"أصبحت، وأسرتي المكوّنة من ثلاثة أفراد، عالة على أبي"، هكذا بدأ صديق السنوسي حديثه عن الوضع الذي يعيشه، منذ نزوحه من العاصمة الخرطوم إلى مدينة القضارف شرق السودان، بعد أسبوع من نشوب المعارك، لتأكده صعوبة توقّف الحرب في وقت قريب.
واندلع قتال دامٍ بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان هذا العام، في مناطق واسعة من السودان، قبل أن ينحصر بصورة رئيسية في مناطق دارفور وكردفان، والعاصمة الخرطوم التي تشهد بصورة شبه يومية غارات الطيران الحربي والاشتباكات بالأسلحة الثقيلة.
ودفع الصراع 3.9 ملايين شخص إلى الفرار من منازلهم، منهم أكثر من ثلاثة ملايين نزحوا داخلياً، ويمثّل عدد الفارّين من العاصمة الخرطوم 71% من مجموع النازحين؛ معظمهم يعيش في ظلّ أوضاع إنسانية حرجة، سواء في مخيمات النزوح المؤقتة أو المجتمعات المضيفة أو مع أسرهم في الولايات.
وفقد معظم هؤلاء النازحين وظائفهم وأعمالهم التجارية، بينما توقفت رواتب العاملين في القطاع الحكومي، حيث إن أغلبهم يعول أسراً، ما جعل وضعهم الاجتماعي والاقتصادي لا يُطاق، لا سيما مع تضاؤل الأمل في إنهاء النزاع بالطرق السلمية، رغم تعدّد المبادرات والضغوط المحلية والدولية المتواصلة لتحقيق هذا.
هل ينجح السودانيون في الإجابة على سؤال العنصرية الصعب؟
مصاعب جمة
يقول السنوسي لرصيف22، إن طفليه (ثلاث وخمس سنوات على التوالي)، لم يريا الحليب والفاكهة منذ زمن، لعدم قدرته على شرائهما، بعد توقف راتبه من عمله مدرّساً في مدرسة خاصة.
ويشير إلى أن زوجته تواجه صعوبة في التأقلم في منزل أبيه بمدينة القضارف، بسبب القيود الاجتماعية، حيث باتت لا تفضّل الخروج من الغرفة التي توجد فيها أسرّة فقط، مرجحاً إصابتها باضطراب ما بعد الصدمة، دون أن يملك فعل شيء للتخفيف عنها، خاصة وأن المدينة لا تتوفّر فيها مراكز طب نفسي لمراجعتها.
وتتحدّث رزاز يونس (24 عاماً) التي استقرّت مع أسرتها في قرية بالقرب من مدينة الحصاحيصا، التابعة لولاية الجزيرة المجاورة للعاصمة الخرطوم، عن يأسها من إيجاد وظيفة لتساعد أبيها في توفير تكاليف احتياجاتهم الغذائية، في ظلّ الارتفاع المتنامي لأسعار السلع.
وأفادت لرصيف22، بأنها لن تبالي بأيّ قيود في سبيل بحثها عن وظيفة، بعد أن فقد أبوها محل بيع الهواتف النقالة في السوق العربي، وهو سوق رئيسٍ في العاصمة الخرطوم، يقع بالقرب من القصر الرئاسي.
وعلى النقيض من رزاز، تقول فاطمة إبراهيم (35 عاماً) إنها لا تملك أدنى رغبة في البحث عن عمل، حيث كانت تعمل في السابق منسّقة حفلات زفاف، وهي وظيفة كانت تدرّ عليها دخلاً جيداً، خصّصته لتعليم أطفالها في مدارس ذات تعليم جيد.
وتضيف لرصيف22: "أستأجر استديو مفروش في مدينة ود مدني العاصمة الإدارية لولاية الجزيرة بمبلغ 900 ألف شهرياً (نحو 1600 دولار)، وقد اضطرّ زوجي لبيع سيارته بنصف سعرها بسبب الركود لمقابلة تكاليف السكن".
وتخشى فاطمة من إصابة أي من أطفالها بمرض ما، بسبب قلة القيمة الغذائية للأكل الذي يتناولونه، بعد أن أصبحوا في أعداد المعدومين، وتتعاظم خشيتها في ظل ضعف النظام الصحي مقارنة بالعاصمة الخرطوم، مصحوباً بارتفاع أسعار التحاليل والأدوية في المرافق الطبية.
قهر السُّلطة
وأدى النزاع إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات في كل بقاع السودان، بطريقة لا تتناسب مع دخل معظم السودانيين في الأوضاع العادية، ناهيك عن تفاقمها في ظل تطاول أمد الحرب.
وتقول الأمم المتحدة إن النزاع والتدهور الاقتصادي أديا إلى رفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في السودان، إلى أكثر من 20 مليون شخص، ما يُمثل 42% من السكان، بينهم 6.3 ملايين شخص على حافة المجاعة.
واضطرّ خالد عباس، الذي فرّ مع أسرته إلى مدينة كوستي، بولاية النيل الأبيض جنوب السودان، إلى العمل في نقل مشتريات الآخرين في السوق، من محل الشراء إلى مواقف المواصلات، بواسطة "درداقة"، وهي عربة صغيرة بإطار واحد تُدفع بالأيدي، مقابل مبلغ زهيد.
ويقول لرصيف22، إنه يتحصّل على أقل من 5 آلاف جنيه (نحو 9 دولارات) وهو مبلغ يكفي بالكاد لشراء احتياجات أسرته المكوّنة من 10 أفراد، والتي تقيم في فصل دراسي بأحد مدارس المدينة الحكومية.
ويشدّد على أنه اضطرّ لهذا العمل، رغم ملاحقة السلطة المحلية لمن يعمل في نقل احتياجات الناس في الدرداقة، بمصادرتها تارة وفرض غرامات مالية تارة أخرى.
على المجتمع الدولي الإسراع في إغاثة السودانيين قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة في ظل الفقر وغياب الأمن
لا مكان للباعة للضعفاء
وتلاحق السلطات المحلية في مدينة ود مدني، منذ الاثنين 31 يوليو/ تموز، الباعة الجائلين وبائعات الشاي والأطعمة في المدينة، فارضين بذلك، على السودانيين والسودانيات، صعوبات جديدة بعد المآسي التي عاشوها خلال الحرب وأثناء الفرار.
وتحدّث عن هذا الملاحقة، وقال إنها خلت من التقدير للظروف القاهرة التي يمرّ بها الشعب السوداني، وغضّ الطرف عن حالة النزوح التي أثّرت على الأسر في المدينة والتي هي إما نازحة أو مستضيفة؛ حيث صادرت السلطات أدوات عمل بائعات الشاي والأطعمة وبعض بضائع الباعة الجائلين.
ويقول إن الباعة من النساء والرجال يعانون من ضرائب فرضها عليهم شخص مُنح امتياز حيازة جزء من مساحة عامة مخصّصة كمنتزه، إذ يضطرّ الجميع لدفع أجرة مالية له، ثم دفع رسوم وغرامات للحكومة المحلية.
إن هذا النمط من التضييق شائع في كل المناطق الآمنة في السودان، ما يفاقم معاناة النازحين الذين فقدوا معظم ممتلكاتهم أو كلّها، وهذا قد يدفعهم إلى اتباع سلوك إجرامي لتوفير احتياجاتهم واحتياجات أسرهم، وفقاً للباحث الاجتماعي عباس الطيب.
ويؤكد هذا الباحث لرصيف22، أن قلّة الموارد والبطالة والتضييق وانعدام الأمل بغدٍ أفضل، يدفع الناس إلى الإجرام أو الانضمام إلى جماعات متطرّفة، ما يتطلب من المجتمع الدولي الإسراع في إغاثة السودانيين قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة مع اهتمام قوات الأمن بشؤون القتال.
وتمضي أوضاع السودان، يوماً بعد الآخر، إلى منزلقات جديدة، بتعقيد النزاع وتعدّد أطرافه مع بدء الجيش تدريب المدنيين وتزايد حدّة الاستقطاب الأهلي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين