في زمن التصفح السريع والواقع المعيشي المزري الذي يفرض على الناس أن يعملوا في اليوم ثلاثة أيام، أصبحت المطالعة مهددةً بالانقراض. غالبية الناس تفضّل التسلية، على مشاهدة وثائقي أو الاستماع إلى مناظرة علمية، أو حتى قراءة ملخص كتاب! وهنا يبرز السؤال التالي: من أين تكوّن الغالبية العظمى من الناس "التي لا تقرأ"، ثقافتها العامة ونظرتها إلى الواقع الاجتماعي والسياسي وغيره؟ أبعد من ذلك، كيف تتشكل الثقافة العامة للناس، في عصر اللا قراءة؟ تتعدد الإجابات عن هذين السؤالين، وتتنوع، لكن الثابت الوحيد فيها، أو المشترك الوحيد بينها، هي الأقوال والأمثال الشعبية التي تكوّن خلفية الغالبية العظمى من الناس، إذ لا تنفك تتردد على مسامعهم منذ الطفولة وتسري بينهم مسرى النار في الهشيم.
الأمثال والأقوال تلك، في غالبيتها، جمل قصيرة تختصر أفكاراً كثيرةً (وربما كتباً)، وتكتسب أهميتها من سهولة انتشارها لكونها جملاً خفيفةً، ومقفاةً في غالبيتها، وغالباً ما تكتسب طابعاً تعميمياً، تُريح به العقول الكسولة والمتعبة من عناء الدخول في التفاصيل. وبسبب امتلاكها هذه الميزات "الخارقة"، فإنها تتكرر على ألسنة العامة في مختلف المواقف ويسمعها الجميع، وهذا ما يُساعد على ترسيخها في الوعي والذاكرة. يقول عالم النفس توم ستافورد: "تكرارُ الكلام يجعل ما يُقال يبدو وكأنه أكثر صدقاً، بغض النظر عما إذا كان كذلك أم لا"، وهذا ما اتّبعه مسؤول الدعاية السياسية لهتلر جوزيف غوبلز، حيث أفصح عن أحد أهم أدوات التدجين التي اتّبعها الحكم النازيّ: "كرّر الكذبة كثيراً بما يكفي وستصبح هي الحقيقة".
في هذه المقالة محاولة لمقاربة الواقع السوري المعيش وأحوال السوريين في مأساتهم، عبر بعض هذه الأقوال أو الأمثال-الأكاذيب-الحقائق، عطفاً على مقولة غوبلز.
هل "كنا عايشين"؟
إن أكثر ما يستفز أحمد (29 عاماً)، وهو خرّيج الهندسة المدنية في جامعة تشرين، ويعمل من بعد Graphic Designer مع إحدى الشركات في الإمارات، هي جملة "كنا عايشين". يقول: "نسيَ الجميع البطالة التي كان يغرق فيها الشباب السوري قبل 2011، وكلّ المشكلات الأخرى!". وما يستفزه أكثر، هي محاولة الفصل بين ما قبل الأزمة وما بعدها، وكأنهما مرحلتان منفصلتان لا علاقة لهما ببعضهما، فيقول: "إنّ أساس بناء أي دولة هي التنمية المستدامة، بمعنى أنني بدأت بمشروع وبدأ هذا المشروع يدرُّ عليّ المال، فهل أكتفي بذلك، وآكل وأشرب بكل ما أجنيه؟ أم أوجه قسماً نحو تطوير عمل المشروع وتحسينه لحماية مصالحي من المنافسين وأدّخر قسماً لأيّ عطل أو انتكاسة قد يصادفان طريقي؟".
يعترف أحمد بأن التنمية المستدامة لم تكن غائبةً، بل كانت موجودةً في مجالٍ واحد: "اقتصرت التنمية المستدامة على الفساد، حيث كان ينمو باطّراد وتسارع. تزداد ثروة الفاسد أمام عيون الناس دون أي محاسبة، ما يشجع البقية على الفساد، والفساد بأنواعه كلها؛ السياسي والأمني والاقتصادي والأخلاقيّ". ويرى أحمد أنّ المشكلة الأكبر لجملة 'كنا عايشين'، أنها تُلقى على مسامع الأطفال ويأخذونها من الكبار على أنها مسلمات، وأننا كنا حقاً 'عايشين' لا بل كنا متجهين بقوة لنحكم العالم! لكنّ شيئاً صغيراً حدث في 2011، منعنا عن ذلك! لم يُصدّقني ابن أختي ذو الاثني عشر عاماً، حين أخبرته بأنّ الكهرباء كانت تأتي 24 ساعةً في اليوم دون انقطاع (إلا في ما ندر). عقله اليافع لم يستوعب هذا الكلام، فهو يعدّ مجيئها ساعةً كل خمس ساعاتٍ 'جخّة'، وبطراً ومدعاةً للفخر والتكبر على أصدقائه من سكان الأحياء المجاورة، الذين يرونها نصف ساعة كل خمس ساعات ونصف وأحياناً ربع ساعة! لا يعرف بعد أنّ أساسيات الحياة هذه هي حقه الطبيعيّ. 'كنا عايشين'، وكانت أسباب الانهيار وعوامله تعيش معنا، وتكبر معنا، نتعامى عنها مرةً خوفاً ومرةً كسلاً، وخوفاً أكثر من كسلاً بكثير".
المشكلة الأكبر لجملة 'كنا عايشين'، أنها تُلقى على مسامع الأطفال ويأخذونها من الكبار على أنها مسلمات، وأننا كنا حقاً 'عايشين' لا بل كنا متجهين بقوة لنحكم العالم! لكنّ شيئاً صغيراً حدث في 2011، منعنا عن ذلك!
في السياق نفسه، يرى الناشط والصحافي السوري نضال معلوف، أنّ "أسطورة 'الإنجازات' التي من ورق، سقطت بالضربة القاضية، وأسطورة 'البلد يلي طعماكن ورباكون وعلمكن' انتهت، واكتشف الجميع واندهشوا بأن هذا أمر طبيعي، وبأن كل دول العالم توفر لمواطنيها -في الحد الأدنى- ما كان يُعدّ إنجازاً غير مسبوق لأجيال بين السوريين وتبيّن أنه مجرد وهم وخديعة".
وأظهرت نتائج دراسة أجراها "مركز السياسات الدولية من أجل الإنماء الشامل"، أن النسبة المئوية للأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى في سوريا ازدادت من 12.3 في المئة في عام 2007، إلى 14.85 في المئة في عام 2009، بينما انخفضت النسبة المئوية للأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى من 33.6 في المئة في عام 2007، إلى 29.4 في المئة في عام 2009.
وكشفت أيضاً أن المناطق الريفية هي أكثر فقراً من المناطق الحضرية، وأنّ الفجوة في نسب الفقر المدقع قد ازدادت بين المناطق الريفية والحضرية. ونجد أن أفقر المناطق الريفية في عام 2009، كانت في محافظات حماه ودير الزور ودرعا، في حين أن أفقر المناطق الحضرية كانت منطقة الحسكة. هذه الأرقام تبدو معقولةً بالنظر إلى الجفاف الذي حدث في شرق سوريا بين عامي 2006 و2009، وما تلاه من حركة نزوح نحو جنوب البلاد، على سبيل المثال في درعا التي بدأ فيها الحراك المدني في آذار/ مارس 2011.
"حلال عالشاطر"
يُعلّق مروان (33 عاماً)، على فكرة الفساد، التي تكلّم عنها أحمد، قائلاً إنه أصبح عُرفاً وقانوناً في المجتمع السوري في العقود الأخيرة، والجملة التي تدلّ عليه هي "حلال عالشاطر"، إذ تُبرّر هذه الجملة السرقة والتزوير والرشوة. ويحدّثنا مروان خرّيج الهندسة المدنية والموظف في أحد القطاعات الحكومية في مدينة اللاذقية، عن محادثةٍ بسيطة أجراها مع جارته في السرفيس، حين أخبرته بأنّ صديقته "ماسة" (كانت زميلته في كلية الهندسة الإنشائية ولم يرَها منذ سنوات، لكنه سمع من صديقاته تباهيها بمليارات أبيها أمام الناس بعد استلامه إدارة إحدى المنشآت الحكومية المهمة في المحافظة)، تبعث له سلاماً حاراً. وحين أخبر مروان جارته بهذا الكلام، أجابته: "ولوووو يا مروان لا تعقّدها، ما في حدا بيستلم إلا وبدو يستفيد، بس عالأقل إذا إجاه أي إنسان فقير بيعطيه وما بيقصّر بحقو، يكتّر خيرو، غيره بياخد وما بيعطي، وبالنهاية 'حلال عالشاطر'". اكتفى مروان بضحكةٍ صفراء، فجارته تتكلم بلسان حال الواقع.
ويضيف مروان: "لقد أصبح اختلاس المال العام واستغلال المناصب الحكومية من الأمور المعتادة عند الناس. لقد اعتادوا رؤية من يسرق أموالهم أمام أعينهم. وفي ظل عجزهم عن ردعه أو محاسبته، يتأقلمون معه ويقولون: 'يا سيدي حلال عالشاطر'، وهنا يتعلم الأطفال والمراهقون والشباب أنّ تلك الممارسات الفاسدة هي شطارة وحلال، 'لهيك غمّض عين وفتّح عين ما رح تلاقي شريف بهالبلد'".
وعليه، يقول الكاتب السوري والمعتقل السياسي السوري السابق راتب شعبو: "النظام السياسي المكرّس، له آلية تشتغل على جذب نوعية من الناس ونبذ نوعية أخرى. وإذا مشينا مع فكرة تبرئة النظام السياسي الفاسد ورمي علّة الفساد على الأفراد، أي إذا عددنا أن العلة في الفرد وليست في النظام، فإننا إنما نمهّد لفكرة مبتذلة ذات نكهة عنصرية تقول إن إنساننا 'العربي' هو الفاسد، وإن فساد أنظمتنا متأتٍ من فساد إنساننا، وتالياً لا يمكن أن ننتظر خيراً".
ويرى شعبو، أنّ تلك الفكرة تكرّست شعبياً في مقولة "كما تكونون يولّى عليكم"، التي ينسبها البعض إلى الرسول محمد، وينسون أن هذه المقولة تصح فقط حين يكون ثمة تفاعل حقيقي بين كينونة الناس وكينونة النظام. ولكن حين ينقطع التفاعل بفعل الاستبداد المكرّس، ويستمد النظام ديمومته من قوته الغاشمة وقدرته على إضعاف الناس و"تذريرهم"، فإن المقولة المعكوسة تصبح أقرب إلى الحقيقة، أي "كما يولّى عليكم تكونون". حين يعجز الناس عن تغيير النظام الذي يرونه باطلاً، يسعون إلى التأقلم معه ويتطبعون بما يحميهم من بطشه.
"كلّو لأنّو ما في محبة"!
من جهةٍ أخرى، يحدثنا حسان (49 عاماً)، أستاذ مادة التاريخ في إحدى قرى الساحل السوري عن جملة "هاد كلو عم يصير لأنّو ما عاد في محبة بالقلوب، ما عاد الجار يحبّ جاره متل قبل! ولا الأخ يحبّ أخوه!". وهي جملة يسمعها، بشكل شبه يوميّ من أقاربه وجيرانه، خصوصاً من أقرانه ومن هم أكبر منه سنّاً، ويرى أنّ عاملَين أساسيَين يختبئان وراء هذه العبارة، هما الجهل والخوف؛ الجهل بمركبات الحرب السورية ومفاعيلها وأسبابها الحقيقية الكامنة والخفية، فالأزمة السورية أزمةٌ معقدة يصعب شرحها، ويصعب فهمها على أجيالٍ عاشت في "مداجن البعث"، إذ حوّل الأخير المدارس إلى معسكرات لغسل الأدمغة وتزوير التاريخ والحقائق، وتسميم عقول الأطفال.
إلقاء اللوم على المجتمع مردّه القمع المستمر الذي يتعرض له الناس باستمرار، فيصبحون بدافع الخوف -بوعي أو دون وعي- يلومون الحلقة الأضعف، يلومون أنفسهم، لأنهم عاجزون عن محاسبة المسؤول أو حتى الكلام عن فساده
يضيف حسان: "في الحقيقة لا يوجد ما يحتم على 'جميع' أبناء البلد، أن يُحبّوا بعضهم، فالمجتمعات والدول لا تُبنى على الحب ولا على المشاعر أصلاً. الدولة الحديثة تُبنى على احترام القانون، وإعطاء المواطن حقوقه كاملةً كي يشعر بأنّ لديه اندفاعاً ذاتياً لأداء واجباته على أكمل وجه".
ويؤكد معلوف، أنّ الدولة الحديثة هي "نتاج ما وصلت إليه البشرية نتيجة تطور العلوم السياسية، وفصل السلطات، والتعددية الحزبية، وتداول السلطة، ودولة القانون والمؤسسات، ويندرج في هذه المحددات بالإطار العريض موضوع الحريات، حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاختيار، والانتخاب تحت سقف القانون وبما ينص عليه الدستور...".
ويتابع أنّ "ما وصلنا إليه اليوم أمر محتوم عندما يعتقد المسؤول عن البلد أنه قادر على القيادة على 'العمياني'، وأنه يمتلك من القدرة والموهبة ما يجعله نصف إله أو إلهاً كاملاً، بحيث إذا انحرف عن المسار، وخرج عن الطريق، لديه من القدرة ما يُلحق به الطريق ويكون الطريق حيث يسير!".
برأي حسان، "إلقاء اللوم على المجتمع مردّه القمع المستمر الذي يتعرض له الناس باستمرار، فيصبحون بدافع الخوف -بوعي أو دون وعي- يلومون الحلقة الأضعف، يلومون أنفسهم، لأنهم عاجزون عن محاسبة المسؤول أو حتى الكلام عن فساده. إنّ مرحلة اليأس الخطيرة هذه قد تدفعهم لجلد ذواتهم على أشياء لا ذنب لهم فيها، فحتى حادث السير الذي حدث مع أخي -وأصبح عاجزاً من بعده- تتحمل الدولة المسؤولية عنه بشكلٍ أو بآخر (بغض النظر عن السبب)، سواء من ناحية التقصير في إصلاح الطرق أو قلة الأجور التي دفعت أخي وغيره من أصحاب الآليات إلى تجنّب الإصلاحات قدر الإمكان".
ويضيف: "حتى الإجهاد الذي قد يصيب السائق فيسهو في أثناء القيادة، تتحمل الحكومة والقيادة السياسية جزءاً مهماً من مسؤوليته، فلولا تردّي الأوضاع المعيشية (العائد إلى غياب الرؤية والتخطيط والحياة السياسية و... إلخ)، لما اضطر هذا السائق إلى أن يعمل أكثر من عمل ويجهد نفسه بهذه الطريقة غير الإنسانية، وقِس على ذلك، فبناء الدولة أصبح مثل صناعة السيارة والطيارة والمحركات، يرتكز على أساسياتٍ ومقومات لا بدّ منها، وهي لا تتضمن المشاعر بكل تأكيد، فنحن نريد بناء دولة تحترم الإنسان وتُعطيه حقوقه دون زيادةٍ أو نقصان، وليس يوتوبيا أو مدينة أفلاطون!".
وفي هذا يتفق معه الباحث راتب شعبو، إذ يرى أنه "في ظل النظام المستبد الفاسد سوف تجد الناس أذلاء فاسدين، وذلك لأنهم يسعون إلى التأقلم مع نظام يعجزون عن تغييره، وليس لأنهم بطبعهم أذلاء وفاسدون".
"ما حدا بيموت من الجوع"
"ما حدا بيموت من الجوع"؛ هي الجملة التي يرددها أهل قرية زينب، الثلاثينية العزباء، والطبيبة في أحد المشافي الحكومية في ريف طرطوس. يواسون أنفسهم بها بعد كل موجة ارتفاع في الأسعار. ففي كل يوم تتناقص كمية الطعام التي يقدرون على شرائها، وتقول زينب: "ماذا عن نقص الحديد الذي بدأت أعراضه تتضح على وجوه الأطفال؟ أرى الشحوب واضحاً في وجوههم كلما خرجتُ من منزلي. هنالك فيتامينات مهمة مثل فيتامين B12، غير موجودة إلا في اللحوم، كيف يمكن سدّ هذا النقص؟ وما هو مصير جيلٍ كامل يعاني من مشكلات سوء التغذية التي قد لا تظهر مشكلاتها إلا بعد سنوات؟!".
تتابع: "لا يملك أهل قريتي سوى أن يُسكتوا جوعهم بجملة 'ما حدا بيموت من الجوع'، و'الإنسان بيعيش على خبزة وبصلة'. يخطر ببالي أنّ السُّلطة المستبدة قد اخترعت وروّجت لمثل هذه المقولات بغرض غرس الرضا والقناعة الكاملة إلى حدّ الخنوع بما هو متوافر، وبذلك تكون قد قتلت فيهم أي دافعٍ للتغيير".
تروي زينب لرصيف22، عن زيارة إحدى قريباتها؛ وهي تشكو الغلاء الفاحش إلى أن ختمت حديثها بعبارة "ما حدا بيموت من الجوع"، فردّت عليها زينب: "لقد مات خمسة ملايين في مجاعة روسيا عام 1921، ومات بعدهم عشرة ملايين شخص جوعاً في الاتحاد السوفياتي سنة 1932، وغيرهم الكثير في الهند وإقليم البنغال وكوريا الشمالية والصين (كلهم أصدقاؤنا... مصادفةٌ جميلة)، نعم هناك ملايين ماتوا من الجوع يا خالتي".
لا يملك أهل قريتي سوى أن يُسكتوا جوعهم بجملة "ما حدا بيموت من الجوع". السُّلطة المستبدة روّجت لمثل هذه المقولات بغرض غرس القناعة الكاملة إلى حدّ الخنوع، وبذلك تكون قد قتلت فيهم أي دافعٍ للتغيير
ساد الصمتُ الممزوج بالدهشة، وشعرت زينب بتأنيب الضمير، فتلك الخالة كانت تعتقد أنه لا أحد حقاً يموت من الجوع، تقول: "قررتُ بعدها ألا أوقظ أحداً من سباته، وبتُّ أهزّ رأسي لكل ما أسمعه، حتى لو كنتُ أختلف معه، مثلما أفعل أيّ مريضٍ يتألم في المشفى؛ أراه نائماً أو مخدّراً فأفضّل عدم إيقاظه".
يشي واقع الحال أن الجوع بات يطارد النسبة الأكبر من السوريين، خصوصاً في ظل غلاء المعيشة، وتدهور الزراعة في البلد الذي يتغنى بأنه بلدٌ زراعي، حيث ارتفعت تكاليف الإنتاج الزراعي إلى درجةٍ هجر فيها الكثير من الفلاحين أراضيهم، وباتوا يشعرون بأن الحكومة تقف ضدهم، وتدعم التجارة واستيراد البضائع من الخارج لأنها مربحة أكثر لجيوب رجال الأعمال المرتبطين بالطبقة الحاكمة، متجاهلين الضرر الجسيم الذي تُلحقه هذه الممارسات بالزراعة والاقتصاد المحلي، ناهيك عن تعيين المسؤولين على أساس الولاء وليس الكفاءة في سياسةٍ امتدّت على نصف قرن من عمر الدولة السورية.
وفي هذا السياق، يقول زارا صالح، الباحث والأكاديمي السوري، الذي ينحدر من القامشلي، والمقيم في برمنغهام: "جرّارات كاتربلر ودراسات جوندير، هي إحدى معالم القامشلي التي ارتبطت بالحداثة وبداية إدخال التكنولوجيا الزراعية إلى المنطقة في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي عبر عائلتي 'أصفر ونجار'. حزب البعث وبعد اغتصابه السلطة في سوريا، وضع يده على أملاك تلك العائلة تحت مسمى 'التأميم والإصلاح الزراعي'، وأوقف تلك المشاريع الزراعية المتطورة آنذاك. عدا عن ذلك، كانت العائلة تقوم بتربية دود القز أيضاً وذلك لإنتاج الحرير الطبيعي وكذلك زراعة الأرز".
وعليه تُعلّق الصحافية السورية شيلان شيخ موسى: "للأسف النظام البعثي السوري كان يقوم طوال العقود الماضية بمنع أي مشاريع أو تطور في المناطق الكُردية، كي تبقى هذه المناطق نائيةً، ولا تتقدم على أي مستوى أو مجال، وهذه كانت سياسةً ممنهجةً من قبل هذه السلطة الهمجية ضد سكان المنطقة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.