شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
موت بطيء وغير مرئي... التلوّث يحاصر السودان جراء الحرب

موت بطيء وغير مرئي... التلوّث يحاصر السودان جراء الحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 23 يوليو 202311:10 ص

إن قُدّر لك أن تتجول في العاصمة السودانية الخرطوم اليوم، فلن ترى إلا الجثث المتحللة والأشلاء والسيارات والآليات المحترقة في شوارع مُدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، فيما ينبعث الدخان من حرائق المصانع ومستودعات المواد البترولية جراء قصفها بالطيران الحربي والقذائف الثقيلة.

لا تقتصر أضرار الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 نيسان/ أبريل الفائت، على العنف الجسدي والجنسي والنزوح وتدمير البنية التحتية، وإنما تتعداها إلى تلوث البيئة الذي بدوره يُسبب أمراضاً قاتلة لا يسلم منها حتى الأجنة داخل بطون أمهاتهم.

يقول الأمين العام لمجلس البيئة الحكومي بشرى حامد إن الغازات المنبعثة من حرق المواد البترولية ومخازن المبيدات الزراعية ومخازن الأسلحة والمواد البلاستيكية، قادت إلى ازدياد تلوث الهواء أكثر من الحد المسموح به، ما يُشكل خطراً كبيراً جداً على الإنسان.

إن قُدّر لك أن تتجول في الخرطوم اليوم، فلن ترى إلا الجثث المتحللة والأشلاء والسيارات والآليات المحترقة.

ويشير في حديثه لرصيف22 إلى أن الغازات ينبغي أن تنبعث وفق نسب محددة، فإذا ازدادت غازات مثل أكسيد الرصاص والنيتروجين والكبريت والكربون عن الحد الأدنى تُسبب أمراضاً قاتلة.

ويوضح حامد بأن تلوث البيئة يتفاقم في ظل عدم وجود رقابة بيئية وصحية، وعدم توفر منظومة علاجية متطورة يمكن أن تقلل من مخاطر تلوث مياه الشرب والري والغذاء.

ويُعاني القطاع الطبي في السودان أساساً من تحديات عديدة بسبب ضعف التمويل الحكومي لعقود، لكن هذه التحديات تحولت لمخاوف من انهياره بسبب تعطل عمل 66% من المستشفيات في مناطق القتال، بسبب القصف والاحتلال والنقص الحاد في الكوادر الطبية والأدوية والمعينات.

ويعمل أطباء متطوعون على تقديم خدمات طبية في مراكز أحياء العاصمة الخرطوم الطرفية، بالتعاون مع ناشطين يجمعون التبرعات لصالح تسيير هذه المراكز.

انتشار الجثث في الطرق العامة لفترات زمنية طويلة مع بدء هطول الأمطار والرطوبة العالية، يُوفر وضعاً مثالياً لتكاثر نواقل الأوبئة والقوارض، ما يعني أن العاصمة الخرطوم بشكل خاص على أعتاب كارثة صحية

"منظومة تلوث متكاملة"

يلفت بشرى حامد إلى أن أسلحة قوات الدعم السريع المستوردة لم تخضع لتفتيش ورقابة عند استيرادها، لذا من المحتمل احتواؤها على غازات أعصاب أو غازات سامة، وذلك على خلاف أسلحة الجيش الذي يفترض أن يفحصها ويصنعها ويستوردها بمواصفات تلتزم بشروط عدم تلوث البيئة.

موت بطيء وغير مرئي... التلوّث يحاصر السودان جراء الحرب

ويبدي المسؤول الحكومي مخاوفه من جرف مياه الأمطار التي بدأت في الهطول هذا الشهر، للجثث المتحللة وبقايا الأسلحة والمواد المحترقة إلى مصادر المياه، إذ سيقود ذلك إلى تلوث مياه الشرب والري والأسماك.

ويؤكد على أن موظفي المجلس الأعلى للبيئة لا يستطيعون مداومة العمل لتقييم المخاطر، نظراً لانعدام الأمن وصعوبة الحركة واحتلال قوات الدعم السريع لمقر المجلس.

واستنكر عدم وجود حكومة أزمة للحد من مخاطر الكوارث على اختلافها، وهذا يتطلب تدخلاً دولياً لحماية البيئة من التلوث، وشدد على أن التلوث لا يقتصر على المناطق الحضرية فقط وإنما في المناطق الريفية أيضاً نتيجة قطع الأشجار وإزالة الغابات وحرق النفايات في ظل عدم الرقابة الحكومية.

ولا توجد حكومة في السودان منذ الانقلاب الذي نفذه قائدا الجيش والدعم السريع في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إذ تُدار الوزارات عبر وزراء مكلفين أو تابعين للحركات المسلحة التي احتفظ قادتها بمناصبهم في الدولة وفقاً لاتفاق السلام المبرم في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

موت بطيء وغير مرئي... التلوّث يحاصر السودان جراء الحرب

ويقول حامد إن التلوث الذي يشهده السودان، خاصة العاصمة الخرطوم، سيؤدي إلى إصابة الملايين بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض الجهاز الهضمي وسرطانات الرئة والدم والطاعون والكوليرا والإسهالات، إضافة إلى تشوهات للأجنة.

تأكيدات لأوضاع مخيفة

أكدت المتخصصة في الوبائيات مشيرة عبد السلام لرصيف22 أن انتشار الجثث في الطرق العامة لفترات زمنية طويلة مع بدء هطول الأمطار والرطوبة العالية، يُوفر وضعاً مثالياً لتكاثر نواقل الأوبئة والقوارض، ما يعني أن العاصمة بشكل خاص على أعتاب كارثة صحية.

التلوث الذي يشهده السودان سيؤدي إلى إصابة الملايين بأمراض الجهازين التنفسي والهضمي.

ولم تستبعد بدء حدوث الكارثة، في ظل ضعف النظام الحالي وعدم الفحص المبكر، واهتمام ملايين الأشخاص بوضعهم الاقتصادي على حساب سلامتهم الجسدية من المقذوفات والرصاص الطائش.

وانتقدت عبد السلام عدم الاستجابة الدولية لتأثيرات الحرب على البيئة، والتي ستؤدي إلى انتشار الأمراض الوبائية المعدية مثل الطاعون والكوليرا، داعية إلى تدخل عالمي لتلافي وقوع الكارثة التي تقول إنها ستنتقل إلى الدول المجاورة بحكم الحركة.

واستطاعت جمعية الهلال الأحمر السوداني في 2 حزيران/ يونيو الحالي، للمرة الأولى والأخيرة، إدارة ودفن 102 جثة من شوارع العاصمة الخرطوم بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ولم تتمكن الجمعية، وفقاً لمشيرة عبد السلام، من الوصول إلى كثير من مناطق الخرطوم لجمع الجثث من الطرق والأزقة، بسبب انعدام الأمن وعدم التزام طرفي القتال بتعهداتهم في تسهيل عمل المنظمات الإنسانية.

وتحدثت عن أن بقاء الجثث في الطرق وتحت الأنقاض فترات زمنية طويلة، يجعلها هدفاً للقوارض والكلاب الضالة والقطط، وهذه الحيوانات تنقل الأمراض إلى الإنسان.

موت بطيء وغير مرئي... التلوّث يحاصر السودان جراء الحرب

"التلوّث سيقود إلى كوارث معقدة"

تقول الأمم المتحدة إن القتال دفع 2.6 مليون شخص للفرار من منازلهم، معظمهم من العاصمة الخرطوم التي يقطنها 8.4 مليون شخص وفقاً لتقديرات حكومية صدرت في خواتيم 2021، فيما تذهب تقديرات أخرى إلى أن عدد سكانها يتجاوز 12 مليون نسمة.

ولم يستطيع ملايين الأشخاص مغادرة العاصمة، نظراً لأوضاعهم الاقتصادية المتردية وتوقف أعمالهم وعدم توفر معينات الحياة في مراكز النزوح المؤقتة في المناطق الآمنة.

حاليّاً، لا شيء يدور في السودان غير المعارك الحربية وانتقال النزاع إلى المناطق الأخرى والنزوح، وشح الغذاء ومياه الشرب وانقطاع الكهرباء لساعات طوال وأحياناً لأيام وأسابيع في بعض الأحياء، فيما لا يولي أحد أي اهتمام بشأن الكوارث البيئية

ويقول الخبير البيئي مدثر عبد السلام إن الوضع البيئي الحرج يتطلب وقف القتال فوراً، لإبعاد السودان عن شبح كارثة وشيكة قد تكون أشد فتكاً من الأسلحة، إذ إن الأمراض المعدية عادة ما تنتقل سريعاً.

ويشدد على أن مؤسسات الدولة قبل الحرب كانت تفتقر إلى إدارات الحد من المخاطر البيئية، ومع توقف عملها بعد اندلاع القتال سيسوء الوضع كثيراً، في ظل اهتمام الجيش والدعم السريع بحسم الخلافات عسكرياً دون أن يضعوا في اعتبارهم أن تلوث البيئة سيقود إلى كوارث مُعقدة.

ويقول الخبير البيئي إسماعيل الجزولي، إن النشاط الوحيد المتعلق بالبيئة هو عملية دفن الجثث بواسطة الهلال الأحمر السوداني، ودون ذلك لا توجد جهود رسمية للحد من المخاطر، بعد تعطل عمل مؤسسات الدولة جراء الحرب.

موت بطيء وغير مرئي... التلوّث يحاصر السودان جراء الحرب

وعلى الرغم من أن الجزولي يحذر من إحراق النفايات في الأحياء السكنية، إلا أن انعدام الأمن يحول دون نقلها إلى المكبات، مما يدفع المواطنين لحرقها لمنع توالد الذباب والبعوض الناقل للأمراض.

وحاليّاً، لا شيء يدور في السودان غير المعارك الحربية وانتقال النزاع إلى المناطق الأخرى والنزوح، وشح الغذاء ومياه الشرب وانقطاع الكهرباء لساعات طوال وأحياناً لأيام وأسابيع في بعض الأحياء، فيما لا يولي أحد أي اهتمام بشأن الكوارث البيئية التي يتخوف المعنيون من تفاقمها إلى حد تصعب السيطرة عليه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image