شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"عندما يقول الجسد: أنا أستطيع، يجيب العقل: وأنا أيضاً"... نساء يغيّرن حياتهنّ ويتحررن من القيود

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 10 أغسطس 202310:00 ص
Read in English:

Empowered bodies, empowered minds: Arab women who broke free from constraints and found themselves

تتعدد النظريات حول التعامل مع الجسد. البعض يرى أنه جزء فانٍ وزائل، يجب إهماله لصالح العقل والروح، بينما هناك وجهة نظر أخرى لا ترى في الإنسان سوى مظهره الجسدي فقط، وتحدد مكانته وقدراته عن طريق وزنه وطوله وملامحه.

ولكن لماذا هذا الفصل؟ وهل هو فصل حقيقي أم الإنسان خليط من روح وجسد لا ينفصلان إلا عند الموت؟

خسرت وزني وعرفت أني أستحق أكثر من الحياة

في الواقع، إن العلاقة بين الجسد والنفس تبادلية بالفعل. كل منهما يغذّي الآخر ويعضده بصورة مختلفة، فنجد الكثير من النساء يصبحن أكثر شجاعةً تجاه أخذ قرارات مصيرية بعد فقدان وزن زائد أو القيام بعملية تجميل، ليس بسبب التغيرات الجسدية فقط، ولكن لأن هذه التغيرات عززت ثقتهنّ بأنفسهنّ.

في هذا السياق، قالت أمنية إبراهيم، وهي ناشطة وكاتبة في الثلاثينات من عمرها لرصيف22: "منذ صغري، كان وزني أعلى من المتوسط، وفي العام 2012 وصل إلى أكثر من 120 كيلو. لم أكن أريد أن يراني أحد حتى قمت بعملية ربط المعدة، وقلّ وزني، وعندها شعرت كما لو أن جنّيةً من حكايات الأخوين جريم، قامت بإلقاء تعويذة علي، وأصبحت مرئيةً بشكل مفاجئ، فباتت تُعرض عليّ وظائف أو يثني الآخرون على مظهري، على الرغم من أني لم أتغير بشكل تام، فأنا أرتدي ملابس مشابهةً للملابس القديمة مع اختلاف القياس، ولكن ما تغير بالفعل هو أنا".

أكملت أمنية: "عندما فقدت هذا الوزن الزائد، لم أعد أبالي بأن يراني الآخرون أو لا يرونني، أو أن أبحث عن الحب في عيون الآخرين، في حين أنني في السابق لم أكن أشعر بوجودي إلا بشكل سلبي من خلال التنمر على سبيل المثال على مظهري، وكنت أقبل بعلاقات ووظائف سيئة بالفعل، لأني شعرت في ذلك الوقت بأن حتى هذه الفرص المتواضعة كثيرة عليّ، ولكن الآن أرى نفسي شخصاً مختلفاً وأعرف أني أستحق الكثير".

من خلال سؤال أخصائية التغذية والمعالجة النفسية، إيريني إكرام، حول طبيعة العلاقة بين الجسد والحالة النفسية، وهو مجال تخصصها لأنها تعمل على فك هذا الاشتباك مع مريضاتها ومرضاها، قالت لرصيف22: "عندما يحدث اتصال بين المرأة وجسمها، وتتخلى عن الصورة التي يرسمها لها الآخرون وعن البحث عن قبول نفسها في عيون من حولها، يحدث استقرار وتستمع إلى جسدها وتنفتح على مسألة تصديق مشاعرها، وتالياً تهتم بنفسها في المقام الأول، لا بحثاً عن حب أو قبول، وتتغير شخصية المرأة وتعيد اكتشاف قدرات جديدة لديها لأنها ترى نفسها لأول مرة بعيونها، ويعود الشخص في هذه الحالة إلى فطرته الأولى، عندما كان طفلاً يؤمن بقدرته على أن يقوم بكل شيء قبل أن تكبله توقعات البالغين/ ات".

"عندما فقدت هذا الوزن الزائد، لم أعد أبالي بأن يراني الآخرون أو لا يرونني، أو أن أبحث عن الحب في عيون الآخرين، في حين أنني في السابق كنت أقبل بعلاقات ووظائف سيئة بالفعل، لأني شعرت في ذلك الوقت بأن حتى هذه الفرص المتواضعة كثيرة عليّ"

ومن وجهة نظر إيريني، يحدث التحول الذي نراه في أحوال الكثير من النساء اللواتي تتغير حياتهنّ بعد تغييرات جسدية بسبب التغلب على نقطة البحث عن قبول الآخر: "تركز المرأة جهودها للبحث عن نفسها واحتياجاتها، الأمر الذي قد يدفعها في اتجاه أخذ قرارات كبيرة مؤجلة منذ سنوات طويلة، أو رفض زواج سيئ أو وظيفة غير مناسبة".

أيقنت أني جميلة فتجرّأت

في أحوال أخرى، تصبح نظرة المرأة المغلوطة تجاه جسدها بمثابة العقبة التي تؤجل أخذ القرارات الكبيرة، فتبعاً لكتاب "The Rules of "Normal" Eating" لكارين ر. كونيغ، قد يتخذ الشخص من الوزن الزائد أو النحافة الشديدة أو غيرهما من العوامل الجسدية التي يظن أنها تحتاج إلى تغيير، "ستارةً" تمنعه من إجراء تغيير مهم حتى يحل هذه "المشكلة" فتتحول إلى حجة للتأجيل.

في السياق نفسه، تقول الشابة الثلاثينية، ياسمين محمد، لرصيف22: "كان وزني متوسطاً إلى أن تزوجت وأنجبت، فازداد وزني بشدة، وفي هذه الفترة، عيّرتني والدة زوجي بوزني وحجمي، مع كلمات محبطة مثل القول بأنني لن أفقد هذا الوزن على الإطلاق. بعدها قررت أن أواجه الاكتئاب بمحاولة الوصول إلى المعايير المثالية، ولكن تحوّل اهتمامي بفقدان وزني إلى هوس مرضي، ما أضرّ بصحتي بصورة مباشرة، ووضعني تحت ضغط كبير من الناحية النفسية".

"شعرت بأني أنا، إذ إن انعكاس صورتي في أي مرآة وقت الحجاب كان يتعسني. لم أعد أشعر بذلك بعد الآن"

وتتابع ياسمين: "لقد تحول كل اهتمامي إلى ماذا آكل؟ وكيف أبدو؟ وإلى أخذ قياساتي، ثم اتخذت في وقت متزامن قرار الطلاق. بعد ذلك لم أعد أهتم إلى هذه الدرجة بوزني، بل انتقل تركيزي إلى جوانب أخرى من حياتي مثل أطفالي وعملي".

تحمل علاقة المرأة بصورتها الجسدية الكثير من التقاطعات، فربما صدمة تأخذها إلى قرار تقوم بسببه بتغييرات كبيرة، مثلما فعلت آية حسن التي تحدثت إلى رصيف22، عن السبب وراء تخلّيها عن الحجاب قائلةً: "عندما تعرضت لرفض عاطفي، كان رد فعلي في اليوم التالي مباشرةً هو خلع الحجاب بلا أي مقدمات. لم يكن السبب انفعالي، ولكني كنت أقوم بشيء لا أحبه ولا أتقبله من أجل نيل قبولٍ مجتمعي وعاطفي، وعندما لم أحصل على المقابل المنتظر شعرت بأن هذا الشيء الذي لا أتقبله يأكلني حيّةً، فقررت إخراجه من حياتي".

وعن شعورها بعد هذا القرار، قالت آية: "شعرت بأني أنا، إذ إن انعكاس صورتي في أي مرآة وقت الحجاب كان يتعسني. لم أعد أشعر بذلك بعد الآن".

هذه مجرد أمثلة على رحلات بعض النساء اللواتي اتخذن من التغيرات الجسدية مفتاحاً أوسع في حياتهنّ واكتسبن جرأةً وشجاعةً لترك ما كان يكبّلهنّ بصمت في الماضي ليؤكدن على المقولة التالية: "عندما يقول الجسد: أنا أستطيع، يجيب العقل: وأنا أيضاً"

من جهتها، خاضت رشا توفيق، وهي أخصائية شؤون التعليم في إحدى الجامعات، رحلةً مختلفةً منذ بداية الأربعينات من عمرها. تقول لرصيف22: "في العشرينات كان لدي الكثير من المشكلات مع شكلي، ولكن تبين لاحقاً أن السبب وراء ذلك شخصيتي وليس مظهري. كنت أحب نفسي بشكل أقل من الآن، وذلك لانطوائيتي الشديدة وقلة خبرتي، وتخيلت أن الآخرين يرونني قبيحة، وبالتبعية نظرت إلى نفسي بالطريقة نفسها، ولكن مع الخبرات والعمر والسنين أدركت أنه لا توجد فتاة قبيحة، بل هناك واحدة تعلمت كيف تهتم بنفسها ليظهر جمالها، وأخرى لا، وعندما انتقلت من الفئة الثانية إلى الأولى حدثت تحولات عدة في حياتي؛ أجريت عملية ليزر لعينيّ، وتخليت عن النظارة الطبية، واهتممت بطعامي وصحتي، فاكتسبت بعض الوزن بعد طول نحافة، وأصبحت أولي بعضاً من وقتي لبشرتي وشعري، وأخذت خطوةً كبيرةً أخرى عندما أتممت أربعين عاماً، وهي بدء تقويم أسناني عند طبيب متخصص".

وعن الاختلافات بعد هذه التغيّرات كلها، تردّ بكلمتين فقط: "أصبحت أجرأ".

هذه مجرد أمثلة على رحلات بعض النساء اللواتي اتخذن من التغيرات الجسدية مفتاحاً أوسع في حياتهنّ واكتسبن جرأةً وشجاعةً لترك ما كان يكبّلهنّ بصمت في الماضي ليؤكدن على المقولة التالية: "عندما يقول الجسد: أنا أستطيع، يجيب العقل: وأنا أيضاً". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image