شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
القُبلة الأولى في السينما الإيرانية

القُبلة الأولى في السينما الإيرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 26 يونيو 201811:24 ص

"نظرت نحو أبي على مهل، فبادلني بنظرة مادحة، وقال: (لقد كسرتِ الحدود.)"؛ هذه كلمات باحت بها الممثلة الإيرانية المخضرمة "ويدا قهرماني" (Vida Gahremani)، التي مرّت أيام قليلة على رحيلها الذي تبع رحيل الممثل الإيراني المخضرم أيضاً "ناصر ملك مطيعي"، وقد جمعهما عام 1955 فيلم "تقاطع الأحداث"؛ الفيلم الذي شكّل نقطة مفصلية في حضور المرأة في السينما الإيرانية، إذ حدثت القُبلة الأولى بين عاشقين في السينما الإيرانية، وبعد تلك القبلة حدث ما حدث للممثلة الشابة جداً، على المستويين الشخصي والاجتماعي.
تقول الممثلة في حوار لها عن هذه القبلة: "ركضنا نحو بعضنا بعضاً. احتضنني ناصر، ووضع شفتيه على شفتيّ. فكرتُ إن قاومتُ فسيفسد الفيلم، ولذلك لم أفعل شيئاً إلى أن أمر سموئيل بالقطع. حين انقطع التصوير أجهشت بالبكاء. كنا أنا وأبي جالسين في الصفوف الخلفية. كان قلبي مضطرباً، أفكر ماذا سيحدث وأين هي القبلة؟ ماذا سيقول أبي حين يشاهدها؟ إلى أن وصلنا إلى نهاية الفيلم، بعض المكوث، وثم (النهاية). لم يتحرك أحد في مكانه. كان الكل جالسين وينظرون. نظرت نحو أبي على مهل، فبادلني بنظرة مادحة، وقال: لقد كسرتِ الحدود.".

مجتمع رجولي متعصب لم يتحمل فنها

ولدت ويدا قهرماني عام 1936 في طهران، وبدأت نشاطها السينمائي عام 1954، فما لبثت أن خاضت تجربة التمثيل أمام الممثل "ناصر ملك مطيعي" الذي كان يعيش سنواته الذهبية في التمثيل والشعبية في إيران، وكانت تلك أول تجربة سينمائية لها في فيلم "تقاطع الأحداث" من إخراج "سموئيل خاتشيكيان".
لم يحتمل المجتمع الرجولي والمتعصب في إيران آنذاك عمل ويدا، فجرى إخراجها من المدرسة.
نظرت نحو أبي على مهل، فبادلني بنظرة مادحة وقال: "لقد كسرتِ الحدود."
وكانت ويدا إذ ذاك طالبة في الثانوية، ولم يحتمل المجتمع الرجولي والمتعصب في إيران آنذاك عملها، فجرى إخراجها من المدرسة. "وكان ذلك المشكل الأول الذي خلقه لي التمثيل؛ انقلبت حياتي رأساً على عقب. حتى وزير الثقافة آنذاك، والذي كانت تربطه علاقة صداقة بعائلتي لم يستطع الحصول على إذن لي من أجل التسجيل في أي من المدارس. كان يقال إن هناك اعتراضات من قبل الطالبات والعوائل، وهم يعتقدون أن ظهور طالبة مدرسية على الشاشة أمر غير محمود. فغادرتُ طهران باتجاه "خاش"، مدينة وسط الصحراء؛ ثم تزوجت من شابّ كنت أحبه". رغم الضغوط الاجتماعية التي كانت تعاني منها ويدا بعد تمثيلها وتلك القبلة، إلا أنها كانت تحظى بدعم من عائلتها المثقفة والفاضلة منذ البداية. فكان أبوها عسكرياً متعلماً في أوروبا، وأمها محبة للثقافة والفن. فواصلت طريقها في التمثيل والنشاط السينمائي، ملهمةً كثيراً من فتيات ونساء بلدها في التحرر من القيود الاجتماعية والتقليدية.
وبعد التمثيل في كثير من الأفلام أمام أشهر نجوم السينما الإيرانية من أمثال "بهروز وثوقي" و"فَردين"، قامت بإنتاج فيلم تحت عنوان "النسل الأخير للخان"، كما أنها أصبحت منتجة ومقدمة لبرنامج "طريق الحظّ" الناجح والإبداعي على أول محطة تلفزيونية في إيران، وقد أدى نجاح هذا البرنامج إلى دخول الشركات التجارية العالمية كـ"Lufthansa" و"Laura" إلى وسائل الإعلام في إيران. وويدا هي أول من ابتكر فكرة Café-Gallery في إيران "Monde"، وDancing-Restaurant بعنوان "كوتشيني". وكان هذا المطعم من أشهر المطاعم في طهران طيلة الستينيات. والهدف من تأسيس هذين المكانين كان خلق فضاء لعرض المواهب الشابة في النحت والرسم والموسيقى واستقطابها. وقد خرج منهما مطربون أصبحوا من أشهر الموسيقيين في إيران كـ"فرهاد" و"إبي".

الانفصال

بعد انفصالها من زوجها عام 1970 ذهبت ويدا إلى بريطانيا من أجل دراسة الإخراج التلفزيوني وإنتاج البرامج للأطفال. وبعد أن عادت إلى إيران، إلى جانب مواصلة التمثيل، بدأت بتدريس المسرح الخلاق للأطفال. وفي عام 1976، استطاعت ويدا إكمال دراستها في المرحلة الثانوية، وثم الالتحاق بالجامعة للدراسة في فرع "تعليم الأطفال قبل المدرسة". وبعد حصولها على البكالوريوس، ذهبت عام 1979 إلى أمريكا بدعوة من جامعة "نورمان" في أوكلاهوما، فحصلت على الماجستير في هذا المجال، ولم تعد إلى إيران، حيث كانت الثورة الإسلامية قد حدثت واضطر كثير من الممثلات والممثلين والمطربات والمطربين الذين جرى إقصاؤهم من الساحة الفنية بتهمة التمثيل في إفلام إباحية، والأغاني غير الملائمة لقيم الثورة، إلى مغادرة إيران نحو أمريكا وغيرها.
وفي أمريكا، واصلت ويدا التمثيل في المسرح، وكتابة القصة القصيرة والرسم. فأصبحت عضواً في نقابة الممثلين الأمريكيين، ومثّلت في أفلام أمريكية كـ"A Thousand Years of Good Prayers" من إخراج " Wayne Wang"، ومثلت أيضاً في فيلم "رجم ثريّا" الذي أحدث ضجة بعد إنتاجه عام 2008، ويتحدث الفيلم عن قصة حقيقية حدثت في إيران، أي رجم امرأة بتهمة العلاقة غير الشرعية.

بقيت ويدا حتى نهاية عمرها أي 2 يونيو 2018 في سان فرانسيسكو، حيث توفيت.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image