وصل السينمائي الإيراني الشهير إسماعيل كوشان إلى القاهرة عام 1946، بغية شراء معدات التصوير من المتاجر الأمريكية هناك، ثم عاد إلى طهران ليباشر عمله كمنتج ومخرج ومصوّر في السينما الإيرانية، وكان قد أسس قبل ذلك إستديو "ميترا فيلم" للدبلجة.
بعد عام من تلك الزيارة، قام بإنتاج فيلمَين سينمائيَين هما "توفان زندگي" (عاصفة الحياة)، و"زنداني أمير" (أسير الأمير). في الفيلمين سطع نجم ممثلة جميلة، إلا أن الجميع نسي النجمة الأولى في الأفلام الإيرانية، مع احتراق النسخ المتاحة من هذين الفيلمين في الحريق الذي التهم مبنى إستديو "ميترا فيلم".
حديثنا هنا حول تلك الفنانة التي تُعدّ من الجيل السينمائي الأول في السينما الإيرانية، "زينت مؤدب"، بمناسبة وفاتها في الأسبوع الأخير من شهر تموز/ يوليو الماضي، عن عمر ناهز 100 عام، في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية.
تعد الفنانة زينت مؤدب من الجيل السينمائي الأول في السينما الإيرانية، ويأتي هذا المقال بمناسبة وفاتها في الأسبوع الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، عن عمر ناهز الـ100 عام
وُلدت زينت مؤدب عام 1923، في عائلة أرستقراطية في مدينة لاهيجان شمال إيران. وتشتهر لاهيجان (Lahijan)، بمزارع الشاي الإيراني، فـ90 في المئة من أراضيها الزراعية خُصصت لزراعة نبتة الشاي.
كان والد الفنانة، "رضا خان مؤدب السلطنة مظفري"، معلم أحمد شاه، آخر ملوك السلالة القاجارية التي انتهى حكمها عام 1925، ثم أصبح في ما بعد نائب محافظ مدينة رشت شمال البلاد.
أما والدتها فكانت صاحبة حقول أرز شاسعة، وهي امرأة صارمة ومحافظة للغاية، وحينما قصدت ذات يوم نائب المحافظ لمتابعة شؤون زراعتها وتجارتها، وقع النائب في غرامها فخطبها وتزوجها.
زواج قسري في مدينة آبادان
كانت النجمة زينت، في ربيع عمرها الخامس حين توفي والدها. وعندما أصبحت ناضجةً في الرابعة عشر، قررت والدتها أن تزوجها من أحد أقاربها، وهو مهندس في شركة النفط كان يكبرها بثلاثين عاماً.
كان استخراج النفط في العقود الأولى من القرن العشرين، ينحصر في بعض مدن جنوب غرب إيران، وأشهرها مدينة آبادان. انتقلت العروس المراهقة إلى تلك المدينة العربية، حاضنة أكبر شركات النفط التي يتوافد عليها العمال والمهندسون من شتى مدن البلاد.
عاشت فيها 3 سنوات، وأنجبت طفلتها "نسرين"، ثم تطلقت من زوجها بصعوبة، وبدلاً من أن تعود إلى مسقط رأسها، قررت أن تذهب إلى العاصمة الإيرانية، وهناك بدأت الفتاة ذات الـ17 عاماً، مع طفلتها، حياةً جديدةً، وتوظفت في وزارة الداخلية "كاتبة رسائل".
لم يلائم التوظيف الحكومي، نفسية زينت الشابة الطموحة التي تبحث عن الفن السابع، والتي تعلقت بأفلام هوليوود ونجماتها: "في ذلك الوقت، بدا لي أن العمل في مؤسسة حكومية ليس أكثر من مضيعة للوقت في بيئة مملة. لهذا السبب كنت غالباً أقضي وقتي في 'حلبة التزلج' في طهران، أو في دور سينما شارع لاله زار Lalezar، أشاهد أفلام هوليوود والممثلين المشهورين في تلك الحقبة"، تقول زينت مؤدب في مذكراتها.
كانت الشابة في مرحلة الثانوية تشارك في مسرحيات كان يكتبها الأديب الإيراني نظام وفا آراني، حتى اقترح عليها في ما بعد أن تمثل في فيلم سينمائي كان هو كاتب السيناريو الخاص به.
"ذهبنا معاً نحو إستديو ميترا فيلم، لألتقي بالدكتور كوشان لأول مرة، وبعد التعارف، ذهب كوشان يستفسر من أسرتي حول ما إذا كان لديهم تحفظ على تمثيلي"؛ هكذا تحدثت زينت عن بداياتها، وأضافت أن إخوتها كانوا معارضين إلا أنها كانت قد اتخذت قرارها برغم أجواء المجتمع المحافظ آنذاك.
مدربة فرنسية وفيلم يشبه حياتها
بدأت تتردد على الأستوديو لتباشر تمارين التمثيل برفقة الزملاء، وتحت إشراف مدربة فرنسية، وشرحت في مذكراتها التي نشرتها ابنتها: "كانت تعلمنا المعلمة الفرنسية أن نضع بعض الكتب على رؤوسنا، ثم نسير بشكل مستقيم وعلى هيئة تكبر. كما كانت لنا تمارين رياضية وتمارين على قراءة النصوص".
ما قامت به زينت مؤدب، من تمثيل في فيلمها الأول "عاصفة الحياة"، كان يشبه حياتها الحقيقية مع شيء من الاختلاف، فهنا مثلت دور "ناهيد"، التي كانت ضحية الزواج القسري من رجل ثري وفاسد، بيد أن ناهيد تنجح في نهاية الفيلم في الزواج من حبيبها، وهذا ما حدث في ما بعد في حياة الممثلة الشابة.
لصعوبات تقنية ومهنية، استمرت فترة تسجيل الفيلم 10 أشهر، حتى تمكن إسماعيل كوشان من تصوير 100 دقيقة بالأسود والأبيض، وساعده في ذلك مصوّر حربي ألماني، كان قد أُطلق سراحه من الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، وفرّ إلى طهران.
لاقى الفيلم إقبالاً كبيراً في دور العرض السينمائية، فكان شارع لاله زار الشهير بصالات السينما يضج بالناس في أول أيام عرض الفيلم، إلا أن المحافظين عبّروا عن استيائهم من تمثيل الفتاة، فوقعت زينت تحت ضغوط الأسرة والمجتمع معاً، بيد أنها لم تركع لغاياتهم واستمرت في شغفها.
على غلاف المجلات
ذهبت زينت نحو محال بيع الصحف لشراء صحيفة، فتفاجأت بصورها التي تزيّن غلاف صحيفتين مهمتين هما: "اطلاعات هفتگي" و"صبا": "ابتعت نسختين وعدت إلى المكتب ببهجة، لكنني اندهشت بأن زملائي كانوا مستائين من طباعة صوري على الصحف، وكانوا في غيابي قد ألقوا اللوم على الدكتور كوشان سائلينه: لماذا لم تُطبع صورهم في المجلات؟"، حسب قولها.
في الـ24 من عمرها، كانت في أول مشوارها الفني وتتمتع بسمعة كبيرة. وما أن انتهى عرض الفيلم الأول، حتى سجّل الفريق الفیلم الثاني "أسير الأمير"، فحصدت زينت مرةً أخرى الدور الأول لتستكمل نجوميتها في الأوساط الفنية.
ما قامت به زينت مؤدب، من تمثيل في فيلمها الأول "عاصفة الحياة"، كان يشبه حياتها الحقيقية مع شيء من الاختلاف، فهنا مثلت دور "ناهيد"، التي كانت ضحية الزواج القسري من رجل ثري وفاسد
وكما أن نجومية تلك الشابة الجميلة برزت بسرعة البرق، هكذا قضى الزمان على شهرتها بعد حرق مبنى الأستوديو واحتراق نسخ الفيلمين. نسي الجميع مجدها لفترة من الفترات، إلا أن الفيلم التالي وهو أول فيلم كوميدي إيراني، كان لها بمثابة بداية حياة شخصية جديدة، فتعرفت إلى الكاتب الفنان بَرْويز خطيبي (Parviz Khatibi)، وتزوجا في ما بعد. وللمفارقة، كانت الفنانة ابنة معلم آخر ملوك القاجاريين أحمد شاه، وزوجها الجديد كان حفيد قاتل رابع ملوك القاجاريين، ناصر الدين شاه.
عالم الدبلجة
مثّلت في أفلام زوجها بَرْويز، الذي يُعدّ من الجيل السينمائي الأول، وأنجبت منه ثلاثة أولاد: فِيْرُوزه، فَرْزين، فَرْنَاز. بعد ذلك حصرت نشاطها الفني في الدبلجة فحسب.
تم توظيفها في الإذاعة الوطنية مطلع الستينيات، وقضت معظم أوقاتها في الدبلجة والتقديم الإذاعي، وقامت بالتمثيل في مسلسلات إذاعية وأخرى تلفزيونية، باسمها الفني "آرزو"، وحصدت جوائز عديدة كأفضل مذيعة.
قبل 5 سنوات من انتصار الثورة الإسلامية والإطاحة بالنظام الملكي عام 1979، هاجرت زينت برفقة أسرتها إلى الولايات المتحدة، ثم بعد سنوات أطلقت مع زوجها أول محطة إذاعية ناطقة باللغة الفارسية في مدينة نيويورك.
بالإضافة إلى العمل الإذاعي، قامت بالتمثيل في مسرحيات زوجها في أمريكا، واستمرت في نشاطها الفني بين التمثيل والتقديم ووظائف أخرى، حتى توفي زوجها عام 1993، لتتقاعد من عملها إلى أن وافتها المنية في 28 من تموز/يوليو 2023.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.