شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أيكون أبي هو سبب حلمي المستمر بفقدان حذائي؟

أيكون أبي هو سبب حلمي المستمر بفقدان حذائي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الجمعة 18 أغسطس 202310:59 ص

أيكون أبي هو سبب حلمي المستمر بفقدان حذائي؟

استمع-ـي إلى المقال هنا


مكان عادي جداً، أحداث عادية جداً، لا شيء مميّز بالمرّة، حتى أفقد حذائي فجأة، لينقلب الحلم لكابوس طويل مرير، أحاول جاهدة أن أجد حذائي فيه حتى أعود لـ "العادي" المريح، أستيقظ ويراودني شعور خانق بفقدان الأمل. حلم متكرّر منذ بدايات تشكيل وعيي تقريباً، نفس الصراع -فقدان الحذاء ورحلة إيجاده- مع اختلاف كافة الأحداث والشخصيات الأخرى المشاركة. كبرت، وظلّ هذا الحلم لغزاً يراودني حتى درست التحليل النفسي وفهمت.

لن أكون نسخة من أمي أبداً، أليس كذلك؟!

أثناء علاقتي الغرامية الجادة الأولى وأنا امرأة ناضجة تسعى في طريق معرفة نفسها، أدركت حجم مشاكل الثقة- Trust Issues التي أعاني منها: خوف مستمر وتفكير لا يهدأ يمنعني من الثقة بحرف مما يقوله شريكي. لم أفزع، لأنني على ثقة تامة أن أي عيب في شخصيتي أنا قادرة تماماً على تعديله، فقط فزعت عندما لاحظت كم أشبه أمي! كم تعاني هذه السيدة المسكينة من مشاكل رهيبة في الثقة في شريكها هي الأخرى، أبي يقودها للجنون كل يوم، كيف تعيش هذه السيدة مع هذه المعاناة كل تلك الأعوام؟ كيف أشبهها لهذه الدرجة؟ مستحيل! ظننت أنني على قدر من الوعي النفسي يقيني من الوقوع في هذا الفخ.

طوال الرحلة راقبت تصرفات أمي، حفرت في مخي عن طريق المقارنة بينها وبين تصرفاتي، حقاً لا يوجد فرق واحد.

نقلتني هذه المقارنة لسؤال مهم: هل ورثت هذه المشاكل عن أمي، أم أنها فقط واحدة من الهدايا الرائعة التي أعطاني إياها والدي العزيز؟

أثناء علاقتي الغرامية الجادة الأولى، أدركت حجم مشاكل الثقة التي أعاني منها: خوف مستمر وتفكير لا يهدأ يمنعني من الثقة بحرف مما يقوله شريكي. لم أفزع، لأنني على ثقة تامة أن أي عيب في شخصيتي أنا قادرة تماماً على تعديله، فقط فزعت عندما لاحظت كم أشبه أمي

أبي هو نموذج الرجل الأول في حياتي، نشأت وأنا أشهد، بشكل شبه أسبوعي، مشادات ومناوشات بينه وبين والدتي بسبب شكّها الدائم في خيانته لها. ليس هذا الشكّ الارتيابي غير المبني على دليل، إنما خناقات مستمرة بسبب سيدات في حياة أبي، سيدات على علاقة بهم. ومع كل علاقة تكتشفها أمي، ينقص من ثقتها واحترامها لنفسها جزء، ومع كل مشادة أشهدها تنقص من قدرتي على الثقة في الرجال جزء، حتى لم يتبق لي أي ثقة في أي شخص.

هنا، قرّرت سؤال صديقي العزيز جداً، سيجموند فرويد: ماذا ترى يا عمنا فرويد في هذه القصة؟ وبدون تفكير كثير، ردّ إنها بالطبع عقدة إلكترا لعينة لم تحل، الرجل الأول الذي أحببته في حياتي رأيت أنه غير جدير بالثقة، بالتالي كل الرجال لا يستحقونها. إذن، لن تنحل هذه العقدة بدون تدخّل طبي من معالجة نفسية متخصصة، إلى الدكتورة حالاً.

شيماء! لن تسيطري على أي شيء

خلال رحلة عاصفة مع معالجتي النفسية، مررنا بالعديد من المحطات المهمة التي جعلت مني شخصاً يفهم نفسه أكثر، المحطة الأولى التي توقفنا عندها هي أنني يجب عليّ التوقف عن البكاء على عدم امتلاكي أب وأم مثاليين كما أحلم، أن أتوقف عن النواح على عمري الذي ضاع معهم وهم يسيئون التصرّف معي، أنهما رحلا عن الدنيا دون أن يعتذرا عن كونهما ليسا والدين مثاليين، عن كونهم مؤذيَين.

أدركت أن هذه الاعتذار الباهت الذي حلمت به طوال عمري في حقيقة الأمر لن يفيد بأي شيء، ولكن الأهم هو أن أمتلك ما يدعى "أم/ أب داخلي"، وهي المحطة الثانية التي توقفنا عندها، جاءت هذه المحطة نتيجة سؤال المعالجة لي: "شيماء، إيه شكل الأم والأب اللي كان نفسك فيهم؟". ومن هنا شكّل مخّي شكل الأب والأم الذي أريد، ومن وقتها قرّرت أن أكون أنا لنفسي هذا الأب وهذه الأم، ولا يمكنني إنكار أن كثيراً من الحروب الداخلية هدأت تماماً بعد هذا الاقتناع.

أما عن المحطة الأهم في رحلتي، فكانت التنقيب عن سبب مشاكل الثقة التي أعاني منها، جلسة وراء جلسة، طبقة تكحت وراء طبقة، فتتبلور أمامي فكرة تبهرني أكثر وأكثر، رغبة مستميتة في السيطرة على كل الأمور، رغبة دفينة قوية تزداد قوة بعد كل موقف في السيطرة على مسار الأمور، أن أحرّك الأمور والأقدار لا تحرّكني. يجب أن أكون على دفّة القيادة، يجب أن تكون كل المسارات والاحتمالات تحت يدي. إذ إن وجود شخص، خارجي، يعيش حياته بشكل منفصل عني، لا أستطيع مراقبة أفعاله، كلماته، نظراته، أفكاره حتى مشاعره، بشكل كامل سوف يصيبني ذلك بالجنون.

بالتأكيد كذلك كانت أمي، عدم قدرتها على السيطرة التامة على كل حواس ومشاعر أبي أصابها بالجنون يوماً بعد يوم.

لماذا يضيع مني حذائي باستمرار في أحلامي؟ لماذا يتزامن تكرار الحلم ذاته مع أوقات نوبات القلق والاكتئاب؟ لماذا يظهر ذلك الحلم وتسلط عليه الأضواء في مخي كلما شارفت على بداية علاقة عاطفية جديدة؟

حذائي العزيز، أين أنت؟

من أوائل المعلومات التي فتشت عنها في كتب التحليل النفسي هي دلالة بعض الرموز التي تتكرّر في حلم ما، والتي تُعدّ جزءاً من عملية تفسير الأحلام، واحدة من أشهر تقنيات التحليل النفسي. ولأن المحلل النفسي الشاطر عليه أن يبدأ في رحلة تحليل نفسه أولاً، كما عليه تحمّل عواقب وألم تلك الرحلة، فلا يوجد ما هو أصعب من المضي في طريق معرفة نفسك الحقيقية، معرفة وقراءة أكحل نقاطك الشخصية، ومواجهة نفسك بكل الحقائق التي جاهد عقلك طوال عمره كيلا تعرفها.

لماذا يضيع مني حذائي باستمرار في أحلامي؟ لماذا يتزامن تكرار الحلم ذاته مع أوقات نوبات القلق والاكتئاب؟ لماذا يظهر ذلك الحلم وتسلط عليه الأضواء في مخي كلما شارفت على بداية علاقة عاطفية جديدة؟

يتم تفسير الرموز في الحلم وفقاً للتحليل النفسي عن طريق سلسلة من الأسئلة، تؤدي كل إجابة إلى أخرى، لنصل في النهاية إلى دلالة الرمز بالنسبة للشخص، الرمز الذي بالتأكيد يختلف من شخص لآخر. أما عني، فكان الحذاء يرمز للأمان، وكان فقداني للحذاء في الحلم يشعرني بالخوف من السير حافية، أفزع وأغضب من فكرة عدم قدرتي على إيجاد الحذاء لإنهاء حالة الخوف التي أمرّ بها، لتهدأ نفسي ويحقق الأمان لها، يتحول الحلم لكابوس بسبب فقداني للسيطرة على الأمور.

مرة أخرى تحاصرني رغبتي المستمرة بالسيطرة على كل الأمور، مرة أخرى ينغص عليّ حياتي هوسي بالسيطرة، مرة أخرى -وبشكل غير مباشر تماماً- تظهر عواقب الهدايا التي أعطاني إياها والدي منذ طفولتي ولم تحل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image