامياً متطوراً من خلال بث برامج يومية وأسبوعية على موقع يوتيوب بإمكانيات تقنية ملحوظة، مستغلين التعتيم الإعلامي، وحاجة المواطنين للبحث عن مصدر مختلف للمعلومات

جماعة "اليوتيوبر المسلمين"

بعد فض رابعة في 14 أغسطس/ آب 2013، واعتقال قادة الإخوان وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، تحدثت تقارير كثيرة عن خلاف كبير نشب بين شباب الجماعة وشيوخها، حمَّل خلاله الشباب شيوخهم مسؤولية الإخفاق في إدارة الحكم حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه. في هذه الفترة حدث شيئان متزامنان:
الأول: خروج بعض الإعلاميين والفنانين المحسوبين على الجماعة من مصر إلى تركيا وقطر في البداية، ثم اضطرار بعضهم، بناء على تفاهمات نظام الرئيس السيسي مع هذه الدول، للسفر إلى بعض دول أوروبا وأمريكا. وبعضهم لديه قبول إعلامي.
الثاني: هو الجيل الثاني لأبناء المهاجرين من أعضاء الجماعة في أمريكا، وهؤلاء مواطنون أمريكيون بحسب المولد أو التجنس، متعلمون بشكل جيد، ويتقنون اللغة الإنجليزية، قادرون على التواصل مع الساسة وقادة الرأي في المجتمعات الغربية لا سيما الولايات المتحدة والتأثير في توجهاتهم.
الفريقان -بالتنسيق أو بدونه- كوَنَا ذراعاً إعلامياً متطوراً من خلال بث برامج يومية وأسبوعية على موقع يوتيوب بإمكانيات تقنية ملحوظة، وإعداد صحافي وخبري معقول يعتمد على مواقع تنتمي للجماعة وأنصارها، مستغلين التعتيم الإعلامي الذي مارسه الرئيس السيسي ونظامه، ليصنع "دائرة مغلقة" تكتفى بالإشادة، وقلَت أهمية الإعلام المحلي بالتدريج نتيجة فشل النظام في ملفات الاقتصاد والسياسة، وحاجة المواطنين للبحث عن مصدر مختلف للمعلومات.

سيطر الحديث عن فشل جماعة الإخوان ومتاجرتها بالدين، وعدم امتلاكها كوادر تقنية ولا مشروعاً لإدارة البلاد، لكن في الوقت نفسه يوجد إقبال على مشاهدة اليوتيوبرز المنتمين لها بكثافة، أمثال عبد الله الشريف ويوسف حسين، وبدرجة أقل عماد البحيري ومحمد الناصر ومعتز مطر

آليات تحرُك الجماعة

لكي نتعرف على حدود ما تستطيع جماعة الإخوان المسلمين فعله في الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة في مايو/أيار 2024، والتي من المفترض أن يبدأ التحضير لها في مارس/ آذار المقبل، يجب أن نتوقف أمام مشهدين في غاية الأهمية حَدَثَا في السنوات الأربع الماضية:
المشهد الأول: المظاهرات العامة التي خرجت في الشوارع والميادين يوم الجمعة 20 سبتمبر/ أيلول، مطالبة بعزل الرئيس السيسي، إثر عدة فيديوهات بثها المقاول محمد علي الذي يعيش في إسبانيا، والتي كشف فيها بعض مظاهر الفساد في مصر، وطالب المصريين بالخروج، ووجدت دعوته قدراً من الاستجابة في القاهرة وعدد من المحافظات خاصة أنها تزامنت مع موجة من هدم المنازل الأهلية في مناطق متفرقة في إطار حملة لإزالة المخالفات وتحصيل الغرامات، لتشكل تلك المظاهرات مشهداً مباغتاً هو الأول والأكبر الذي يواجهه الرئيس مصحوباً باتهامات بفشل وفساد نظامه. تحركت أجهزة الأمن لتحبط هذا التحرك، واعتقلت الآلاف من المصريين، وتمكنت من إحباط دعوة مماثلة كان مقرراً لها الجمعة التالية.
المشهد الثاني: دعوة التظاهر يوم 11/ 11/ 2022 التي أطلقها ثلاثة من اليوتيوبرز المصريين بالخارج: محمد علي وعبد الله الشريف ومعتز مطر في وقت واحد، إذ إنهم لم يكتفوا بالدعوة فقط، بل وضعوا خطة تأمين المتظاهرين بالسيارات التي عليها أن تطوِق ساحات التظاهر، وبالتالي تعوق وصول قوات الأمن، أو توصلهم عُزَلاً فيسهل مواجهتهم. المفاجئ أيضاً لقطاعات واسعة من المصريين أن أحداً لم يخرج من بيته قط.
دلالات المشهدين مجتمعين تشير إلى بعض النتائج:
1- أن قطاعاً ليس بسيطاً من المصريين لا يعجبه أداء الرئيس السيسي ونظامه، ومستعد للخروج ضده في أي وقت، وقد زاد هذا الاستنتاج بعد التدهور الاقتصادي في العامين الأخيرين.
2- أن المصريين يريدون خروجاً آمناً لا يعرضهم للضرب والسجن هم وعلائلاتهم، لذلك تتجنب قطاعات واسعة الجهر بالمعارضة، حتى على صفحات فيسبوك وتويتر، انتظاراً للحظة حاسمة يمكنهم خلالها التعبير عن آرائهم.
3- الدلالة المهمة: أن المصريين يتحدثون كثيراً عن (فشل) جماعة الإخوان ومتاجرتها بالدين، وعدم امتلاكها كوادر تقنية ولا مشروعاً لإدارة البلاد، لكنهم في الوقت نفسه يقبلون على مشاهدة اليوتيوبرز المنتمين لها بكثافة، أمثال عبد الله الشريف ويوسف حسين، وبدرجة أقل عماد البحيري ومحمد الناصر ومعتز مطر.
4- الدلالة الأهم: أن 11/ 11 لم يشهد مشاركة أي عنصر من عناصر الجماعة في مصر، رغم أن هناك إشارات على مشاركتهم بفعالية في تظاهرات محمد علي، وهو ما يوضح أن الجماعة لم ترد "حرق" عناصرها، وأنها انتظرت درجة التفاعل الشعبي لتركب عليه كما فعلت في يناير/ كانون الثاني 2011.
هذه الدلالات كلها، وغيرها، تجعل المشهد الانتخابي المصري 2024 في غاية الأهمية، لأن الغالبية التي تعاني الآن من السياسات الاقتصادية للنظام الحالي، والتي لا تريد خروجاً متهوراً يكلفها أمنها وأمن عائلاتها، قررت - وفق ما يظهر- أن تخرج للصناديق بأمان، وتصوت لأي مرشح مقبول غير الرئيس، ومثَّل إعلان أحمد طنطاوي الترشح -حتى الآن- بادرة أمل لهم، حيث يمتلك خطاباً مقنعاً إلى حد ما، ولا يترك فرصة للنظام لتشويهه أو القبض عليه.

لا توجد معلومات قاطعة موثقة عمَا ينتوي النظام فعله، لكن بعض الإشارات والتلميحات تشير إلى أن الأجهزة تفكر في انتخابات شبه حقيقية، يخوضها مرشحون لهم رصيد يستطيعون الحصول على نسب معقولة، ويتمكن الرئيس من الفوز بأغلبية مريحة من الجولة الأولى، مريحة وليست كاسحة

هل هناك انتخابات نزيهة محتملة؟

الشواهد والتصريحات والحركة على الأرض تقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يريد أن يحتفظ بموقعه رئيساً لمصر لدورة ثالثة، مدتها ست سنوات وتنتهي في يونيو/ حزيران 2030، وقتها سيكون عمره 76 عاماً، ويكون مكث في السلطة 17 عاماً. لكن تنفيذ هذه الرغبة لن يكون بسهولة انتخابات 2018 لعدة عوامل تحدثت عنها في مقال سابق، منها التدهور الاقتصادي، وتغير المواقف الإقليمية والدولية، والانتخابات الرئاسية التركية، وأن المصريين لن يقبلوا بمسرحية مبتذلة مرة أخرى، تلك التي إن حدثت فستكون أشد خطراً على النظام الحالي من خطر الانتخابات البرلمانية 2010، التي سارعت بإزاحة مبارك ونظامه.
لا توجد معلومات قاطعة موثقة عمَا ينتوي النظام فعله، لكن بعض الإشارات والتلميحات تشير إلى أن الأجهزة تفكر في انتخابات شبه حقيقية، يخوضها مرشحون لهم رصيد يستطيعون الحصول على نسب معقولة -تجربة حمدين صباحي 2014 نموذجاً-، ويتمكن الرئيس من الفوز بأغلبية مريحة من الجولة الأولى، مريحة وليست كاسحة. يمكن أن تلمح هذا السيناريو من إشادة إعلاميي النظام بالانتخابات التركية، ومن عدم التعرض لشخص أحمد طنطاوي حتى الآن - على عكس ما حدث مع أحمد شفيق وسامي عنان في 2018 - وإن كانوا يرهبون مؤيديه وأقاربه ويسجنونهم.
المشكلة الآن في إيجاد هذا المرشح الآمن الذي يمتلك سيرة ذاتية معقولة، ويوافق على لعب هذا الدور دون أن يكون لديه طموح الاتفاق مع جماعة الإخوان على نيل أصواتهم، أو الذي لا تقبل جماعة الإخوان -من تلقاء نفسها- أن تصوِت له. وهذه ستكون مهمة عسيرة إذا نجح أحمد طنطاوي في استيفاء شروط ترشحه، أو إن استطاع جمال مبارك تخطي الموانع القانونية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image