شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب... هل يواجه وزير العدل المحافظين؟

إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب... هل يواجه وزير العدل المحافظين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات الشخصية

الاثنين 31 يوليو 202301:59 م

في ظل تصريحات إعلامية متواترة لوزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، تفيد برغبته في إلغاء الفصل 490 من مشروع القانون الجنائي خلال تعديل القانون، وهو فصل يجرّم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين، يظهر "انقسام" في صفوف الأغلبية الحكومية التي ينتمي إليها بخصوص الموضوع. الفصل الذي تطالب الحركة الحقوقية بدورها بإلغائه، يعكس موضوعاً شائكاً في المجتمع يمتد إلى الأحزاب السياسية.

في المجتمع، كما في الأحزاب، هناك تياران أوّلهما يقول "نعم" للتغيير المجتمعي من داخل القانون، وثانيهما "يرفض" بشكل مطلق كل ما يناصر الحريات الفردية. لهذا، بقي الجدال العمومي حول الموضوع منحصراً في متاهات السّياسة والأيديولوجيا الحزبيّة ورؤية الحداثي في مواجهة "المحافظ".

لكن، هل يستطيع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي أن ينتزع مجتمعاً بكامله من "ترسّبات الثقافة والأعراف وثقل العادات المجتمعية" التي لا تنظر إلى هذا الموضوع إلا بـ"منظار التجريم"، خاصةً أن الأحزاب التي تشكّل الائتلاف الحكومي أي "التجمع الوطني للأحرار" (حزب رئيس الحكومة) و"الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، لم تُظهر أيّ توافق مُعلن بخصوص التعديلات المقترحة لقانون العقوبات المغربي، خصوصاً أن الوزير وهبي يتمسك بالطرح الحداثي في ما يتعلق بإلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين خارج مؤسسة الزواج، وهو الطرح الذي يدفع به حزبا "الحمامة" (التجمع) و"الميزان" (الاستقلال)، والذي يرمي بكرة التغييرات الكبرى إلى مفهوم "الثوابت"، أي نحو "اختصاصات الملك حصراً"، باعتباره "أميراً للمؤمنين"؟

وهبي ضد الجميع؟

بعد حصول الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، على ثقة البرلمان عام 2021، سرعان ما قامت بسحب مشروع القانون الجنائي من مجلس النواب، مبررةً الأمر بـ"ضرورة مناقشة المشروع في شموليته"، وموضحةً أنّ سحبه أتى كذلك "لصعوبة مناقشته بشكل مجزّأ على مستوى المؤسسة التشريعيّة".

مربط الإشكال الذي لا يزال النقاش المجتمعي، وكذا السياسي، قائماً حوله هو أن القانون الجنائي المعمول به حالياً في المغرب في فصله 490، ينص على أنّ "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة". فإذا كان هذا الفصل من مجموع القانون الجنائي يشدد على أن وقوع علاقة جنسية بين رجل وامرأة خارج إطار الزواج يرقى إلى مرتبة "الجريمة" و"الفساد"، فإن ائتلافات حقوقية تعدّه "فصلاً تمييزياً وقابلاً للتّأويل".

هل يستطيع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي أن ينتزع مجتمعاً بكامله من "ترسّبات الثقافة والأعراف وثقل العادات المجتمعية" التي لا تنظر إلى العلاقات الجنسية الرضائية إلا بـ"منظار التجريم"؟

يقود وزير العدل الحالي، عبد اللطيف وهبي، حملةً للدفاع عن التعديلات التي من المرتقب أن تُحدثها وزارته على مستوى مسوّدة القانون الجنائي قبل عرضها على مجلس النواب. كان الرجل ولا يزال مناصراً لإلغاء تجريم العلاقات الرضائية بين الراشدين في الفضاءات الخاصة، حيث أكد في حوارات صحافية سابقة على أن "هنالك توجهاً من أجل عدم تجريم العلاقات الرضائية في الفضاء الخاص، على أن يتم وضع بعض الشروط في الفضاء العام، مع تخفيض العقوبة المنصوص عليها في القانون الجنائي المعمول به حالياً".

وزير العدل أضاف: "أنا لم أتراجع، ولكن أنا ملزم بنوع من التوازن، أريد أن أغيّر أكثر ما يمكن، وأريد كذلك أن أحافظ على قيم وقناعات المغاربة. ليست تلك التي يتحدث عنها البعض، بل هي قيم يمكن أن تكون حداثيةً وجريئةً وشجاعةً أكثر". لكن ومع استمرار خوض وهبي وحده، هذه المعركة دون حزبَي التجمع الوطني للأحرار والاستقلال، يبقى السؤال الرئيسي: لماذا تُرِكَ وهبي وحيداً؟ ولماذا لا يمكن أن تكون الأغلبية الحكومية على قلب رجل واحد إزاء تصور وزير العدل للعلاقات الرضائية؟

توافق مفقود بين الأغلبية

في الأصل، وكما يرى متتبعو الشأن الحزبي في المغرب، فأحزاب التجمع الوطني للأحرار و"الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، التي تشكل الأغلبية الحكومية اليوم، تُعدّ أحزاباً متباعدة الرؤى والأيديولوجيات، فالأول حزب "ليبرالي" يصنفه المحللون السياسيون ضمن يمين الوسط، والثاني حزب محافظ. أما حزب الأصالة والمعاصرة فيُصنّف عادةً ضمن وسط اليسار ويُنَصّبُ نفسه نصيراً للحداثة والحريات.

ظهرت خلال جلسة الأسئلة الشفوية في 24 من تموز/ يوليو الماضي في مجلس النواب، ملامح "خلاف وعدم تفاهم" بين مكونات الأغلبية حول الحريات الفردية، وتحديداً العلاقات الرضائية، حيث هاجم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية وزير العدل، موضحاً أنه "يعوّل على رئيس الحكومة لإصدار قانون يشبه المغاربة ويحافظ على هويتهم وتنوعهم"، الأمر الذي حدا بوهبي إلى الشكوى إلى نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وفق ما أفادت مصادر حزبية لجرائد وطنية.

محمد شقير؛ الكاتب والمحلل السياسي، يقول في هذا الصدد: "إن ما يعيق في الأساس التوافق بين أحزاب الأغلبية في ما يخص هذا الموضوع، طبيعته وحساسيته في مجتمع ما زال في عمقه محافظاً".

أضاف شقير في حديثه إلى رصيف22، أن "ما يعيق هذا التوافق كذلك هو الاختلاف الكامن بين رؤى ومذاهب أحزاب الأغلبية؛ فحزب الاستقلال حزب محافظ يتبنى رؤيةً محددةً في ما يتعلق بالعلاقات الرضائية، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة يتبنى رؤيةً أكثر تقدميةً في ما يتعلق بهذا الموضوع بالنظر إلى قاعدته التي تشمل يساريين سابقين وناشطين تقدميين".

إن ما يعيق في الأساس التوافق بين أحزاب الأغلبية في ما يخص هذا الموضوع، طبيعته وحساسيته في مجتمع ما زال في عمقه محافظاً

وعدّ الكاتب والمحلل السياسي أن "عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل، يتبنى هذا الملف في مواجهة خصومه السياسيين، خاصةً الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران الذي يتخذ من هذا الملف سلاحاً لإعادة ترميم نكسة حزبه الانتخابية والحفاظ على ماهيته الفكرية وقاعدته السياسية".

وبخصوص إمكانية حدوث توافق بين الأحزاب الثلاثة المؤلفة للائتلاف الحكومي، يرى شقير أنه "من الصعب أن يتم التوافق بين مكونات الأغلبية نظراً إلى اختلاف الرؤى بينها، وكذا لتورّع هذه الأغلبية عن المغامرة في قضية حساسة قد تثير عليها بعض مكونات الرأي العام"، موضحاً أن "في حال حصول توافق بين أحزاب الأغلبية، فذلك قد يسهّل تدبيج مبادئ الحريات الفردية ضمن مشروع القانون الجنائي الذي من المرتقب أن يتم عرضه على البرلمان. وهذا الأخير تتوفر فيه الحكومة على أغلبية مريحة ستساعدها على ضمان المصادقة على هذا المشروع".

حيطة المجتمع المدني المغربي...

يُعدّ "ائتلاف 490" من أبرز المنظمات الجمعويّة المغربيّة التي تتبنى نداء "إلغاء تجريم العلاقات الرضائيّة خارج إطار الزّواج"، حيث ينادي منذ مدة بإسقاط الفصل 490 من القانون الجنائي.

تفيد كريمة رشدي، عضوة المكتب التنفيذي للائتلاف، أنّ "التدافع السياسي بين الأحزاب بخصوص إلغاء تجريم العلاقات الرضائية راجع إلى هواجس انتخابيّة محضة"، إذ تقول: "نعرف مسبقاً موقف الأحزاب السّياسية المغربية من إلغاء تجريم العلاقات الرضائية. إنها تنظيمات سياسية تفكّر بمنطق انتخابي ضيق؛ من ثمّ، تعمل على إرضاء قواعدها الانتخابية العريضة، التي توصلها إلى الحكومة".

"هذه القواعد التي تنتمي إلى فئة اجتماعية هشة هي المتضرر الأول من هذا الفصل، وواجب الأحزاب حمايتها من القوانين المجحفة وتوعيتها، وليس استعمالها واستغلالها ببشاعة كي تصوّت لها"، تستطرد رشدي في حديثها إلى رصيف22، قبل أن تضيف "أنّ الائتلاف لديه تجربة مؤسفة مع الأحزاب السياسية المغربية، حيث سبق لنا قبل الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، أن وجّهنا إلى الأحزاب سؤالاً بشكل مباشر بشأن موقفها من الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي".

يرجع التدافع السياسي بين الأحزاب بخصوص إلغاء تجريم العلاقات الرضائية إلى هواجس انتخابيّة

وتوضح المتحدثة أن "الائتلاف قام بهذه الخطوة استجابةً لطلب العديد من الشباب الذين يتابعوننا ويدعموننا؛ وكان خياراً إستراتيجيّاً لمعرفة ما إذا كانت هذه الأحزاب ستدرجه في برامجها الانتخابية". فماذا كانت النتيجة؟ تجيب عضوة "ائتلاف490" قائلةً إن "دعواتنا كلها تقريباً وُوجِهَت بالتّجاهل من طرف كل الأحزاب باستثناء حزبين؛ هما حزب التقدم والاشتراكية وتحالف فيدرالية اليسار الديمقراطي"؛ وتسترسل قائلةً إن "وزير العدل الحالي، عبد اللطيف وهبي، وبإجهاره موقفه الرافض لإبقاء الفصل 490 من القانون الجنائي، فإنه بذلك خالف طريقة تفكير الأحزاب السياسية التي تخاف من التغيير حفاظاً على مكاسبها الانتخابية".

وحول ما إذا كان إلغاء تجريم العلاقات الرضائية سيعيد إلى الواجهة مسألة "عنف العامّة" تجاه الأفراد أو ما يُعرف محليّاً بـ"شرع اليد"، ترى عضوة المكتب التنفيذي لائتلاف 490 أن "الأمور ستتغير بعد إلغاء هذا القانون، لأننا لسنا مجتمعاً يبيح 'شرع اليد' أصلاً، بل نحن في دولة قانون ومؤسسات، وهذا أمر محسوم"، مشيرةً إلى أن "إلغاء التجريم سيمكّن النساء اللواتي يتعرضن للتحرش والاعتداء الجنسيَين من تقديم شكايتهن دون خوف من السجن، وسيمكّنهن كذلك من ولوج الخدمات الصحية دون وصم".

مجتمع مركّب يترقّب

إذا كان للقانون منطق، وللسياسة منطق، فإن للمجتمع منطقاً كذلك. لهذا يرى لحسن دحماني، الباحث في علم الاجتماع في حديثه إلى رصيف22، أن "المجتمع المغربيّ في الأصل مجتمع يمزج بين التقاليد والحداثة؛ ولا زالت المواضيع الجنسانية المرتبطة بالمغاربة في جزء كبير منها تنتمي إلى نطاق اشتغال 'التابو' بشكل حصريّ. ولذلك فهي مواضيع عادةً ما تدخل ضمن المسكوت عنه واللّا مُفكّر فيه، حتى وإن كان المغاربة يمارسونه سرّاً".

يضيف دحماني أن "موضوع العلاقات الرضائية يعدّها الرافضون لإلغاء التجريم تجاوزاً لمسألتين أساسيتين وفق منظورهم: أولاً يرونها تجاوزاً للديني، وثانياً يرونها تجاوزاً للتقاليد والعادات والقيم التي تؤكّد على قدسية الزّواج، والذي لا ينفصل هو الآخر عن الدين. لذلك فمعظم المغاربة لا يرون في العلاقة بين الجنسين معنى إلا داخل مؤسسة الزواج".

هل ينجح وهبي في معركة التغيير القانوني لقانون أصبح سيفاً يسلّط على رقاب كثيرين؟

ويذكر الباحث في علم الاجتماع، أنّ "مسألة الحريات الفردية هي مسألة وعي مجتمعي يجب أن يؤسس على احترام الآخر وتقبّل التعدد والتمايز والتعايش، لكن لا توجد تربتها ولا شروطها لدى جزء كبير من المجتمع المغربي بعد الأمر الذي يعود أساساً إلى شروط التنمية وانتشار الهشاشة والاستبعاد الاجتماعي الذي من دونه لا يستطيع المجتمع المغربي مسايرة الإصلاحات الكبرى المرتبطة بالقيم وبالحريات الفرديّة"، موضحاً أن "الطبقات الاجتماعية الفقيرة خصوصاً لا يمكنها أن تتقبل مفاهيم لا تنتمي إلى بيئتها ولا إلى عاداتها وتصوراتها، ما يكون الرفض المجتمعي اليوم للحريات الفردية نابعاً من الخوف على التماسك الاجتماعي، ومن جهة، من نظرته -أي المجتمع- إلى المرأة والجنس من جهة ثانية".

في السياق ذاته يرى الباحث في علم الاجتماع، أن "قبول المغاربة بالحريات الفردية جميعها لا يمكن أن يتم بشكل كامل وتام وصحيح، إلا إذا كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية جيدةً؛ بما في ذلك الجانب الاقتصادي وكذا الجانب الاجتماعي الذي يتمثل في الخدمات الصحية ذات الجودة العالية والتعليم والسكن الحافظ لكرامة الإنسان"، مبرزاً أنّ "توافر هذه الشّروط الأساسيّة يمكن أن يؤدي إلى تنمية الوعي الفردي للإنسان المغربي، ومنه يصبح قادراً على تمثل الحريات الفردية تمثلاً صحيحاً لا تكون فيها الحرية مرتبطةً فقط بالجسد بل بالفكر كذلك".

ولن يتحقّق كل هذا إلا من خلال الوصول إلى تشريع قانوني لا يصم من يختارون حرية أجسادهم بـ"الفساد" ويعاقبهم. فهل ينجح وهبي في معركة التغيير القانوني لقانون أصبح سيفاً يسلّط على رقاب كثيرين؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard