أمكث في المنزل لأيام، عاجزة عن الخروج، خائفة من التفكير في ما سأرتدي، وتجتاحني التساؤلات: كيف سينظر لي الناس، هل يرمونني بنظرات حادة حتى رجوعي إلى البيت؟
هذا لسان حال الكثير من أصحاب/ صاحبات الوزن الزائد، مما دفع بعضهم/ن لعمليات جراحية، ولكن القلق المفضي إلى الاكتئاب والأفكار الانتحارية لم ينته مع نحافتهم/هن المكتسبة، بل تطور وازداد تعقيداً وحيوية، تماماً مثل دنيا.
خضعت دنيا (27 عاماً) لعملية تكميم المعدة، وهي واحدة من مجموعة من جراحات علاج السمنة، التي تتحكم في المعدة والأمعاء للمساعدة على إنقاص الوزن، اضطرت إلى ذلك بعد بلوغها 90 كيلوغراماً، وكلفتها العملية 30 ألف جنيه مصري (1909 دولار)، تقول: "جسمي ملآن، ظللت نصف عمري غير راضية عنه، لذا اتخذت قراري دون تفكير طويل، ما زلت في مرحلة النقاهة".
وتضيف: "نفسيتي أصبحت سيئة جداً بعد العملية، وتملكني الاكتئاب، ومع الأسف علمت أن الأمر طبيعي، وكل من خضع لها مر بهذه المرحلة".
أحست دنيا أنها عادت طفلة رضيعة، لم تتجاوز مرحلة السوائل إلى الأكل، بالإضافة إلى تغير عادتها الغذائية، وتوقيت الوجبات. وتضطر لأن تمسك كوب المشروب طوال اليوم تقريباً، كل ذلك جعلها عرضة لاضطرابات نفسية وصلت إلى حد الاكتئاب.
ضغط مادي كبير
كحال كثيرين، أدت فترة الإغلاق بسبب انتشار فيروس كورونا إلى زيادة معاناة مريم محمد، ذات الـ 25 ربيعاً، من أعراض السمنة المفرطة. تروي: "طوال حياتي أعاني من السمنة، ولكن لم يكن الأمر كبيراً وملحوظاً، حتى تسببت فترات الحجر الصحي في زيادة وزني إلى 105 كيلوغرامات، وهذه زيادة لم أختبرها من قبل.
تأثرت نفسيتي تماماً، وقررت أن أخضع للعملية الجراحية وإن كلفتني الاقتراض من البنك 50 ألف جنيه مصري (3182 دولار)، وهو المبلغ الذي يعادل تكلفتها".
وتتابع: "توقعت أن أصبح فتاة نحيفة بعد العملية، لكن وزني عاد إلى 69 كيلوغراماً. هذا الرقم مخالف قليلاً لتوقعاتي، خاصة أنني شخص يعاني من"emotional eating" أي ارتباطي بالطعام عاطفي، وبعد العملية لم تتغير عادتي في الأكل، وهذا ما جعل شعوري بالاكتئاب يزداد، خوفاً من زيادة الوزن مرة أخرى فلجأت للطبيب النفسي".
"خسرتُ جميع الفيتامينات، وفقدتُ شعري، وأصابني الاكتئاب، وظللت في المستشفى لمدة شهر، فالعملية ليست سحراً"
تقول مريم إن السبب الرئيسي لخضوعها للعملية هو تعليق أسرتها المستمر على وزنها. ولا تزال ترى نفسها تلك الفتاة السمينة رغم فارق الوزن، لكن النتيجة خيبت توقعاتها في أن تصبح نحيفة، لذا لم تتقبل شكلها بعد.
بعد مرور أيام على العملية، تماماً مثل دنيا، ساءت نفسية مريم إذ لم تتناول إلا السوائل وطعاماً مطحوناً مثل الأطفال.
في صحبة الاضطرابات النفسية
في الأسبوع الثاني بعد إجراء العملية، اجتاحت مريم رغبة في المضغ مرة أخرى، وظلت لأكثر من شهر يرفض عقلها شعور الشبع من كميات قليلة، تقول: "كنت أشعر بالجوع ولكن معدتي لا تتحمل المزيد، حتى وأنا آكل أخشى الوقوع في الخطأ، كتناول طعام ساخن أو به توابل".
لم تعتد مريم تأثير جسدها الأقل وزناً على من حولها، فبدأ بعض أصدقائها الذين قطعوا علاقتهم معها أو خفضوها إلى الاتصال بها، مما زاد من اضطرابها النفسي، تقول: "قطعت علاقتي بعدد كبير منهم، شعرت كأنهم كانوا يشعرون بالخجل مني سابقاً".
وسخرت منها أختها لأنها "خسرت وزنها بالفلوس"، فيجب أن لا تنصح أحداً بشيء يخص زيادة تناول الطعام.
الاضطراب أيضاً يرافقها وهي تشتري الملابس، فهي لا تدرك بشكل كافٍ مقاساتها الجديدة، وتذكّر نفسها باستمرار بقائمة الممنوعات مثل: العلكة، والمشروبات الغازية، تقول: "أصبح لا يوجد لدي ما أشربه، ومؤخراً أصبحت أفضل تناول الطعام بغرفتي وحدي، وأحاول التعويض النفسي بطبخ الطعام للغير، ربما يمنحني ذلك الشعور بالرضا".
لم يعد الطعام رفيقها عندما تشعر بالاضطراب والضيق أو الخسارة، لذا لجأت لمتخصص نفسي يساعدها على تجاوز تلك المشاعر.
لفتت دراسة طبية حديثة بجامعة ساني بروك الكندية إلى أن معظم البدناء الذين خضعوا لجراحات تدبيس وربط المعدة معرضون للإصابة بمخاطر صحية ونفسية، قد تصل أحياناً إلى الانتحار.
وأرجع الباحثون ذلك إلى تعرض البعض منهم لسوء الحالة المزاجية والنفسية بعد العملية، فالأكل له وظائف عضوية نفسية مهمة، مثل: السعادة بالتذوق، كما أنه عند البعض وسيلة للتعامل مع الضغط النفسي.
وتؤدي هذه العملية الجراحية إلى اضطراب وظيفة الجهاز الهضمي، وتقييد المريض بطعام معين، ما يُحدث آثاراً نفسية سلبية، مثل الخوف من زيادة وزنه مرة أخرى عقب إجراء الجراحة، وقد يصاب بالاكتئاب نتيجة عزلته وشعوره بالوحدة.
وقد نشرت مواقع صحافية محلية، نقلاً عن حملة "100 مليون صح"، أن قرابة ربع المصريين هم من أصحاب الوزن "الطبيعي"، أي أن 75% يتخطون وزنهم "الطبيعي"، واعتبرها البعض جزءاً من حالة سياسية تصم عموم المصريين بكثرة تناول الطعام، مما ينفي وجود فقر وعوز.
الدكتور محمد طه، استشاري الطب النفسي، أشار في إحدى مقالاته إلى أن ما يحدث بعد جراحات السمنة، هو تغير في شكل الجسم، ما يتسبب في اضطراب العقل أحياناً، وبالتالي قد يُصاب البعض بالاكتئاب، نظراً للحاجة إلى التأقلم مع الجسد الجديد.
تدبيس المعدة
خضعت دينا بركات (34 عاماً) لجراحة تدبيس المعدة قبل ستة أعوام، بعد أن جربت طرق عدة لفقدان الوزن بلا طائل، تقول: "كان يجب أن أخفض وزني 25 كيلوغراماً منها 15 دهوناً كي يمكنني الخضوع للعملية، ويصبح وزني 125 كيلوغراماً ولكني خضعت للجراحة بعد بلوغه 117 كيلوغراماً على مسؤوليتي".
وتضيف: "حظي كان سيئاً، وظلت معاناتي بعد العملية عاماً كاملاً في المستشفيات لأني فقدت جميع الفيتامينات، وفقدت شعري، وأصابني الاكتئاب. العملية ليست سحراً. لا بد أن أتبع نظاماً غذائياً، وإذا عاد بي الزمن فسأخضع للعملية مرة أخرى، وأنا مستعدة بشكل صحيح".
لجأ أحمد إلى التدخين للتعويض بالسيجارة عن الأكل، وإلى جلسات دعم نفسي مع طبيب مختص بسبب الاكتئاب، يقول: "الوضع الذي أنا فيه (بعد إجراء العملية) جديد ومعقد"
على عكس مريم، حصلت دنيا على الدعم ممن حولها فخففوا عنها مرحلة الاكتئاب، وأرجعت تلك المشاعر السلبية إلى عدم إيجاد بديل عاطفي عن الطعام، إذ كان يشبعها نفسياً، فباتت تشتري الطعام بكميات أكبر لتشعر بالشبع والراحة.
وشكت دنيا من تكلفة العملية وتكلفة التحاليل والأدوية التي تسبقها، ومجموع ما أنفقته يقارب 100 ألف جنيه (6365 دولار).
التدخين بدلاً من الأكل
فقد أحمد، الذي يعمل محاسباً في أحد المراكز الطبية (30 عاماً)، شهيته هو الآخر في الأيام التي تلت إجراء العملية، ولم يكن يتناول سوى السوائل بناءً على طلب من الجراح.
يتذكر أحمد تلك المرحلة جيداً: "البطاطا المهروسة هي أول وجبة غير سائلة تناولتها خلال أربعة أسابيع، وتفاجأت بأن تلك الوجبة أصبحت مشبعة تماماً، لكن لم تختف الرغبة في تناول الحلوى والأطعمة، للمرة الأولى في حياتي أتبع العادات الغذائية الصحية".
خضع أحمد لعملية تكميم المعدة لإنقاص الوزن، خاصة بعد وصوله إلى 122 كيلوغراماً تقريباً، وزنه انخفض بعد شهور من العملية إلى 68 كيلوغراماً، وتغيرت نظرة الجميع إليه، وذلك بعد معانانه مع الرفض في العلاقات العاطفية، وأحياناً في العمل، ولم يكف أحد عن تبويخه أو التعامل معه على أنه مريض يستحق الشفقة بسبب وزنه.
العلاج والأدوية النفسية وراء زيادة وزنه، وبعد تخلصه من الوزن استمر معه الاكتئاب بدرجة أشد حدة، خاصة بعد اكتشافه بأنه كان بالنسبة لأصدقائه وزملائه مجرد "نكرة"، لا يرغب أحد في مصاحبته.
لجأ أحمد إلى التدخين للتعويض بالسيجارة عن الأكل، وإلى جلسات دعم نفسي مع طبيب مختص بسبب الاكتئاب، ينهي حديثه قائلاً: "الوضع الذي أنا فيه جديد ومعقد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون