يمكن أن نرى الثورة الدستورية الإيرانية (ثورة شعبية في إيران ومع تحققها في عام 1906 قُيّدت سلطة الملك وحصل الشعب الإيراني لأول مرة على برلمان، وأصبح له دور أكبر في الحكومة) نهضة للإيرانيين بعدما استطاعت أن تكسر في كل المجالات العلاقةَ القديمة التي حددتهم لسنوات طويلة. هذه الحركة رافقها الفنانون وساهموا بفنهم فيها، ومنهم الشاعر والموسيقي عارف القزويني الذي ترجم عبر ألحانه مطالبات الشعب. وألف الكثير من الأغاني كلماتٍ وألحاناً في سبيل ذلك حتى اشتهر بـ"شاعر الوطن".
ليس لدينا تاريخ محدد عن ولادته. يُحتمل أنه ولد في عام 1878 في قزوين (مدينة تاريخية تقع في غرب طهران). ذهب إلى الكتاتيب، وإضافة إلى تعلمه الصرف والنحو العربيين تعرف على كليات سعدي (شاعر إيراني من القرن الثالث عشر الميلادي، لُقّب بأستاذ الحديث). أحبّ هذا الشاعر وحفظ معظم شعره ثم استحضره في الكثير من نصوصه الشعرية. بعد تعلمه القراءة والكتابة اتجه إلى تعلم الخطّ وحاول اتقانه. بفعل إصرار أبيه تعلّم الموسيقى والمقامات وتمكن من أن يكون قارئ منبر حتى أنّ والده وضع عمامة على رأس ابنه وأرسله إلى الحوزة العلمية التي يشرف عليها شيخ الإسلام القزويني.
الحب في حياة عارف القزويني
كان عارف في شبابه يحبّ فتاة باسم "بالا"، لكن عائلتها رفضته. لذلك عقد عليها عارف بالسرّ وبعد أن طلب والد الفتاة أن يطلقها هرب إلى مدينة رشت مجبراً (مدينة قريبة من قزوين تقع شمال إيران) حتى تهدأ الأمور، ويعود ليتزوجها. عاد عارف بعد فترة إلى قزوين بيد أنّ محاولاته في الحصول على "بالا" لم تنجح. ولذلك قرر أن يهجر قزوين ويرحل لأول مرة إلى طهران. لقد غيّر هذا السفر حياته كلياً. (تخلى عارف فيما بعد عن حبه وطلق "بالا" غيابياً ولم يتزوج).
يمكن أن نرى الثورة الدستورية الإيرانية نهضة للإيرانيين بعدما استطاعت أن تكسر في كل المجالات العلاقة القديمة التي حددتهم لسنوات طويلة. هذه الحركة رافقها الفنانون وساهموا بفنهم في الثورة، منهم الشاعر والموسيقي عارف القزويني
تعرف في طهران على الكثير من الأمراء وغنى في الحفلات واستطاع عن طريق فنه الدخول إلى البلاط إذ تمت دعوته من الشاه ذاته ليكون نديمه، بيد أنه رفض ورجّح ألا يتورط في إطار محدد ويكمل مشواره في الغناء، ومعظم ما نعرفه عنه قبل الثورة الدستورية يتعلق بحياته الشخصية وحبه. بسبب علاقاته الجديدة ودخوله إلى التجمعات الخاصة والملكية، عشق تاج السلطنة ابنة ناصر الدين شاه (رابع الملوك في السلالة القاجارية التي حكمت إيران من 1848 حتى 1896. وكانت حكومته أطول فترة حكم) حتى أنه أنشد لها شعراً:
أنتِ أيتها التاج، التاج الملكي/ دون عينيك المسكرتين العالم يسقط
إضافة إلى تاج السلطة التي كانت أكثر نساء عصرها تقدمية، أحبّ "افتخار السلطنة" البنت الثانية لناصر الدين شاه وأنشد فيها:
أنتِ فخر الآفاق وأملي/أنتِ شمعة العشاق في كل حلقة
كانا يلتقيان في مجالس الأنس التي كان يقيمها زوج افتخار من أصدقاء عارف، وانتهت هذه العلاقة دون وصال حتى أنّها (أي العلاقة) فضحت عارف.
بعد الثورة الدستورية
لكن بعد الثورة الدستورية انضم عارف إلى صفوف المطالبين بالحرية وركز على محاربة الاستبداد بالتلحين والغناء. وكأنه نزع جلده ليجد هدفاً جديداً باسم "الحرية" يحاول جاهداً الحصول عليه حتى نهاية حياته. استجاب عارف لأحداث بلاده بسلاحه الوحيد الذي يملكه. صوته الجميل وروحه الشاعرية ساعدتاه ليحلّ فيه الشاعر الوطني. من أغانيه المؤثرة بعد مذبحة تبريز (من مدن غرب إيران المهمة) التي ارتكبها الروس في الحرب العالمية الأولى، حصلت على شهرة واسعة وتبدلت سريعا إلى رمزاً وطنياً في زمنه:
أزهرت الخزامى من دم الشباب/ من قاماتهم العالية، انحنت الأرز
ما الذي تفعله أيها الزمن/ كم هو قبيح ما تقوم به/ أنت حاقد/ لا دين لك، ولا شريعة أيها الزمن
وجد هذا النصّ مكاناً له في الثقافة الفارسية حتى بات يردد في كل الحركات التحررية إلى الوقت الراهن على ألسن النساء والرجال الإيرانيين وأعيد غناؤه مرات من قبل الفنانين.
أقام عارف في عام 1915 حفلاً مهيباً في أحد فنادق طهران وكان له تأثير عميق على من حضره. أشار عارف في غزلياته التي غناها في الحفل إلى بؤس الشعب وعدم كفاءة الحكومة وفتن الروس والبريطانيين:
ثياب الموت على جسد العالم الجميل/ ما الذي حدث لنرتدي هذا الثوب القصير والقبيح
أحضر الكأس كي أتبع طريق الفناء/ جرّبتُ وكان بقائي في الفناء
حتى أنه كان من رواد اقامة حفلات خيرية، منها: لتأسيس مدرسة للأطفال المحتاجين، ومن أجل شهداء الحرية ولتأسيس مقبرة الفردوسي...
بعد سقوط الحكومة القاجارية ومجيء رضا شاه (في عام 1925 حين كان الصدر الأعظم يطلق عليه رضا خان وبعد سقوط السلالة القاجارية وتسلمه الحكومة أطلق على نفسه رضا شاه ومن ثمّ حكمت السلالة البهلوية إيران) كان عارف يأمل نهوض جمهورية وقد سقط حلمه كلياً وفقد أمله من الاصلاحات وقضى ما تبقى من عمره في قرى لرستان وهمدان (محافظتان في غرب إيران).
بعد الثورة الدستورية انضم عارف القزويني إلى صفوف المطالبين بالحرية وركز على محاربة الاستبداد بالتلحين والغناء. وكأنه نزع جلده ليجد هدفاً جديداً باسم "الحرية" يحاول جاهداً الحصول عليه حتى نهاية حياته
كتب في يومياته:
"ليست هذه المرة الأولى التي تبعدني فيها طهران عنها وتخرجني من محيطها. لا أنا رأيت من طهران المحبة ولا هي تركتني أعيش براحة بال. هذه هي المرة الأخيرة التي أخرج فيها من طهران، ها أنا أترك نفسي للقضاء والقدر، سأرحل لأرى كيف ستكون نهايتي".
في هذه الفترة فقد عارف بسبب مرضه قوة صوته الذي كان معيله الوحيد وصوت أفكاره وعاش على مساعدة الأصدقاء مالياً مع خادم وكلبين.
يكتب عن هذا الأمر: "والآن بعد زوال شمس العمر ونهايته وبعد الحياة في غفلة، عرفت للتو أنّ أصدقائي الوحيدين هما هذان الكلبان إذ وجدت فيهما معنى الوفاء والمحبة والصداقة".
يُقال إنّ هذا البيت قد قاله قُبيل وفاته:
شاكر الإله الطاهر/إذ جئت طاهراً وأذهب إلى التراب طاهراً
توفي وله من العمر 53 عاماً، دفن في مقبرة أبو علي ابن سينا (فيلسوف وطبيب وعالم إيراني) لكي يخرج جثمانه فيما بعد ويدفن في مقبرة خاصة، الأمر الذي لم تحقق أبداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون