هذا التقرير أُنتج بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.
السجن أو منزل الزوج، هما الخياران الوحيدان المتاحان أمام المرأة الأردنية بحكم القانون.
القانون الذي يعطي الحاكم الإداري (المحافظ) الحق في "حبس" النساء اللواتي يغادرن منازلهنَّ دون إذن وليّ أمرهنَّ، سواء كان زوجاً أو أباً. وللحاكم مطلق الحرية في الاختيار بين إيداعهنّ سجن النساء أو إحدى دور الإيواء التابعة لوزارة التنميّة الاجتماعيّة.
السؤال: هل من المنطقي والطبيعي ونحن في العام 2023، أن يعطي القانون الحق للمحافظ في أن يحبس سيدةً فقط لأنها لا تطيق العيش في منزل زوجها، أو أن يخوله اعتقال فتاة وإيداعها سجن النساء فقط لأنها رأت أنها صارت مواطنةً كاملة الأهلية يحق لها الاستقلال بحياتها، بعيداً عن منزل أهلها؟
التقرير التالي يتناول هذا الظلم الواقع على المرأة الأردنية... وفق القانون.
سيف القانون المسلّط على نساء الأردن
احتجاز النساء الأردنيات، أو للدقة اعتقالهن دون وجه حق، يتم وفقاً لمواد القانون الأردني. إذ تعطي المادة الثالثة من قانون منع الجرائم، السلطة الإدارية الحق في "احتجاز" كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً عليه وعلى الآخرين. لذا يلجأ الحكّام الإداريون إلى تلك المادة لحبس النساء بدعوى أنَّ بقاءهنّ طليقات يشكّل خطراً عليهن.
كما تنص الفقرة أ، من المادة 9 من نظام دور إيواء المعرّضات للخطر رقم 171 لسنة 2016، على أن للحاكم الإداري (بالتنسيق مع مديرية الأمن العام)، الحق في وضع أي امرأة معرضة للخطر في دار إيواء إلى حين زوال ذلك الخطر، ولا يحق لها مغادرة دار الإيواء (وفقاً للفقرة ب من المادة نفسها)، إلا بقرار من الحاكم الإداري.
من جانبه، كشف الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس، أن عدد السيدات اللواتي تم التعامل معهن في دور الإيواء في الأردن عام 2022، بلغ نحو 1،823 سيدةً، مشيراً إلى أنَّ دور الإيواء تلك تُقدّم الخدمات الإيوائية، والحماية، والرعاية الصحية.
وأصدرت منظمة العفو الدوليّة عام 2019، تقريراً بعنوان "سجن النساء... الرقابة الشرطية على الجنس والزواج في الأردن"، رصدت فيه تعرض النساء المتهمات بمغادرة المنزل من دون إذن، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، لخطر الاعتقال من قبل السلطات الأردنية.
لماذا منح القانون الأردني الحاكم الإداريّ صلاحيّات السلطتين القضائيّة والتنفيذيّة معاً، رغم إخلال ذلك بمبدأ الفصل بين السلطات؟
إضراب عن الطعام
تعقدت الحياة الزوجية بين "خولة" (المرأة الأربعينية القاطنة في عمان) وزوجها، فغادرت المسكن وقررت الانفصال عنه، لكن قبل أن تشرع في أي إجراءات، فوجئت بالأمن يلقي القبض عليها، بعد أن قدّم فيها زوجها بلاغاً يتهمها فيه بمغادرة مسكن الزوجية.
تم القبض على "خولة"، وحُوّلت إلى الحاكم الإداري الذي أمر بإيداعها سجن الجويدة للنساء. لكنها لم تكن محطتها الأخيرة مع القانون الأردني، الذي يعطي للزوج الحق في أخذ الأطفال، وهو ما حدث بالفعل، تاركاً "خولة" خلف القضبان لا تجد من يكفلها.
فوفقاً للقانون الأردني (أيضاً)، الوحيدون الذين لهم حق إخراجها وكفالتها هم الزوج والأب والأخ، وحيث أن الأول غادر البلاد، والثاني قعيد لا يملك من أمره شيئاً، ظلت هي قابعةً خلف القضبان، إلى أن فاض بها الكيل فدخلت في إضراب عام علّها تجد من يسمعها، وهو ما حدث بالفعل إذ تواصل معها أحد مراكز المساعدة القانونيّة الذي أرسل محامياً لمتابعة قضيّتها وتم تحويلها إلى إحدى دور الإيواء.
زواج مقابل الحريّة
قصة أخرى ترويها لنا "منى" (43 سنةً من عمان)، التي تطلّقت من زوجها قبل 7 سنوات، واتجهت للعيش والعمل في إحدى الدول العربيّة.
عادت "منى" إلى الأردن، لتفاجأ بأن هناك بلاغ تغيّبٍ ضدّها مقدّم من والدها؛ مما دفع الشرطة إلى توقيفها إداريّاً وترحيلها إلى السجن الذي أمضت فيه خمسة أشهر، قبل أن تصل إلى حل أُجبرت عليه -على حد تعبيرها- وهو "الزواج من شخص بمقابل مالي حتى 'يتكفّلني' ويُطلعني من السجن، علماً بأني لا أعرفه، لكنه وسيلتي 'القانونية' لنيل حريتي وعدم خسارة وظيفتي"... تقولها وهي تبتسم بمرارة.
الرمضاء والنار
لا تُعدّ دور الإيواء أحسن حالاً من السجون، إذ تُمنع المقيمات فيها من استخدام الهواتف أو الزيارات أو الخروج من الدار أو التواصل مع العالم الخارجيّ، ويزورهنَّ المحامون بطلبٍ منهن وبصعوبة.
تقول المستشارة القانونيّة سهاد سكري لرصيف22، إنَّ أحد شروط الاستقبال في دار الرعاية، موافقة المرأة على دخول الدار، وإن رفضت ذَلك يتم إيداعها في سجن الجويدة للنساء، وهو ما يحدث من دون سندٍ قانونيّ.
نظرياً -والحديث ما زال للسكري- الهدف من "حبس" النساء حمايتهن من خطر الأهالي الغاضبين، لكن السؤال هنا: لماذا تُحبس المرأة؟ أليس من المنطقي أن نحبس مصدر الخطر، لا المعرَّضة له؟
"مجتمعنا غريب من نوعه ومتناقض"؛ هكذا يستهل الرئيس التنفيذي لجمعية الرعاية اللاحقة للسجناء (إدماج)، عبد الله الناصر، حديثه إلى رصيف22، ويقول: المشكلة في مراكز الإيواء أنها في حقيقة الأمر لا تعدو كونها مراكز لتقييد الحريات. هي سجن لكن تحت مسمى "مراكز الإيواء".
الدولة متواطئة على حريّة النساء
ترى الناشطة النسويّة إيمي داوود، أنَّ الدولة متواطئة في حجز حريّة النساء؛ إذ يتم إجراء فحوص كشف عذريّة من خلال إدارة حماية الأُسرة التابعة للأمن العام؛ لتبرير القتل حين وقوعه، فضلاً عن أنها "تحبسهنّ" بذريعة حمايتهنّ من القتل أو العنف.
المفارقة -والحديث ما يزال لداوود- أنَّ حجز رجلٍ لرجلٍ آخر جريمة، في حين أنَّ القانون يشرعن حدّ الرجل من حرية المرأة.
وتؤكد داوود أنَّ المبادرات النسوية تساهم في نشر القضايا وتحويلها إلى قضايا رأي عام، فيما ترى أنَّ وجود الملاجئ الآمنة للنساء والعقوبات الرادعة للجناة، من أساسيات مواجهة التوقيف الإداريّ وإنهائه.
قانون مخالف للدستور
يبيّن المستشار القانوني خلدون السلايطة، لرصيف22، أنَّ القانون الذي يخوّل للحاكم الإداري حجز حرية إنسان من دون الاستناد إلى قرار قضائي، يخالف الدستور. ويلفت إلى ضرورة توفير ضمانات المحاكمة العادلة لكل شخص قد يتم إسناد أي فعل جرمي إليه، وبذلك لا بد من توفير حماية قانونية للجميع.
ويرى السلايطة عدم وجود دورٍ للمحامين أمام الحاكم الإداري، الذي يعمل على تعقيد الأمور حين تدخّلهم.
من جانبها، ترى رئيسة لجنة المرأة وشؤون الأسرة، النائبة ميادة شريم، أن منح الحاكم الإداريّ صلاحيّات السلطتين القضائيّة والتنفيذيّة معاً، إخلال بمبدأ الفصل بين السلطات.
تختتم النائب حديثها إلى رصيف22، قائلةً: "سنعمل جاهدين/ ات على تعديل قانون منع الجرائم بما يتوافق مع حماية المرأة وضمان حريتها".
هل من المنطقي ونحن في العام 2023، أن يعطي القانون الأردني الحق للمحافظ في أن يحبس سيدةً فقط لأنها لا تطيق العيش في منزل زوجها!
يرين الحبس حمايةً
تختلف رئيسة الاتحاد النسائي في العاصمة كلثم مريش، مع النائبة شريم، بتوضيحها لرصيف22، أنَّ التوقيف الإداريَّ حمايةٌ للنساء من التعرّض للقتل، خاصةً مع وجود حوادث سابقة مماثلة قُتلنَ فيها بعد تكفّلهنّ وخروجهن من مراكز الإصلاح والتأهيل أو السجن.
وتتطرق في حديثها إلى متاجرة بعض المنظمات في قضايا معينة، ومن ضمنها قضيّة النساء، قائلةً: "في عاداتنا القديمة كانت النساء بروحن عند شيخ العشيرة وبزوجها مرات علشان يحميها، بقضايا الشرف بشكل أدق".
وترى مريش أنَّ التوقيف الإداري قد يأتي كنوعٍ من العقاب، لافتةً: "أنا ما بدي أعاقب بدي أصلح، هاي غلطة ما بننكر، هاد مجتمعنا".
فيما كشف مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة الداخليّة الأردنيّة طلب عدم الكشف عن هويته، لرصيف22، عن عدم وجود موقوفاتٍ إدارياً من المعرضات للخطر، قائلاً: "النساء المعرّضات للخطر ما بنسجنهم، بنحميهم في دور إيواء". وهُناك تنسيقٌ بين وزارة الداخلية ووزارة التنمية لحماية النساء اللواتي يشعرنَ بالخطر عن طريق إرسالهنَّ إلى الدور التي لا تُعدُّ سجوناً بدورها، وإنما هي ملاجئ لهنَّ.
بديل التوقيف الإداريّ
تقول الرئيسة التنفيذية لمركز عدل، هديل عبد العزيز، إنَّ دور الإيواء لا يجوز أن تكون شكلاً من أشكال السجن، بالإضافة إلى أنَّ الحل الجذريّ يكمن في الحماية وليس في معاقبة الضحيّة.
وتضيف: "من الضروري تحويل أي شخص يقوم بالتهديد إلى المحافظ؛ إذ يجب أن يكون الحزم مع من يهدد وليس من يتم تهديده".
من جانبها، طالبت النائبة ميادة شريم، بإنهاء كل أشكال التوقيف للنساء المعرّضات لمختلف أشكال العنف، والسعي إلى إجراء تعديلات على قانون منع الجرائم بما يتوافق مع معايير الحريات وحقوق الإنسان التي وقّع الأردن عليها.
بين قوانين بالية تجاوزها الزمن، ومجتمع ذكوري يرى المرأة كائناً منقوص الأهلية، تقف المرأة العربية عامةً والأردنية خاصةً، في قلب معاركها المستمرة، لانتزاع حقوقها المسلوبة.
*حاولنا التواصل مع الناطق باسم الأمن العام الأردنيّ عامر السرطاوي، لأخذ تعليقه، غير أننا لم نتلقَّ أيَّ ردّ حتى نشر هذا التحقيق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.