شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عراقيات مطلّقات... أحزاب دينية تحاول تقليص مدة حضانة أطفالنا

عراقيات مطلّقات... أحزاب دينية تحاول تقليص مدة حضانة أطفالنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 17 أغسطس 202303:14 م

تعيش غزل خالد حسن (37 سنةً)، معاونة مدير مدرسة ابتدائية في منطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، حالة قلق مستمر من أن يعدّل مجلس النواب العراقي قانون الأحوال الشخصية النافذ، ويقلّص حضانة الأم لطفلها، وفقاً لما تطالب به أحزاب دينية بين حين وآخر.

دخلت غزل في دوامة هذا الصراع النفسي منذ عام 2015، حين انفصلت عن زوجها بعد ثلاثة أشهر فقط من وضعها مولودها الوحيد، وقد حظيت حينها بقرار قضائي منحها حق الحضانة.

تقول بشيء من الغضب، مشيرةً إلى حملات يقوم بها آباء مطلقون لتقليص مدة حضانة طليقاتهم لأطفالهم: "لقد تحوّل الأمر إلى تجارة. البعض من الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي يجمعون مبالغ من آباء يرغبون في تغيير القانون، ويحدث ذلك كل أربع سنوات مع بدء أي دورة انتخابية جديدة".

وتعتقد غزل أن إجراء أي تغيير في سن الحضانة، سيكون على حساب مستقبل الأطفال، لأنهم "سيُحرمون من أمهاتهم"، وتصف الحملات المستمرة بأنها "حرب يشنّها الرجال المطلقون ضد طليقاتهم، بقصد الانتقام والتخلص من النفقة التي تفرضها المحكمة عليهم، بالرغم من أنها لا تتجاوز 175 ألف دينار، ولا تكفي حتى لزيارة الطبيب لمرة واحدة"، على حد تعبيرها.

غزل لا تكتفي بالقلق والخشية من سَنّ قانون تحديد سِنّ الحضانة، بل تعمل جاهدةً لمواجهته، من خلال مشاركتها في مظاهرات عديدة نظّمتها منظمات المجتمع المدني وسط العاصمة بغداد خلال السنوات الأخيرة، ورافقت ناشطات أخريات إلى مقابلات أجرينها مع شخصيات برلمانية، لتأكيد حق الأمهات المطلقات بالحضانة لغاية سن البلوغ، أو منح الأطفال حق الاختيار عند بلوغهم 15 سنةً، كما هو معمول به حالياً بموجب قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ.

تأخذ نفساً عميقاً، ثم تقول بنبرة حزن: "هل الأمهات معامل ينجبن الأطفال الذين يبقون تحت رعايتهنّ لسنتين أو سبع سنوات كما تريد أحزاب عدة، وبعدها يتم تقديمهم كهدايا إلى آباء لا يستحقون، لأن معظمهم لا يسألون أصلاً عن الأطفال خلال فترة حضانة الأم المطلقة لهم، وبالكاد يدفعون النفقة، وبعضهم يتهرب منها بطريقة أو بأخرى؟ أين العدالة في هذا؟"؛ تتساءل وهي تضع يداً على الأخرى.

ثم تضيف باستياء: "ما يزيد الأمر صعوبةً بالنسبة لنا، أن القانون لا يمنحنا نحن الأمهات المطلقات الحاضنات لأطفالنا حق مراجعة الدوائر الحكومية لاستخراج البطاقة الموحدة أو جواز السفر على سبيل المثال، إلا بوجود الأب". وتتساءل مرةً أخرى: "كيف سيكون حال الأم إذا تم تعديل القانون؟".

بالنسبة لبعض الاتجاهات السياسية ذات الطابع الديني، حضانة الأم المطلقة للأطفال إلى حين بلوغ السن القانونية، تشكل ظلماً للآباء، ولا بد من تعديل القانون العراقي. وتظهر قبيل كل انتخابات تشريعية دعوات مماثلة، ويتبنى مرشحون نيابيون مقترح التعديل، لكنه يظل عند هذه الحدود دون قراءة في مجلس النواب، بسبب حملات مضادة تقوم بها منظمات نسوية وأخرى محلية ودولية معنية بحقوق الإنسان.

سنّ الحضانة

الأصل بموجب قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، أن تكون الحضانة للأم المطلّقة، ومدتها عشر سنوات، سواء كان المحضون ذكراً أو أنثى، وللمحكمة تمديد الحضانة سنةً أو اثنتين أو إلى حين إكمال المحضون الخامسة عشرة من عمره حسب مصلحة الطفل، ويحق للطفل بعدها اختيار الشخص الحاضن.

وضع القانون هذا عدداً من الاستثناءات بخصوص الحضانة، منها منح الطفل المراهق (15 سنةً)، حق اختيار مع من سيقيم، والدته أم والده، كذلك الاستعانة باللجان الطبية لتُثبت مصلحة الصغير ويمكن للمحكمة أن تضع المحضون بيد حاضنة تراها أمينةً، إذا لم يكن الوالدان مؤهلين للحضانة، كما يجوز للمحكمة أيضاً أن تضع الطفل في دور حضانة معدّة من قبل الدولة.

تقليص مدّة الحضانة حرب يشنّها الرجال ضد طليقاتهم، بقصد الانتقام والتخلص من النفقة التي تفرضها المحكمة عليهم، بالرغم من أنها لا تتجاوز 175 ألف دينار، ولا تكفي حتى لزيارة الطبيب لمرة واحدة

وفقاً لاتهامات ناشطات معارضات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، فإن رجالاً مطلقين ومدعومين من أحزاب إسلامية، حاولوا على مدى خمس دورات برلمانية انتخابية تعديل سن الحضانة للأم، كان آخرها في الأول من تموز/ يوليو سنة 2021، حين عُرض مشروع قانون تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 لقراءة أولى في مجلس النواب العراقي لتقليص حق الحضانة الممنوح للأم وجعلها سبع سنوات فقط.

وفي كل مرة، أثارت التعديلات المقترحة غضباً عارماً لدى الأمهات المطلقات، ووقفت منظمات المجتمع المدني إلى جانب الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة، بالضدّ منها، وشرعن في حملات إعلامية أكدن فيها أن تعديل سنّ الحضانة سيكون قراراً مجحفاً بحق الأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار النفسي بعد طلاق الوالدين، بالإضافة إلى حاجتهم الماسة إلى الأم في مرحلة الطفولة.

وردّ الرجال بحملات إعلامية معاكسة ووقفات احتجاجية محاولين التأكيد على مقدرتهم على تحمّل مسؤولية رعاية صغارهم، ومقدرتهم على توفير حياة كريمة لهم أكثر من أمهاتهم، وبعضهم يرى أن القوانين العراقية تغلّب مصلحة النساء على الرجال، لا سيما في ما يخص مسألة الحضانة للأطفال، وطالبوا بقراءة ثانية لتعديلات القانون وإقراره في أقرب وقت، لرفع الظلم عن الرجال، وفقاً لما يقولون.

أهداف سياسية ومادية

أستاذة القانون الجنائي في جامعة بغداد بشرى العبيدي، تقول إن "من أشعل هذه الفتنة"، وتقصد بها محاولات تعديل سنة الحضانة، "هي مجموعة من الآباء، بحجة أنهم مظلومون، وإن المادة 57 مجحفة بحقهم، وهم يعتقدون أن القانون حرمهم من حق التواصل مع أولادهم والمشاركة في تربيتهم، وتقديراً منا لمشاعر الآباء قدّمنا مقترحاً للّجنة القانونية، ولجنة المرأة والطفل في البرلمان، لزيادة عدد ساعات المشاهدة للآباء على أن تكون بعيدةً عن قاعات المحاكم لمراعاة مشاعر الأطفال والآباء معاً".

وعلى أساس هذا المقترح، وجّه مجلس القضاء الأعلى بزيادة عدد المشاهدات إلى أربع مرات في الشهر الواحد، ولمدة 9 ساعات في كل مرة (من 9 صباحاً حتى 6 مساءً)، ويتم الاتفاق على مكان المشاهدة بين الطرفين.

وبحسب الدكتورة العبيدي، فإن "القرار الجديد أنهى حجة الرجال، لكنهم ما زالوا ممتعضين"، وهي ترى أن سعيهم في الأصل لم يكن لزيادة أوقات بقائهم مع أطفالهم بل لهدفين "سياسي ومادي".

في ما يخص الهدف السياسي، تؤمن العبيدي بأن أحزاباً دينيةً تدفع بالرجال نحو المطالبة الملحّة لتعديل سنّ الحضانة، والضغط على مجلس النواب عبر وسائل الإعلام المختلفة والندوات والتظاهرات، لكن الحراك النسائي المعارض الذي سلّط الأضواء على معاناة المرأة المطلقة وحقها في الحضانة حال دون ذلك، وفقاً لما ذكرت.

وأشارت إلى أنه "منذ أن أصدر مجلس الحكم سنة 2003 القرار 137، القاضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، وإحلال منظومة روابط دينية طائفية بدلاً منه تتحكم في سير الإجراءات القانونية الخاصة بشؤون المرأة، والرجال يطالبون بتطبيقه، إلا أن أحلامهم لم ترَ الشمس، ولن تراها"، تقول العبيدي بحدّة.

وتضيف: "الرجال سعوا بعد ذلك إلى تجيير المادة 41 من الدستور العراقي التي تنص على أن العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وتنظيم ذلك لصالحهم، ثم انتقلوا إلى مقترح قانون الأحوال الشخصية لعام 2014، الذي تمكن المعارضون من إيقاف تشريعه، ومنه إلى مقترح الأحوال الشخصية 2017-2018، ولم يفلحوا أيضاً، وصولاً إلى البدعة الأخيرة الخاصة بتعديل المادة 57 من القانون النافذ بحجة أنها مادة بعثية وحجج تافهة أخرى، وهذه البدعة هي عبارة عن رغبة بعض الكتل السياسية في فرض قانون الأحوال الشخصية الجعفرية"، على حد تعبير العبيدي.

الهدف الثاني وفقاً لما تقول، مادي: "هذا الجانب هو المرجح لدى أغلبية الرجال للتملص من النفقة، فالرجل يفضل أن يضع أموال النفقة في محفظته، كما يظهر ذلك في تعليقات رجال كثر على وسائل التواصل الاجتماعي".

وتؤكد أنها رصدت حالات كثيرةً لا يعتني فيها الآباء بأبنائهم بعد الانفصال عن الزوجة، بل يسلّمون مهام التربية إلى الزوجة الجديدة أو إلى إحدى قريباتهم. وتقول أيضاً: "ناهيك عن حالات التلويح بسحب الحضانة من الأم إن أقبلت على الزواج من رجل آخر، فهم يستكثرون على المرأة أن تعيش حياةً جديدةً بعد الانفصال عنهم. لقد سعى الرجال ابتداءً إلى تشريع قانون يمنحهم حق الحضانة لأطفالهم في سن الثانية، لكنهم تراجعوا عن ذلك بعد أن وجدوا الأمر في غاية الصعوبة، فهم يدركون في قرارة أنفسهم أن المرأة وحدها قادرة على حضانة الأطفال، لذلك قرروا المطالبة بالحضانة في سن السابعة".

جاء في نص هذه المادة 57 من قانون سنة 1959: "الأم أحق بتربية وحضانة ولدها حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة (الطلاق أو الوفاة)، ما لم يتضرر المحضون".

وتشترط المادة أن "تكون الحاضنة بالغةً عاقلةً أمينةً وقادرةً على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون".

كما تنص الفقرة الخامسة من المادة 57 على أنه "إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار".

الناشط علي حيدر سجاد، يقول إن أكثر من ستين سنةً مضت على تشريع قانون الأحوال الشخصية، وجرت تعديلات عليه في زمن حكم حزب البعث، وإنه لم يعد الآن متوافقاً مع روح العصر، وينبغي وفقاً لما يرى أن تكون هنالك موازنة عادلة بين النساء والرجال: "لأن الرجل أيضاً له الحق في أن يعيش أطفاله برعايته، وبكل تأكيد سيكون بوسع من يرغب منهم، تحمّل تلك المسؤولية، ويمكن للأم أن تحصل على حق مشاهدة الأطفال تماماً كما يحدث للآباء المطلقين الآن؟".

وتردّ د. بشرى العبيدي، على ما قاله الناشط علي بقولها: "من خلال دراستي لقوانين الأحوال المدنية في المنطقة، يقف القانون العراقي النافذ في المرتبة الرابعة، وهو من أفضل القوانين بعد المغربي، ثم التونسي، فالمصري، وحينما شُرّع القانون كان الأفضل من نوعه في حينه، لكن تشريع قوانين الأحوال الشخصية في الدول الثلاثة المذكورة عاد به إلى هذه المرتبة".

وتعتقد العبيدي أن "القانون النافذ فيه الكثير من الثغرات التي تنتهك حق المرأة وإنسانيتها، لكن الوضع الحالي غير مهيّأ لإجراء التعديلات المطلوبة، وأي مقترح في هذا الاتجاه سيدفع بقانون الأحوال الجعفري إلى الواجهة، ومن ثم الحنفي وهكذا".

وتختم الأستاذة الجامعية حديثها بالقول: "الأفضل حالياً المحافظة على القانون النافذ. أما التعديلات التي تحاول سلب الحضانة من الأم بعد السنوات السبع أو عندما تتزوج المطلقة مهما كان عمر المحضون، وإن كان الأب متوفى تؤول الحضانة إلى الجد أو الجدة أو العم أو العمة، وإن لم يتوفروا فسيكون مصير الطفل إلى دور حضانة الأيتام، فهي ما نسعى إلى منعها".

وكانت عضوة لجنة المرأة والطفولة النيابية السابقة، ريزان شيخ دلير، قد وصفت مقترح تعديل سن الحضانة بغير الإنساني، وبأنه مخالف للمواثيق والأعراف الدولية ويسلب الطفل من أمه. وذكرت دلير في تصريحات صحافية أن هدف التعديل هو "جعل سن الحضانة حتى عمر السبع سنوات في حال تزوجت الأم من رجل غير طليقها، وفي حال وفاة الأم أو فقدانها أحد شروط الحضانة، تنتقل الحضانة إلى الأب إلا إذا اقتضت مصلحة الصغير خلاف ذلك، وعندها تنتقل الحضانة إلى الجدّ".

ورأت النائبة السابقة أن المقترح يعكس طريقة تفكير داعمي المشروع الذين وضعوا الأم في الدرجة الأخيرة، وفقاً لنص تعبيرها.

المحامي عادل مجيد، يقول إن الأم هي الأحق بالحضانة في حال قيام الزوجية أو الفرقة وفقاً للمادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، بشروط هي "البلوغ، العقل، الأمانة، والقدرة على تربية المحضون". ويؤكد أن المحكمة ستميل في معظم الأحيان إلى إبقاء الحضانة للأم في المنازعات القضائية وفق مبدأ مصلحة الطفل.

ويضرب على ذلك مثالاً: "الأم لو مثُلت بين يدي القاضي ووقّعت أمامه عن تنازل عن حضانتها للطفل، وخرجت من المحكمة ثم عادت لتغيّر رأيها وتطالب باستعادة الحضانة، فستمتثل المحكمة لطلبها في حال كانت الشروط ما زالت متوفرةً فيها كحاضنة، لأن مصلحة الطفل هي في التواجد في حضانة أمه، هكذا هو الأمر لدينا".

يرى المحامي عادل مجيد، أن هنالك مساحة حق كبيرةً، ممنوحةً للزوجة المطلّقة على حساب الرجل المطلّق، وأن الأوان قد حان لمنح الرجل المطلّق حقوقاً إضافيةً، وأنه لا بأس لو تم تخفيض سن الحضانة، "لأنه ليس من العدل، أن يظل الطفل في كنف المرأة 15 سنةً"

وبهذا يرى المحامي عادل، أن هنالك مساحة حق كبيرةً، ممنوحةً للزوجة المطلّقة على حساب الرجل المطلّق، وأن الأوان قد حان لمنح الرجل المطلق حقوقاً إضافيةً، وأنه لا بأس لو تم تخفيض سن الحضانة، "لأنه ليس من العدل، أن يظل الطفل في كنف المرأة 15 سنةً، وبعدها نأتي بكل بساطة لنسأله أين يريد أن يعيش الآن بعد كل تلك السنين؟ بالتأكيد سيختار الأم، وفي حالات نادرة جداً سيختار الأب، لأنه لا يعرف والده كما يجب، وساعات المشاهدة المحددة قانوناً غير كافية".

ويعتقد المحامي كذلك أن تخفيض سن الحضانة، سيمنع الكثير من الزوجات من المطالبة بالانفصال خوفاً من فقدان حضانتهم للأطفال، مما يعني تقليل حالات الطلاق.

ويؤكد "أن الطفل مع أمّه أفضل بالنسبة إليه، لكن ينبغي أن لا يكون هذا الحق مطلقاً، وأن يتم وضع استثناءات فعلية، فما ذنب الرجل الذي يُحرم من أطفاله لمجرد أنه لم يعد يريد العيش مع زوجته؟!".

مضارّ نفسية

تقول المستشارة النفسية، إخلاص جاسم جبرين، إن "المحضون القاصر الذي يعيش بعيداً عن والدته سيعاني من مضارّ نفسية شديدة، أبرزها الشرخ العاطفي وهو ناتج عن عدم تقبّله للبيئة المحيطة به -زوجة أب، جدّة، عمّ- ما يولّد لديه شعوراً عميقاً بعدم الارتياح، والخجل عند تناول الطعام، والتردد في طلب احتياجاته، وسيشعر بأنه ضيف ثقيل، وكل ذلك سيؤثر على سلوكياته في المستقبل".

ويتسبب الشرخ العاطفي لدى الأطفال وفقاً للمستشارة، بسلوك عدواني تجاه زملائهم في المدرسة، وعند البلوغ هناك احتمال كبير لأن يكون الشخص نرجسياً (وهو شخص معادٍ للمجتمع نتيجة ما يُسمى بترسبات الطفولة).

وترى المستشارة النفسية، أن "الطفل قد يتعرض للعنف والشتم، بعد أن يفقد حماية أمه، وقد يصاب بإعاقات ذهنية نتيجة التعامل السيئ، ويفقد القدرة على التركيز والتفوق في الدراسة، فضلاً عن فقدان الأمان الأسري، وبهذا يكتسب عادات وسلوكيات سيئةً تنعكس على تفاصيل حياته العامة والخاصة، وقد يتعلم الكذب والسرقة، ويصبح عرضةً للتحرش الجنسي نتيجة الإهمال وانشغال الأب الحاضن بالعمل دائماً".

وعن رأيها بفقدان الطفل بعمر (1-3) سنوات لحضانة أمه، تقول إخلاص: "استبعاد الأم في هذا العمر قد يؤثر على مراحل النمو، كتأخر النطق وطول القامة، وكلها مرتبطة بأسباب نفسية، ويعاني الطفل من سلوك العناد والكآبة والانعزال، بل يرفض الطعام والشراب، وفي المستقبل تكون ردود أفعاله عنيفةً وهجوميةً، وقد يمرض من قلة النوم أو يفكر في الانتحار حين بلوغه سن المراهقة".

وتختم مستشارة الصحة النفسية: "لا يمكن أن يبتعد الطفل عن حضن أمه، فهي الداعم الوحيد له، ومن لديها القدرة على تعليمه وتهذيبه والوصول به إلى برّ الأمان".

هاجس الخوف مستمر

"أريد أن تبلغ ابنتي الخامسة عشرة من عمرها بسرعة قبل أن يتمكنوا من تعديل سن الحضانة، فهي ستختارني أنا بكل تأكيد، كما فعل شقيقها الأكبر منها"؛ تقول حنان عبد الكاظم حسن (31 سنةً)، وتسكن في حي الجامعة في بغداد وتدير متجراً للملابس، وهي مطلقة منذ 2011، ولها ابنة عمرها 14 سنةً وابن عمره 16 سنةً، وحصلت على حضانتهما منذ طلاقها، وخاضت تجربةً وصراعاً مريرين من أجل حضانة ابنتها.

والقصة وفقاً لروايتها، أنها سافرت إلى تركيا في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2021، من أجل شراء بضاعة جديدة لمتجرها، وبعد سفرها بيومين اتصل بها طليقها، ليخبرها بأنه يرغب في اصطحاب ابنته والتي كانت موجودة حينها في منزل والدتها، أي جدّة الفتاة.

تقول حنان: "وافقت على ذلك لأنه أخبرني برغبة أمه في رؤيتها، ومن الطبيعي أن تحظى ابنتي ببعض الوقت مع أسرة أبيها، ووعدني بإعادتها إلى بيت والدتي بعد ساعات ليتسنى لها إنجاز واجباتها المدرسية، لكن ذلك لم يحصل. اتصلت به مرات عدة ولم يُجِب على الهاتف، وفي اليوم التالي اتصلت بابني وطلبت منه أن يذهب إلى بيت والده، ويعود بأخته إلى المنزل، ومن هناك اتصل بي ليخبرني بأن أخته قد تزوجت".

لم تكتفِ حنان بإقامة دعوى قضائية ضد طليقها لقيامه بتزويج ابنتهما القاصر، والتي لم تكن قد تجاوزت عامها الثاني عشر بعد، بل تحدثت عن الأمر في مقابلات تلفزيونية عديدة، وحظيت بدعم منظمات مجتمعية تدافع عن حقوق الطفل والمرأة، وتحولت مأساتها إلى قضية رأي عام.

وبعد شهر من مساعيها الحثيثة، والتفاعل الشعبي معها، تدخل رئيس الوزراء العراقي آنذاك مصطفى الكاظمي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وأعاد إليها ابنتها.

والآن بعد مرور أقل من سنتين على تلك الواقعة، لا تزال حنان تعيش هاجس الخوف من أن تفقد ابنتها مجدداً وهذه المرة بالقوة: "ابنتي تم تزويجها بعقد سيّد، خارج المحكمة، ووالدها وزوجها المزعوم يسعيان إلى تصديق عقد الزواج في المحكمة. وعلى الرغم من أنني أعدتها إلى المدرسة، وأخضعتها لعلاج نفسي، إلا أن مخاوفنا مستمرة من أن يتم تعديل المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية، ويقللوا مدة حضانة الأم أو إسقاط حضانتي لها بتصديق عقد الزواج".

تضع يديها على وجهها ثم تمدهما أمامها، وتقول بتصميم: "لن أتخلى عن ابنتي مهما كلف الأمر، كما لن أقبل بأن تكون ضحيةً لأعراف بالية تسمح بزواج القاصرات".

القانون العراقي والنساء!

هالة صباح مهدي (41 عاماً)، طبيبة أنف وأذن وحنجرة، تسكن في منطقة الكرادة وسط بغداد، ولم تحصل على الطلاق إلا بشقّ النفس، فعلى الرغم من خلافات زوجية حادة عاشتها بمرارة مع شريكها إلا أنها لم تفكر في الانفصال إلا بعد أن هجرها ليعيش في ألمانيا، وهذا التحول كان "القشة التي قصمت ظهر البعير" وفقاً لتعبيرها.

تقول هالة: "لم أحصل على الطلاق بسهولة، فالمحاكم العراقية لا تتعاطف مع رغبة المرأة، ولا بد من وجود سبب قهري كالتعنيف الذي يصل بها إلى غرفة العناية المركزة في أحد المشافي".

واجهتْ الطبيبة أعباءً شتى وكان أشدّها كما تقول "الاستغلال المادي للمحامين، والطرق الملتوية التي يلجؤون إليها، وقد تصل إلى حد التزوير من أجل الحصول على الطلاق".

استمرت معاناتها برغم أنها أخبرت القاضي بأن زوجها مقيم خارج العراق، لكنه حضر فجأةً ذات يوم ومثل أمام القاضي في واحدة من جلسات الدعوى. تقول عن ذلك: "كانت حركةً انتقاميةً، فقد أخبر القاضي بأنه لم يهجرني، وأنه مقيم في العراق، وهنا عدت إلى المربع الأول".

لم تحصل هالة على الطلاق من المحكمة، ولجأت إلى رجل دين علّه يكون عوناً لها، لكن "السيّد" أخبرها بأنه "لا يستطيع مساعدتها ما دام زوجها لا يرغب في الطلاق".

بعد عامين ونصف العام من المحاولات المستمرة، اتفقت مع زوجها على الطلاق شريطة أن تتنازل عن حقوقها الشرعية والقانونية. تواصل هالة حديثها: "أدركت زيف حقوق المرأة في بلدي، وكل ما سمعته عنها مجرد شعارات رنانة غير موجودة على أرض الواقع. حصل الطلاق في نهاية عام 2016، ومنذ اللحظة الأولى وجدت نفسي أنتقل من مأزق الطلاق إلى دوامة الحضانة".

أنجبت هالة ولداً واحداً قبل طلاقها، وهو الآن في السابعة من عمره، لكنها ما زالت تعيش قلقاً متواصلاً لأن طليقها يهددها بسلب الحضانة منها لأنه يحمل الجنسية الألمانية، ومع أن ذلك قد لا يعني شيئاً لأنها تعيش في العراق وتسري القوانين العراقية عليها وعلى طفلها، إلا أنها لا تستطيع التخلص من أفكار تراودها مثل أن يتم تعديل سنّ الحضانة فيفصلها عن ابنها أو أن يقوم ذات يوم بأخذه معه إلى ألمانيا دون علمها.

حملت مخاوفها هذه إلى المحكمة، لكنها لم تحصل على إجابة شافية، فانضمت إلى المعارضات لتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، وقابلت شخصيات سياسيةً وبرلمانيةً وقضائيةً معبّرةً في كل مرة عن قلقها العميق من القراءة الأولى لمجلس النواب لتعديل القانون.

تقول هالة بعد اطّلاعها على قصص أمهات غيرها: "الكثيرات منهن تعرضن للعنف والإهانة والإساءة، وفوق كل ذلك يعشن فقراً مدقعاً. أنا طبيبة ذات مكانة اجتماعية وإمكاناتي المادية جيدة جداً وتعرضت لكل هذا، فكيف يكون حال النساء المعدمات في ظل مجتمع وقوانين تساند الرجال؟".

حلول في مصلحة الرجال

لينا علي (32 سنةً)، من أهالي بغداد، متزوجة منذ 2012، تقول: "عانيت من التعنيف وقلة الاحترام، وفي مطلع عام 2019 قررت الانفصال لكن زوجي رفض ذلك إلا في حال تنازلت له عن حق حضانة أطفالي".

بعدها بأشهر، قررت لينا الانفصال عن زوجها دون طلاق، وانتقلت مع طفليها (دارين 9 سنوات، ويوسف 5 سنوات)، للسكن في بيت أهلها. بعد مدة، وتحديداً في شهر أيلول/ سبتمبر 2019، طلب منها زوجها أن يأخذ الطفلين للبقاء معه أياماً عدة في منزله، لكنه في الحقيقة كان يخطط للسفر بهما إلى تركيا. تضيف لينا: "القانون يمنح الأب حق السفر مع أولاده، دون الأم التي إن سافرت مع أبنائها فستتعرض للمساءلة، وقد تُمنع من السفر من دون وكالة من الأب".

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، رفعت لينا دعوى قضائيةً، وحصلت على حكم يقضي بإلزام الأب بإعادة الطفلين إليها. لكن معركتها للحصول على الطلاق ما زالت مستمرةً، وتصرّ على القول إن الحلول كلها في مصلحة الرجال دون النساء، "لأن المجتمع ذكوري".

وتستدرك: "حتى إن حصلت على الطلاق، فسأبقى كغيري من النساء في حالة من الترقب والخوف من محاولات تعديل سن الحضانة، وهذا ما دفعني إلى الخروج في تظاهرات النساء، والمشاركة في ندوات واجتماعات معارضة".

ثم قالت بغضب وهي تهتف كأنها في واحدة من مظاهرات الاحتجاج: "لن يأخذوا مني دارين ويوسف إلا إذا داسوا على جثتي".

يترقب الكثير من الآباء المطلقين إقدام مجلس النواب العراقي على قراءة مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية خلال الدورة الحالية، لكنهم يشكّون في ذلك، لأنهم يعتقدون بأن أعضاء مجلس النواب المؤيدين لهم يستخدمون قضيتهم في الدعاية الانتخابية.

يقول نزهان مصطفى غازي (42 سنةً)، وهو مهندس معماري من بغداد، إن تعديل قانون الأحوال الشخصية "يظهر على السطح مع اقتراب كل انتخابات برلمانية، وينشط مرشحون للحديث عن مظلوميتنا، ويطلقون الوعود بإنصافنا بمجرد فوزهم بالمقعد البرلماني. لكن بمجرد فوزهم يلتزمون الصمت ويتجاهلوننا تماماً".

افترق نزهان عن زوجته قضائياً سنة 2014، ولديه طفلان دون الخامسة عشرة من العمر يعيشان مع والدتهما، وهو مستاء من مسألة المشاهدات بأوامر قضائية: "كيف يمكن أن يحسبوا لي وقتاً من أجل مقابلة أطفالي؟ أي إنسانية في هذا؟ إنه ظلم وجريمة يسببهما القانون بحقنا، في وقت كان يفترض أن يكون إلى جانبنا نحن الآباء".

ويتساءل مستغرباً: "لماذا يتم الافتراض دائما بأن الأب مخلوق سيئ ولن يقدر على رعاية أطفاله، وهذا هو الأساس الذي يتعامل به القانون معنا؟ نحن الطرف غير الموثوق به في المعادلة، ثم كم 15 سنةً في عمر الإنسان، حتى يقضيها منتظراً احتضان ابنه أو ابنته؟".

ثم يقول إنه يعرف جيداً أن أعضاء مجلس النواب سيتجاهلوننا حالياً، لأن القراءة الثانية لتعديلات القانون أو إقراره سيدفعان منظمات دولية تدّعي الدفاع عن حقوق النساء لتوجيه الانتقادات إليهم: "لكن ذلك لن يوقفنا وسنستمر في المطالبة بتخفيض سن الحضانة، ما دام لا يخالف الدين ولا القانون. نحن نطالب بحقوقنا لا غير".


أُنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image