شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"صفعة أخرى للسيادة الوطنية"… غضب إيراني من روسيا حول الجزر المتنازع عليها مع الإمارات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الخميس 13 يوليو 202302:47 م

لم يمرّ الاجتماع الوزاري السادس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا في 10 من الشهر الجاري بسلام على طهران، فقد طالب البيان الختامي بحلّ قضية الجزر الثلاث في الخليج المتنازع عليها بين إيران والإمارات، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، بالحوار أو الرجوع إلى محكمة العدل الدولية.

ثار ذلك غضب الإيرانيين، فما هو متنازع عليه بين الإمارات وإيران حول السيادة على الجزر تعتبره إيران جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.

لم يكن ذلك جديداً، حيث بدأ مسلسل الإحراجات من قبل حلفاء إيران منذ كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، حين جاء في بيان القمة الصينية الخليجية في الرياض بند تضمّن دعم مساعي دولة الإمارات للتوصل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث.

لم يتوقع النظام الإيراني أن أقرب حلفائه، الصين وروسيا، ينتهكان سيادته على أراضيه خلال فترة وجيزة لم تصل إلى عام. ومنذ يوم الاثنين، 10 تموز/يوليو 2023 حتى الآن لم تنته تداعيات الاجتماع الروسي الخليجي، فالصدمة مستمرة ولم تهدأ التنديدات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية.

ردود الفعل الإيرانية، بين الغاضبة من روسيا والغاضبة من "الاستشراق المتطرف"

"لدى طهران فهم خاطئ من نوعية علاقاتها مع روسيا، حيث تعتقد أن روسيا يمكنها أن تكون حليفتها. تؤدي الحسابات الخاطئة خلال الفترة الانتقالية (في العالم)، إلى التدمير. أن تكون معادية لروسيا وأمريكا أمر خطير بالنسبة لإيران"؛ هكذا تفاعل وزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف مع الحدث، لينصح الحكومة أن تكون لها علاقات متوازنه مع كل القوى العالمية وليس على الجهة الشرقية، الصين وروسيا، فحسب.

ذكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني "أن الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى هي مِلك لإيران إلى الأبد. إصدار مثل هذه التصريحات يتعارض مع العلاقات الودية بين إيران وجيرانها"

أما وزير خارجية السابق والمستشار الدولي للمرشد الإيراني، علي أكبر وِلايَتي فردّ في مقال له على الموقف الروسي من الجزر في الخليج: "وقع بعض الأصدقاء مثل روسيا في نفس الحفرة التي وقعت فيها الصين، معتقدين أن علاقات اقتصادية جيدة مع أبو ظبي ستكون لديهم، عبر تأكيدهم على مطالبة دولة الإمارات غير ذات الصلة حول الجزر الثلاث. هذا الإجراء من موسكو هو من نوع البساطة التي شوهدت في بعض الأحيان من الروس".

بدوره طالب محسن رضائي، قائد الحرس الثوري الأسبق، الروسَ بتصحيح موقفهم، محذراً: "لتعرفْ روسيا والصين وأمريكا وبريطانيا أن إيران لا تعود إلى العصر القاجاري والبهلوي -الحكمان الملكيان اللذان حكما إيران في القرون الـ18و19و20-. الجمهورية الإسلامية تدافع بكل قوتها عن أراضيها وحقوقها وأمنها. علاقتنا معهم (الروس) لا تقوم على الضعف، ولا يحق لأحد أن يستغل العلاقات الثنائية".

بينما ذكر مساعد وزير الخارجية الإيراني رسول موسوي أن إيران بإمكانها أن تستفيد من منظمة شنغهاي للتعاون، حيث ينص ميثاقها على الدول الأعضاء احترامَ سيادة الدول ووحدة أراضيها، فتطالب الروس بإعادة النظر في مصاحبة بيان دول الخليج.

واستدعت الخارجية الإيرانية أمس الأربعاء 12 تموز/يوليو 2023، السفيرَ الروسي لدى طهران، وأبلغته احتجاجَ إيران الرسمي على ما ورد في البيان الختامي لوزارء خارجية روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. 

وأكد مساعد الوزير ومدير إدارة الخليج في الخارجية علي رضا عنايتي للسفير الروسي على مِلكية إيران الأبدية للجزر الثلاث، مطالباً بتصحيح موقف الاتحاد الروسي تجاه هذا الأمر.

وذكر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني "أن الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى هي مِلك لإيران إلى الأبد. إصدار مثل هذه التصريحات يتعارض مع العلاقات الودية بين إيران وجيرانها".

أما وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان فغرد من إفريقيا التي يزورها حالياً برفقة الرئيس الإيراني: "إننا لن نجامل أحداً بشان سيادة ووحدة الأراضي الإيرانية".

جاءت تغريدة الوزير كالتي دونها بعد الموقف الصيني من الجزر الثلاث في نهاية عام 2022، أي لم يذكر فيها عبد اللهيان اسم روسيا، مكتفياً بكلمة "الطرف"، فعاد التفاعل السلبي والساخر معها ومنها.

"ما هي المصلحة التي تبرر عدم إدراج اسم روسيا في التغريدة؟"؛ هكذا ردت الصحافية سارا معصومي. وتساءل الباحث السياسي محمد رَهْبَر: "ألا يجاملون حقاً؟"، تلميحاً إلى تأكيد الوزير على عدم المجاملة، بينما لم يأت ذكر روسيا في مدونته.

وقال الدبلوماسي السابق كُوروش أحمدي إن روسيا ذهبت إلى ما هو أبعد مما جاء في البيان الصيني الخليجي، فبينما لم تقبل الصين في ذلك البيان بالإشارة إلى محكمة العدل الدولية، أحالت موسكو موضوعَ الجزر الثلاث إلى المحكمة، بناءً على طلب الإمارات.

لم يكن ذلك جديداً، حيث بدأ مسلسل الإحراجات من قبل حلفاء إيران منذ كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، حين جاء في بيان القمة الصينية الخليجية في الرياض بند تضمن دعم مساعي دولة الإمارات للتوصل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث.

كما انتقد الخبير السياسي الإصلاحي أحمد زيد آبادي، الحكومةَ، في مقال جاء فيه: "لسوء الحظ، ليست السلطات الإيرانية على دراية بمتطلبات سياسة خارجية صحيحة ومتوازنة توفر المصالح الوطنية للدولة، ومن خلال اتباع سياسة معادية تجاه الغرب، فقد اضطرت إلى دفع فدية لروسيا والصين".

من جانبه علق حميد أبو طالبي، وهو مساعد الشؤون السياسية في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، على هذا الموضوع في مدونة حملت عنوان "الاستشراق المتطرف والسيادة الوطنية"، قال فيها: "بعد الضربة التي وجهتها الصين لسيادة إيران الوطنية منذ أشهر بشأن هذه الجزر، ومحاولتها خفض التوتر بالوساطة بين إيران والسعودية وإعطاء ضمانات في العلاقات، لم يكن هذا الموقف مستبعداً أيضاً من روسيا التي ارتكبت خيانات لا تُغتفر ضد الشعب الإيراني لعقود طويلة، ناهيك عن تقسيم أجزاء مهمة من البلاد".

وأضاف أبو طالبي: "برغم السياسة العدائية التي تبنتها موسكو مقابل إيران، فقد خسرنا فرصة إحياء الاتفاق النووي بسبب الحيل الروسية، ووقعنا في فخ حربها مع أوكرانيا لنحقق بذلك رغبتها القيصرية ونحررها من عزلة العقوبات العالمية، ونظهر لهم سُبلَ تجنب هذه العقوبات، لتأتي هي في نهاية المطاف وتقدم صفعة أخرى لسيادتنا الوطنية!".

كما قال المدير العام السابق للشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية، قاسم مُحب علي: "هذا الموقف الروسي يعود إلى السياسة الإيرانية غير المتوازنة مع الغرب والشرق. وعلى ما يبدو إن أصدقاء إيران (الصين وروسيا) يهتمون بمطالب منافسي إيران أكثر مما يهتمون بمطالب ومصالح حليفتهم وصديقتهم إيران".

وأضاف: "الروس يرون أن سياسات إيران لا فائدة منها ولا قوة لها، ومتأكدون من أن إيران لن تردّ على أي موقف يتخذونه. كما أنهم متأكدون من أن موقف إيران من التبت وتايوان لن يتغير، لكنهم قلقون حيال الدول العربية". 

برلمانياً، صرح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، وحيد جلال زاده: "أقول لأصدقائنا في روسيا إن مهامنا واضحة تجاه الادعاءات غير الموثقة والملفقة للإماراتيين بشأن الجزر الإيرانية، لكن المواقف غير ذات الصلة ضد إيران في موسكو لا تصب في مصلحة العلاقات الثنائية. دعم إيران لموسكو مشروط ". 

وإعللامياً، تصدّر البيان المشترك لمجلس التعاون وروسيا الداعم لموقف الإمارات من الجزر الثلاث الإيرانية عناوين الصحف ووسائل الإعلام في إيران. كتبت صحيفة "هَم ميهَن" الإصلاحية: "بعد الصين، حان دور روسيا اليوم لدعم مواقف مجلس التعاون الخليجي بشأن جزر إيران الثلاث، لتتجاهل بشكل تام مصالحها المشتركة مع إيران. فنظراً إلى التقارب الإيراني الروسي، كان من المتوقع ألا تشكك موسكو بوحدة أراضي إيران".

وأضافت الصحيفة أن "الجزر الإيرانية الثلاث جزء لا يتجزأ من أراضي إيران، وبموجب القانون والأعراف الدولية، فإن أي مفاوضات أو تحكيم دولي بشأن وحدة أراضي الدول يعد مخالفاً للقانون الدولي. علماً أن بريطانيا هي التي احتلت هذه الجزر بعد أن سيطرت على منطقة الخليج، ومع انسحاب القوات البريطانية عام 1971 تمكنت إيران من استعادة السيطرة على جزرها".

كما أكدت صحيفة "شرق" الإصلاحية  أن "روسيا ليست حليفة استراتيجية موثوق بها لأنها أثبتت لمرات عديدة أنها تستطيع تجاوز التعاون التكتيكي القائم على مصالحها الوطنية وأحياناً تتخذ خطوات مختلفة، بل متعارضة أيضاً مع مصالح الجهات الفاعلة الأخرى".

وكتبت صحيفة "دنياي اقتصاد" المعتدلة: "يجب علينا تحديث استراتيجياتنا والتكيف مع الظروف الجديدة في ما يتعلق بالمجال الإقليمي. فقضية حساسة مثل الجزر الثلاث، والتي كانت نقطة خلاف بين إيران والإمارات ودول أخرى من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ستتحول من قضية إقليمية إلى قضية بين قوى كبرى مع دخول روسيا والصين على خط المواجهة".

جزر إيرانية أم إماراتية؟

أعلنت إيران السيادة على الجزر الثلاث 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1971، قبل أن تنال الإمارات المتحدة العربية استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ما زالت الإمارات تطالب بإرجاع جزرها حسب قولها، لكن إيران تؤكد أن ملكيّتها للجزر غير قابلة للنقاش.

وتؤكد دولة الإمارات تبعيةَ الجزر لها، وتقول إن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى تتعلق بإمارة رأس الخيمة، وجزيرة أبو موسى متعلقة بإمارة الشارقة. كما تحظى الجزر الثلاث بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لأسباب مختلفة، منها إشرافها على مضيق هرمز الذي يمرّ عبره يومياً 40 بالمئة من نفط العالم، وبالتالي من يسيطر على الجزر قادر بالتحكم إلى حد كبير بحركة الملاحة في مياه الخليج.

في أيلول/سبتمبر 2022، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية إصدار سندات مِلكية رسمية خاصة بجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وقالت إن الجزر الثلاث باتت في الدوائر العقارية الإيرانية باعتبارها أراضيَ مملوكة للدولة ضمن سندات تمليك رسمية وقانونية.

وفي أيار/مايو 2021، قال قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني العميد علي رضا تَنْكسيري إن إيران تعتزم إنشاء مساكن في الجزر المتنازع عليها مع الإمارات، وخلق فرص عمل فيها، لتكون هذه الجزر مسكونة، وذلك بناءً على إيعاز من المرشد الأعلى علي خامنئي.

خلفية العلاقات الروسية الإيرانية

تحمل الذاكرة الإيرانية حيال روسيا كثيراً من التشائم. من وجهة نظر التيار الإصلاحي في ما يخص التقارب والتعاون العميق، فالأمر مشكوك فيه، نظراً إلى الموافقات الروسية على عدد من قرارات مجلس الأمن ضد إيران. وفي سوريا تتباين مواقفهما، برغم دعمهما المشترك لنظام الأسد، بالإضافة إلى إفساح موسكو المجال لإسرائيل لاستهداف إيران.

بينما يتشبث التيار المحافظ بالعلاقات الوطيده مع الاتحاد الروسي، بناءً على مباركة من المرشد الإيراني الذي تربطه بالرئيس فلاديمير بوتين علاقاتُ صداقة حسنة.

أعلنت إيران السيادة على الجزر الثلاث في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1971، قبل أن تنال الإمارات المتحدة العربية استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط. ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن ما زالت الإمارات تطالب بإرجاع جزرها

لم يكن هذا الاحتجاج والتنديد حيال المواقف والأفعال الروسية بالجديد على منصات التواصل الاجتماعي بإيران، فعقب زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى روسيا في كانون الثاني/يناير 2022، تداول الرواد مقاطع فيديو متعددة من مراسم استقبال رئيسي في المطار والمسافة بينه وبين بوتين في قصر الكرملين، وكذلك طريقة دخوله إلى اجتماعه مع بوتين، حيث انتقد العديد من المستخدمين على الشبكات تدني مستوى البروتوكول، ووصفوه بـ"المُهين". کما تم تداول انتقادات من طريقة جلوس بوتين مع الرئيس الإيراني.

كذلك تسببت صورة لسفيري روسيا وبريطانيا لدى طهران في أغسطس/آب 2021، في استدعاء الخارجية الإيرانية للدبلوماسيين وتقديم احتجاج رسمي لهما. الصورة نشرتها السفارة الروسية في طهران على صفحتها عبر تويتر، وهي تجمع بين السفيرين جالسين في البهو الخارجي للسفارة. وتحاكي هذه الصورة صورةً شهيرة التقطت إبان الحرب العالمية الثانية لكلّ من رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ورئيس الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين.

تعود الصورة القديمة تحديداً إلى عام 1943، حين كانت إيران تخضع لاحتلال مشترك من بريطانيا والاتحاد السوفياتي. ووصف وقتذاك وزيرُ الخارجية الإيراني جواد ظريف، الصورةَ الجديدة بأنها "غير لائقة تماماً. الشعب الإيراني أظهر أن مصيره لا يمكن أبداً أن يرتهن بقرارات يتم اتخاذها في سفارات أجنبية أو من قبل قوى أجنبية".

وفي عام 1943 التقطت صورة في نفس المكان بالبهو الخارجي للسفارة الروسية في طهران لكل من ستالين وتشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت حيث التقى الثلاثة لأول مرة فيما عُرف بمؤتمر طهران، والذي شهد اتفاق القادة الثلاثة على غزو نورماندي تمهيداً لإنزال الهزيمة بالقوات النازية الألمانية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard