شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
معلمات في الأردن يروين كيف تحكمت المدارسُ الخاصة في حملهنّ

معلمات في الأردن يروين كيف تحكمت المدارسُ الخاصة في حملهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 11 يونيو 202302:32 م
Read in English:

The hushed reality: Pregnancy puts teaching jobs at risk in Jordan

"بكيت كتير لما عرفت بحملي، كنت خايفة ومرعوبة إني أنطرد من الشغل لهاد السبب"؛ بهذه الكلمات تُلخِّص المعلمة نوال تجربتها لرصيف22 خلال عملها بإحدى المدارس الخاصة في الأردن.

قبلَ عامٍ من الآن دفعتها آلام الحمل للتغيّب عن المدرسة، وهو ما وضعها أمام استجوابٍ من لجنة شؤون الموظفين عن أسباب الغياب بالتفصل، وفتشت المديرة في أعذار غيابها، وتواصلت مع الطبيبة التي تزورها المعلمة لتكتشف بأنها حامل، ما جعلها تصرخ بها: "ليش ما حكيتي؟ ممنوع تتعبي! بدك تضلّك تغيبي، ما رح نجدد معك العقد!".

حاولت نوال التوسّل للمديرة لتعفو عن حملها وتجدد عقدها، بسبب حاجتها الماسة لهذا العمل، وبعد توسلات وافقت المديرة على طلبها شريطةَ ألّا تغيب، وألّا تقوم أيُّ معلمةٍ بمساعدتها أو التواجد معها في الفصل نفسه.

الحمل ممنوع

قصة نوال، والتي أكدتها إحدى زميلاتها في المدرسة لنا لم تكن الوحيدة من نوعها، إذ رصدت معدة التحقيق قصص 18 معلمةً في مختلف مدارس الأردن عانين من عدم تجديد عقودهنَّ نتيجة رفضهنَّ إجراء فحص الحمل، أو طُلب منهنَّ القيام بتنظيم الحمل والإنجاب في العطلة الصيفيّة عوضاً عن أوقات الدوام المدرسيّ، أو تم فصلهنَّ بشكلٍ تعسفيّ بعد ظهور آثار الحمل على أجسادهن، فيما تشمل بعض العقود أو نماذج التوظيف سؤالًا يتعلّق بنيتهنَّ بالإنجاب.

 رصدت معدة التحقيق قصص 18 معلمةً في مختلف مدارس الأردن عانين من عدم تجديد عقودهنَّ نتيجة رفضهنَّ إجراء فحص الحمل، أو طُلب منهنَّ القيام بتنظيم الحمل والإنجاب في العطلة الصيفيّة 

ويتوزع 138 ألف معلمٍ ومعلمةٍ في مدارس التعليم الخاص بالأردن، تشكّل الإناث النسبة الأكبر منهم، بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم الأردنيّة، ويتعرضون لانتهاكاتٍ تشمل عدم الحصول على نسخة من عقد العمل والحرمان من الإجازات السنوية، ونصاب حصص التدريس المضاعف، وعدم الاشتراك في الضمان الاجتماعي وتسليم الرواتب باليد، والتي قد لا تجاوز 80 ديناراً شهرياً (113 دولار) وغيرها، بحسب المرصد العماليّ الأردني.

ولهذا ظهرت حملة "قم مع المعلم" عام 2018، لتحصيل الحقوق العمالية لمعلمي ومعلمات المدارس الخاصة، وبشكلٍ خاص المتعلقة بأجورهم وإجازاتهم.

تعميم تنظيم الحمل

طفت معاناة المعلمات والحمل على السطح مجدداً بعد نشر إحدى المدارس الخاصة في البلاد تعميماً في السابع من حزيران/يونيو لهذا العام خاطبت فيه معلماتها بقولها: "بما تقتضيه مصلحة العمل يُرجى الأخذ بعين الاعتبار ضرورةَ تنظيم الحمل بحيث تكون الولادة خلال عطلة الصيف" - تبدأ العطلة الصيفية في حزيران/يونيو، وتستمر حتى نهاية آب/أغسطس، لتعود المدرسة، وتصدر بياناً آخر بعد ردود الفعل الرافضة للبيان الأول، أكدت فيه أنَّ "هذا التعميم لن يتم العمل به".

الناطق باسم وزارة التربيّة والتعليم أحمد المساعفة يرى خلال حديثه مع رصيف22 أنّ التصرّف كان فردياً، وترفضه الوزارة بشكل تام، ولا يتناسب مع فلسفة التربية.

ويقول إنَّ فريقاً من مديريّة التعليم الخاص سيتجهون إلى المدرسة، ويتعاملون مع الموضوع، وبناءً عليه سيتم تحديد كيفية التعامل مع هذا الحدث.

قصة قديمة جديدة

تدخّلُ معظم أصحاب المدارس الخاصة بحمل المعلمات يعد قديماً ومتكرراً بين موظفي التعليم الخاص.

واجهت هنادي، والتي عملت مساعدةً لمديرة المدرسة المشكلة ذاتها عام 2012، حين وقعت عقداً مع إحدى المدارس في نفس يوم الامتحان ومقابلة العمل، لحسن أدائها، غير أنّ إعجاب الإدارة بنشاطها اختلف مع بداية الدوام المدرسي، حين شاهدت المديرة جسدَها، وعرفت أنها حامل. تقول: "صرّخت المديرة فيّ وقعدت تقول وهي بتتفرج ع بطني شو هاد؟! افسخوا عقدها".

بكت بعد ذَلك كثيراً -بحسب تعبيرها- وطلبت من الإدارة أن يأذنوا لها بالعمل، غيرَ أن محاولاتها باءت بالفشل، وتم فصلها من المدرسة. تضيف: "كنت حاملاً بابني الثاني، ابني الأول كان بنفس المدرسة اللي طردتني".

وعام 2009 تنقّلت المعلمة حنان بين ثلاث مدارس خاصة، طرح عليها المدراء السؤال ذاته خلال مقابلتها: "في حمل ولا لا؟". قالت: "كانو بستفزوني بالسؤال، وكنت بترك المقابلة وبطلع".

تؤكد المنسقة العامة لحملة "قم مع المعلم" ناريمان الشواهين بأن القضية ليست جديدة والتجاوز أمر متكرر منذ سنوات، موضحةً بأن هذا تجاوزٌ على الخصوصيّة المتعلقة بالمرأة، والذي يرفضه المجتمع الأردنيّ لما له من امتهانٍ لكرامتها.

وتبدي استغرابها من تصرّفات بعض المدارس في الوقت الذي يُنادَى به لتمكين المرأة ودورها الاقتصاديّ في المجتمع، خاصةً وأن المعلمات يشكلن ما نسبته 80% من العاملات والعاملين في قطاع التعليم الخاص.

شكاوى الحمل

تخشى معظم المعلمات تقديم الشكاوى لوزارة العمل، خوفاً من معرفة الإدارة عن شكاويهنَّ برغم سرّيّتها، فيما ترى أُخرياتٌ بأنه من غير المفيد تقديم الشكوى، فالوزارة لن تقوم بمعاقبة أصحاب المدارس. وقدمَ البعض الآخر شكاوى، غير أنه لم يتم النظر لها حتى الآن، على حدّ وصفهن.

وعن هذا تقول الشواهين بأن المعلمات يلجأن إلى منصة "حماية" التابعة لوزارة العمل؛ من أجل تقديم الشكاوى، ومع ذَلك فقد واجهت العديدات مراقب العمل الذي يُخبرهنَّ بجملة "ما طلع بأيدي شي"، مشيرةً إلى عدم وجود رقابةٍ وآليةٍ محددةٍ من وزارة العمل لتحصيل حقوق العاملات. 

"65% من أصحاب المدارس الخاصة لا يزالون يتعاملون مع المعلمات كفئةٍ مهمشةٍ دون إعطائهنَّ حقوقَهنَّ، ومعاملتهنَّ مثل العبيد".

وتنوه على أنَّ 65% من أصحاب المدارس الخاصة لا يزالون يتعاملون مع المعلمات كفئةٍ مهمشةٍ دون إعطائهنَّ حقوقَهنَّ، ومعاملتهنَّ مثل "العبيد"، قائلةً: "تلتزم المعلمات بالصمت خلال فترة تجديد العقود محافظةً على حقوقهنَّ العُماليّة".

فيما بدأت شكاوى المطالبة بفحص الحمل تصل للحملة مطلع عام 2019، مع اعتراض أصحاب المدارس على الإنجاب، واعتباره تعطيلاً للعمليّة التعليميّة، مشيرةً إلى: "لو كان هناك دورٌ للنقابة العامة للعاملين في القطاع الخاص لما اضطررنا للظهور كحملة".

من جانبه يقول نقيب أصحاب المدارس الخاصة إنّه لا يجوز لأي شخص أن يحدّ من حرية الشخص الآخر، وما قامت به المدرسة غير مقبول، مضيفاً أنَّ التعميم على المعلمات بتنظيم فترات الحمل مُخالف إلا أنَّ المدارس تلجأ إلى اتخاذ هذا القرار نتيجةَ الإرباك الذي يتسبب به غياب معلمات بعض المواد الأساسيّة للطلاب.

في حين يوضح رئيس لجنة المعلمين في النقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص لؤي الرمحي بأن دور النقابة يقوم على تحويل الشكاوى التي تصلهم إلى أصحاب الاختصاص في وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل، ويندرج تصرّف المدارس تحت الإتجار بالبشر.

ويلفت إلى تعامل النقابة مع الانتهاك الذي يصلها، إلا أنَّ العديد من المعلمات، وبنسبةٍ تصل إلى 90%، ما زلن يتبعن ثقافةَ الخوف التي تُقيّدهن، مشدداً على أنَّ "أي شيء بوصلنا بنتعامل معه".

منع من الأمومة

تحلم فاتن بالأمومة منذ سنتين في محاولاتٍ متكررةٍ لإنجاب طفل أنابيب، وهو السرّ الذي تُخفيه على المدرسة التي تعمل بها. تقول: "حكالي المدير شفهي لا يفضل الحمل في أثناء الدوام".

وتضيف أن خجلها هو ما يمنعها من تقديم شكوى بعد سؤالها في إحدى المُقابلات عن الحمل، قائلةً: "أي مدرسة بحكيلها إنه أنا بعمل عملية أطفال أنابيب بتخوفوا، أو يعرفوا أنه لسا عروس ولسا ما خلّفت".

وعن هذا يقول الخبير القانونيّ حمادة أبو نجمة إنَّه لا توجد قيودٌ على المرأة في ما يتعلّق بالحمل، لذا فإن هذا تدخلٌ مخالفٌ للقانون، وتمييزٌ بحقها في العمل؛ إذ إنها قد تُفصَل أو يتم التضييق عليها لو حملت في أوقاتٍ لم تحددها المدرسة وهذا بحد ذاته تضييق.

ويتابع بأن أُجور المعلمات مدفوعةٌ من قِبل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي عند الولادة، وحين يكنَّ مجازات فهناك إمكانيّةٌ لتعيين بديلات، قائلاً:  "الإجازات حق للعاملة".

ويضيف أبو نجمة بأن بإمكان المعلمة أن تقدم الشكوى لوزارة العمل أو لمديرية التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم مع وجود السريّة في التعامل مع الشكاوى، منوهاً: "من واجب الوزارة التدخل في حال وصول المعلومة لها حتى لو لم تصلها أي شكاوى".

وفي السياق ذاته يبين ناشر موقع الراصد النقابي لعمال الأردن، حاتم قطيش، خلال حديثه معنا أنَّ غياب النقابات والتقصير في دور وزارة التربية والتعليم ومديرية التفتيش في وزارة العمل دفع المدرسة لأخذ خطوة متقدمة في الانتهاك عن طريق إصدار تعميم كتابي. ويشير إلى أن انشغال النقابات بأمور أقل أهمية أضعف موقف معلمي ومعلمات المدارس الخاصة، وزاد من شوكة أصحاب المدارس، قائلاً: "نجد غياباً كبيراً لمعلمات القطاع الخاص عن ممارسة حقهن النقابي في الترشح أو حتى انتخاب ممثليهن في النقابة".

ويلفت قطيش إلى أن أولى خطوات الحل تكمن في استعادة معلمي ومعلمات القطاع الخاص لنقابتهم وممارسة حقهم في انتخاب ممثليهم، وتفعيل الدور الحقيقي للنقابة في حمايتهم والدفاع عن حقوقهم.

الحمل والمال

تقول منسقة حملة "قم مع المعلم" ناريمان الشواهين بأن العديد من أصحاب المدارس الخاصة يتمسكون بالظروف الاقتصاديّة في سبيل جني الربح على حساب المعلمات والعاملين فيها، وهو ما يساهم بانتشار انتهاكاتٍ مثل تقييد الحمل أو طلب فحصه.

وينفي نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني التهمةَ الموجهة لهم بالركض خلف المال قائلاً بإن المدارس عبارةٌ عن مشاريع ربحيّة عليها التزامات ماليّة لكافة الجهات الحكوميّة، وأجور تأمين ماء وكهرباء، وترخيص حافلات، والضمان الاجتماعي وغراماته، وضريبة الدخل وغراماتها.

تخشى معظم المعلمات تقديم الشكاوى لوزارة العمل، خوفاً من معرفة الإدارة عن شكاويهنَّ برغم سرّيّتها، فيما ترى أُخرياتٌ بأنه من غير المفيد تقديم الشكوى، فالوزارة لن تقوم بمعاقبة أصحاب المدارس

ويلفت إلى أنه ليس من العيب أن يكون هناك ربح في أي مدرسة خاصة، لأن هذا استثمار في مشروع تعليمي، كما أنها مشاريع حماها القانون وحمتها التعليمات.

هذا وقد نقلت وسائل إعلامٍ محليّة عن مديرة التعليم الخاص في الوزارة ريما زريقات تأكيدها رفضَ الكتاب الذي وجهته إحدى المدارس الخاصة للمعلمات، قائلةً: "كان بالإمكان مثلاً الاجتماع مع المعلمات والحديث بالشأن دون كتاب رسمي إذا كان الهدف عدم التأثير على العملية التعليمية".

ويظل وضع معلمات ومعلمي القطاع الخاص في الأردن معلقاً بين ثلاث جهاتٍ رسميّة: وزارة العمل، ووزراة التربيّة والتعليم، والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، إذ تحتوي المملكة على 3200 مدرسة خاصة تعيش المعلمات في معظمها ضغوطاً تتعلّق بحملهنّ وأجسادهنّ منذ سنوات دونَ سماع أي ردٍّ للجهات المعنيّة الأردنيّة أو فرض عقوباتٍ على هذه المدارس.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard