شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"السوس اخترقها بسبب جشع المستثمرين"... جهود حثيثة لحماية النخيل في واحة سيوة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 6 أغسطس 202312:32 م

قبل 5 سنوات، كانت واحة سيوة المصرية التي تعتبر من أهم مناطق إنتاج التمور في البلاد، محمية من معظم الأمراض التي يمكن أن تصيب هذه الشجرة، لكن رغبة بعض المستثمرين بالربح السريع قلب المعادلة رأساً على عقب، فأدخلوا فسائل من خارج الواحة أضرّت بالنباتات المحلية وفتكت بها وبالإنتاج.

ويُعد النخيل المصدر الرئيسي للدخل في واحة سيوة، فحسب الباحث في التراث السيوي محمد عمران جيري وهو أحد أبناء الواحة، يعمل 99% من الأهالي في الزراعة، وتمثل زراعة نخيل التمر 41.5% من إنتاج المحاصيل الثلاثة الأهم في الواحة وهي التمر والزيتون والعنب، فيما يُمثل نخيل الزيتون في سيوة 45% من إجمالي إنتاج محافظة مطروح، وتتنوع الأنشطة الأخرى في الواحة بين السياحة وصناعات متصلة بزراعة النخيل كتجفيف التمور، مع وجود 10 مصانع تجفيف فيها.

وقد جاءت مصر في المرتبة الأولى عالمياً بإنتاج التمور، بنسبة 21% من الإنتاج العالمي حسب تصنيف منظمة الأغذية والزراعة العالمية كما يتضح في "أطلس نخيل البلح والتمور في مصر" الصادر عنها، بإنتاجية تصل إلى 1.7 مليون طن من 15 مليون نخلة، وهو ما أكدته وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع خلال افتتاحها الدورة الخامسة من المهرجان الدولي للتمور في واحة سيوة عام 2022.

يُعد النخيل المصدر الرئيسي للدخل في واحة سيوة.

وحصلت واحة سيوة عام 2016 على شهادة "نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية"، لكونها ذات أهمية في حفاظها على النظم البيئية والتراثية في زراعة النخيل، لكن كل ذلك بات عرضة للتغير مع إدخال الشتلات الجديدة إليها وهو أمر كان محظوراً من قبل بشكل تام.

دخول فسائل مصابة

في هذا السياق يقول لرصيف22 الشيخ عمر راجح شيخ قبيلة أولاد موسى، إن مزارعي الواحة كانوا يستخرجون قراراً من المحافظ في الأعوام الماضية بإعدام أي فسائل قبل دخولها الواحة لحماية أشجارها من الأمراض، لكن الأمر لم يعد تحت سيطرتهم مؤخراً.

ويضيف: "أدى دخول مستثمرين يرغبون في الربح السريع إلى أنهم نقلوا فسائل مصابة كانت سبباً في وصول سوسة النخيل إلى سيوة، مما اضطرنا لاستخدام المبيدات الكيمائية للقضاء عليها في محاولة لحماية الثروة القومية لسكان الواحة، بعدما كنا نعتمد على المكافحة البيولوجية بإطلاق طُفيل أو حشرة التريكوجراما".

وتكمن خطورة إصابة نخيل الواحة بسوسة النخيل في تعرُّض أنواع على وشك الانقراض للخطر، وهي حسب تصنيف أطلس التمور من الأصناف النادرة جداً، مثل إرغم غزال وغزال، كما تتفرُّد الواحة بزراعة أنواع أخرى حسب تصنيف الأطلس تحت مُسمى أصناف متوطنة، ومنها أصابع العروسة وأبو تيده وأفراح وأغريب وأجزين وإغروان نحلوتن وغيرها من الأصناف.

حملة قومية لمكافحة السوسة

في آذار/ مارس الماضي، أطلق محافظ مطروح حملة لمكافحة سوسة النخيل ودعم الواحة بماكينات المكافحة، حفاظاً على الثروة القومية التي قدرها بمليون نخلة حسب آخر إحصائيات مديرية الزراعة في مطروح، وذلك بالتعاون مع مديرية الزراعة ومركز التنمية المستدامة لموارد مطروح التابع لمركز بحوث الصحراء، وجمعية سيوة لتنمية المجتمع وحماية البيئة.

أدى دخول مستثمرين يرغبون في الربح السريع إلى أنهم نقلوا فسائل مصابة كانت سبباً في وصول سوسة النخيل إلى سيوة، مما اضطرنا لاستخدام المبيدات الكيمائية للقضاء عليها في محاولة لحماية الثروة القومية لسكان الواحة، بعدما كنا نعتمد على المكافحة البيولوجية

وقد أطلقت الجمعية استبياناً لمعرفة أماكن الإصابة ومعالجتها، شمل أسئلة حول عدد الأفدنة المملوكة لكل مزارع وعدد أشجار النخيل والزيتون في كل منها، إضافة لأعداد النخلات المصابة والسليمة. ويقول عمر راجح إنه لا توجد بيانات دقيقة لدى أي من الجهات الرسمية عن الواحة، موضحاً أنهم يسعون من خلال الاستبيان الحالي إلى جمع معلومات صحيحة يُمكن العودة إليها وقت الحاجة.

ويشير المتحدث أيضاً إلى أن محافظ مطروح ساعد في توفير مبيدات لمعالجة النخيل المتضرر بتخفيض 50% من إجمالي ثمنها، ويحصل عليها المزارع من خلال إبلاغ الإدارة الزراعية في الواحة، التي ترسل مهندساً لمعاينة الموقع، وفور التحقق من الإصابة تبدأ المعالجة على الفور. مضيفاً أن مديرية الزراعة ومركز بحوث الصحراء ينظمان حملات تضم أكاديميين وأساتذة لتوعية المزارعين بخطر الإصابة بسوسة النخيل، فضلاً عن لجنة أرسلتها وزارة الزراعة للغرض ذاته.

ورغم البدء الفعلي في معالجة المناطق المصابة سيتم التوقف لحين الانتهاء من موسم جمع التمور في تشرين الأول/أكتوبر القادم حماية للثمار من أثر المبيدات، على أن تستأنف الحملة عملها بعد ذلك الشهر.

ويقول راجح إن مركز التنمية المستدامة وفّر عدداً من الماكينات الخاصة بحقن المبيدات ضمن الأشجار، وهي تعطي نتائج ممتازة، إلا أن العائق الأكبر هو في إقناع المزارعين بالإبلاغ عن مناطق الإصابة والمشاركة في الاستبيان، فبعضهم يتخوف من الضرائب، موضحاً أن المبتغى من الحملة حماية الواحة بأكملها، ما يستلزم مشاركة الجميع فيها.

الهدف من الحقن القضاء على "البيض" الذي وضعته سوسة النخيل داخل الجذع قبل أن يتحول إلى يرقات.

فحوص وحقن للأشجار المصابة

برغم صعوبة الحصر تمكنت الإدارة الزراعية في الواحة من فحص قرابة 7500 نخلة يملكها 135 مزارعاً بشكل مبدئي، من إجمالي مليون و40 ألف نخلة على مساحة 13 ألف فدان، ثبت خلال الفحص إصابة 585 نخلة أي ما نسبته 8% تقريباً، تمت معالجتها جميعاً بالحقن بالمبيدات حسب المهندس عبد الله سلامة مدير الإدارة الزراعية في واحة سيوة، ويوضح أن الهدف من الحقن القضاء على "البيض" الذي وضعته سوسة النخيل داخل الجذع قبل أن يتحول إلى يرقات، وهو أمر قد يستغرق 3 أو 4 أيام لتستكمل دورة حياتها داخل الجذع، وفي هذه الحالة يجب حقنها بالمبيد.

ويؤكد أن عملية الحقن تتم بوضع مبيد بتركيز معين في مضخّة مرتبطة بآلة "الشنيور" التي تُستخدم لعمل ثقوب، ويعتمد الأمر على خبرة المهندس لتحديد مسار السوسة في جذع النخلة، وبعد 15 يوماً ومن خلال علامات تظهر على النخلة تبين موت اليرقات من عدمه، يكون القرار بإعادة الحقن في حالة استمرار وجودها.

ولا يتوقف الأمر على الحقن الداخلي، إذ يتم رش الجذع من الخارج بغرض الوقاية للقضاء على أي فرصة لتحول البيض إلى يرقات، ويوضح سلامة بأن نسبة نجاح الحقن بالماكينة تتخطى 90 بالمائة، مضيفاً أن الطرق السابقة كانت تعتمد على إدخال "سيخ" حديدي يُطرق عليه بآلة ثقيلة، مما يتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً مع عدد نخلات لا يزيد عن 3 أو 4 في اليوم ونسبة نجاح أقل.

كما أن تقسيم الواحة لروابط تمثل كل رابطة عدداً من المزارعين، كان سبيل جمعية سيوة لتنظيم التواصل مع أهالي الواحة، من خلال الاجتماع بالروابط لمتابعة الموقف ومناقشة خطوات المكافحة حسب حديث أنور سرحان مدير الجمعية لرصيف22، موضحاً أن سوسة النخيل آفة مُسرطنة انتشرت في مُعظم نخيل الواحة في فترة قصيرة بين 4 إلى 5 سنوات، ولم تشهد سيوة الإصابة بها من قبل.

وبالتعاون مع مركز التنمية المستدامة وفرت الجمعية آلات الحقن والمبيد اللازم للعلاج والمكافحة، وتسعى لإقناع المزارعين بأهمية الحملة، ويقول سرحان إن الجمعية تتبنى مشروع تأهيل المزارع القديمة على مساحة 600 فدان وهي المزارع المعمرة ذات التربة الزراعية الخصبة والإنتاج الضعيف، ويتضمن المشروع مكافحة سوسة النخيل لتحسين إنتاجية هذه المزارع.

تكمن خطورة إصابة نخيل الواحة بسوسة النخيل في تعرُّض أنواع على وشك الانقراض للخطر، وهي حسب تصنيف أطلس التمور من الأصناف النادرة جداً، مثل إرغم غزال وغزال، كما تتفرُّد الواحة بزراعة أنواع أخرى حسب تصنيف الأطلس تحت مُسمى أصناف متوطنة، ومنها أصابع العروسة وأبو تيده وأفراح

أجهزة ومتطوعون

رغم خروج سيوة من نطاق عملهم، كان تهديد الأزمة للثروة القومية الدافع وراء تدخل مركز البحوث التطبيقية التابع لمركز التنمية المستدامة في مطروح حسب قول الدكتور محمد سالم سرحان مدير المركز لرصيف22: "من خلال وحدة المكافحة الحيوية التابعة للمركز توصلنا لمنهج التعامل مع السوسة، فالمكافحة الكيميائية تتطلب وجود أجهزة حقن، وهو ما تم بالفعل بالتعاون مع المهندس المصري جمال الأمير مالك فكرة الجهاز والمُصنّع الرئيسي له".

خمسة وأربعون جهاز حقن كان العدد المُحدد في تقرير وزارة الزراعة لاستخدامها في مكافحة سوسة النخيل في سيوة، ويقول سالم إنهم وفروا قرابة نصف العدد، على أن يتم استيفاء ما تبقى في تشرين الأول/ أكتوبر القادم، موضحاً أن الجهاز يعمل على إيصال المادة الكيميائية لمُستقر الإصابة مباشرة في جذع النخلة من خلال مضخة ومثقاب، مضيفاً أن نسبة نجاح نظام المقاومة بالحقن عن طريق الجهاز بلغت 90%، فهو يساعد على القضاء على الإصابة في طورها الأول، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخطورة تكمن في خروج فراشات تنقل الإصابة بين نخلة وأخرى.

ودفعت محدودية عدد الكوادر الفنية في الإدارة الزراعية للتعاون مع المجتمع المدني والمحلي، وتدريب عدد من أبناء الواحة للمشاركة في حملة الحقن، يوضح سالم أنهم دربوا 12 مهندساً زراعياً على استخدام ماكينة الحقن. وبالتعاون مع جمعية تنمية سيوة بدأ المهندسون في تدريب المتطوعين وتسليم الأجهزة للجمعية، مضيفاً أنهم يسعون حالياً لتدريب 100 فني في مجال المكافحة للمشاركة في الحملة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image