يهدف برنامج جائزة محمود كحيل التي انطلقت عام 2014، إلى تعزيز الشرائط المصورة والكاريكاتير السياسي والرسوم التعبيرية في العالم العربي من خلال إبراز مواهب وإنجازات رسامي الشرائط والقصص المصورة والكاريكاتير في المنطقة. تتلقى المسابقة مئات الأعمال سنوياً، وتطّلع عليها لجان التحكيم المكونة من مختصين/ات دوليين/ات وإقليميين/ات.
يطلق البرنامج كل عام معرضاً سنوياً يضم الأعمال الفنية، ويصدر كتاباً مطبوعاً وإلكترونياً. وتتوزع الجائزة على عدد من الأنواع الفنية: الرسم الكاريكاتيري، والروايات والشرائط المصورة والرسوم التصويرية والتعبيرية، وغيرها مما يرد في هذه المقالة.
هذا العام تبلغ المسابقة-الجائزة سنتها الثامنة، وتتزامن مع الذكرى العشرين لغياب الفنان والرسام محمود كحيل، وقد أقيم مؤخراً المعرض المتعلق برسومات وجوائز هذا العام في المكتبة الوطنية في بيروت، وصدر الكتاب المتعلق بالدورة الثامنة 2023، في ما يقارب 200 صفحة، تضمنت الأعمال الفائزة وأبرز الأعمال المرشحة ومختارات أخرى.
الشخصيات الشعبية من التراث الساذج إلى النقد السياسي
كتب سامح المحاريق في الكتاب المتعلق بالدورة الثامنة لهذه الجائزة، تحت عنوان "عماد حجاج الرجل الذي رأى، الرجل الذي رسم": "انطلقت تجربة الرسام عماد حجاج في أعوام التسعينيات من القرن الماضي، والذي شهد عدة أحداث على الساحة الأردنية، أطلق الحجاج الرسم كفعل مقاومة، مبتكراً عالمه الخاص الذي يرفض أن تنسحب فيه الشخصية الأردنية للانزواء، فالشخصيات الشعبية برغم كل براءتها وأوهامها، يجب أن تبقى لأنها لم تستنفد فعلها تجاه التنامي الطبيعي هوياتياً وطبقياً. وفي هذه المرحلة كان الرسام يقدّم شخصياته التي حملت تحولات الأردن في العقود الثلاثة الأخيرة".
يهدف برنامج جائزة محمود كحيل التي انطلقت عام 2014، إلى تعزيز الشرائط المصورة والكاريكاتير السياسي والرسوم التعبيرية في العالم العربي من خلال إبراز مواهب وإنجازات رسامي الشرائط والقصص المصورة والكاريكاتير
وتشمل رسومات عماد حجاج المنشورة في الكتاب، قضايا الأردن، لكن أيضاً القضايا العربية، ومنها رسم ساخر عن العلاقة بين الطفولة العربية وتتالي تاريخ الحروب العربية من حرب اليمن إلى حرب غزة والعراق، باعتبار الطفل العربي يولد ويؤرخ حياته بتتالي الحروب، ورسم كاريكاتوري ثانٍ بعنوان "مراكب الهجرة المميتة"، وآخر من دون عنوان نرى فيه عازف عود عربياً تتحول أوتار آلته الموسيقية إلى أسوجة. في العالم العربي حتى الفن يوظَّف في حصار المجتمع.
الكاريكاتير في تفكيك مخيال البروباغندا
كتب عثمان سلمي، عن رسومات عمر عبد اللات، وجائزة الكاريكاتير السياسي: "بصور بسيطة وغير نمطية يستلهمها من الحكايات الشعبية والرموز المتخيلة للطفولة، يفضح الرسام آليات الاستبداد والهيمنة التي تسيطر على منظومات الحكم".
وتنطلق مجموعة رسومات الفنان المنشورة في الكتاب والساخرة، من مفهوم أو شخصية الجنرال العسكري، فسلسلة رسوماته، منها واحدة بعنوان "لوحة الحمل الوديع" تتناول مجموعةً من المواقف التي تتحول فيها صورة الديكتاتور إلى حمل وديع، في رسومات البورتريه خاصته وفي الإعلانات الطرقية لحملة ترشيحه للانتخابات، حيث نجد بدلاً من صور الديكتاتور حملاً وديعاً يدعو الشعب للتصويت للحمل البريء مخلص المواطن من الانتهازية الأخلاقية.
أما الفنان السوري رائد خليل، فيُظهر عمله بعنوان "مايسترو السلام والشعب الجائع"، تلك العلاقة بين القائد الذي يلعب في الرسمة دور المايسترو قائد الفرقة الموسيقية، وبين الشعب الذي يؤدي أدوار الجوقة، وتصور الرسمة أفراده وهم يغنون ويؤدون ما يريده المايسترو منهم بدقة، في إشارة إلى الطواعية والانقياد.
وأخيراً، تناول عمل الرسام حسين الداود، بعنوان "الحروب، والغذاء، والديكتاتورية"، دور القادة السياسيين في زرع الكراهية بين أفراد العائلة الواحدة، حيث نرى أباً وقد طرح ابنه أرضاً محاولاً أن يجزّ عنقه، وذلك بناءً على تعليمات القائد أو الزعيم الظاهر أمامه في خطبة على التلفاز.
مدن الجوع والاضطراب وروايات عن المدن المجاورة للأرض
وكتب جورج خوري، في توصيف أعمال جورج أبو مهيا، من لبنان، الفائز بجائزة الرواية التصويرية لهذا العام: "ما يميز عمل أبو مهيا مضموناً هو تناوله سرداً روائياً متماسكاً، وإن كان في عالم سوريالي مليء بالرمزية والشخصيات النمطية خارج ما اعتدنا عليه. أما في ما يتعلق بخياراته الفنية، فههنا تكمن كل من مهارته وتمكنّه الاحترافيين وأسلوبه الذي لا يشبه سوى ذاته، ما يجعله في مصاف الكبار في عالمنا العربي وخارجه".
وقدّم أبو مهيا هذا العام، الجزء الثاني من روايته "مدينة مجاورة للأرض"، في أسلوب غسيل الحبر التقليلي المميز الخاص به، يطلي بدقة جو المدينة طبقةً بعد أخرى، ليلاً ونهاراً. ويأخذنا مع شخصيته في رحلة ديستوبية. يحيط بأبو مهيا ثلاثة من كبار فناني الشرائط المصورة في المنطقة، والمتأهلين للتصفيات النهائية لهذا العام: التونسي سيف الدين ناشي وروايته التصويرية الرمزية "شبح 84" عن ثورة الخبز عام 1984 في تونس، واللبناني جوزيف قاعي وروايته "المضطرب" الفلكلورية الملونة التي تتبع ما يواجه الشخصية الرئيسية من صعوبات في بيئة بيروت المضطربة وحالة القلق الدائم الناتجة عنها، بالإضافة إلى المصرية دينا محمد وثلاثيتها "شبيك لبيك" حيث تخلق مستقبلاً لشخصياتها كي تنتقل في عالم تباع فيه الأماني، تعقيباً على حقوق الإنسان والطبقات الاجتماعية في مصر.
الأبطال الخارقون بين فشل الولايات المتحدة والتهميش المصري
والنص الصغير للكاتبة إستر سيب في كتاب الجائزة، ركز على موضوعات وأسلوبية الفنان جنزير (مصر-الولايات المتحدة)، ومشروعه القصصي المصور الذي يحمل عنوان "فم مطبق ورغبتي في الصراخ" (2020): "تأتي قوة مشروع 'فم مطبق' من مظاهر التوتر العديدة التي حصرت في ست عشرة صفحةً فقط الغضب الصامت. أما بُعد الفنان الجسدي عن مصر فلا يخلق بعداً عاطفياً. الولايات المتحدة، حيث يعيش كل من جنزير الحقيقي وصورته في الشريط المصور ليست أرض الأحرار. خيبة الأمل السياسية وصور الاحتجاجات في مصر والولايات المتحدة الأمريكية أُتبعت بإشارات إلى الأبطال الخارقين، لكن الأبطال الخارقين الذين يتحدّون الفيزياء انتقلوا إلى القفز من نافذة في الضواحي".
تصاميم العالم الموسيقي تعبر الثقافات
وكتب رالف ضومط، في تقديم أعمال الفنانة تريسي شهوان، الفائزة في جائزة الرسوم التعبيرية والتصويرية: "لسنوات عديدة، تعمل تريسي شهوان على تطوير قصص فنية فجة وعميقة من دواخل النفس، ومع ذلك أنيقة، من خلال ضربات فرشاتها المرنة، وطريقتها في تصميم الصور باستخدام كتل من السواد السحيق، ورواياتها التي تصور فيها حياة الشخصيات دون أية تعديلات. تمكنت تريسي شهوان من فرض صوت مشبع غالباً بصخب ليل المدينة".
وتتميز أعمال تريسي شهوان المنشورة في الكتاب، مثل "غلاف ألبوم عودي بانجرز" (2021)، "عمر خورشيد" (2021)، "صالون هدى" (2022)، و"الناس القدامى" (2022)، بجماليات مستلهمة ومتعلقة بالعوالم الموسيقية؛ فهي عملت في التصميم البصري والفني في العديد من المشاريع الموسيقية في لبنان، كما أن معظم أعمالها تتعلق بمشاريع موسيقية، ألبومات موسيقية، ولكن أيضاً في تكريم الموسيقيين كما جاء عملها "عمر خورشيد" في تكريم الموسيقي المصري، وعمل "صالون هدى" المخصص لفيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد.
الشخصيات الحاضرة في أعمال الفنانة أيضاً هي شخصيات موسيقية في حالة من الغناء أو العزف أو التواصل مع الآخرين، لكن الجماليات أيضاً مكثفة لونياً، ومستلهمة ليس من الوسط الموسيقي اللبناني وحده، بل من الأوساط الموسيقية العالمية، ذلك أن العديد من شخصياتها تمتلك تلك الجماليات والأسلوبيات المتعلقة بثورة الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، وتذكّر أعمالها بالقوة السوداء التي تشكلت كتيار كبير في الأدب، الموسيقى، المسرح، والسياسة، وقدّم معه جمالياته وإبداعاته.
الكثافة السريالية في التعبير عن طبقات النزوح
من الرسومات التصويرية والتعبيرية المنشورة أيضاً، أعمال للفنان يوسف الأمين، من السودان، والتي تعتمد على العناصر الحداثية، الصناعية، والإلكترونية الحديثة لتتراكب فوق بعضها بعضاً على طول الصورة وعمقها، لتصبح الكثافة البصرية والتراص في حضور الأشياء والعناصر فوق بعضها بعضاً في غالب الأحيان، الميزة الأولية للتعامل مع الصور التي يقدّمها. في عمله بعنوان "كيمبرا" (2021). نشعر بأن الرسمة تسعى إلى ابتكار مدينة غرائبية، أو قرية تتداخل فيها الأبنية مع الملاعب مع الساعات الضخمة والإشارات المرورية.
أما في عمله بعنوان "أعباء نازحة" (2021)، فتوظف التقنية والأسلوبية التي يتّبعها الفنان بطريقة أكثر من ملاءمة للتعامل مع موضوع الهجرة والنزوح، فالمرأة التي تحمل طفلها وتحتل الجزء السفلي الأخير من الرسمة، يتعالى فوق رأسها بطّ وخيَم، وأكفان على شكل دائري، ومسلحون متخفون يحملون البنادق، أما في قمة الهرم، وعلى أعلى رأس المرأة النازحة فنشاهد حريقاً هائلاً يرمز إلى الدمار والحروب كسبب للهجرة والنزوح وربما في مصيرها أيضاً.
رسومات قضايا المرأة: الجسد-الحرية والثورة-المشاركة السياسية
توظف الفنانة حوراء حمود، من لبنان، أعمالها التصويرية والتعبيرية في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وبالأدق حريتها الاجتماعية في اللباس والتصرف بالجسد، فأعمالها المنشورة في الكتاب تحمل مضمونها بوضوح من خلال العبارات الحاضرة في الصورة، فنشهد في كلا الصورتين امرأتين مختلفتين في الهيئة والمظهر، لكن كلاً منهما مرسومة للتعبير عن حقٍّ من حقوق المرأة، لذا كُتب على "جلابية" المرأة المحجبة: "ما خصك بحريتي الشخصية"، أما على "بروتيل" المرأة الغوتيك المليئة بالوشوم وبالشعر المجعد الهائج: "ما خصك بجسمي". كذلك الفنانة نسمة محرم، من مصر، فهي تشارك بعمل بعنوان "نورا... اكسر قيدها" (2021)، وتجسد فيه العوالم النفسية والتعبيرية والمتقشفة لعالم الاعتقال.
يكتب عثمان سلمي، عن رسومات عمر عبد اللات، وجائزة الكاريكاتير السياسي: "بصور بسيطة وغير نمطية يستلهمها من الحكايات الشعبية والرموز المتخيلة للطفولة، يفضح الرسام آليات الاستبداد والهيمنة التي تسيطر على منظومات الحكم"
الفنانة ديمة نشواتي، من سوريا، فقد عُرفت أعمالها بالدمج بين القضايا النضالية والحقوقية للمرأة والقضايا السياسية والاجتماعية التي تعيشها سوريا، مما يجعل مجموعة أعمالها المتعلقة بهذه الجوانب، نموذجاً مثالياً فعالاً في توظيف الرسوم الغرافيكية في التعبير ليس عن قضايا المرأة، وإنما في التعبير عن الراهنية السياسية والاجتماعية للبلاد، كما في العمل المشارك في الكتاب بعنوان "الثورة تعانق بناتها" (2022)، وفيه يتراكب حضور خمس نساء في وسط اللوحة، فتتداخل الأجساد والأجذع، الشعر و"لحشات" الحجاب، وكذلك الأيدي والرؤوس.
هذا التداخل في الكتلة البشرية تخرج منه، عبر الأزياء، "اللحشات"، أو الحجاب، أقمشة متطايرة ومتطاولة على أطراف الرسمة الأربعة، وعلى كل منها كتبت الفنانة عبارةً تبيّن مقولةً أو أفكار الشخصيات المرسومة، ونقرأ داخل الرسمة العبارات التالية، لتجعل الفنانة من عملها الفني بياناً تتمكن فيه الشخصيات النسائية من التعبير عن آرائهنّ السياسية، الثورية، الحقوقية، ولكن أيضاً حكاياتهن الذاتية:
"لما تكسري الحواجز لازم تكوني مستعدة تخسري كتير ناس حواليك. بس الحقيقة، كسبت حالي".
و"نستمد قوتنا من شراهة الناس التي تحكم سورية إلى المال والقوة، ونحنا نحب حقوقنا بنفس الدرجة".
"نحنا انجبرنا ع التغيير، وما اخترنا هالشي، وهلق ما في رجعة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون