شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الهزل الذي يحبه الملك… هكذا أصبح

الهزل الذي يحبه الملك… هكذا أصبح "مرتضى منصور" ساخرنا الأكبر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 2 أغسطس 202301:43 م


"صفقات إيه اللي هعلن عنها والكهربا قاطعة؟! هو أنا هعلن عن صفقة الأندرتيكر؟"

- مرتضى منصور

منذ أن أخبرنا طفل أن الملك عارِ، وثمة حدود تاريخية واضحة: للسلطة الجد، ولنا الهزل والسخرية منها. لكن ماذا تبقى لنا منذ أن كفت السلطة أن تأخذ نفسها على محمل الجد سوى كآبة الجدية، وخطر تحول الهزل إلى طقوس فارغة من المعنى؟

إدراك التناقض شرط السخرية، لكن أين تجده في مسخ يعلم أنه يواجهك عارياً من كل زينة؟

ما استولت عليه “الفاشية الجديدة” ليس رداء الملك، بل رداء المهرج. وهزلنا بات محاولة يائسة لعقلنة الأمور وإعادة الجدية إلى الملك. استعادة يائسة للنقطة صفر؛ أن تستعيد السخرية قدرتها على تعرية الملك.

نكتتنا لا تخبر المسخ أن كابوسه لا يرعبنا. نحن نهمس لأنفسنا: لعل يد الغدر، لم تصل إلى كل مكان بعد. كلماتنا ليست إلا صدى الغرفة المعزولة، أنين يائس، زفرات حقد على المهرج الأكبر، إلا أننا نعلم أنَّا لن نجد حركات أكثر تشويقاً من عرضه اليومي.

ما استولت عليه “الفاشية الجديدة” ليس رداء الملك، بل رداء المهرج. وهزلنا بات محاولة يائسة لعقلنة الأمور وإعادة الجدية إلى الملك. استعادة يائسة للنقطة صفر؛ أن تستعيد السخرية قدرتها على تعرية الملك

قتل السخرية بالعبث

في السخرية تاريخياً شيء من التمرد على الواقع والسلطة. لكن في حالتنا، وفي الوضع الذي وصلنا إليه، أعتقد أنها جزء من حالة التطبيع مع ذلك الواقع، مجرد تخفيف من الضغوط. تخفيف لن يؤثر في بنيان السلطة بأي حال من الأحوال. لذا حتى لو وجدنا ساخرين أذكياء، فلن نجد لهم تأثيراً حقيقياً، كالتأثير الذي صنعه كتاب في عصور قريبة وبعيدة كبلال فضل في فترة كتابته الساخرة، أو جلال عامر أو محمود السعدني أو باسم يوسف في برنامجه الشهير البرنامج.

يمكن مثلاً أن نأخذ تحول بلال فضل من الكتابة الساخرة الصريحة، إلى الجدية في مواجهة السلطة، دليلاً على أنه يعلم أنه لن يكون أكثر هزلاً منها، وأن المساحة الوحيدة الممكنة للتعاطي معها هي أن يكون أكثر جدية من هزلها. هو مجبر على ذلك، كي يفسح المجال للتناقض، ومن ثم الفهم. والغرض لن يكون تعرية هزل السلطة، لأنه شيء معلن؛ بل فضح كابوسية ذلك الهزل.

أظن أن السلطة الآن قد تضحك فعلاً مع النكتة التي تطولها، فهي لا تفتقر لحس الدعابة، على الأقل في تصرفاتها. فالنكتة تقدم بديلاً عن الغضب، النكتة تخفف الغضب. لقد صار الهزل ملاذها الأخير.

مرتضى منصور يلوح مهدداً بـ"سي دي" في أحد البرامج التي أذاعها تلفزيون الدولة المصرية قبل سنوات

مرتضى منصور... الساخر الأكبر

"هنصلي الفجر ونرجع نكمل الفضايح لممدوح عباس، السهرة صباحي النهاردة"

- مرتضى منصور

الساخر الأكبر في هذا العصر، لن يكون إلا رجل دولة، أرشح مرتضى منصور لهذا المكان، وكلمة رجل الدولة هي تعريفه هو لنفسه، وهو التعريف الوحيد الدقيق لهويته، فهو ليس مستشاراً كما يحرص على تأطير اسمه، فقد ترك القضاء منذ زمن طويل، كما أنه ليس رئيساً لنادي الزمالك، فهو معزول بحكم محكمة؛ لكنه بطريقة ما هو الرئيس الفعلي لذلك النادي، رغماً عن الدولة، أو بسبب كونه "رجلها" القادر على أن يسخر فعلاً من قوانينها وقواعدها. إنه يعرفها بعمق، ادعائه كله قائم على أنه يملك "سي دي"، أن الكل خائف، وأن ثمّة "بطحة" على رأس كل من أعدائه، أن في العمق لا دولة هناك، بل مجموعة من المتناقضات.

أما المضحك حقا فهو أن التجارب والاختبارات التي تعرض لها، تثبت أنه لا يملك شيئاً ذا قيمة، سوى صراخه المستمر كالأطفال: "الملك عار".

وفي كونه رئيساً لناد ومستشاراً وهو ليس كذلك في الحقيقة، في كونه محامياً خسر أغلب قضاياه، ألا تكمن هنا مفارقته الهزلية المضحكة؟

وإن كان يؤمن بالسحر، ألا يماثل ذلك إيمان رأس الدولة نفسه بالغيبيات والدعم الإلهي غير المشروط الذي حصل عليه لدفع مصر إلى الهاوية.

لأن الكذبة صارت مفضوحة في ذاتها، لا تحتاج إلى كشف يقدمه ساخر من خارج النظام، إذن فمن أين يأتي الهزل إلا من رجال الدولة، كمرتضى منصور، إنه الساخر الأكبر الآن

ولأن الكذبة صارت مفضوحة في ذاتها، لا تحتاج إلى كشف يقدمه ساخر من خارج النظام، إذن فمن أين يأتي الهزل إلا من رجال الدولة، كمرتضى منصور، إنه الساخر الأكبر الآن.

لا يمكن لأحد أن يصعد مسرحاً ليقدم فقرة عنوانها فضح تناقض تصرفاته، فصاحب السيديهات من البداية لم يلتزم شرط الجدية، حتى أن بعض نكاته التي تفلت منه تقترب أحياناً من الحقيقة. وبعضها - حتى وإن كان غير حقيقياً- يمتلك شرطي اللماحية والذكاء، اللذان يفجران النكتة… نكتة مريرة بعض الشيء، كونها صادرة عنه، وكونها فاضحة لنفسه وللسلطة التي يمثلها.

يؤكد منصور المرة تلو المرة على هزليته شديدة الجدية، إنها النكتة وقد افتقرت إلى الضمير الذي تشترطه أي نكتة جيدة، وهنا مكمن وحشيتها، فرجل الدولة هذا هو مرآة لطاغية أكبر منه، تنفلت منه البلاد من وضع التردي إلى الانهيار الذي يبدو كأنه كطريق بلا عودة.

النكتة الأكبر أنه ينكر أن كل ذلك يحدث. لا شيء سيوقفه عن مواصلة العرض الذي يزداد إبهاراً، حتى ولو تحول نادِ تاريخي على يديه إلى مجرد فقرة ممتعة في السيرك الكبير المنصوب لتسلية الجماهير. 


يمثل مرتضى منصور مزاجاً أكبر لجماهير لا ترتبط بناديه، بل ترتبط بحب اليمين المحافظ المنحط والفهلوي، التعبير التافه عن فكرة الرجل القوي. يعرف مرتضى ذلك، ويقول للجماهير صراحة - بينما ناديه ينهار بسببه -: "الزمالك محتاج رئيس قوي، وإنتوا بتضيعوني من إيديكوا" ألا يذكرنا ذلك بمن يمثله منصور؟ مرتضى منصور هو بالضبط المرآة المطلوبة لملك عار، بات الجميع يعاينون عريه إلا هو. 

على لسان مرتضى منصور تبدو الدولة أكثر وضوحاً من كل ادعاءاتها عن نفسها، حتى في تصريحاته التي تدفع للمزيد من الاحتقان. هو ابن صوت جماهير مشجعي الكرة في مصر، التي لا تهمها الحقيقة. هو أكثر وضوحاً بشأن السياسة، إذ يمارسها من دون اعتبار للقيود والتعقيدات، كما يفعل هؤلاء اللذين ذهبوا ببساطة إلى تسيير الأمور بوحشية، مع ارتداء معطف طويل من الأخلاقيات الزائفة. 

مرتضى منصور في تهريجه المستمر، يمثل عقل الدولة اللاواعي الذي يحتاج إلى التخفف من انضباطه، ويحررها من عبء المعنى الذي تضطر إلى حمله، لأنها إذا أجبرتها الظروف الدولية وتمرير الانتخابات الرئاسية الحالية على التصرف بعقلانية؛ فتلك العقلانية ليست إلا قناعاً مؤقتاً يخفي الوجه الذي وجدته الدولة مناسبا لها: وجه عبثي يتصرف بلا مسؤولية. فتصرفاتها العقلانية القليلة التي تضطر إليها ستنهار، لينكشف من ورائها المعنى الضمني الذي حكمتنا به طيلة 13 عاماً، معنى أكثر سواداً وفوضوية وتشاؤماً، عند أقل فرصة لعدم الاضطرار سيثور الوجه الأصلي على القناع المؤقت، وجه من الجنون والأوهام.

ولأن من يضحك لا يستطيع أن يعض… يواصل مرتضى منصور السخرية – مثلنا- من دون فعالية. وكلما تورط في الخسارة، كلما زادت كابوسية هزله.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard