في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر زار السودان كثير من الرحالة الأوروبيين، وذلك لأسباب متباينة، منها سياسية وأخرى اقتصادية، وفي أثناء إقامتهم دوّنوا مشاهداتهم الغرائبية حول عادات السكان وتقاليدهم.
جيمس بروس: الإنكشارية عديمو الذمة والتكارنة أكثر تمدناً
أحد هؤلاء هو الرحالة الإسكتلندي جيمس بروس، والذي لم يُوفق في دراسة القانون بجامعة أدنبرة، وقرر أن يبدأ حياة المغامرة والسياحة خارج بلاده، فبدأ بأوروبا، ثم سوريا ومصر والحبشة، إضافة إلى السودان التي زارها عام 1772، حسب ما روى الدكتور نسيم مقار في كتابه "الرحالة الأجانب في السودان" (1730 – 1851).
دوّن بروس مشاهداته عن السودان في كتاب من سبعة أجزاء صدر عام 1804 بعنوان "رحلات لاكتشاف منابع النيل"، تحدث فيه عن مملكة سنار، وذكر أن ملكها يمتد نفوذه على مناطق تقع على جانبي النيل الأزرق حيث يُستخرج الذهب، ويحكمها شيوخ يختارهم الملك أو وزيره، وهم أقرباء الملك أو الشخصيات الكبيرة في بلاطه، ويسمون "الفونج".
زار كثير من الرحالة الأوروبيين السودانَ، منهم الرحالة الإنكليزي وليم جورج برون مصر، وهناك قرر السفر إلى سنار بشرق السودان ومنها إلى الحبشة، آملاً في تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول علمي يتمثل في التحقق من أن النيل الأزرق هو نهر النيل الحقيقي، والثاني مالي صرف
وخلال رحلته، مرّ بروس على مدينة الدر شمال السودان، ووصف سوء معاملة الإنكشارية (قوات عثمانية) للقوافل التي تمر بهذه البلاد الواقعة تحت سطوتهم بقوله: "إن الإنكشارية الذين في الدر عديمو الذمة ودائماً يسرقون القوافل التي تحمل إليهم السماق والعبيد".
وقارن بين أخلاق هؤلاء الإنكشارية وأخلاق قبائل الكنوز المجاورين لهم: "وأما الكنوز الذين يقطنون على جانبي النهر فهم أكثر ثقة وشرفاً في معاملاتهم. وهنا تلجأ القوافل إذا كانت تخشى أن تعامل معاملة سيئة في الدر وإبريم".
لكنه أبدى إعجاباً أكثر بقبائل التكارنة الذين يعيشون في دارفور، ووصف ميولهم وخصالهم ومدى تمدنهم إذا ما قورنوا بشعوب السودان الأخرى: "يميلون للتجول أكثر من أي شعب آخر، لذلك فهم منتشرون في إفريقيا وآسيا ويعرفون بعض القراءة، وهم من المسلمين المتشددين، والفقراء منهم يقومون وهم في طريقهم إلى مكة لأداء فريضة الحج بكتابة التعاويذ التي تحمي الإنسان من الحسد والخوف، وتجعله موفقاً في حجه، ولا تؤثر فيه الأعيرة النارية (في إشارة إلى هجوم قُطاع الطرق على القوافل)".
وليم جورج برون… العداء بين دارفور وكردفان
بعد عشرين عاماً من زيارة بروس، زار الرحالة الإنكليزي وليم جورج برون مصرَ، وهناك قرر السفر إلى سنار بشرق السودان ومنها إلى الحبشة، آملاً في تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول علمي يتمثل في التحقق من أن النيل الأزرق هو نهر النيل الحقيقي، والثاني مالي صرف، فقد سمع بغنى هذه البلاد بالذهب والرقيق، فضلاً عن النباتات ذات القيمة الطبية، فتولدت داخله الرغبة في تكوين ثروة منها، كما روى نسيم مقار في كتابه سالف الذكر.
وصل برون دارفور في شتاء 1793، وأخذ يستغل خبرته الطبية، وما كان يحمله من أدوية وعقاقير في اكتساب صداقة الشخصيات البارزة، ليعينوه على التقرب من السلطان والتوسط لديه في تحقيق رغبته. بيد أن وساطة هؤلاء لم تجد نفعاً، إذ رفض السلطان السماح له بالرحيل إلى كردفان لاستكمال رحلته، بحجة أن جنوده لا يزالون يحاربون في هذه البلاد لإخضاعها لنفوذه، وأن دخوله كردفان في مثل هذه الظروف سيعرضه للخطر.
يئس برون من رجائه، وفقد الأمل في السفر إلى سنار والحبشة، فرجع من حيث أتى، ولكن بعد أن ظل في دارفور قرابة ثلاث سنوات استطاع خلالها أن يجمع كثيراً من المعلومات والحقائق عن هذا الإقليم.
اكتسبت رحلة برون أهمية كبيرة للراغبين في دراسة أحوال هذا الإقليم في أواخر القرن الثامن عشر، فلم يسبق لأحد من الأوربيين زيارته أو الكتابة عنه بشكل مستفيض كما فعل الرحالة الإنكليزي. ويرجع مقار ذلك إلى أن سلاطين دارفور ذلك الوقت كانوا حريصين على استقلال بلادهم، ولم يسمحوا لأحد من الأجانب، وخاصة الأوربيين المسيحيين، بالسياحة بها، خشية أن يتجسسوا عليها تمهيداً لغزوها واحتلالها.
يُضاف إلى ذلك نظرة المواطنين التقليدية وقتذاك إلى الغرباء من ذوي البشرة البيضاء، باعتبارهم قوماً مرضى يحملون أمراضاً خبيثة، وأن بشرتهم البيضاء غير المألوفة بين سكان هذه الجهات دليل على ذلك، ومن ثم كان الخير في الابتعاد عنهم وعدم الاختلاط بهم.
على كلٍ، جمع برون مشاهداته في كتاب نُشر في لندن عام 1799 تحت عنوان "رحلات في إفريقيا. مصر وسوريا في العام 1792 إلى 1799"، تحدث فيه عن سكان دارفور وحرفهم وطرائق معيشتهم، لكنه أسهب عن العلاقات العدائية بين دارفور وكردفان والتي أرجعها إلى التجاور: "فكردفان تقع على الطريق بين دارفور وسنار، وهو طريق هام، ولا تستطيع القافلة القادمة من سواكن (على البحر الأحمر) أن تتابع سيرها إلى دارفور دون تصريح من حكام كردفان. كذلك فإن الحسد والتنافس في مضمار التجارة هو أصل العداء بين الشقيقتين".
تحدث برون أيضاً عن مكانة سلطان دارفور في تجارة بلاده، فذكر أنه "أكبر تاجر في البلاد، وهو لا يكتفي بأن يرسل مع كل قافلة ذاهبة إلى مصر كميات كبيرة من بضائعه، بل يستخدم عبيده ورجاله للتجارة في البضائع المصرية لحسابه في الأقاليم المجاورة للسودان"، ومن حقه أن يأخذ عُشر البضاعة التي تأتي أيضاً من جميع الجهات الأخرى غير مصر وخاصة الرقيق.
غير أن أكثر ما لفت انتباه برون تلك الموارد الضريبية التي يدفعها العرب ممن يقومون بتربية الماشية والإبل والخيل والضأن للسلطان؛ فأولئك الذين يقومون بتربية الخيل عليهم أن يقدموا له كل ما تلده هذه الخيل من ذكور، وإن كان غالباً ما يتحايلون على عدم دفعها. وحدث أن أهمل العرب دفع هذه الضريبة لمدة سنتين (أثناء زيارة برون)، فأرسل إليهم السلطان قواته التي استولت على كل ما امتدت إليه أيديهم، فبلغ عدد الثيران التي استولوا عليها 12 ألف ثور.
جورج وادنجتون... الشايقية وتقاليد القتال
أما الرحالة الإنكليزي جورج وادنجتون فزار السودان مع صديقه برنادر هنبري (1820 – 1821)، وتزامن ذلك مع بدء حملة إسماعيل بن محمد علي باشا إلى السودان، فرافقاها من الأراضي المصرية باعتبار أن ذلك سيتيح لهما فرصة أكبر للتجول في عدد من الأقاليم.
سجل وادنجتون وهنبري مشاهداتهما ودراساتهما المختلفة في هذه الأقاليم، ونشره وادنجتون في كتاب صدر في لندن عام 1822 تحت عنوان "مجلة زيارة من لندن إلى أجزاء من إثيوبيا عام 1823".
ولم يهتم الرحالة الإنكليزي وصديقه بشيء قدر اهتمامهما بالنزعة القتالية غير العادية لأهالي إقليم الشايقية في الشمال السوداني؛ فمن واقع مشاهدته لقتالهم ضد حملة إسماعيل بن محمد علي في السودان ذكر "إن الشايقية لا يتهيبون الهجوم على أعدائهم على نحو يدعو إلى الدهشة، فهم يسارعون لمنازلة عدوهم وجهاً لوجه بروح من الاستخفاف وعدم المبالاة، وبقلب منشرح كأنهم ذاهبون إلى احتفال أو مهرجان، أو تحت تأثير الإحساس بالسرور كأنهم قادمون على ملاقاة أصدقاء قدامى افترقوا عنهم منذ أمد طويل".
جال الألماني فرديناند فرن بين القبائل السودانية، لكن ما لفت انتباهه أكثر هو عادات وتقاليد قبائل الشلك والدينكا التي تسكن في الجزء الجنوبي من السودان، فهم لا يملكون خيولاً أو إبلاً، وإنما يملكون فقط البقر والضأن.
وذكر تقاليدهم في الحرب بقوله٬: "وعند النزول إلى أرض المعركة يعطون تحية السلام عليكم: سلام الموت التي يعقبها على الفور أن يقبض كل واحد على رمحه ويوجه به طعنات قاتلة، ويستقبل أخرى مع كلمات الحب التي تخرج من الشفاه".
وبحسب وادنجتون، فإن هذا الازدراء بالحياة والاستخفاف بأكثر الأمور فزعاً، إنما هي اعتبارات خاصة بهم، "فهم الشعب الوحيد الذي ينظر إلى الأسلحة وكأنها أدوات لهو ولعب، وإلى الحرب وكأنها لون من ألوان الرياضة، لا ينشدون من رائها سوى مجرد التسلية. ولا يخشون في الموت شيئاً، بل يجدون فيه الراحة".
الأكثر من ذلك، أن نساء الشايقية يشاركن الرجال في الحرب بروح عالية، بل إن إشارة البدء بالهجوم عندهم تعطيها فتاة عذراء تلبس لباساً فاخراً وتمتطي هجيناً، ويحافظ الجميع على عفتها وطهرها بما في ذلك الأعداء". والإشارة التي تعطيها الفتاة ببدء الهجوم هي "ليللي–لليلي–لولو" وتكرر باستمرار، وهذه الألفاظ ذاتها تعبر بها النساء عادة عن شعورهن بالبهجة والسرور في الولائم والأفراح.
ومهما يكن من أمر فقد عجز إسماعيل بعد السيطرة على الشايقية من القضاء على نزعتهم الحربية، وذلك بعد محاولات يائسة قام بها لتحويلهم من شعب محارب إلى شعب مزارع يفلح الأرض، وأخيراً رأى هذا القائد وبعد أن أذهلته شجاعتهم النادرة في محاربة قواته، أن من الحكمة أن يستغل هذه النزعة في خدمة أغراضه العسكرية لإتمام فتح السودان، فألحق الكثيرين من فرسانهم بجيش الحملة.
جون لويس بوركهارت… أسطورة أكل العبيد وحشرة "البرغوث"
بتكليف من الجمعية الإفريقية بلندن، بدأ الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت رحلته إلى الشرق عام 1809، فسافر إلى عدة بلدان عربية حتى وصل النوبة والسودان (1813–1814)، ودوّن مشاهداته في كتابه "رحلات في النوبة"، وترجمه إلى العربية فؤاد أندراوس بعنوان "رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان".
وكان أبرز ما توقف بوركهارت أمامه كثيراً تلك المظاهر التي أحاطت بتجارة الرقيق في مدينة شندي، والتي كانت مركزاً رئيسياً لها باعتبارها ملتقى لقوافل التجارة من مصر وأقاليم السودان المختلفة، فيذكر أن الرقيق إما "أحباش" أو جنس يسمى "النوبا". والحبشيات يُفضّلن عن النساء السود من أجل جمالهن وحرارة وثُبات حبهن لسيدهن. أما الرقيق النوباويين فيفضلون في مصر كما في بلاد العرب عن غيرهم في العمل، لأنهم يمتازون بخلق حسن، كما أنهم أكثر قوة وأقل إصابة بالأمراض، لذا يباعون بسعر يزيد عن الزنوج الآخرين.
وإذا اقتنى المسلم غلاماً ختنه وأطلق عليه اسماً عربياً، على أن العبيد قلما يحظون بشرف الأسماء الإسلامية الصحيحة، كحسن ومحمد وسليم ومصطفى، فجُلهم يحمل أسماء كخير الله وفضل الواسع وجبر الواحد وأم الخير.
وبحسب بوركهارت، يلقى العبد من الجلابة معاملة هي أقرب إلى الرقة منها إلى العنف، والعادة أن يدعو سيده بـ"أبوي"، وأن يعتبر نفسه ابناً له، وقل أن يجلد الجلاب عبيده أو يرهقهم بالعمل، بل إنه يعطيهم طعاماً طيباً ويتلطف معهم في الحديث، لا رحمةً بهم وبرّاً، ولكن خشية هروبهم إذا أساء معاملتهم.
وما إن يدخلوا الصحراء بعد مدينة بربر حتى يتنكر لهم سادتهم، ويرخوا العنان لشراستهم وتوحشهم، لأنهم يعرفون أن سبل الهروب سُدت في وجوه العبيد.
وثمة دافع آخر يحفز الجلابة على الترفق بالعبيد، يتمثل في رغبتهم الشديدة في محو ما علق بأذهان السود أجمعين من خوف وفزع، مبعثهما أن أهل مصر والدول البيض يأكلون العبيد، وأن هؤلاء يُجلَبون إلى مصر لهذا الغرض، لذلك لا يدخر الجلابة جهداً في محو هذه الفكرة والقضاء عليها، لكنهم لا يفلحون.
وشيء آخر يفزع منه العبيد، وهو حشرة ضئيلة وثّابة، يزعمون أنها ستعيش على جلودهم وتمتص دماءهم، ولا تدعهم ينعمون بالراحة ولو لحظة واحدة، وهم يعنون "البراغيث"، والتي لا عهد للقوم بالسودان بها، ويروون عنها أغرب الروايات حين يحصون الفضائل التي تميزت بها بلادهم على أرض مصر، غير أن بلادهم تحفل بحشرات أخبث من البراغيث وأشنع، بحسب بوركهارت.
ولم يكن من المستغرب أن يبيع الجلاب أبناءه الذين ولدتهم له نساء سود، وفي كل يوم يبيع جلابةٌ جواري حبلن منهم، وفي هذه الحالة يصبح الطفل المنتظر ملكاً للمشتري بطبيعة الحال.
ويزعم الجلابة أن من عاداتهم ألا يعتدوا على عفاف الجواري، وهذا على عكس الواقع، ويقرر بوركهارت في كتابه أن القليل جداً من الجواري اللاتي جاوزن العاشرة يصلن مصر أو بلاد العرب عذارى.
وقلما يُدفن العبيد إذا ماتوا أثناء الرحلة، وإنما جرت العادة أن تُلقى جثثهم في النهر. ويذكر بوركهارت، أن فتاة من الجواري ماتت أثناء إقامة القافلة في شندي، فجردها صاحبها من كل قطعة دمور (نوع من الملابس) تكسو جسدها، ثم أمر في غير اكتراث ولا مبالغة بأن تحمل الجثة على حمار إلى النيل وتُقذف فيه.
وحرص تجار الرقيق على منع أي اتصال غير لائق بين الرقيق أنفسهم، فكانوا يفصلون الأولاد عن البنات ليلاً، ليس بدافع الغيرة بقدر الحرص على مصلحتهم الخاصة، إذ أن الحامل من النساء تنقص قيمتها.
وبرغم هذا الحرص فإنه كثيراً ما يقع المحظور، إذ لا بد من وجود علاقات غرام بين الفتيان والفتيات، وإذا ثبت أن أنثى حملت، فإن صاحبها لا يدخر وسعاً في إجهاضها، فيجبرها على تناول شراباً يساعد على ذلك، أو يضربها بطريقة تحقق هدفه. ومع ذلك فإن كثيراً من التجار كانوا يدفعون الإماء إلى "الدعارة"، ويقتسمون معهن ما يحصلن عليه من أموال.
فرديناند فرن... قتل الزنوج للعرب بـ"النبابيت"
في عام 1840 سافر المهندس الألماني فرديناند فرن إلى السودان، وهناك التحق بخدمة حكومة محمد علي، فرافق البعثات الاستكشافية التي هدفت إلى الوصول لمنابع النيل، ما أتاح له التعرف على أحوال السودان عن قرب، فسجلها في ثلاثة مؤلفات باللغة الألمانية؛ الأول هو "حملة من سنار إلى تاكا"، والثاني "السفر من خلال سنار والمندرة وجيلي"، والثالث "رحلة لاكتشاف مصادر النيل الأبيض".
اكتسبت رحلة برون أهمية كبيرة للراغبين في دراسة أحوال السودان في أواخر القرن الثامن عشر، فلم يسبق لأحد من الأوربيين زيارته أو الكتابة عنه بشكل مستفيض كما فعل هذا الرحالة الإنكليزي
جال فرن بين القبائل السودانية، لكن ما لفت انتباهه أكثر هو عادات وتقاليد قبائل الشلك والدينكا التي تسكن في الجزء الجنوبي من السودان، فهم لا يملكون خيولاً أو إبلاً، وإنما يملكون فقط البقر والضأن، وعندما يستولون على حصان أو إبل من أعدائهم لا يقتلونها، وإنما يفقأون عيونها كعقاب لها لأنه أوصلت الأعداء إلى بلادهم.
وتطرق المهندس الإنكليزي في مشاهداته إلى عداء قبائل الشلك التقليدي لجيرانهم من قبائل البقارة العربية، فيقول: "إن كراهية هؤلاء الزنوج لهؤلاء العرب لا حد لها، ففي حالة وقوع أحد البقارة أسيراً في أيديهم، فإنهم يضربونه ضرباً مبرحاً بالنبابيت (العصي) حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك لأن القتل بالحربة في عرفهم شرف كبير لا ينبغي أن يحظى به الأسير من هؤلاء البقارة".
وحظيت قبائل الباري التي تسكن في أعالي النيل أيضاً باهتمام فرن، فأفرادها يتجملون بوضع عقود من أسنان الكلاب والقرود حول الرقبة للزينة، وكتعاويذ تقيهم الأرواح الشريرة، لكن ما لفت نظره أكثر حرص الرجل الباري على أن يضع جلد الحيوان المفترس الذي اصطاده على جسمه ليس كغطاء لبدنه، وإنما دليل على شجاعته، وكذكرى لانتصاره وتغلبه على الشدائد التي واجهته في حياته.
ولم يفت فرن الحديث عن معتقدات قبائل الباري الدينية: "إنهم لا يعتقدون بوجود إله للثواب والعقاب، كما أنهم لا يعبدون الأصنام، أو الكواكب كالشمس والقمر، فهذان الكوكبان لا يثيران في نفوسهم أفكاراً أو تأملات غير عادية. بيد أنهم تأثروا بالسماء وقدرّوها، إذ نظروا إليها على أنها مصدر الأمطار التي تروي حقولهم وتزيد من اتساع مجرى النهر الذي يجري في بلادهم، وتملأ بحيرات السمك بالماء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...