شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عاشوراء على غير العادة في إيران

عاشوراء على غير العادة في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"تراجع التدين في إيران بشكل حاد. التدين السلطوي تسبب في ابتعاد الناس من الدين. نظام الجمهورية الإسلامية أحد أسباب تقلص حجم التدين في إيران. كان استلام السلطة من قبل رجال الدين، مقامرة كبيرة"؛ هذه بعض من تصريحات الباحث الاجتماعي الإيراني الدكتور حسن محدثي، نستهل بها هذه المادة حول كيفية عزاء عاشوراء في إيران الشيعية هذا العام، قياساً بالسنوات الماضية.

طالما كان عزاء الشيعة على مقتل الإمام الحسين، يصطبغ بروح معارضة مستلهماً من الحالة الشيعية الثورية، إذ ينادون بالعدالة والحرية ونفي الاستبداد طوال عزائهم للحسين وأصحابه. ولكن بعد أن استولى المتشددون الإسلاميون على زمام الأمور في إيران منذ عام 1979، وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية برئاسه رجل دين يلقب بـ"الولي الفقيه" بدلاً من الملك الشيعي، بات عزاء عاشوراء الذي يستمر طوال شهري محرم وصفر، يفقد حالته المعارضة ويسلط الضوء على ذكر المصيبة وتهييج الأحاسيس للبكاء فقط.

المرشد الإيراني في عزاء عاشوراء

يأتي ذلك كون أن النظام يعتبر حكومته امتداداً لثورة الحسين، فقد قال مؤسسه روح الله الخميني: "كل ما لدينا هو من محرم وصفر"، وطالما اتهمت الجمهورية الإسلامية معارضيها من الشيعة أنهم من أتباع منهج يزيد بن معاوية.

من جهة أخرى بعد مرور سنوات من "العزاء الحكومي"، الذي يبتعد عن ذكر أسباب ثورة الحسين، شهدت إيران في الأعوام الماضية "العزاء الثوري"، يختلف تماماً عما روجت له الحكومة.

"تراجع التدين في إيران بشكل حاد. التدين السلطوي سبب في ابتعاد الناس من الدين، نظام الجمهورية الإسلامية أحد أسباب تقلص التدين في إيران. كان استلام السلطة من قبل رجال الدين، مقامرة كبيرة"… الباحث الإيراني حسن محدثي

"أرفع لكم تقريراً من وَرَامين. عاشوراء هذا العام لا يشبه ما كنت أتذكره خلال الثلاثين عام ونیف. قد قلّ المعزون جداً، إذ علم الناس أن النظام يستغل (هذه المناسبة)"؛ هكذا غرد الشاعر حسين جَنّتي الذي يعيش في جنوب العاصمة طهران.

مراسم عاشوراء في طهران

جاء عاشوراء العام الهجري الجديد (1445) مختلفاً تماماً عما سبقه، حيث كان أول شهر محرم بعد احتجاجات عام 2022 التي رفعت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، والتي كانت بمثابة أول تحدّ علني بزعامة النساء ضد سياسات وأيديولوجية النظام منذ تأسيسه قبل 4 عقود ونصف.

حرص الكثير من المتدينين المعارضين للنظام على تشكيل عزاء يحمل روحاً معارضة، كما قارنت عوائل قتلى الاحتجاجات وضعهم المأساوي، خاصة الضغوطات التي تحملوها بعد الاحتجاجات، بوضع أسرة الحسين وما حدث لهم بعد واقعة كربلاء من ضغوطات جيش يزيد بن معاوية.

شعارات معارضة في مجالس عاشوراء

في مدينة دِزفول الواقعة في جنوب غرب البلاد، جاء عزاء اللّطم على الصدور على متضمناً كلمات تناولت انتقادات لقضية فرض الحجاب على السيدات وزيادة البطالة وضغوطات المعيشة.

أما مدينة يزْد، وسط البلاد، المشهورة بطريقة عزائها المتميز، فتبنى الشعراء والمنشدون فيها قراءة أشعار تحدثت عن الظلم والاستبداد باسم دين محمد والحسين.

وقدم المنشد الإسلامي الشهير غُلام كُويتي بور، أغنية جديدة في شهر محرم، باسم "رئيس"، انتقد فيها قادة الحكومة بلسان حاد، يتطرق في جانب منها إلى قمع الاحتجاجات، ويشرح فيها الوضع المأساوي والظلم الذي تفرضه الحكومة على شعبها.

مراسم عزاء عاشوراء في طهران خلال الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009

في مدينة زَنجان شمال غرب البلاد، خالف المعزون سحق علم أمريكا أثناء العزاء، مما اضطر صاحب المجلس الحكومي إزالته من الأرض. وطالما أظهر النظام وأنصاره معاداتهم لأمريكا والحرص على حرق أو إهانة العلم الأمريكي في أي مناسبة كانت، ليتفاجأوا هذا العام بمعارضة الناس لذلك.

في العاصمة طهران ووسط حشود المعزين في منطقة "جوادية" التي كانت إحدى بؤر المحتجين، صدح المنشد خلف مكبرة الصوت أن مجلس العزاء هذا ليس منتسباً للحكومة، براءة منه من النظام، ثم طلب الإذن من عوائل القتلى الذين لم تسمح لهم الحكومة بإقامة مجلس عزاء على أرواح ضحاياهم. بعد ذلك وضح أن المجلس لا شأن له بالمشاركات اللواتي لا يرتدين الحجاب، في تعاطف كبير مع الفتيات التي تخلين عن الحجاب خلال الآونة الأخيرة وشهدن ضغوطات حكومية كبيرة.

تفقَّدوا قتلاهم وقارنوهم بشهداء معركة كربلاء

أما عوائل المتظاهرين القتلى، فقد نشروا صوراً من عزاء ضحاياهم في أيام عاشوراء خلال الأعوام الماضية، تأكيداً منهم على أن أبناءهم الشيعة هم من أتباع الإمام الحسين وقد قُتلوا مظلومين.

وقال مصطفى، شقيق محسن قيصري، أحد قتلى الاحتجاجات: "أنا في حداد ليس على الحسين، بل على أناس أحياء لكنهم لا يعيشون. أرتدي اللون الأبيض ليكون علامة حدادي".

وحرص بعض من المواطنين على الحضور بين قبور قتلى الاحتجاجات وجلّهم من الشباب وجيل زد، مواساة لعوائلهم. أما في مدينة آمُل، شمال البلاد، حضر أحد مواكب العزاء الشهيرة في يوم عاشوراء على قبر الفتاة الشابة "غزاله جَلابي"، وعزفوا موسيقى الأغنية الحزينة التي تحولت إلى رمز وطني وترددت في كل الحركات التحررية منذ ما يزيد على 100 عام، حيث وجدت لها مكانة في الثقافة الفارسية.

مسيرة عاشورائية في شوارع إيران

وكلماتها للشاعر والموسيقي الشهير عارف القزويني، يقول فيها:

"أزهرت الخزامى من دم الشباب/وفي مأتم قاماتهم العالية، انحنت أشجار السّرو

ما الذي تفعله أيها الزمن؟/كم هو قبيح ما تقوم به. أنت حاقد/لا دين لك، ولا شريعة".

أما والدة القتيل سِيَاوَش محمودي (16 عاماً) فقد أشارت على حسابها في الإنستغرام إلى مقتل علي الأكبر، الابن البكر للإمام الحسين في واقعة كربلاء وهو في 16 من عمره، وقارنته مع مقتل ابنها، وكتبت: "أتحدث عن ظلم العصر الراهن؛ أتحدث عن يزيد (بن معاوية) الحقيقي"، تلميحاً منها إلى قادة النظام الذين أمروا بقتل الشباب.

جاء عاشوراء العام الهجري الجديد (1445) مختلفاً تماماً عما سبقه، حيث كان أول شهر محرم بعد احتجاجات عام 2022 التي رفعت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، وكانت بمثابة أول تحدّ علني بزعامة النساء ضد سياسات وأيديولوجية النظام 

كما سعى بعض رواد شبكات التواصل الاجتماعی نشرَ صور قتلى التظاهرات، مرفقة بجمل تشير إلى واقعة كربلاء، وكتب أحد المغردين على صورة مقتل شاب وسط شوارع البلاد: "لم يقتل الحسين غريباً ووحيداً، بل إن 'مهدي حضرتي' هو من قُتل غريباً ووحيداً".

وفي غياب الإحصاءات الرسمية الحكومية حول أحداث العام الماضي، تؤكد المعارضة الإيرانية في الخارج عن مقتل نحو 500 شخص بينهم حوالى 70 طفلاً على يد عناصر الأمن.

طقوس عاشوراء في سوق طهران

وحول العزاء في الأماكن الرسمية التابعة للحكومة نشرت الصحافية زينب إسماعيلي، سلسلةَ تغريدات حول العزاء في مرقد الإمام الرضا بمدينة مشهد: "خطيب صلاة الجمعة انتقد الطوابير الطويلة لنيل النذورات والطعام في الشوارع، قياساً بالجموع المتواضعة التي تحضر مجالس الخطابة والوعظ".

الواضح والعيان في محرم 2023، هو أن الشق المتدين من المجتمع الإيراني، بات يبتعد عن النظام في إجراء مناسكه وطريقة إظاهر حبّه واحترامه لمعتقداته، وسط كم لا بأس به من الذين قرروا أن يبتعدوا كلياً عن الدين بعد ما شاهدوه من قمع وظلم وقتل في احتجاجات الأعوام الماضية، وسعي الحكومة في فرض التدين عبر قوانين البلاد والحرمان من الحقوق المواطنة لمن لم يلتزم بالقرارات.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لا يزال الماضي يحكمنا ويمنعنا من التقدّم، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، من دون التفكير في العلاقة بين النص الديني والواقع المعيش، وهو ما نسعى يومياً إلى تحدّيه، عبر احتضان الأفكار التجديدية الساعية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard