بعد معاناة طويلة انتهت بالوصول إلى معبر أرقين البري الرابط بين الحدود السودانية والمصرية، وصل محمود البشبيشي إلى مسقط رأسه في مصر قبل شهرين، بعد أن فقد حصيلة 20 عاماً من العمل في ورشته التي بناها في السودان، مستغلاً تمرير اتفاقية الحريات الأربعة المقرة بين الدولتين في 2004- والمعلقة حالياً من طرف مصر- بين البلدين.
محمود البشبيشي هو واحد من آلاف رواد الأعمال المصريين والسوريين وغيرهم من الجنسيات العربية ممن انهارت حيواتهم أسوة بأشقائهم السودانيين جراء الصراع المسلح الذي اندلع في إبريل/ نيسان الماضي في الجارة الجنوبية لمصر بين الجيش السوداني المدعوم من مصر وأطراف عربية ودولية أخرى، وشركائه في الحكم- سابقاً- من قوات الدعم السريع المدعومة من أطراف عربية ودولية.
قبل الحرب كان البشبيشي يخطط فعلاً للعودة إلى مصر ولكن بعد وقت طويل، تستقر خلاله أوضاعه المالية ويصبح بعده قادراً على إدارة عمله في مصر والسودان من مسقط رأسه، لكن الحرب قضت على هذا الأمل الذي أنفق نصف عمره البالغ 40 عاماً يكد في سبيل تحقيقه، حسبما يروي لرصيف22: "بدلاً من أن تخطط للعودة للوطن بعد استقرار أوضاعك المالية، تجد نفسك مطالباً بأن تبدأ الرحلة من نقطة البداية".
قبل الحرب كان البشبيشي يخطط فعلاً للعودة إلى مصر ولكن بعد وقت طويل، تستقر خلاله أوضاعه المالية ويصبح بعده قادراً على إدارة عمله في مصر والسودان من مسقط رأسه، لكن الحرب قضت على هذا الأمل الذي أنفق نصف عمره البالغ 40 عاماً يكد في سبيل تحقيقه
العودة لنقطة الصفر
عاد محمود البشبيشي إلى مصر في يونيو/ حزيران الماضي، عقب اندلاع الحرب بشهرين، ظل الأمل يراوده خلالهما أن يصل الطرفان المتصارعان إلى تسوية تؤدي إلى هدوء الأوضاع واستئناف الانشطة الاقتصادية، إلا أن المحال والمنشآت والبيوت المصرية التي كانت في البداية بعيدة عن الاستهداف سرعان ما أصبحت ضحية النيران المتبادلة بين الطرفين، وباتت الخسائر تهدد أن تطال ما هو أغلى من التجارة والرزق: "نصف عمري ضاع تبخر أمامي دون سابق إنذار، لم أعرف حتى كيف أدافع عنه. كل ما كنت أفكر فيه هو النجاة بأسرتى من هذا [القتال] الذي اندلع فجأة".
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصل عدد المشروعات المصرية بالسودان منذ عام 2000 حتى 2013 حوالى 229 مشروعاً برأس مال بلغ حوالي 10.8 مليار دولار
توجه التاجر المصري إلى السودان وهو بعد في العشرينيات من عمره ليفتتح متجراً لبيع قطع غيار السيارات، خلال 18 عاماً قضاها في الجارة الجنوبية انتعشت تجارته واستقرت على الرغم من التحرشات التي كان يتعرض لها التجار ورجال الأعمال المصريون من قوات الأمن السودانية كلما توترت العلاقات السياسية بين نظامي الحكم في البلدين، واستمر البشبيشي في العمل حتى تعرض متجره ومخزنه للنهب وسط حالة الفوضى التي تشهدها العاصمة السودانية الخرطوم.
طول إقامة محمود في السودان جعل لهجته الريفية المصرية تخالطها كلمات كثيرة بالعامية السودانية جرت على لسانه بينما يقول: "الخسارة وصلت حوالي 350 ألف جنيه مصري (نحو 1000 دولار) كانت ثمن البضائع الموجودة في المحل، إضافة للأموال التي أنفقتها لأتمكن واسرتي من العودة إلى البلد". عاد محمود إلى قريته دنشال التابعة لمحافظة البحيرة شمالي غرب العاصمة القاهرة، وبات عليه أن يفكر في تدبير مصدر للرزق وسط ازمة اقتصادية طاحنة تعانيها مصر بدورها، تعوقه عن العودة لتجارته التي حصل فيها خبرة عمله طوال عشرين عاماً، ليتبقى لديه أمل العودة إلى بينه وتجارته في السودان معتمداً على سمعته وعلاقاته التي بناها هناك والتي لا يملك من أثرا شيئاً في مسقط رأسه.
الرصاص والنهب طال الجميع
بحسب البيانات الرسمية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان بنسبة 18.2% في العام 2022 عن العام السابق عليه ليزيد عن 1.4 مليار دولار، تميل فيها كفة الميزان التجاري لصالح مصر التي تصدر بضائع للسودان بقيمة تصل إلى 929 مليون دولار، وتحصل من السودان على معادن ومنتجات زراعية وحيوانية مهمة للأمن الغذائي في مصر بأسعار زهيدة.
انتشر النهب على يد قوات الدعم السريع وبعض عناصر من الجيش الوطني السوداني للبيوت والمحال والورش والمصانع. وقدرت تقارير إعلامية حجم خسائر قطاعي الصناعة والمصارف فقط بنحو 4 مليار دولار في الأسبوع الأول فقط من الحرب
لا توجد تقارير رسمية بعد عن حجم الخسائر في التبادل التجاري بين البلدين جراء الحرب الدائرة بين قوات الدعم السريع والجيش للسيطرة على السودان، كما لا توجد تقديرات معلنة لحجم الخسائر التي طالت الاستثمارات الأجنبية الصغيرة والكبيرة في السودان جراء الحرب نفسها، لكن شواهد كثيرة تؤكد أن حجم تلك الخسائر قد يتخطى بضع مليارات من الدولار ومئات الآلاف من الوظائف.
بحسب الشهادات التي جمعها رصيف22 وتؤكدها التقارير الإخبارية، انتشر النهب على يد قوات الدعم السريع وبعض عناصر من الجيش الوطني السوداني للبيوت والمحال والورش والمصانع في العاصمة السودانية الخرطوم ومدنها الثلاثة (الخرطوم وبحري وأم درمان).
وقدرت تقارير إعلامية حجم خسائر قطاعي الصناعة والمصارف فقط بنحو 4 مليار دولار في الأسبوع الأول فقط من الحرب، وهو ما يؤيده محمود الخواجة أحد العائدين لتوهم من السودان.
وبحسب النشرة السنوية للتبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل العام 2021 والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2022- احتلت السودان المرتبة الأولى في حجم التبادل التجاري مع الدول الأفريقية، ووصل عدد المشروعات المصرية بالسودان منذ عام 2000 حتى 2013 حوالى 229 مشروعاً برأس مال بلغ حوالي 10.8 مليار دولار.
الخواجة الذي ينحدر من سوهاج (جنوب مصر)، يقول لرصيف22 إنه وبعض العاملين معه غادروا البلاد قبل اندلاع الحرب بأيام قليلة، إذ كان الحديث يدور حول احتمالية نقل مطار الخرطوم الدولي لمطار مروي، وهو ما وجده الخواجة - إلى جانب التوتر المتصاعد بين الطرفين العسكريين المتصارعين- نذيراً بأن أزمة كبيرة على وشك الوقوع، ما جعله يتعجل في العودة إلى مصر قبل موعده، تحسباً لما قد يقع.
صحت ظنون الخواجة فما هي إلا أيام واندلعت الحرب، لكنها لم تمر عليه بلا خسائر رغم العودة. امتلك محمود مصنعاً ومحلاً لتصنيع وتجارة الأدوات المنزلية، وتعرض مصنعه للتدمير عن آخره.
بصوت مكلوم يقول الخواجة: "إحنا كنا مُصدِّرين ومُصنِّعين للأدوات المنزلية في الخرطوم وأم درمان، بعد الحرب ما اشتغلت محلاتنا كلها ومعاها المخازن اتسرقت، ومن ضمن المسروقات عربيتي الخاصة".
لا يستطيع محمود الخواجة تقدير حجم مبدئي للخسائر التي وقعت في قطاع تصنيع الأدوات المنزلية هناك ككل وهو مجال ينشط فيه المصريون بشكل خاص، لكنه يجزم أن كل من لديه بضاعة سرقت أثناء الأحداث
يقدر الخواجة خسائره المبدئية بحوالى 20 مليون جنيه مصري (625 ألف دولار أمريكي تقريبا وفق السعر الرسمي). وعن وجود جهة رسمية يمكنها أن تلاحق الجناة، يبين محمود أن أمله متواضع في هذا الشأن: "مش انا لوحدي، كل من يقدم خدمة أو يتاجر في الخرطوم تضرر، والجميع تعرض للسرقة، ولا توجد جهة رسمية حالياً يمكن أن ترفع أمامها دعوى أو تطالب بتعويض".
لا يستطيع محمود تقدير حجم مبدئي للخسائر التي وقعت في قطاع تصنيع الأدوات المنزلية هناك ككل وهو مجال ينشط فيه المصريون بشكل خاص، لكنه يجزم أن كل من لديه بضاعة سرقت أثناء الأحداث، مشيراً إلى فكرة العودة للسودان ليست محسومة بالنسبة له، فقد كان يتوقع أن تندلع مثل هذه الأحداث منذ الثورة السودانية ديسمبر/كانون الأول 2018، لكنها تأخرت فظنها لن تأتي.
من يسلم من الجنجويد لن يسلم من "النهَّابة"
يكاد يتفق العائدون من السودان، ومن بينهم أشرف الدمياطي* الذي يعمل في مجال دهان الأثاث المنزلي، على أن تعاملات قوات الدعم السريع كان فيه قسوة وتصيد مع المصريين أكثر من سواهم، حتى أن بعضهم تعرض للقتل المباشر، بحسب شهادته.
يسكت أشرف المنحدر من مدينة دمياط قليلاً ليتفادى قسوة الذكريات التي عاناها على مدار شهر ونصف في السودان ليقول: "من يسلم من الجنجويد لن يسلم من النهَّابة (محترفي النهب) ومن يسلم من الاثنين لن يسلم من القادمين من مايو (حي جنوب الخرطوم، يعج باللصوص على حد قوله)، فالأمر لم يقتصر على طرفي الصراع، بل كنا معرضين للقتل في كل وقت".
في رحلة العودة تعرض أشرف لكثير من المخاطر في الارتكازات والكمائن التي يسيطر عليها جنود الدعم السريع، فحسب قوله "معرفة أنك مصري يمكن أن تفقدك حياتك"
ويستدرك أن غالبية الشعب السوداني مسالم حتى أن كثيراً منهم لم ينحازوا لطرفي الصراع، "مش بتوع مشاكل" والغالبية سافروا للولايات "مدني، الجزيرة، كردفان" ومنهم من سافر للسعودية أو مصر أو تشاد، بعدما تعرضت منازلهم ومحالهم للسرقة.
ويؤكد أن الخسائر لا يمكن تخيلها لأن اللصوص و"جنود الدعم سرقوا سوق الذهب ونهبوا بعض البنوك في العاصمة". ومع سيطرتهم على منطقة "أركويت" التي كان يقطن بها مع 4 مصريين آخرين، تحولت الخرطوم لمدينة أشباح لا ترى فيها أحداً، حتى أن العثور على مكان لبيع الطعام كان مغامرة كبيرة، بعدما وصل سعر رغيف الخبز لـ200 جنيه سوداني (0.33 دولار).
في رحلة العودة تعرض أشرف لكثير من المخاطر في الارتكازات والكمائن التي يسيطر عليها جنود الدعم السريع، فحسب قوله "معرفة أنك مصري يمكن أن تفقدك حياتك، كما أن نقاشك مع أحد الجنود دفاعاً عن أموالك التي استولوا عليها للتو قد يكون ثمنه رصاصة في الرأس".
يروى أشرف أن ذلك حدث معه في كمين كافوري في الخرطوم، حينما اقترب منه ملثم تشادي ووضع فوهة السلاح في رأسه بمجرد أن رأى جواز السفر المصري، وصرخ فيه: "أنت مصري وبتضربونا بالطيران"، ليرد أشرف بأنه "استورجي موبيليا" ولا علاقة له بأي شيء، ليكتفي المجند بضربة بظهر السلاح فوق الرأس.
على المستوى الشخصي لم يخسر أشرف الكثير كونه كان عاملاً، وليس صاحب معرض، إذ أن من ينتمون للفئة الأخيرة خسروا كل ما يملكونه تقريباً بسبب الحرب، بعدما كان بعضهم قد نقل نشاطه بالكامل للخرطوم، بعد الكساد الذي ضرب سوق الأثاث بمصر، حتى أن بعضهم باع سيارته ومنزله لكي يستطيع فتح معرض في الخرطوم، لكن الحرب لم تترك له منه شيء.
حالة أشرف لا تختلف كثيراً عن حالك عبد الرحمن الشبراوي، الذي عاد في يونيو/ حزيران الماضي إلى قريته في محافظة القليوبية (شمال شرقي القاهرة)، إذ كان يعمل هناك صنايعي تركيب زجاج، لكنه كان أكثر تضرراً من زميله أشرف، إذ أنه عند اندلاع العنف لم يكن يملك حتى تكاليف العودة، وهو ما دفع إخوته إلى تدبير مبلغ له وإرساله عبر وسطاء له.
الشبراوى كان يقطن مع أسرته في منطقة شرق النيل، وهي بحسب قوله شهدت كثيراً من المواجهات المسلحة بين طرفي النزاع، وهو ما اضطره للسفر إلى مصر عبر ميناء بورتسودان مصطحبا معه ابنته الكبرى، بينما ترك اثنتين من بناته في الخرطوم مع أمهم التي بقيت في منزل أسرتها كونها سودانية الجنسية.
بعد العودة لمصر حاول الشبراوي الحصول على عمل في مجال الزجاج، لكن لم يحالفه الحظ حتى الآن، لذا فهو يتمنى أن يجد مساعدة في هذا الأمر.
ويتفق الشبراوى مع من سبقوه في أن تعامل البعثة الدبلوماسية المصرية مع الأزمة كان جيداً للغاية، مشيراً إلى أنه سافر أكثر من مرة وهذه هي الأولى التي يرى فيها تعاملاً على قدر الحدث، وهو ما حدث حتى مع الجاليات العربية التي غادرت السودان إلى مصر كما هو الحال مع دياب أبو عيسى السوري الجنسية.
200 دولار كل ما تبقي من عمل 9 سنوات
أبو عيسى كان يعمل في مجال المقاولات في السودان منذ سنوات، ورغم أنه كان يمتلك منزلاً وقدراً لا بأس به من الأموال جمعها خلال عمله في السودان تسع سنوات، إلا أنه وصل إلى مصر ومعه 200 دولار أمريكي فقط، هي كل ما تبقى له.
بلكنة سورية واضحة يقول أبو عيسى لـرصيف22 إن الخروج من السودان كان مغامرة كبيرة محفوفة بالمخاطر، إذ فقد خلالها أحد معارفه الذي حاول الفرار بأسرته بسيارته الخاصة، فما كان من جنود الدعم السريع إلا أن قتلوه رميا بالرصاص أمام عائلته، طمعاً في الحصول على السيارة.
ولهذا السبب غادر أبو عيسى مع أسرته المكونة من ثلاثة أطفال وأمهم العاصمة السودانية في حافلة سياحية، ورغم أنه وضع سيارته الخاصة في مكان آمن إلا أنها لم تسلم وسرقت في أحداث الفوضى.
الأحداث لم تأت على سيارة أبو عيسى فقط، لكن كثيراً من معارفه السوريين خسروا كل ممتلكاتهم أبرزهم صاحب مصنع "أيس كريم" والذي استولى اللصوص على محلاته ومصنعه وخسر ما قدره أبو عيسى بحوالى مليون و300 ألف دولار بعدما فككت المجموعات المسلحة والخارجون عن القانون معدة ضخمة كانت تستخدم لصناعة أطعمة الأيس كريم، وخربوا باقي معدات المصنع.
وبخصوص التعويض عما دمرته الأحداث يقول أبو عيسى إنه لا يوجد جهة سودانية يمكن أن تتحدث معها الآن، لأن الجيش مشغول بمواجهة الدعم السريع، حتى أنه في حالة التبليغ عن فقدان أموال أو ممتلكات لكمائن الجيش كان الجواب يأتي سريعا "الله يعوض عليك".
وعن وجود جهة ممثلة للسوريين في السودان يقول أبو عيسى إن عدد من المحامين السوريين المتطوعين في منظمات تابعة للأمم المتحدة حاولا تقديم خدمات إغاثية للعائلات السورية، وأحصوا السوريين الموجودين في الخرطوم ووصلوا تقريبا 12 ألف شخص، غادر غالبيتهم العاصمة الخرطوم متجها إلى مصر، وانحصرت خدمات هذه المجموعات في الأغراض الإغاثية فقط.
لم ينجح المصريون في بناء تجمع شعبي أو مهني للدفاع عن مصالحهم في السودان، واكتفوا بالجهود التي تبذلها البعثة الدبلوماسية لبلدهم هناك، لكن ذلك لا يعنى أنهم لم يحاولوا تدشين رابطة للدفاع عن مصالحهم هناك، ولكنها تحولت لصراعات حزبية وعنصرية بين من يريدون أن يسيطروا عليها
نقابة للمصريين في السودان
كغيرهم لم ينجح المصريون في بناء تجمع شعبي أو مهني للدفاع عن مصالحهم في السودان، واكتفوا بالجهود التي تبذلها البعثة الدبلوماسية لبلدهم هناك، وفي كثير من الأحيان كانت العلاقات الشخصية تتكفل بإنهاء أي مشكلة تواجههم كما يقول أشرف الدمياطي، عن طريق المعارف والعلاقات، إذ كان يوجد شخص مصري يدعى الشيخ يسرى، صاحب معرض أثاث منزلي يتولى هو حل أي مشكلة تواجه زملاءه بالمنطقة من خلال علاقاته مع موظفي السفارة.
لكن ذلك لا يعنى أنهم لم يحاولوا تدشين رابطة للدفاع عن مصالحهم هناك، إذ يقول محمود البشبيشي إنهم حاولوا بالفعل: "لكنها لم تكمل شهرين وتحولت لصراعات حزبية وعنصرية بين من يريدون أن يسيطروا عليها هناك".
مسؤول سابق بالخارجية المصرية: سبل البحث عن آليات لتعويض المتضررين بكل تأكيد ستكون مطروحة لكن ربما عقب استقرار الأوضاع هناك، خصوصاً وأن هناك سوابق مصرية حدثت لمن تضرروا في بعض البلدان الأخرى
يقول البشبيشي إن "التحزبات" التي وأدت الفكرة في مهدها كانت سياسية، وكان من يريدون السيطرة على الرابطة الجديدة يريدون توظيفها في أعمال سياسية لم يسمها، بينما كانت رغبة الكثير ومنهم البشبيشي أن تكون خدمية، كون العاملين في السودان ليس لديهم تطلعات سياسية ولا يريدون أن يكونوا طرفاً في أي نشاط سياسي يتعلق بأوضاع مصر الداخلية.
وعقب اندلاع الصراع المسلح، وتحديداً في مطلع مايو/ أيار الماضي، بحثت جمعية رجال الأعمال المصريين مع مجلس الوزراء المصري أوضاع الاستثمارات المصرية في السودان، في محاولة لحمايتها من أي أضرار تقع عليها بسبب تصاعد الاشتباكات في جميع أرجاء البلاد.
وعلى الرغم من هذا الاجتماع قال المهندس علي عيسى، رئيس مجلس إدارة الجمعية، لرصيف22 إنه لا يعلم شيئاً عن التطور الذي وصل إليه الوضع في السودان بالنسبة للتجار والمصنعين المصريين إلى الآن. وتواصل رصيف22 مع المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية وأطراف من البعثة الدبلوماسية المصرية في السودان للتعرف على الإجراءات التي اتخذتها السلطات أو تعتزم اتخاذها فيما يتصل بحماية وتعويض المستثمرين والعمال المصريين في السودان، إلا أننا لم نتلق ردوداً على أسئلتنا حتى لحظة نشر التقرير.
ويعلق السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق لـرصيف22 قائلاً: "إن ما حدث في السودان يمثل كارثة بكل المقاييس، فالمصريين المتواجدين هناك كانوا مقسمين إلى أكثر من جزء منهم جزء موظفين حكومين في الهيئات الحكومية المشتركة بين البلدين خصوصا العاملين في وزارة الري، والقسم الثاني هم طلاب مصريين كانوا يدرسون هناك، وآخرين موزعين بين عمالة وأصحاب مشروعات".
ويقول إن سبل البحث عن آليات لتعويض المتضررين بكل تأكيد ستكون مطروحة لكن ربما عقب استقرار الأوضاع هناك، خصوصاً وأن هناك سوابق مصرية حدثت لمن تضرروا في بعض البلدان الأخرى.
ويلفت السفير إلى أن التحركات في هذا الملف تحكمها طبيعة العلاقة بين البلدين، مشيرا إلى أن مصر لديها علاقات قوية مع السودان، ومن الوارد فتح مثل هكذا قضايا مستقبلا، والبحث عن آليات تعويضية سواء من خلال المداخل الدبلوماسية عبر التفاوض، أو حتى من خلال الإجراءات القضائية، مشيراً إلى كل شيء وارد في مثل هذه القضايا ومصر لن تتخلى عن أبنائها أبدا.
التعويض وارد لكن بشروط
ومن جهته يقول المحامي والخبير القانوني، عمرو عبد السلام، إنه يحق للمتضررين المصريين وغيرهم مقاضاة الدولة السودانية، لما لحق بهم من ضرر أثناء الحرب، إلا أنه يشترط أن يكون مالك المشروع الأجنبي لديه ما يثبت أنه كان يمتلك نشاطاً تجارياً أو خدمياً أو صناعياً قد تضرر وقت اندلاع الحرب في الخرطوم وما حولها.
ويشير إلى أن الأمر لا يقف على حد أصحاب المشروعات سواء كانت مشروعات كبيرة أو صغيرة، لكن حتى العمالة المصرية التي كانت تعمل هناك طالما توفر ما يثبت أنهم كانوا يعملون في مناطق النزاع يمكن أن يسلكوا الطرق القانونية المتاحة أمام المحاكم السودانية.
عبد السلام يقول إن الأمر ربما يأخذ وقتاً طويلاً، وحتى لو حصل أصحاب الحقوق على أحكام قضائية لتعويضهم عن التلفيات التي أصابت ممتلكاتهم من الوارد أن تمتنع الحكومة عن التنفيذ، لذا فمن الأفضل أن تتولى السلطات المصرية هي هذه المهمة، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية سبق ونجحت في إعادة حقوق المصريين العاملين في العراق، فيما عرف في وقتها "بأصحاب البطاقات الصفراء" والذين حجزت أموالهم بعد اندلاع حرب الخليج الثانية، ومن الممكن تكرار الأمر مع حكومة الخرطوم.
وأشار إلى أن التفاوض حينما يكون حكومياً يغدو من السهل تنفيذه، كما أنه يمكن لبعض المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة التدخل في هذا الشأن.
------------------------------------
(*) طلب المصدر الاكتفاء باسمه الأول فنسبناه إلى مسقط رأسه لأغراض التحرير الصحافي
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.