شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أنا الملحدة الماركسية آمنت أحياناً بوجود الله في اليمن… مذكرات كلودي فايان

أنا الملحدة الماركسية آمنت أحياناً بوجود الله في اليمن… مذكرات كلودي فايان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء نحن والتاريخ

الأحد 13 أغسطس 202303:15 م

كلودي فايان، اسم ذهبي في ذاكرة التاريخ اليمني الحديث؛ هي تلك الطبيبة الفرنسية والباحثة في أصول السلالات البشرية التي تركت وطنها في العام الأول من خمسينيات القرن الماضي، لتأتي كطبيبة إلى بلاد اليمن السعيد، الذي لم يكن سعيداً في ذلك الوقت؛ حيث الفقر والجوع والأمراض المستوطنة، التي أودت بحياة مئات الأطفال والنساء، وسط انعدام الرعاية الصحية وندرة الأطباء والمستشفيات والأدوية.

واقع كان قاسياً، وكانت كلودي هي الطبيبة الوحيدة في اليمن آنذاك، سبقها عدة أطباء فرنسيين وإيطاليين، لكنها وحدها استطاعت أن تحتل مكانة غالية في قلوب اليمنيين واليمنيات على وجه الخصوص، ذلك لأن كلودي فايان (1912-2002)، كانت ذاتاً إنسانية كبيرة، هي التي انغمست بكامل قوتها وسط حياة أبناء البلد الذي حصلت على جنسيته في ما بعد، عام 1990. وبهذا الانصهار والاندماج الروحي، وصلت كلودي إلى حقيقة الإنسان اليمني، إلى أصالته، وخصوصيته، وروحه الحره، وكبريائه، حتى أنها وصفته بكونه "الأكثر موهبة وجاذبية في العالم الإسلامي، لأنه الأقرب إلى أصوله".

أروع ما توصلت إليه كلودي خلال رحلتها العجيبة في بلاد اليمن، هي فلسفة الإنسان اليمني في الحياة، التي هي على النقيض تماماً من الإنسان الغربي، وقد لمست الطبيبة الفرنسية أن هذا الفارق يكمن في الإيمان 

هذا الواقع القاسي الذي عاشته كلودي في بلاد اليمن، كان يُبدده غناء الحادي، والرعاة، والدفء الذي يسكن الإنسان اليمني، وزهده وتحرره إلى حد بعيد من المظاهر الخداعة، وكذلك التحضر الكامن في أعماقه، فهو ابن حضارة عريقة ممتدة إلى آلاف السنين. ذلك الإنسان هو ما كان يشغل الطبيبة الأربعينية، التي جاءت إلى اليمن، تاركة زوجها بعد أن أنقذته من المشنقة- حيث حكم عليه الألمان بالإعدام-، وأطفالها الذين تركتهم لدى إحدى قريباتها، لتُحقق حلمها بالتنقل في بلاد العرب والشرق.

في كانون الثاني/يناير من عام 1951 وصلت كلودي إلى عدن، ومنها إلى تعز، ثم إلى صنعاء، التي عاشت فيها ما يقرب من ثمانية عشر شهراً، قبل أن تأتي إليها مرات متتالية في الستينيات والسبعينيات، فقد أصبحت اليمن على حد قولها "في أعماقها بجبالها الخضراء، وسهولها ووديانها. لقد حفظتُ الطرق الوعرة عن ظهر قلب. حتى أنني منحت لكل صخرة اسماً. أما شروق شمس صنعاء وسماؤها الوردية، فهما الصورتان اللتان، تدفعانني تجاه الحياة بحب. إنهما الجمال في أوج صوره".

بعد وصولها إلي اليمن أدركت كلودي أن ما كانت تتوق إليه هو العيش في عالم مغاير عن ذلك العالم الغربي الذي تكسوه الخضرة الزاهية، وتتمتع شوارعه بالنظافة، وإيقاع حياته بالنظام الصارم. كانت ذلك بالنسبة لكلودي حياة معقمة خالية من الروح الحية، التي التمستها في أثناء جولاتها على ظهر حصانها "حجاب" بصحبة بعض الشخصيات العربية مثل: عبد الله وحفظ الله، وعبده المترجم. فالطبيبة الفرنسية، تحت تأثير السكون والإيقاع الهادئ للطبيعة، كانت سريعاً ما تدخل في عالم الأحلام وألف ليلة وليلة.

تقول في كتابها "كنتُ طبيبة في اليمن" الذي وثقت فيه وقائع رحلتها، وتُرجم إلى عدة لغات كانت آخرها العربية: "وكأنني دخلت العهد القديم أو قصص ألف ليلة وليلة. مرة شاهدنا شيخاً طاعناً في السن، كأنه خارج من أحد الأسفار القديمة المقدسة. إنه يقود قطيعاً من الماعز والأغنام السوداء، العصا في وضع أفقي على كتفيه، وقد تدلت منها ذراعاه في تراخٍ؛ إنه وضع عادي في اليمن. فالجنود يحملون بنادقهم على هذه الطريقة، غير أن هذا الشيخ لم يُشرفنا بأقل نظرة أو التفاتة".

على بعد عدة خطوات من هذا الشيخ المسن، التقت كلودي براعي بقر صغير رأته وكأنه القديس يوحنا المعمدان، كان يسوق أبقاره إلى الوادي ليسقيها، وكان هذا الراعي الصغير يُمسك في يده زهرةً خضراء غريبة كالسنبلة، تفوح منها رائحة زكية، وعندما ناداه صديقها ومترجمها، تقدم منها وقدم لها زهرته وهو يبتسم.

هذا التصرف البسيط من جانب الفتى الصغير قد أسر قلب الطبيبة الفرنسية، وأدخلها في حالة من التأمل العميق في هذه الأرواح الإنسانية، التي تتمتع بكبرياء وأنفه وإباء، فبين الشيخ والراعي الصغير، كان هناك الحداد، الذي يجلس شارداً في محله المتواضع، دخلت كلودي، لتتجول في محل الرجل، وبعد أن انتهت، فتح لها الباب وأشار بيده بمنتهى البساطة لتخرج.

هذا الفعل من جانب الحداد، وضع كلودي في مأزق: "يا له من إنسان متحضر. من وجهة نظر غربية، ربما يُنظر إلى هذا الإنسان بشكل سطحي على أنه بربري أو همجي. وهذه هي الروح الغربية الاستعلائية التي تنظر بفوقية إلى إنسان الشرق. أما إذا تأملنا الموقف بصدق، فسأكون أنا الهمجية والغير متحضرة؛ لقد اقتحمت مكان الرجل بدون استئذان وكان عليه أن يُنهي هذا الأمر".

وصلت كلودي إلى حقيقة الإنسان اليمني، إلى أصالته، وخصوصيته، وروحه الحره، وكبريائه، حتى أنها وصفته بكونه "الأكثر موهبة وجاذبية في العالم الإسلامي، لأنه الأقرب إلى أصوله".

بعد هذه الجولات الشاعرية وسط جبال وهضاب وأودية تعز، كانت كلودي على موعد مع أكثر المشاهد قسوة؛ لقد حان وقت ذهابها إلى المستشفى وهناك كادت أن تسقط أرضاً من فرط الصدمة. في المستشفى رأت الطبيبة أجساماً هزيلة شبه عارية، مشرفة على الموت، حين شاهدوها، تحركوا إليها، وارتفعت أصواتهم تتوسل وتتضرع بحرقة وألم.

كانت كلودي شعاعاً من الأمل، تشبثوا به ربما ينقذهم من موت محقق. أما جناح النساء فكان أكثر بؤساً: "حجرات منخفضة لا نوافذ لها، زرائب بكل معنى الكلمة تمددت فيها النساء الواحدة بجوار الأخرى على أرض قذرة ومع الكثير من أطفالهن. لقد قرأت كما قرأ الناس أوصاف معسكرات الإبادة والتعذيب. ولكني هنا رأيت بأم عيني امرأة تحتضر وهي تقضي حاجتها، رأيتها تنهض وتستند على كوعها وتناولني طفلها المبلل وهي في النفس الأخير تتضرع وتتسول".

لم تتحمل كلودي أن تعمل في هذا المستشفى الذي لم يكن أقل من "معسكرات الإبادة"، كما أنها كانت مكلفة بالعمل في مستشفى صنعاء، لكن مشاهد النساء على وجه التحديد كانت الأكثر قسوة وحزناً، بل كانت جحيمية بالنسبة للطبيبة الفرنسية.

كانت الطبيعة في اليمن، دائماً ما تُخفف من قسوة الواقع لدى كلودي. ها هي "زبيد" المدينة اليمنية العريقة، تأسر الطبيبة الفرنسية بحب عنيف لم تستطع مقاومته، فتصر على البقاء بها عدة أيام قبل الوصول إلى صنعاء. بدت زبيد لفايان، كمدينة من مدن القرون الوسطى بأسوارها العالية، وقلاعها، وأبوابها الحصينة المنيعة، كما أن الحياة كانت تجري في كل شيء فيها، بخلاف تعز التي أصبحت أطلالاً.

أما مشهد الغروب فكان له وقع خاص على كلودي: "وكل من يعرف اليمن، لا بد أن يكون شاعراً حين يتحدث عن الغروب. فالغروب هنا أكثر روعة وجمالاً منه في أي مكان آخر، فالسماء بعد الغروب بعشرين دقيقة، تكتسي بلون وردي صارخ لم أشاهده في أي بقعة أخرى من الأرض".

كانت صنعاء بالنسبة لكلودي، هي الفتنة بعينها، بعماراتها الشاهقة، نوافذها المزخرفة بالزجاج الملون، كما أنها مدينة آمنة، يستطيع المرء أن يتجول فيها دون أي إحساس بالخطر، حيث السيارات قليلة، ووسائل النقل المعتادة هي الجِمال والبغال والخيول العربية. ولعل أكثر ما فتن كلودي فايان في صنعاء، هو خلوّها من أي أثر للحضارة والمدنية الغربية، فيد الإنسان الغربي ليس لها أي أثر في العمران أو في أسلوب الحياة، ورغم ذلك تسير الحياة بهدوء وخفة، دون عقبات حقيقية.

ولم يكن ذلك الأمر خاصاً بصنعاء وحدها، ففي كل البلدان اليمنية كانت الأصالة العربية والإسلامية هي الأكثر رسوخاً، ربما لم يكن هناك نظام صارم كالغرب، لكنها الروح العربية الهائمة في جميع المدن والقرى. إنها هائمة وسارحة في الوجود. وكذلك روح الإنسان اليمني الذي يعيش حياته برتابة وهدوء، وهو يمضغ نبات القات، الذي يُدخله في حالة من النشوة والتجلي والسعادة، تفصله عن واقعه، وتجعله في حالة عارمة من التوحد مع الذات.

هذه هي الذات اليمنية الحقيقية التي وصلت كلودي إلى أعماقها برغم الواقع البائس التي كانت تعيش فيه في ذلك الوقت في ظل نظام إقطاعي، حيث كانت اليمن من الناحية السياسية، مملكةً إقطاعية، يحكمها الملك أحمد بن يحيى بعد اغتيال والده. وكان ثمة نظام طبقي حاكم، انعكست سلبياته على كافة أمور الحياة.

كلودي على سبيل المثال، التي قضت حياتها في صنعاء كطبيبة، كانت تقوم بعملها وفقاً لهذا النظام الطبقي، فكانت تُصدر لها الأوامر بأن علاج الأمراء والوزراء وأبناء الأسرة المالكة في المقدمة دائماً، وبعد ذلك يأتي الأغنياء والتجار، ثم عامة الشعب. فثمة تراتبية طبقية كانت تحكم كل شيء آنذاك، إلا أن كلودي لم تكن تخضع للأوامر بشكل كامل، فحين تسلمت عملها في مستشفى صنعاء، وأصبح لها بيت مستقل، أخبرت حراسَها، بأن هذا البيت الذي هو بمثابة عيادة، مفتوح بالأساس لعلاج الفقراء، وأمرتهم ألا يأخذوا منهم مالاً مقابل الكشف.

كانت حياة كلودي في صنعاء مزيجاً من الشقاء والبهجة؛ ففي المستشفى كانت تقوم بمحاولات مضنية من أجل إنقاذ المرضى، في ظل انعدام المعدات الطبية، والأدوية، وكذلك كانت تقضي الكثير من أيامها متنقلة بين البيوت، لعلاج بعض الحالات الخطيرة، أما السعادة الحقيقية التي كانت تشعر بها، فتتحقق عندما تقوم بجولاتها على ظهر حصانها "حجاب" متنقلة بين القرى والمدن، وفي أيام أخرى كانت تقضيها مع الأطفال، تعلمهم الرّسم، وتستحث ذائقتهم الفنية.

كانت كلودي تريد أن تعرف تأثير الفنون الغربية على الشرقيين، فكانت تعرض على أصدقائها من اليمنيين بعض القطع الفنية واللوحات التي جاءت بها من باريس، وكذلك كانت تُشغل لهم المقطوعات الموسيقية، وقد توصلت إلى أن اليمنيين يحبون "فن الزنوج، الفن الحديث، فنون مصر، والصين والهند. كل هذه الفنون هزتهم، أما الفن الكلاسيكي القديم فقد قوبل بدون اكتراث. كما أحبوا موسيقى شوبان، وليزت والموسيقيين الروس".

"لقد آمنتُ في اليمن في وقت من الأوقات بوجود الله، وقد أحببتُ بلداً إقطاعياً يعيش في القرون الوسطى وأنا ملحدة وماركسية دائماً".

وكثيراً ما كانت كلودي، تفتح النافذة وترفع صوت الموسيقى حتى يسمعها من بالشارع، وكانت تراقب انعكاسات ذلك على الناس، فتراهم وهم منسجمون مع مقطوعتهم الأثيرة "الغلام الساحر"، وتحكي هنا عن مشهد فاتن لأحد الشيوخ الطاعنين في السن الذي ظل مستنداً إلى الحائط تحت نافذتها، ليستمع إلى أحدى المقطوعات: "لقد رأيت رجلاً مسناً يستند بظهره إلى الحائط ويتوكأ بعصاه ويظل واقفاً لا يغادر المكان إلا بأسف شديد... عند آخر رعشة من سيمفونية سيزار فرانك".

حين نتطرق إلى رؤية كلودي فايان لوضع المرأة اليمنية، هل علينا أن نحذر من عدوى "العيون الاستشراقية"، التي عادة ما تُصور المرأة العربية ذليلةً ومهانة وكأنها تعيش في القرون الوسطى؟ ثمة حيرة هنا؛ ففي الأجزاء التي تحدثت فيها كلودي عن المرأة، ربما لم تخف نظرتها الاستشراقية، لكنها لم تكن حادة، وبالأحرى سامة، كغيرها من الكتابات الاستشراقية التي تناولت وضع المرأة في بلاد الشرق والعرب.

الأمر الآخر، أن وضع النساء في اليمن في ذلك الوقت، كان مؤسفاً وحزيناً؛ فزواج القاصرات كان هو القاعدة الثابتة، تتزوج الفتاة في أحيان كثيرة قبل البلوغ، فيصبح جسدها الضعيف ملجأ لكافة أنواع الأمراض، وتحديداً السل الذي راحت ضحيته مئات النساء، وهناك من كن يمتن أثناء الولادة، ومن بينهن المرأة التي أتوا بها إلى المستشفى وكان بينها وبين الموت عدة أنفاس، وحين سألتها كلودي عن عمرها قالت لها: "لا أعرف كم عمري... إننا نعيش في القرية كما تعيش البقر... إننا لا نعرف حتى أعمارنا".

كما أن تعليم النساء كان محرماً، فالملك كان يُحرم ذلك، وكذلك الرجال، الذين كانوا يرون أن المرأة إذا تعلمت تصبح ذات خطورة. أما الأطفال فكان وضعهم يُدمي القلوب، فهناك 40% منهم كانوا يموتون قبل أن يمر عليهم عام واحد، و50% يموتون قبل سن العاشرة. لكن وسط هذه الحالات المأساوية، أوردت كلودي مشاهد مبهجة للنساء اليمنيات وهن جالسات في المجالس الخاصة بهن في المناسبات والأفراح، فتقول إن النساء اليمنيات ذوات جمال خاص ومبهر، وأجسام لينة ومثيرة، ولديهن اهتمام كبير بالزينة والمجوهرات، ويفضلن وضع الزهور على رؤوسهن، ويرقصن في غنج وإثارة، وبعضهن يمضغن القات مثل الرجال.

وأوردت كلودي هنا بعض الأحاديث التي دارات بينها وبين اليمنيات، حيث قالت في كتابها إن النساء العربيات كن دائماً ما يسألنها عن أطفالها وزوجها، وعما إن كان الأطفال يموتون في بلادها مثل ما يموتون هنا، وذكرت الطبيبة أن كانت السيدة قد مات لها سبعة عشر طفلاً.

بعد وصولها إلي اليمن أدركت كلودي أن ما كانت تتوق إليه، هو العيش في عالم مغاير عن ذلك العالم الغربي الذي تكسوه الخضرة الزاهية، وتتمتع شوارعه بالنظافة، وإيقاع حياته بالنظام الصارم

وباستغراب تقول كلودي: "بعد كل النشاط الذي أبذله هنا كطبيبة، إلا أن ذلك لم يرفع من قيمتي في نظر النساء العربيات. فهو لا يعني أي شيء لهن"، وربما كان ذلك سبباً في استفزاز الطبيبة التي أعقبت ذلك بوصفها لليمنيات بأنهن مجرد سلعة أو لعبة لتسلية الرجال العرب.

أروع ما توصلت إليه كلودي خلال رحلتها العجيبة في بلاد اليمن، هي فلسفة الإنسان اليمني في الحياة، التي هي على النقيض تماماً من الإنسان الغربي، وقد لمست الطبيبة الفرنسية أن هذا الفارق يكمن في الإيمان الذي يتمتع به الإنسان العربي عموماً، وتورد هنا مجموعة من المواقف التي أسرتها، بل جعلتها كما تقول نصاً: "لقد آمنت في اليمن في وقت من الأوقات بوجود الله، وقد أحببتُ بلداً إقطاعياً يعيش في القرون الوسطى وأنا ملحدة وماركسية دائما".

ومن بين هذه المواقف التي حفرت عميقاً في كلودي، هو ما حدث معها أثناء شهر رمضان، حيث كان اليمنيون لا يتناولون إفطارهم بدونها رغم أنهم يعرفون أنها مسيحية، ولكنهم كانوا يصرون على اقتسام الطعام معها. موقف آخر جعلها تبكي تأثراً، حين كانت تعالج إحدى المريضات، وكان ثمة رجل فقير يتتبعها، فظل جالساً أمام بيته حتى انتهت من عملها ليقول لها: لن أتناول طعامي بدونك.

بعد عام وعدة أشهر، غادرت الطبيبة الفرنسية كلودي فايان بلاد اليمن وهي تقول: "إن مغادرة اليمن أمرٌ مؤلم، وفي حالات كهذه وبناءً على قاعدة دقيقة منذ زمان قديم، تظلم الدنيا في عيني، ولكن ذكريات معينة تأبى، مع ذلك، إلا أن تشق طريقها وتظهر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard